الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع وأفاق تطور العلاقات العراقية - السعودية

مصطفى كامل الدراجي

2020 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


المقدمة.

تكتسب العلاقات العراقية السعودية اهمية كبيرة في منطقة الشرق الاوسط
1- لعدة اعتبارات ،منها هناك صراع استراتجي إقليمي في المنطقة بين المملكة العربية السعودية وايران وتركيا، و العراق احد ساحات لهذا الصراع ،وبسبب ذلك تسعى كل دولة الى إستمالة العراق اليها من اجل تامين عمقها الاستراتيجي
2- وهناك صراع بين الولايات المتحدة الامريكية وايران حول ملفات عدة أهمها البرنامج النووي ،والبرنامج الصاروخي ، ونفوذها في بعض دول الشرق الاوسط ومنها العراق، وكلا الدولتين تسعى الى استماله بعض الدول الاخرى الى جانبها وعزلها عن الطرف الاخر
3- ايضاً رغبة المملكة بإعادة العراق الى الحاضنة الخليجية العربية سعياً منها الى خفض وتيرة العلاقات العراقية الايرانية وتداركاً لاخطاء ابعاد العراق عن محيطة العربي الخليجي مما فسح المجال الى ايران بعد عام 2003حسب رؤيتها،
4- وسعي العراق الى الانفتاح على محيطة الاقليمي وعدم الانضمام والتخندق مع اي محور من المحاور المتصارعة في الشرق الاوسط، وادراك الدول المجاورة ان العراق يمتلك اقتصاد قوي اذ ما اعاد ترتيب نفسه ،وقوة بشرية كبيرة ،وثقل حضاري ، كل هذه المعطيات تجعل العراق بالمستقبل قوة اقليمية مهمة ،وقطب فعال في الشرق الاوسط له الاثر الكبير في حسم الكثير من الامور،و من ثم ان هذه المعطيات بشكل مباشر او غير مباشر تجعل من العلاقات العراقية السعودية والتنبؤ بمستقبلها محط اهتمام الباحثين الان اكثر من اي وقت مضى.
تاريخياً لم تكن العلاقات العراقية السعودية على وتيرة واحدة، إذ تميزت بعدم الاستقرار وتراوحت مابين الصراع الفكري الى الاتفاق والسكينة ،والى مرحلة العلاقات قوية جدا في حقبة الثمانينيات ، ومن ثم الى القطيعة في مرحلة التسعينيات ،و الى التوجس والحذر بعد تحرير العراق 2003،و لكل مرحلة من مراحل العلاقات العراقية السعودية هناك مجموعة من المؤثرات او العوامل التي تحكم تلك العلاقة نابعة من مصالح الدول التي فرضتها عليها البيئة الداخلية الاقلمية والدولية لتلك الدولة ،وهذه العوامل هي الحاكمة لطبيعة العلاقة بين البلدين، وفي هذه الفترة تحكم العلاقة بين البلدين عدة عوامل منها طبيعة علاقة العراق بايران، والصراع الامريكي الايراني، وعلاقة المملكة العربية السعودية مع ايران، وزيادة وتيرة العلاقات الاقتصادية بين البلدين العراق والمملكة ،وانشغال الصف الخليجي بالصراع الخليجي القطري ،وطبيعية السياسة الخارجية العراقية التي اتسمت بالوسطية والاعتدال والتي تسعى للانفتاح على جميع الدول ولاسيما دول الخليج العربي .
و في هذه الفتره تشهد العلاقات العراقية السعودية تحسناً ملحوظاً منذ وصول الملك سلمان الى الحكم في المملكة العربية السعودية ،رافقه وصول رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي وتطبيق نهج جديد في السياسية الخارجية تميز الانفتاح على دول الجوار والوسطية والاعتدال وعدم التخندق في محاور الشرق الاوسط ،وهو ما تحذو حذوه رئاسة الوزراء الحالية برئاسة عادل عبد المهدي.
وفقاً لذلك تأتي هذه الدراسة لتسلط الضوء على العلاقات العراقية السعودية ،ولفهم طبيعة واسباب عدم استقرارها ،والعوامل المؤثر فيها الان ،وما طبيعتها في المستقبل ،ومن اجل معرفة ذلك لابد من البحث في التساؤلات الأتية .
ماهي المراحل التي مرت بها العلاقات العراقية – السعودية؟
ماهي طبيعة العلاقات الاقتصادية العراقية – السعودية ؟
ماهي معوقات العلاقات العراقية – السعودية؟
ما مدى اهمية تنمية العلاقات العراقية – السعودية ؟
ما هو الخيار الاستراتيجي العراقي تجاه السعودية ؟
ما هو مستقبل وافاق العلاقات العراقية – السعودية؟

اولاً: مراحل تطور العلاقات العراقية السعودية.

لم تكن العلاقات العراقية السعودية على وتيرة واحدة بل مرت بعدة مراحل ما بين العداء والقطيعة والصداقة والتعاون، و ان عدم الاستقرار في تلك العلاقة كان نتيجة عدة عوامل داخلية وخارجية مؤثرة في سلوك البلدين ، و من ابرز المراحل التي مرت بها العلاقة بين البلدين تقسم إلى التالي:-

المرحلة الاولى : مرحلة تأسيس الدولتين ( العراق - المملكة العربية السعودية).

تميزت العلاقات بين العراق والسعودية بطابع الصراع منذ ظهور الدولتين إلى حيز الوجود في أوائل القرن الماضي، وقد لعبت عوامل تاريخية وسياسية وإيديولوجية دوراً مهماً في ان تطبع العلاقات بين البلدين الاكبر مساحة وسكان في المشرق العربي بطابع العداء، فقد نشأت المملكة العربية السعودية أساساً من توحيد مناطق نجد في العام 1904 والحجاز وعسير وحائل باستعمال القوة العسكرية من قبل عائلة ال سعود ،ولما كان الحجاز ﻳﺣﻛﻡ ﻣﻥ ﻗﺑﻝ ﺍﻟﺷﺭﻳﻑ ﺣﺳﻳﻥ ﺑﻥ علي ﻭﺍﻟﺩه ﺍﻟﻣﻠﻙ ﻓﻳﺻﻝ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻠﻙ ﺍﻟﻌﺭﺍﻕ ﻭﻣﻥ ﺛﻡ ﺍﻟﻣﻠﻙ ﻋﻠﻲ ﺷﻘﻳﻕ ﺍﻟﻣﻠﻙ ﻓﻳﺻﻝ ﺍﻟﺫﻱ ﻁﺭﺩﻩ ﺍﻟﺳﻌﻭﺩﻳﻭﻥ ﻣﻥ ﺍﻟﺣﺟﺎﺯ ﻭﺍﺳﺗﻭﻟﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﻣﻠﻛﺗﻪ ﻭﺑﻘﻲ ﻻﺟﺋﺎً ﻟﺩﻯ ﺃﺧﻳﻪ ﺍﻟﻣﻠﻙ ﻓﻳﺻﻝ ﺣﺗﻰ ﻭﻓﺎﺗﻪ ﻓﻘﺩ ﺍﻧﻌﻛﺱ ﺫﻟﻙ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻳﻥ ﺍﻟﺑﻠﺩﻳﻥ ﺍﻟﺗﻲ ﺍﺳﺗﻣﺭﺕ وزادت سوءاً بعد قيام ( حركة الاخوان) الوهابية بغارات على العشائر والمدن العراقية الجنوبية لاسيما النجف وكربلاء،اذ كانت القوات البريطانية آنذاك تتصدى لتلك الغارات التي استفحلت واصبحت تهدد أمن العراق ومواطنيه،وقد حاول البلدان فيما بعد حل بعض المشاكل العالقة بينهما من خلال عقد عدد من الاتفاقيات مثل معاهدة المحمرة عام 1922 وبروتوكول العقير الملحق بها لتنظيم العلاقات التجارية بين البلدين وحقوق الرعي بين القبائل القاطنة على الحدود المشتركة بينهما ،كما وقع كل من الملك فيصل الاول والملك عبد العزيز بن سعود (1902- 1953) في 24 اشباط1930 معاهدة صداقة نتج عنها تبادل التمثيل الدبلوماسي . وتنظيم الحدود والتعهد بمنع الاعتداء بين العشائر ،واعقبها في نيسان عام 1936 توقيع الدولتين على معاهدة الاخوة العربية والتحالف ،وكانت ذات طابع دفاعي مشترك ،وفي أيار عام 1931 عقدت معاهدة ثالثة بينهما تتعلق بتبعية العشائر بينهما وكذلك تنظيم شؤون الرعي وموارد المياه .
من ﺟﺎﻧﺏ ﺁﺧﺭ ﻓﻘﺩ ﺍﺳﺗﻣﺭ ﺍﻟﺗﻧﺎﻓﺱ ﺑﻳﻥ ﺍﻟﺑﻠﺩﻳﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻳﻣﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﺿﻊ ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻣﻧﻁﻘﺔ ﺍﻟﻣﺷﺭﻕ ﺍﻟﻌﺭﺑﻲ ﻻﺳﻳﻣﺎ ﻓﻳﻣﺎ ﻳﺗﻌﻠﻕ ﺑﺎﻟﻘﺿﻳﺔ ﺍﻟﻔﻠﺳﻁﻳﻧﻳﺔ ﻭﺍﻟﻭﺿﻊ ﻓﻲ ﺳﻭﺭﻳﺎ ﻭﻟﺑﻧﺎﻥ ﺭﻏﻡ ﺍﻟﺗﻧﺳﻳﻕ ﺍﻟﺫﻱ ﻛﺎﻥ ﻛﻝ من ﺍﻟﻌﺭﺍﻕ ﻭﺍﻟﺳﻌﻭﺩﻳﺔ ﺑﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻳﻪ ﺃحياناً ﻻﺳﻳﻣﺎ ﻋﻧﺩﻣﺎ ﻳﺗﻌﻠﻕ ﺍﻷﻣﺭ ﺑﻣﺳﺎﺋﻝ ﻣﺻﻳﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ ﻣﺛﻝ ﺇﻧﺷﺎء ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ۱۹٤٥ ﺍﻟﺗﻲ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺭﺍﻕ ﻭﺍﻟﺳﻌﻭﺩﻳﺔ ﻣﻥ ﺃﻋﺿﺎﺋﻬﺎ ﺍﻟﻣﺅﺳﺳﻳﻥ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺣﺭﺏ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ ﺍﻹﺳﺭﺍﺋﻳﻠﻳﺔ في العام ۱۹٤۸ﺍﻟﺗﻲ ﺍﺷﺗﺭﻛﺕ ﻓﻳﻬﺎ ﻛﻠﺗﺎ ﺍﻟﺩﻭﻟﺗﻳﻥ ﺭﻏﻡ ﺃﻥ ﻣﺷﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﺳﻌﻭﺩﻳﺔ ﻛﺎﻧﺕ ﺭﻣﺯﻳﺔ اكثر ﻣﻧﻬﺎ ﺣﻘﻳﻘﻳﺔ ﻛﻣﺎ ﺑﺭﺯ ﺍﻟﺗﻧﺳﻳﻕ ﺃﻳﺿﺎً ﻓﻳﻣﺎ ﻳﺗﻌﻠﻕ ﺑﺎﻟﻌﺩﻭﺍﻥ ﺍﻟﺛﻼﺛﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺻ� ﺍﻟﺫﻱ ادانته الدولتان ايضاً.

كما نسق البلدان مواقفهما في اثناء وبعد حرب اكتوبر 1973 اذ أعلن البلدان خفض أنتاجها من النفط وايقاف تصديره للدول التي تساند اسرائيل ،ولكن هذا الامر كان مؤقتاً على ارض الواقع واشتراك العراق في الحرب في حين اكتفت السعودية بالدعم المادي والعسكري لمصر وسوريا.
وبعد الحرب اخذ التعاون بين العراق و السعودية يتطور وبلغ التنسيق و وحدة الموقف اعلى مراحله في القمم العربية ابتداءً بقمة الرباط العام 1974 التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعياً وحيدا للشعب الفلسطيني ثم في قمة بغداد العام 1978 التي قررت عزل مصر و وقف العلاقات معها بعد زيارة الرئيس انور السادات إلى القدس عام 1977 و التي أعقبها توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 حتى بدى المحور العراقي السعودي اقوى المحاور في النظام الاقلمي العربي وهو الذي يؤثر في سياسات و مواقف بقية الدول العربية الاخرى في ما يتعلق في الصراع العربي الاسرائيلي .


المرحلة الثانية : العلاقات العراقية - السعودية حقبة الثمانينيات (الحرب العراقية - الايرانية)

اما طبيعة العلاقات بين البلدين في حقبة الثمانينيات أي بداية الحرب العراقية الايرانية ،فقد وقفت السعودية بالحياد كموقف رسمي معلن، الا انها قد دعمت العراق في حربه دبلوماسياً و مالياً و اعلامياً، لان الحرب مثلت لها فرصة في احتواء مد الثورة الاسلامية في ايران 1979، اما موقفها الاستراتيجي فقد تمثل بعدم تقديم الدعم الكبير للعراق و بقاء الصراع الايراني العراقي اطول مدة ممكنه من اجل استنزاف الطرفين وتسيد منطقة الخليج كقوة اقتصادية وسياسية و عسكرية، وبالفعل حولت السياسة الخارجية السعودية على نحو فرض الهيمنة على دول شبه الجزيرة العربية ( الكويت، البحرين، قطر، الامارات، عمان) في محاولة لخلق ثقلاً يمكنها من مواجهة كل من العراق وايران، وتجسد هذا التوجه في تاسيس مجلس التعاون الخليجي في العام 1981 وعلى الرغم من المشتركات العديدة بين العراق ودول الخليج و مشاركة العراق في العديد من التنظيمات الخليجية التي سبقت قيام المجلس الا ان العراق لم ينضم إلى تلك المنظمة، والسبب هو راي المملكة العربية السعودية التي ترى ان بنية العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية مختلفة عن دول مجلس التعاوني الخليجي الست .
على الرغم من ان العراق كان منسجماً مع دول الخليج اجتماعياً وسياسياً وكان مشترك قبل تأسيس المجلس بمعظم المؤسسات المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي مثل اتحاد الاذاعة والتلفزيون الخليجي،لكن تم انشاء المجلس دون ادخال العراق كعضو فيه ،ويرى بعض ألمتتبعين لمجلس دول التعاون الخليجي ان انشاء المجلس جاء لتحقيق عدة اهداف كانت السعودية تطمح الى تحقيقها منها احتواء الخليج تحت مظلتها الاستراتيجية ،ابعاد دول الخليج عن الصراع الايراني العراقي، الهاء واضعاف العراق كقوة إقليمية كبيرة صاعدة مسيطرة على الخليج العربي او مزاحمه للمملكة في سيطرتها على الخليج بحربه مع ايران وتقديم الدعم اليه من اجل استمراره بالحرب وأنهاك العراق عسكرياً و قتصادياً، ومحاصرة واحتواء التأثير الايراني اقليمياً.

وبعد تطور العمليات العسكرية في صالح ايران منذ منتصف عام 1980 بدأت المملكة تتخذ مواقف اكثر وضوحاً وايجابية من تلك الحرب ويتضح ذلك من خلال تصريح الأمير نايف بن عبد العزيز حينما ذكر قائلاً : ( بأن الصراع مع ايران ليس مجرد حرب قائمة بين العراق و ايران ، انما هي اطماع هدفها السيطرة على الجانب العربي المقابل للشاطئ الايراني ، بدءاً بالبحرين وانتهاءاً بكل دول المنطقة من أجل خلق نظم موالية له ). وأخذت السعودية مواقف أبعد من تلك عندما اقدمت على تبني قرار يدين ايران في ايار 1984 في أجتماع غير اعتيادي لجامعة الدول العربية بسبب احتلال ايران لجزيرة مجنون العراقية في شباط 1984 ، فضلاً عن أتخاذها مواقف متشددة ضد ايران بعد تكثيف هجماتها ضد السفن والناقلات السعودية والكويتية ، وبعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية استمر التعاون بين البلدين في اقصى مستوياته وتوج بالزيارة التي قام بها الملك فهد بن عبد العزيز إلى العراق في 23 مارس 1989 والتي تعد الاولى من نوعها بعد نجاح ثورة 1958 والتي تم فيها التوقيع على اتفاقية رسم الحدود بين البلدين واتفاقية عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ويمكن القول ان توقيع هذه الاتفاقيات كان يعكس عدم ثقة السعودية بالعراق من جهة ومحاولة العراق طمأنة السعودية من جهة اخرى والتي شعرت ان انشاء مجلس التعاون العربي في شباط عام 1989 بين العراق و مصر والاردن واليمن كان محاولة لعزل السعودية وتطويقها من شمالها وجنوبها ولذلك سعى العراق إلى طمانة السعودية بان لا خطر على امنها من جانب العراق .

المرحلة الثالثة: العلاقات العراقية – السعودية حقبة التسعينيات (دخول الجيش العراقي إلى الكويت).

بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية عام 8/8/1988خرج العراق بقدرات عسكرية هائلة وشكل هذا العامل مخاوف حقيقة من توظيف العامل العسكري العراقي في أي نزاع محتمل مع السعودية، لذلك سارعت المملكة إلى عقد اتفاقيتين (عدم اعتداء وتنسيق امني) بين العراق والسعودية اذ كانت الاتفاقيتان تقضيان بعدم استعمال القوة في العلاقات بين البلدين وعدم تدخل أي منهما في الشؤون الداخلية للبلد الاخر، ويمكن القول ان هاتين الاتفاقيتين عكستا الشعور السعودي بعدم الثقة بالحكومة العراق.
وعندما اندلعت شرارة الازمة العراقية الكويتية فيما يتعلق بالالتزام بالحصص التصديرية للنفط الكويتي ومطالبة الكويت باسترجاع ديونها المترتبة على العراق، حاولت السعودية التوسط بين العراق والكويت اذ ارسل الملك فهد وزير الخارجية السعودي الملك فيصل إلى بغداد محاولة لنزع فتيل الازمة ، وبعد ذلك اعد الملك فهد لقاء قمة بين العراقيين والكويتيين في جدة، لكنهم لم يتوصلوا إلى حل ينهي الازمة بين الطرفين .
وبعد اجتياح القوات العراقي للكويت في 2/8/1990 ،وقفت المملكة العربية السعودية الى جانب الكويت واحتضنت العائلة الحاكمة الكويتية على اراضيها واستقبلت الكثير من الكويتيين الفارين من القوات العراقي ووافقت السعودية على تواجد قوات التحالف الدولية في منطقة حفر الباطن في السعودية على الحدود الكويتية في مقدمة لإخراج القوات العراقية من الكويت ،وفي مقابل ذلك اطلق النظام العراقي دعوة الجهاد لإنقاذ مكة وقبر الرسول ( ص) من الاحتلال الاجنبي ، وردت المملكة العربية السعودية على ذلك بإصدار فتاوي تقر بالسماح للقوات الاجنبية للدفاع عن البلاد ودعوة القوات الاجنبية للحفاظ على المملكة لعدم وجود قوات اسلامية كافية .
وازاء تلك الاحداث وصلت العلاقات العراقية – السعودية الى قمة تدهورها وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، واصبحت السعودية قاعدة الانطلاق لقوات التحالف الدولي التي تسعى إلى تحرير الكويت وبذلك قامت المملكة بتقديم جميع التسهيلات اللوجستية لتلك القوات .

وعلى الرغم من الموقف السلبي السعودي تجاه العراق بسبب الاجتياح الإ أنه لوحظ ان السعودية أخذت ابتداءً من العام 1995 تخفف من تشددها فيما يتعلق بالعراق ورغم عدم اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الإ أن العلاقات الاقتصادية بدأت بالتحسن فقد قام العراق باستيراد انواع متعددة من البضائع من السعودية طبقا لبرنامج النفط مقابل الغذاء الذي طبقته الامم المتحدة منذ عام 1996 بل ان المملكة أخذت تعامل الحجاج العراقيين معاملة خاصة بسبب اوضاعهم الاقتصادية السيئة حتى أن الملك فهد بن عبد العزيز عرض أن يقوم شخصيا بدفع نفقات الحجاج الذين لم يستطيعوا دخول الاراضي السعودية في العام 1998 الإ أن العراق رفض هذا العرض واعاد الحجاج ،وقد عملت المملكة العربية السعودية منذ العام 2000 على انتهاج سياسة التمهيد لتحسين علاقتها مع العراق والسعي لتحسين علاقة البلدان الخليج والعربية بالعراق .

المرحلة الرابعة: حقبة ما بعد تغير النظام العراقي عام 2003.

تعاملت السعودية مع الوضع الجديد في العراق بعد عام 2003 بشكل يجابي بحيث دعمت للوهلة الاولى العراق بنظامه السياسي الجديد بشكل رسمي في عقد أول مؤتمر للمانحين بشأن العراق في العاصمة الإسبانية مدريد المنعقد بتاريخ أكتوبر/تشرين الأول 2003 ، شاركت فيه اكثر من 70 دولة بالإضافة إلى عدد من المنظمات الدولية والهيئات غير الحكومية قدمت فيه المملكة مع الامارات والكويت اكثر من 2.2 مليار دولار ،فضلاً عن قيام المملكة العربية السعودية بتدعيم حدودها مع العراق من أجل عدم عبور المتسللين الى العراق كجزء من سياستها في محاربة الارهاب ،وعلى الرغم من أن السعودية أبدت دعمها في بادئ الامر الإ أنها بقيت مترددة وغير متفاعلة مع الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاطاحة بنظام البعث ، فبعد تشكيل مجلس الحكم في 12تموز في العام 2003 كانت السعودية مرحبة بالتطور السياسي في العراق ، وقد تجلى هذا التأكيد في زمن الحكومة المؤقتة برئاسة اياد علاوي والذي قام بزيارة السعودية في 27 تموز 2004 للمرة الأولى، وتكررت الزيارات بعدها اكثر من مرة كما انه يملك علاقات واسعة مع امرائها وبعض أجهزتها الحكومية ، حيث لم تترجم هذه العلاقة على ارض الواقع بدعم حقيقي لحكومة اياد علاوي (2004-2005) بالرغم من تناقل وسائل الاعلام في ذلك الوقت لخبر تأييد المملكة العربية السعودية للعراق ودعمه اقتصادياً على شكل استثمارات ، الإ أن شيئاً من ذلك لم يحصل ، ولم تتفاعل ايضاً مع الرئيس العراقي السابق غازي الياور.

و في فترة الحكومة الانتقالية التي شكلت في 28نيسان 2005، وبترأس الحكومة رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري (2005-2006) ازداد الأمر تعقيداً خاصة بعد رفض المملكة استقبال الحجاج العراقيين وما شهدته تلك المدة من تصعيد اعلامي من قبل الاعلام الرسمي السعودي ضد الجعفري وحكومته ،و لكن عند اجراء أول انتخابات نيابية لانتخاب اعضاء الجمعية الوطنية ومجالس محافظات العراق في الثلاثين من كانون الثاني/يناير 2005 اشادت المملكة العربية السعودية بنجاح الانتخابات العراقية معتبرة انها تشكل خطوة مهمه للشعب العراقي لاستعادته لكامل سيادته واستقلاله ،قالت المملكة في بيان لها انذاك: (تهنئ المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا العراق الشقيق على نجاح العملية الانتخابية ،وأضافت ان الانتخابات تعتبر خطوة مهمة في مسيرة الشعب العراقي السياسية نحو استعادته لكامل سيادته واستقلاله ، وتابعت ونأمل ان تؤدي نتائج الانتخابات العراقية الى تحقيق المصالحة الوطنية التي تضمن وحدة واستقلال البلاد ،وعد عبد العزيز الفايز عضو مجلس الشور السعودي : (ان الانتخابا العراقية خطوة ايجابية تساهم في الاستقرار السياسي في العراق) .

و بعد تشكيل نوري المالكي الحكومة العراقية الجديدة في ايار (2006 – 2014) قام بزيارة السعودية في اوائل تموز عام 2006 في محاولة لبدء صفحة جديدة من العلاقات الإ أن زيارته لم تضع حلولاً للمسائل العالقة بين البلدين بالرغم من اعلان المملكة خلال المباحثات عن دعمها لمشروع المصالحة الوطنية سياسياً واقتصادياً حيث أكد العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن السعودية ستدعم العراق في شتى المجالات ،فيما أكد المالكي أنه أنتق مع القيادة السعودية لبدء اجراءات التمثيل الدبلوماسي مؤكداً ان العلاقات العراقية - السعودية تؤسس الى واقع جديد يخدم مصالح البلدين وشعبيهما ويدعم مواقفهما المشتركة كما قام العراق بدراسة مسودة اتفاقية قدمها الجانب السعودي لتحديد أطر التعاون المستقبلي بين البلدين .
وعلى الرغم من أن العراق أعاد فتح سفارته في الرياض في العام 2009 وتم اعتماد (غانم الجميلي) سفيرا لدى المملكة، الإ أن السعودية لم تقم باعادة افتتاح سفارتها في العراق أو تسمية سفير لها في بغداد تبرر ذلك بعد استتباب الاوضاع الامنية التي كانت تعدها الرياض العائق الاساس امام اعادة أفتتاح سفارتها، ولم تبادل التمثيل الدبلوماسي بالمثل بل اكتفت بتكليف سفيرها في الاردن (فهد الزيد) في العام 2012 كسفير غير مقيم لدى العراق .
ولم تنجح زيارة المالكي او افتتاح العراق لسفارته وما تلاها من محاولات ترطيب العلاقات، وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن الأحداث الأمنية التي شهدها العراق فترة ما بعد التغير وما رافقها من أعمال عنف عمت أرجاء البلاد، وخلفت اقتتال طائفي شهده العراق وقد حملت بغدادُ السعوديةَ مسؤولية تصدير مقاتلين متشددين لإذكاء العنف الطائفي في العراق، وترى الرياض انها مجرد اتهامات بدون دليل،وبقيت العلاقات متوترة في فترة رئيس الوزراء السابق المالكي، وقد اتهمت الحكومة السعودية الحكومة العراقية بانها موالية إلى ايران، وبالتالي ابتعدت المملكة عن العراق واصبحت تراقب العملية السياسية عن بعد .

ويمكن ارجاع تردي العلاقات العراقية السعودية في تلك الفتره إلى عدة اسباب، منها ان المملكة كانت حذره من العملية السياسية الديمقراطية في العراق واتهمت العملية بالطائفية خوفاُ من عراق ديمقراطي مستقر وآمن، وكانت ايضاً متخوفة من رجال السياسة الشيعة وتراهم موالين لعدوها الاول ايران، وسعت وفق تلك الرؤية الى زعزعة الاستقرار بالعراق بمختلف الوسائل.
عينت المملكة في العام 2015 العميد الركن (ثامر السبهان) الذي سبق ان شغل منصب الملحق العسكري في سفارة المملكة في لبنان سفير للمملكة في العراق، لكن العراق طالب المملكة في اب 2016 بتغير السبهان بعدة مدة نتيجة لعدد من التصريحات التي اطلقها السبهان بشأن مسائل مختلفة مثل الحشد الشعبي، وعلاقة العراق بايران، و وضع المسجونين السعوديين بالعراق التي رآت الحكومة العراقية انها تصريحات تغذي الطائفية بالعراق و تدخل بشؤون العراق الداخلية، وبالفعل سحبته المملكة وعينت العميد الركن ( عبد العزيز الشمري) قائما باعمال سفارتها بالعراق خلفاً للسبهان.
ويمكن اعتبار عام 2017 عام عودة العلاقات بين الدولتين إلى مسار التحسن نتيجة لعدد من الزيارات والاتفاقيات المبرمة بين البلدين، اذ تعد زيارة عادل الجبير وزير الخارجية السعودي هي الاولى لمسؤول سعودي بهذا المستوى إلى العراق منذ تحرير العراق، وناقش الجبير مسال مهمة مثل ملفات مكافحة داعش ، والتعاون في انتاج النفط من اجل استقرار اسعار النفط . وعلى المستوى العراقي بدأت العلاقات بالتحسن بين البلدين بعد وصول رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إلى رئاسة الوزراء (2014-2018) حيث سعى العبادي إلى تحسين العلاقات واعدة العراق إلى محيطة الخليج العربي عبر البوابة السعودية وما ساعده في ذلك هو وصول الملك سلمان و ولده ولي العهد الى السلطة .
في ايار 2017 زار وزير الطاقة السعودي( خالد الفالح) العراق للتباحث بمسالة الطاقة والعلاقات العراقية السعودية و من ثم اعقبها لقاء الملك سلمان برئيس الوزراء السابق حيدر العبادي خلال انعقاد القمة العربية في الاردن في اذار 2017، وفي ايار من نفس العام تسلم العراق دعوة رسمية من المملكة لحضور اجتماع القمة العربية الاسلامية الامريكية، وفي حزيران من نفس العام ايضاً زار العبادي المملكة واجرى مباحثات مع الملك سلمان بن عبد العزيز وتمخض عن ذلك الاجتماع تأسيس مجلس تنسقي للارتقاء بعلاقة البلدين على المستوى الاستراتيجي، كذلك زار وزير الداخلية العرقي (قاسم الاعرجي) في 17 تموز 2017 المملكة العربية تلبية لدعوة رسمية تلقاها من حكومة السعودية وتناولت المباحثات بين الطرفين مناقشة ملفات عديدة اهمها ملفات المعتقلين والمنافذ الحدودية، وحماية الحدود المشتركة.
في الواقع لابد من الاشارة إلى عامل مهم اثر بشكل كبير في تطور العلاقات العراقية السعودية في الفتره الاخيرة، وهذا العامل تمثل بوصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى السلطة ، والذي تركزت السلطة الامنية و الاقتصادية بيده واصبح يمثل السلطة العليا في المملكة، و ابن سلمان يحمل رؤية جديدة للعلاقات العراقية السعودية. اذ يرى محمد بن سلمان ولي العهد والملك المستقبلي ان ايران قد اختطفت العراق من الأحضان العربية، وان شيعة العراق منقسمين بين شيعة تابعين لايران وشيعية عراقيين غير تابعين لايران وهم جزء كبير من التيار الصدري و مرجعية النجف الاشرف ( السيد السيستاني)، و هؤلاء يمكن ارجاعهم الى الاحضان العربية، و في اطار الصراع الايديولوجي السعودي الايراني، يرى محمد بن سلمان ضرورة التقرب الى الشيعة العراقيين وعدم تكرار اخطاء عام 2003، والابتعاد عنهم بحجة انهم تابعين الى ايران ، من اجل تحسين العلاقة مع المكون الاكبر بالعراق، و بالتالي ابعاد العراق من السيطرة الايرانية حسب التفكير الاستراتيجي السعودي. لذلك يريد ولي العهد محمد بن سلمان فتح صفحة جديدة في العلاقات العراقية السعودية والنهوض بتلك العلاقة من جديد وهو الان بات مستعد أن يقدم الكثير من التسهيلات الاقتصادية والسياسية للعراق من اجل تحسين وتطوير العلاقات بين البلدين. واستخدم في ذلك دبلوماسية تعتمد نمطين: الأول القنوات الدبلوماسية الرسمية من خلال تفعيل دور السفارة السعودية في العراق والتعامل المباشر مع الحكومة العراقية، بدلا من الاعتماد على سياسة دعم بعض القوى والشخصيات الحزبية التي تقدم نفسها على أنها ممثلة للمكون السني ،أمّا النمط الثاني فكان من خلال اعتماد دبلوماسية (المسار الثاني)، والتي كان من أبرز ملامحها زيارة السيد مقتدى الصدر في نهاية يوليو/تموز 2017، الى المملكة والتباحث في العلاقات العراقية السعودية والسياحة الدينية ، وافتتاح قناة (MBC عراق)، وتعهد السعودية بإنشاء ملعب رياضي في بغداد، كذلك ساهمت المملكة في رفع الحظر الرياضي عن الملاعب العراقية وحضور منتخبها كأول منتخب عربي يلعب على ارض العراق، وكان لها حضور ملفت في معرض بغداد الدولي للصناعة ، وحضرت المملكة كضيف شرف ضيف في معرض بغداد الدولي للكتاب المقام بتاريخ 6 اشباط 2019 ، وكانت مشاركة المملكة بجناح مميز وبمساحة كبيرة و اقامات فيها نشاط ثقافي عبارة عن ندوات ومحاضرات وكذلك امسيات شعرية، ويعد هذا النشاط ضمن التبادل الثقافي وتوطيد العلاقات الثقافية والدبلوماسية الناعمة بين البلدين.
وعلى مدى سنتَين من السعي الحثيث لاعادة العلاقات من كلا الجانبين اثمر ذلك السعي الى تحوّل الانفتاح السعودي نحو العراق من مبادرة إلى واقع حال، إذ بدأ بتشكيل مجلس تنسيقي لتطوير العلاقات بين البلدين في 2017، وكانت أبرز نتائجه العمل على إعادة منفذ عرعر البري بعد 27 عاماً على إغلاقه، واستئناف الرحلات الجويّة بين المدن العراقية والسعودية وهبوط أول طائرة ركاب سعودية في مطار بغداد في 18 اكتوبر/ تشرين الأول 2017. وفي بداية حزيران 2019 انعقد الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق العراقي السعودي في العاصمة العراقية بغداد، وجرى افتتاح مبنى القنصلية السعودية في بغداد. والزيارات المتكررة لرئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي الى السعودية كان اخرى 25/9/ 2019.


ثانياً: طبيعة العلاقات الاقتصادية العراقية – السعودية .
للعلاقات الاقتصادية العراقية - السعودية اهمية كبيرة لعدة اسباب منها ان العراق لازال بحاجة الى أعمار شامل في كافة النواحي من بنى تحتية وخدمات الى الأماكن الترفيهية وغيرها من الاحتياجات ناهيك عن ان العراق سوق اقتصادي مهم للسلع السعودية ،و من جانب اخر ان المملكة السعودية تمتلك قاعد صناعية قوية قادرة على الإسهام في اعادة اعمار العراق او جعل العراق سوق لمنتجاتها خاصة بعد خطة 2030 لمحمد بن سلمان التي يريد منها ولي العهد نقل المملكة من الاعتماد على النفط كلياً الى تنويع الناتج القومي ويكون للصناعة مساهمة كبيرة في الناتج القومي ،وبالتالي العراق والمملكة العربية السعودية بحاجة كليهما للاخر.
بعد عام 2003 بدأت العلاقات منحن جديداً، وأخذت المملكة تدعم العراق من اجل تحقيق الامن والاستقرار وكانت اول مبادرة في هذا السياق هي دعوة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز باستنفار السعوديين ،والمقيمين ،ومؤسسات ،وشركات القطاع الخاص لتقديم المساعدات العينية والمادية للعراق وذلك بتاريخ 27/4/2003 ، ثم جاء مؤتمر شرم الشيخ ( مؤتمر العهد الدولي) المنعقد في ايار 2007وأعلنت المملكة العربية السعودية التزامها بمبادرة تقدم بموجبها منحة مالية إلى العراق قدرها مليار دولار أميركي ، كذلك تعهد المملكة في مؤتمر مدريد( مؤتمر مدريد للمانحين) المنعقد بتاريخ تشرين الاول 2003، تقديم مليار دولار نصفه مخصص لتمويل مشاريع إعادة الإعمار والنصف الآخر مخصص لائتمانات التصدير .
والانعطافة الكبيرة في العلاقات العراقية - السعودية في كافة المحاور و خاصة الجانب الاقتصادي كانت بعد زيارة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إلى الرياض في يونيو/ حزيران 2017، التي تعد بداية الانطلاقة الحقيقية لتطوير العلاقات بين البلدين. وتكلل التقارب بين السعودية والعراق خلال تلك الزيارة بالاتفاق على إنشاء (المجلس التنسيقي السعودي – العراقي)، كإطار مؤسسي، يتكفل بوضع العلاقات في مسارها الصحيح، وقَّع البلدان محضر تأسيس المجلس برعاية الملك سلمان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أثناء زيارة الأخير للرياض في 22 أكتوبر (تشرين أول) 2017. وعُقد الاجتماع الأول للمجلس في اليوم نفسه وخلال الاجتماع اتخذ الجانبان مجموعة من القرارات المهمة، منها الاتفاق على فتح المنافذ الحدودية بين البلدين، وتطوير الموانئ والطرق والمناطق الحدودية ، وفي نفس العام 2017 شاركت المملكة في معرض بغداد الدولي بدورته الـ44 خلال الفترة من 21 إلى 30 تشرين الأول (أكتوبر) متمثله بهيئة تنمية الصادرات السعودية وكان ضمن الجناح السعودي شركات من مختلف القطاعات الصناعية والخدمية. وتهدف المشاركة في المعرض من اكتشاف الفرص السوقية للمنتجات السعودية في العراق، وتسهيل إجراءات التصدير إلى العراق بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة.
اما النشاط الاقتصادي الاكثر فعالية بين البلدين هو الاجتماع الثاني او الدورة الثانية للمجلس التنسيقي السعودي - العراقي في بغداد في الأسبوع الأول من شهر إبريل / نيسان 2019، ورأس الجانب السعودي فيه وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد القصبي، الذي صرح بأن هناك حالياً أربع شركات سعودية كبرى جاهزة للاستثمار بالعراق بختلف القطاعات، هي: شركة أرامكو للاستثمار في مشروع لتجميع الغاز، وشركة سابك للاستثمار في مشروع بناء مجمع بتروكيماوي، وشركة معادن للاستثمار في مجال الفوسفات والأسمدة والألمنيوم، وشركة أكواباور للاستثمار في مشروع للربط الكهربائي ومشاريع الطاقة المتجددة. لافتاً إلى أن الدورة الثانية من أعمال مجلس التنسيق السعودي - العراقي تهدف إلى التحول من مرحلة التشاور والدراسة إلى مرحلة التنفيذ في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك،وكانت اهم نتائج هذا الاجتماع في الجانب الاقتصادي هي طلب السعودية تخفيض او اعفاء (891) سلعة من الرسوم الكمركية، إضافة الى مقترح لفتح منطقة حرة في منفذ عرعر بعد افتتاحه الذي من القرر افتتاحه في أكتوبر/تشرين الاول من عام 2019 لرفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين ، وتضمن الاجتماع كذلك البحث في تطوير العلاقات المالية، وحث المصارف السعودية على فتح فروع لها في العراق، اما الجانب العراقي فقد اتفق عل فتح فرع لمصرف التجارة العراقي في الرياض ، فضلاً عن دراسة تصدير التمور العراقية والقمح وغيرها من المنتجات الوطنية وتحقيق التكامل في الامن الغذائي بين البلدين والاستثمار في الدواجن والإصلاح الزراعي. وفي مجال الاستثمارات اتفقت لجان مجلس التنسيق العراقي السعودي على فتح باب الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والصناعة والكهرباء، والصناعات التحويلية، وانتاج الطاقة الكهربائية والمتجددة، بالإضافة الى الاستثمار في الفوسفات والبتروكيمياويات ، واهم قرارات المجلس جاءت باتفاق على وضع خطة لمشروع الربط السككي بين البلدين وتبادل الدراسات بشأن تطوير الموانئ والنقل الجوي ، وفي قطاع السياحة والزيارات الدينية أكدت الأطراف المعنية بالحج والعمرة والزيارات الدينية في المدن العراقية على اعادة تأهيل طريق الحج القديم الذي يربط بين الكوفة والديار المقدسة في المملكة، وزيادة حصة العراقيين الراغبين بأداء مناسك الحج السنوية، إضافة الى فتح افاق للمجاميع السياحية والاطلاع على المعالم التراثية والاثرية .
وقد مهدت أعمال الدورة الثانية للمجلس التنسيقي السعودي - العراقي إلى الزيارة الرسمية التي بدأها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بتاريخ 17/4/2019 إلى السعودية؛ إذ استقبله الملك سلمان في قصر اليمامة بالرياض، وشهدت توقيع البلدين على 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مختلف المجالات، منها اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار، ومذكرة تفاهم في مجال المشاورات السياسية، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال النفط والغاز، ومذكرة تفاهم في مجال النقل البحري، ومذكرة تفاهم للتعاون الثقافي، ومذكرة تعاون علمي وتعليمي .
نلاحظ ان وتيرة العلاقات الاقتصادية بين البلدين في تصاعد مستمر وما يؤكد ذلك هو التبادل التجاري،اذ ان التبادل التجاري بين البلدين في حالة ارتفاع مستمرة وخاصة بعد فترة زيارة رئيس الوزراء السابق العبادي الى المملكة، اذ يقدر التبادل التجاري بين حسب صحيفة الشرق الاوسط السعودية بين البلدين خلال (2007- 2017) 8 مليار دولار ، لكن الارتفاع الكبير كان ما بين عامين (2017-2018) وهذا ما اشر الية سفير العراقي في السعودية (قحطان الجنابي) بالقول : (أن حجم التبادل التجاري الإجمالي بين العراق والمملكة ارتفع إلى مليار دولار خلال العام 2018) .
ولابد الاشارة هنا الى ان السعودية تدعي ان العراق مدين لها بمبالغ مالية منحت الى النظام السابق ابان حربة مع ايران، وهذه المبالغ غير متفق عليها بين الجانبين فهناك اختلاف في ارقام المبالغ بين الطرفين اذ تتراوح (15-40) مليار دولار، وهذه المبالغ لم تمنح بشكل قروض للعراق ،ولا توجد مستندات رسمية لها بين الطرفين، مما يحتم على المملكة عدم المطالبة بتلك الاموال بشكل قانوني.
ان المبالغ التي منحتها المملكة للعراق كانت تعتبرها قبل اجتياح العراق للكويت هي هبات و منح وليست ديوناً، لكن بعد اجتياح الكويت و مسالة تعويضات الكويت جراء الحرب اعتبرتها السعودية ديون، ومن جانب اخر اقر مؤتمر وزراء الخارجية العرب في دورته (126) المنعقدة بتاريخ 7/9/2007 قراراً يقضي بـ( التأكيد على سرعة قيام الدول الأعضاء بالغاء ديونها المترتبة على العراق تنفيذاً للفقرة (15) من قرار قمة الخرطوم رقم (340) بتاريخ 29/9/2006) غير ان السعودية لم تلتزم بالغاء الديون او حتى شطب 80% منها كما فعلت دول نادي باريس حيث اتفق العراق معها على شطب هذه النسبة من الديون اذا التزم بإصلاحات هيكلية يطلبها مجلس الامن .
اذن يمكن القول ان العلاقات الاقتصادية العراقية السعودية تتطور وتيرتها ، وكانت نقطة الانطلاق في ذلك التطور كانت بوصول رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ،و وصول الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد الى الحكم في المملكة، وذلك التصاعد في التبادل الاقتصادي بين البلدين يعود الى عدة عوامل دفع البلدين الى زيادة التبادل التجاري و تحسن العلاقات الاقتصادية ، كان اهمها رغبة المملكة دخول السوق العراقي بقوة من اجل تنشيط اقتصادها وزيادة تجارتها الخارجية كون العراق سوق جيد مستقبلاً للبضائع السعودية و ضرورة ان تنافس المملكة ايران اقتصادياً في العراق من باب عودة علاقات العراق مع دول الخليجية وعدم ابقاء العراق علاقات أحادية مع ايران حسب رؤية السعودية، اما العوامل التي دفعت العراق الى تقوية العلاقات الاقتصادية مع المملكة فكان اهمها ان العراق يسعى الى ان تكون سياسته الخارجية سياسة متوازنة ولا تنحاز الى اي طرف ،وبالتالي ضرورة الانفتاح على كل الدول المحيطة حتى وان كانت متصارعه في ما بينها، فلابد ان يفتح العراق أسواقه الى المملكة العربية السعودية مثل ما يفتح أسواقه الى ايران، وكذلك ان العراق بحاجة الان الى الشركات السعودية لانها شركات كبيرة ومستعدة ان تستثمر في اعادة اعمار العراق. واخير يمكن القول ان زيادة او ارتفاع وتيرة العلاقات الاقتصادية العراقية – السعودية سيزيد من الاعتماد المتبادل بين الدولتين وسيوثق التعاون السياسي ،وربما يكون لتوسيع و تطوير علاقات العراق مع دول الخليج مفتاح الدخول العربي.

ثالثاً: معوقات تطور العلاقات العراقية - السعودية .

يرى بعض المحللين الاستراتيجيين ان الصراع و العلاقات المتوترة بين العراق والسعودية تمثل ازمة ممتدة منذ تاريخ نشوء الدولتين وهذه الازمة تعود الى خمس محددات رئيسة و تتفرع منها الازمات البقية وهي أزمة الدين والنفط والحضارة والبعد الاستراتيجي والنظام الديموقراطي.


1- مذهبياً: فالسعودية ترى في المذهب الشيعي تحديداً نداً مؤثراً على وضعها الداخلي وزعامتها الدينية، فهي تخشى من تأثيراته على البنية الداخلية للسعودية كشعب متنوع مذهبياً ذو أغلبية سنية وهابية، وترى فيه ايضاً منافساً على مستوى مساحة زعامتها للعرب والمسلمين، وتحمل القيادات السعودية تصور ان اغلب القيادات العراقية هي قيادات تابعة و مواليه لعدوها ايران ذو الأغلبية الشيعية التي ترى فيها خطر على المملكة وعلى الشرق الاوسط نتيجة سعي ايران لنشر المذهب الشيعي المعارض للمذهب الوهابي، و بالتالي يجب التعامل مع تلك القيادات بحذر، لكن هذا العامل بدأت حدته تقل مع وصول سلمان ونجله إلى السلطة لان الاخير لا يريد أي دور للدين في الدولة ولا يريد للتشدد الوهابي مساحة في الساحة الاجتماعية للملكة ولم يدعم مشروع تصدير الوهابية او المشروع الوهابي إلى الخارج ، ولا يرى ضير في التعامل مع الحكومة العراقية التي كانوا يرونها ذو اغلبية شيعية موالية إلى ايران، وبالتالي تشهد العلاقة الان تحسن ملموس بين الطرفين.

2- نفطياً: فالعراق معادلاً نفطياً للسعودية، إذ يبلغ احتياط النفط العراقي حوالي 10.7% من إجمالي الاحتياطي العالمي، الإحتياطي المؤكد نحو 112 مليار برميل، ونسبة 80% من نفط العراق ما تزال غير مؤكدة، ويقدر الاحتياطي غير المؤكد بحدود 360 مليار برميل (أربعة أضعاف الاحتياطي النفطي الأميركي). ويمتاز النفط العراقي بوجود جميع حقوله في اليابسة، لذلك فتكاليف إنتاجه تعد الأقل في العالم إذ تتراوح بين 0.95 و1.9 دولار للبرميل الواحد، مقارنة بكلفة إنتاج البرميل في بحر الشمال التي تصل إلى عشرة دولارات . وفي العراق جميع أنواع النفط من خفيف ومتوسط وثقيل، إضافة الى خبرات وكوادر نفطية مشهود لها عالمياً. بروز العراق كقوة نفطية سواء على مستوى الإنتاج أم الصناعات النفطية سيزعزع الهيمنة والنفوذ السعودي على كافة المستويات، على المستوى الداخلي كون الإقتصاد السعودي اقتصاد ريعي، وعلى المستوى الإقليمي كون الزعامة السياسية تقوم على النفوذ المالي المتأتي من إيرادت النفط، وعلى المستوى الدولي من خلال تضرر مكانتها كزعيمة نفطية كبرى قادرة على فرض رؤيتها في العديد من الملفات الدولية ،هذا من جانب و من جانب اخر السعودية لا ترغب بمد انبوب النفط او الغاز الايراني العراقي الى سوريا، لانه ينفي الحاجة الى إقامة مشروع الغاز القطري السعودي السوري.
3- على المستوى الثقافي والحضاري والتاريخي حيث يتسم ، العراق بثقل حضاري نوعي يرشحه للعب دور استراتيجي لا يمكن للسعودية منافسته، فعمقه التاريخي الضارب بالقدم، وإرثه الحضاري، ومخزونه الإبداعي الفني والثقافي، وموقعه الجغرافي، وموارده الطبيعي، كلها عوامل قوة تفتقدها السعودية في ميزان الثقل الحضاري الاستراتيجي إقليمياً ودولياً .
4- استراتيجياً: ثمة من يعتقد ان السعودية تخشى بشكل كبير من عودة العراق إلى مكانته الاستراتيجية الطبيعية كدولة قوية ذات تقل في المحيط الإقليمي والعربي واحد الاقطاب الرئيسة على الساحة الاقليمية، فما يمتلكه العراق من تنوع ديموغرافي وطاقات بشرية وموارد طبيعية وموقع جغرافي وثقل حضاري تجعله ان يكون احد الأقطاب الرئيسة في الشرق الاوسط، و من ثم هي مستمرة في تخطيطها الذي بدأته من الثمانينات بإدخال العراق في صراع مع ايران ودعمه بشكل كبير، وعدم ادخال العراق إلى مجلس التعاون لدول الخليج ،و مشاركتها في التحالف الدولي او استدعاء الولايات المتحدة الامريكية لاخراج الجيش العراقي من الكويت عام 1991 ومشروع احتلال العراق في العام2003، واتخاذ موقف سلبي في بادئ الامر بالعملية الديمقراطية العراقية ،كل هذه الامور ترمي المملكة من خلالها إلى اضعاف قوة العراق ستراتيجياً و إنهاكه حتى لا يعود كقوة خليجية عربية اسلامية منافسة لها بالمنطقة.
5- واخيراً فقيام النظام الديمقراطي العراقي بعد عام 2003. الذي يرى فيه السعودية حسب العديد من المحللين ان العراق سيكون في المستقبل اول بلد خليجي ديمقراطي، وباكتمال تجربته الديمقراطية في المستقبل سيكون تهديد للدول الملكية الخليجية ،وبالنتيجة ستقف في وجه العملية الديمقراطية العراقية وتعرقلها حتى لا تكتمل بصورتها النهائية وتبقى مشوهة، ليقول لسان حالها الى مجتمعاتها ان التجربة الديمقراطية العراقية هي من تعصف بالامن و الاقتصاد العراقي و هي من تضع العراق في دوامة الارهاب.
اذن فان خماسية التباين المذهبي والنفط والثقل الحضاري والتهديد الاستراتيجي والتجربة الديمقراطية تشكل محددات السياسة السعودية تجاه العراق ،بالاضافة إلى ذلك ايضاً تؤدي العلاقات العراقية الايرانية احد معوقات العلاقة العراقية السعودية ، فالمملكة العربية السعودية تخشى من علاقة قوية بين العراق وايران ولا تريد لتلك العلاقة ان تتطور في المستقبل لتصل إلى مستوى حلف بينهما في المستقبل لذلك هي تدرك ان صراعها بالعراق مع ايران هو بثابت لعبة صفرية ما يخسره الاخر يكون في ميزان الطرف الاخر، أي ما تخسره ايران من نفوذها في العراق يكون من مكاسب وزيادة في العلاقات العراقية السعودية، واخيرا بغض النظر عن طبيعة الدولة ونوع الحكم وفئة الآيديولوجية الحاكمة في العراق، إنها محددات تنافس على الوجود والنفوذ والتأثير الاستراتيجي التي تقبل المرونة هنا وهناك ولكنها لا تقبل التنازل بالمجمل.








رابعاً: اهمية تنمية العلاقات العراقية - السعودية.

هناك الكثير من الاسباب او العوامل تجعل تجديد وتطوير العلاقة العراقية السعودية والمضي بها قدماً و تعزيزها ورفعها إلى مستوى الشراكة او الوفاق امر ضروري لما ما تعود عليه بالمنفعة على البلدين في مختلف النواحي الاقتصادية والثقافية و السياسية والإستراتيجية ومن أهم تلك العوامل هي الاتي:-

1- في مثل الظروف ألراهنه فإن العراق والسعودية يحتاجان إلى بعضهما ليس بحدود علاقتهما البينية (مع أهمية هذه العلاقة لكل منهما) وإنما تمتد حاجتهما لبعضهما حين يكون كلٌّ من العراق والسعودية بصدد تنظيم وترتيب علاقته مع المؤثر الإيراني، أي يستطيع العراقيون أن يؤدوا دوراً مهماً في تنظيم العلاقة بين بلدين صديقين لهما هما السعودية وإيران، كما تستطيع السعودية تأدية الدور نفسه مع صديقيها العراق ودول مجلس التعاون الخليجي او حتى امريكا.إذا نجح البلدان في نيل ثقة بعضهما فإن فرصاً طيبة يمكن أن تلوح من أجل تنمية المنطقة وسلامها وتعزيز أجواء الثقة فيها و نزع فتيل الأزمات في منطقة الشرق الاوسط التي يلوح فيها شبح الحرب بين الحين والاخر.

2- إن قيمة الدولة في العلاقات الدولية تتحدد بشكل رئيس من موقعها الجيوإستراتيجي، ومن عمقها التاريخي. والعراق كدولة جارة لدول مجلس التعاون الخليجي يعتبر من ركائز الأمن القومي الخليجي، ويفرض الموقع الجغرافي ميزة على تلك العلاقات. وكأولوية إستراتيجية عاجلة، فإن العراق يوفر العمق الإستراتيجي، والمنطقة العازلة للدول المحيطة به، وقد يساهم العراق اذ ما انظم إلى دول مجلس التعاون الخليجي في تقليم أظافر إيران وكبح سطوتها في الخليج العربي حسب تعبير بعض المفكرين الاستراتيجيين الخليجين،و سيكون العراق عازلاً للتمدد الايراني الاقليمي.

3- وفقاً لمفهوم العمق الإستراتيجي، فإن تقدير الدور الإستراتيجي، والعمق الحضاري، والإنساني، والديني الذي يشكله البلدان في المنطقة، والعالم انما يؤسس لامكانية فتح منافذ كبيرة بينهما، واستئناف السعودية لأداء دوراً فاعلاً في العراق، وفتح الباب أمام علاقات إستراتيجيّة طويلة الأمد معها. وهذه العلاقات لن تخدم - فقط - مصالح البلدَين ، وإنما ستساهم بشكل فاعل في تهدئة أي توتر طائفي، التي تظهر في منطقة الشرق الأوسط - وبشكل لافت في السنوات الأخيرة بين حين وآخر- والدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه العراق والسعوديّة؛ لإعادة التوازن إلى منطقة الشرق الأوسط، برّر في السابق استمرار مرحلة الشكوك بين الجانبَين - لفترات طويلة - وهذا الدور يبرّر - اليوم - إنهاء تلك المرحلة، والبدء بأخرى على قاعدة المصالح المشتركة، ويجعله يخلق محور عربي جديد، ومحور خليجي فاعل و مؤثر في المنطقة ليعيد من جديد رسم الخريطة الاستراتيجية وخريطة ألاعبين الدوليين بالشرق الاوسط.

4- التحدي المشترك ضد التنظيمات الارهابية التكفيرية مثل تنظيم داعش الارهابي وخلاياه الكامنة ،اذ أعلن التنظيم انه يسعى إلى إسقاط النظام السياسي في كلا من العراق والسعودية، فالعراق والسعودية من وجهة نظر القاعدة وتنظيم داعش الارهابي يعتبران أنظمة كافرة وغير شرعيّة، ممّا يوجب محاربتهما، وهذا الأمر ليس مرتبطاً بطبيعة أنظمة الحكم في المنطقة سواء أكانت ديموقراطيّة أم قبليّة أم قمعيّة أم عسكريّة أم حتّى دينيّة، وإنّما هو مرتبط بطبيعة تكوين الجماعات المتطرّفة الّتي تسعى في صميم إيديولوجيّتها الّتي تقسّم العالم إلى دارين أو محورين، هما "دار الإيمان" الّتي تضمّ فقط المؤمنين بالمشروع الإرهابيّ المتطرّف لجماعات السلفيّة الجهاديّة، و"دار الكفر" الّتي تضمّ كلّ البشريّة بصرف النّظر عن انتمائها إلى مذاهب إسلاميّة مختلفة أو إلى أديان وعقائد أخرى، سيحفز العراق والسعوديّة على فتح صفحة جديدة للعلاقات لمواجهة التحدّي الجديد الّذي يعدّ خطراً مشتركاً عليهما، وحتى بعد القضاء عليه في العراق سيعود التنظيم الى حرب الخلايا الكامنة ،والعراق يمتلك قاعدة معلومات واسعة وكبيرة عن اساليب تنظيم داعش واسماء السعوديين المنتميين الى التنظيم، وبذلك يمكن للعراق ان يكون شريك للمملكة في محاربة الاسلام المتطرف، لانه يهدد امن واستقرار كلا البلدين، لذلك على دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً المملكة العربية السعودية تقوية العراق بعتباره يمثل خط الدفاع الاول ضد التنظيمات الارهابية التي تهدد امن الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ،فالعراق هو بمثابة الخط الاول للدفاع عن امن الخليج العربي ضد تمدد هذا التنظيم الارهابي ،وبالتالي العراق هو بمثابة العمق الاستراتيجي للسعودية ولدول الخليج.

5- هناك اهمية كبيرة للعراق والسعودية في تنمية العلاقات الاقتصادية كونها تعود بالمنافع على البلدين ،ويمكن للجانبين الاستفادة من المجالات الاقتصادية الاتية.
أ‌- اعادة العراق ضخ النفط عن طريق خط الأنابيب العراقية السعودية (المعروف IPSA - تابلاين )،و الذي يمر عبر السعودية إلى ميناء المعجز على البحر الأحمر شمال ينبع في السعودية، في حالة غلق مضيق هرمز، او تنويع منافذ مبيعات النفط العراقي .
ب‌- للسعودية قاعدة صناعية كبيرة و مختلفة المواد يمكن ان تجعل العراق سوق لتلك المواد بفتح باب التصدير وتوسيع المنافذ الحدودية.
ت‌- العراق والسعودية هما من اكبر المصدرين للنفط ويمتلكان من اكبر احتياطات النفط، فاذا ما وحدا سياستهما النفطية يمكنهما التأثير باسواق الطاقة العالمية من حيث الانتاج والاسعار.
ث‌- فتح باب الاستثمار السعودي في العراق.
ج‌- الاستفادة من المملكة في تطويرها قطاع البتروكيماويات العراقي لما تمتلكه المملكة من خبرة كبيرة في هذا القطاع ،وكون المملكة وشركتها (سابك) ثاني اكبر منتج البتروكيماويات في العالم.




خامساً: الخيارات الاستراتيجية العراقية تجاه السعودية .

هناك مجموعة من الخيارات يمكن للعراق اتخاذها من اجل الإفادة من علاقته مع السعودية وهذه الخيارات مبنية على موقعة الاستراتيجي، ومكانته التاريخية والاقتصادية، ونظامه السياسي، وسياسته الخارجية، وهي تتمثل في الاتي:-

أ‌- يقع العراق حالياً تحت منخفض جيوستراتيجي سعودي إيراني تركي، بسبب أن الحكومة العراقية حديثة التجربة وما تعانيه من بعض المشاكل الداخلية ومحاربتها بقايا التنظيمات الإرهابية والتزامها في اعادة اعمار المناطق المحررة ،واختلاف رؤى وإرادات النخب السياسية الحاكمة حول كيفية بناء العراق كدولة قوية، ومع بقاء هذا الوضع على ما هو عليه فإنّ أي حديث عن خيار عراقي يحدد السياسة الاستراتيجية تجاه الاستراتيجيات الإقليمية هو أمر غاية في الصعوبه ألان ،لكن العراق يمتلك مؤهلات استراتيجية تجعله يصحح مساره في بناء دولة عراقية قوية قادرة على تأدية دور مهم في المنطقة ،و من ثم على العراق استغلال موارده الاقتصادية والبشرية وعلاقته بكل الاطراف المتناقضة لبناء العراق واعادة إلى وضع الدولة المؤثره في محيطها الاقلمي.

ب‌- أن اللحظة التاريخية الحالية والتي تتمثل بالصراع الاستراتيجي بين عدة اقطاب في منطقة الشرق الاوسط وغياب القطب القوي المسيطر في تلك المنطقة والصراع بين المصالح و تمدد المجال الحيوي للدولة، والخوف على الامن القومي للدول ادى الى التداخل وتقاطع المصالح، كل هذا يضع الدولة العراقية امام خيارات بقاء الدولة على وضعها الراهن او وابتلاعها من قبل نظام الفوضى أو أجندات الاستراتيجيات الكبرى،او قيام دولة عراقية قوية، وأي نظرة استراتيجية سليمة لمستقبل المنطقة والعالم تفيد بضرورة التأسيس لـ (دولة التوازن الاستراتيجي): وهو نموذج الدولة العراقية اللاعبة لدور التوازن الإقليمي الفعال، بما يؤهل العراق ليكون قوة استرتيجية رابعة فاصلة وموازنة للاستراتيجيات الإقليمية الكبرى. إنّ التوازن الفعال يعني (دولة عراقية وطنية مدنية قوية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً قادرة على حفظ التوازن الإيجابي بين استراتيجيات المنطقة) و هو ما تسعى اليه الدولة العراقية الان، وبخلاف ذلك فإن طوفان الإنهيارات والكوارث الطائفية والسياسية العراقية ستجرف المنطقة برمتها .

ت‌- يحتفظ العراق بتعاون وإتّفاقات أمنيّة مع كلّ من إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة، رغم الخلافات القائمة بينهما، يمكنه أن يؤسّس لاتفاق امني وتعاون بنّاء مع السعوديّة وتفعيلها، بجانب العلاقات العراقية إلايرانية على الرغم من الخلافات القائمة بينهما، فالمملكة تدرك ان العراق عمقها الاستراتيجي وخطها الاول في الامن الوطني و من اجل تلافي الاشكالات النابعة من مخاوفها المشروعة على امنها الوطني المتمثلة بالعراق فبالأمكان توقيع اتفاق امني مع المملكة ويشمل كذلك كل دول مجلس التعاون الخليج ، ويتضمن جوانب قضايا الارهاب ،وعدم جعل ارض كل دولة منطلق للعدوان على دولة اخرى ،ولغة الدبلوماسية الان التي ينتهجها العراق المعتمدة على الوسطية والاعتدال وعدم التخندق في المحاور بقدر الانفتاح على الحوار وإيجاد سبل التّعاون رغم الخلافات ،وبذلك يمكن ان تجعل العراق محور التوازن في الشرق الاوسط وإنّ العراق تحديداً يمكن ان يكون البلد الّذي من شأنه أن يجمع المصالح الإيرانيّة والسعوديّة وان يكون حجر الزاوية في أي تقارب وانفراج في علاقة البلدين .



سادساً: مستقبل العلاقات العراقية - السعودية.

العلاقات العراقية السعودية مرت بعدة مراحل وكانت هذه المراحل ليست على وتيرة واحدة، اذ تقلبت بين الصراع والتناحر ،والتقارب والوفاق ، وتغيرت مكانة العراق الاقليمية من مرحلة إلى اخرى من قطب مهم في الشرق الاوسط إلى الدولة الاقوى في الشرق الاوسط الى دولة ضعيفة وساحة لتصفية الصراعات الاقليمية، واختلفت كذلك العوامل المؤثرة في العلاقات العراقية السعودية اذ كان عامل القومية العربية احد العوامل المهمة ثم جاء العداء الايراني من كلا البلدين كعامل اخر عمل على تقوية العلاقة بين البلدين ، ثم بعد ذلك دخول العامل او المؤثر الامريكي في العلاقة العراقية السعودية ليأخذها إلى منحى جديد ،وبعد ذلك الصراع الإقليمي ذو الطابع الديني بين البلدين إبان عام 2003 واخيرها دخول العراق الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي واصطفاف المملكة العربية السعودية إلى جانب العراق في محاربة الارهاب، كل هذه العوامل وغيرها كانت المحرك والمؤثر في مسيرة العلاقات العراقية السعودية التي امتدت بما يقارب اكثر من قرن من الزمن، ولازالت هناك عوامل جديدة ظهرت وتظهر تحكم طبيعة تلك العلاقة خلال هذه الفترة من التاريخ و في المستقبل.
لكن يمكن القول هناك ثلاث عوامل مهمة الان تحكم العلاقات العراقية السعودية، العامل الأول متمثل بطبيعة علاقة العراق مع ايران ، فالممكلة لا ترغب بعلاقة قوية للعراق مع ايران وكانت ترى ان حكومة العراق هي تبع لايران لان من يدير الحكومة العراقية هم المعارضون السياسيون السابقون لنظام صدام الذين اتخذوا من ايران مقر لهم و تلقوا الدعم منها ، لذلك ابتعدت المملكة عن العراق ولم تعترف في بادئ الامر بحكومته او كل ما يتمخض عن العملية السياسية ،لكنها في ما بعد أدركت لابد من اعادة علاقتها ونفوذها إلى العراق وعدم ترك العراق إلى ايران فقط ،ولا بد من ان تعيد علاقاتها وبقوة مع العراق من اجل اعادته إلى محيطة الخليجي والعربي وهذا ما يعمل به في الاسترتيجية السعودية اتجاه العراق منذ وصول الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد لقيادة المملكة ،لكن موقف العراق الان لم يكن يتماهى مع الاستراتيجية السعودية الراغبة بابتعاد العراق كثيراً عن ايران ، لاسباب عدة منها ان العراق يمتلك حدود كبيرة مع ايران أولاً، وسياسة العراق الخارجية الان هي سياسية وسطية لا تميل لاي محور على حساب محور اخر ،ولا تريد إعادة أخطاء الماضي في الحروب مع الجيران ثانياً، واخيرا العراق يقدر لايران الوقوف بجانبه في حربه ضد داعش ،وهذا الموقف يبعد العراق عن السعودية وعن دول الخليج بصورة اعم، لكن هذا البعد لا يصل حد القطيعة وتبقى العلاقات العراقية السعودية مرهونة بمدى قدرة العراق وسياسة الخارجية على الحفاظ على التوازن والوسطية بين كل من ايران والمملكة العربية السعودية.
العامل الثاني متمثل بدور الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة وخلافها مع ايران، الان الولايات المتحدة – فترة الرئيس ترامب- تؤدي دور رئيس في المنطقة وهي معادية للنظام الايراني ،وترى ايران خطراً كبيراً على دول الخليج وعلى إمدادات الطاقة العالمية وهي وراء المشكلات وعدم استباب الاستقرار في كل من اليمن ،لبنان ،سوريا ،العراق ،وهي تسعى ايضاً إلى امتلاك سلاح نووي سيكون خطر على المنطقة وعلى اسرائيل ،و كذلك تتخوف الولايات المتحدة من برنامج ايران الصاروخي،وبالتالي هي لا ترغب بعلاقة جيد بين العراق وايران ، وتدعم دول الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية إلى إقامة علاقة قوية مع العراق ،و مساعدة العراق في انشاء دولة قادرة على حفظ امنها ،ولا تكون قاعدة تنطلق منه الجماعات غير الشرعية التي تهدد امن دول الجوار ،وان تكون الحكومة العراقية قادرة على حفظ امنها وسيادتها و مصالح دول الجوار في العراق ،فضلاً عن مصالحها.
العامل الثالث هو العامل الاقتصادي، وهذا العامل من وجهة نظر الباحث اهم العوامل ، اذ ما حللنا اثر العامل الاقتصادي في التوجه المستقبلي السعودي نحو العراق نلاحظ ان المملكة تسعى إلى تطبيق خطة محمد بن سلمان 2030 الهادفة إلى تقليل اعتماد المملكة العربية السعودية على النفط بشقها الاقتصادي وتنويع الدخل القومي وزيادة الناتج القومي الاجمالي من السلع غير النفطية ،وهذه الخطة بالتالي تتطلب من المملكة ايجاد اسواق جديدة لمنتجاتها من مصانعها المنشئة حديثاً، والعراق هو احد تلك الاسواق المهمة في المنطقة ، اما العراق ففي الجانب الاقتصادي بحاجه الى المملكة العربية و مساهمتها في بناء بناه التحتية، والمملكة تمتلك الإمكانيات الازمة لذلك، أضف إلى ذلك العراق يرغب بتنويع المنتجات بمختلف انواعها في أسواقة حتى لا تسيطر او تحتكر دولة واحدة أسواقه الداخلية من باب تأمين أمنه الوطني، وبالتالي يسعى العراق إلى الانفتاح على المملكة واقامة علاقات اقتصادية مميزة معها.
من ثم يمكن القول ان العامل الاقتصادي من اهم العوامل المشتركة بين المملكة العربية السعودية والعراق ويمكن اعتبارها مفتاح العلاقات العراقية السعودية لتحسن تلك العلاقات و امتدادها إلى المجال السياسي والمجالات الاخرى، لانه عامل لا يقبل خلاف ويلبي احتياجات وطموحات الطرفين ،وحتى يمكن من خلاله انشاء علاقات إستراتيجية متينه بين البلدين، وذا ما تمت تلك العلاقة الاستراتيجية سيكون في المنطقة قطب جديد من شانه ان يحقق الاستقرار في المنطقة ،ويكون العراق بمثابة الدولة الحاملة لميزان التوازن في المنطقة ونقطة التقارب و الحوار والوساطة بين الدول المتصارعة اقليمياً، وتؤهلها في ذلك سياستها الخارجية المعتدلة و المتوازنه .
وفي الختام ،صفوة القول ان العراق و المملكة العربية يطمحان الان إلى علاقات متينه بين الدولتين، وهذه الرغبة تسير ببطء وحذر من كلا الطرفين، ببطء من جانب السياسة الخارجية العراقية الساعية إلى التوازن والوسطية الذي أرهقت المشاكل الداخلية والتجاذبات الاقليمية ،وبحذر من المملكة التي لا تريد مواجه مع ايران في الساحة العراقية وهي تراهن على الدبلوماسية الناعمة في اعادة العلاقات العراقية السعودية، وكذلك تكون العلاقات بطيئة بسب اختلاف بعض المواقف في السياسية الخارجية بين العراق والمملكة العربية السعودية مثل الموقف من مشاكل البحرين الداخلية والسياسة الخارجية الايرانية، وسوريا، التي تعكر بين الحين والاخر صفوة العلاقات ، لكن رغبة الدولتين اكبر من الاختلاف في وجهات النظر وهو الامر الطبيعي بين البلدين النابع من المصالح الداخلية لكل بلد، اذن علاقة البلدين الان وفي المستقبل يتوقع ان تتحسن وبشكل كبير نتيجة عدة عوامل اهمها ان القيادتين في العراق والسعودية لديهما رغبة جادة في فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، والاستفادة من الفرص السياسية والاقتصادية والامنية التي تنتج عن تلك العلاقة، إضافة الى ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة في المنطقة إحدى اهدافها الرئيسة هي تحسين وتطوير علاقات العراق مع محيطة العربي الخليجي وتوثيق العلاقات العراقية السعودية، اذن المصالح السياسية والاقتصادية والامنية تدفع البلدين الى توثيق العلاقة من اجل رسم خريطة جديدة للشرق الاوسط بعد الهزيمة العسكرية لعصابات داعش في العراق،لكن السمة البارزة لتلك العلاقة هو السير ببطء وحذر واطلاق مبادرات بين فتره واخرى وسيؤدي العمل الاقتصادي و التوجه العراقي نحو ايران و توجه الولايات المتحدة نحو الشرق الاوسط وصراعها مع ايران دوراً كبيراً في العلاقات العراقية السعودية، وستكون الدبلوماسية الناعمة الأداة الرئيس بجانب الدبلوماسية الرسمية في توجهات المملكة اتجاه العراق، وستقتصر العراق في علاقاته مع المملكة بالجانب الدبلوماسي الرسمي وسيسعى إلى تفعيل الجوانب الاخرى.





الخاتمة .
من خلال الإجابة على الإسئلة طرحت في بداية البحث، و تتبع العلاقة بين البلدين ،و التطرق الى اهم النقاط الخلافية بين البلدين والتي تعد بمثابة المعوقات لتحسين العلاقة ،و معرفة الجوانب التي من شأنها ان تعزز العلاقة بين البلدين توصلنا الى النتائج الاتية:
1- لا تستمر علاقة العراق والسعودية على وتيرة عبر واحدة عبر الترايخ لعدة اسباب اهمها التباين المستمر منذ نشوء الدولتين بين طبيعة النظام السياسي وأهدافه وتوجهاته الداخلية والخارجية، واختلاف كل منهما في السعي نحو مصالحه واستخدام الأدوات في ذلك ،واختلاف العوامل المؤثرة في كل مرحلة من مراحل تلك العلاقة، وبالتالي لا يمكن التنبؤ باستقرار تام في العلاقة بين البلدين لان التباين لازال في تشكيل النظام السياسي ،وفي السياسة الخارجية والمصالح وطريقة تحصيلها بين البلدين.
2- السعودية تسعى الى اعادة علاقاتها مع العراق في هذه الفترة متوخية في ذلك هدفين، انضمام العراق مجدداً الى محيطة العربي الاقليمي الخليجي وتأدية دور اساس في العراق بجانب كل من ايران وتركيا، والاستفادة من العراق كسوق اقتصادية لبضائع المملكة، وبذلك اذ ما تحقق هذان الهدفان تكون المملكة قد أمنت عمقها الاستراتجي، وقضت على اكبر مخاوفها الإقليمية، واستطاعت بذلك كسب العراق بوصفة صاحبة قوة بشرية وعسكرية واقتصادية قوية يمكن من خلال التحالف معه خلق تحالف عربي قوي في الشرق الاوسط، او تدعيم مجلس التعاون لدول الخليج بانضمام العراق اليه يساعده في ذلك الانقسامات الراهنة وسط ذلك المجلس .
3- من اهم الادوات التي تستخدمها المملكة في اعادة علاقاتها مع العراق هي الدبلوماسية الناعمة،التي تتمثل في التواصل الشعبي والتحدث مباشرة مع المجتمع العراقي، والتواصل مع الرموز الشعبية الشيعية المؤثره، وزيادة نشاطها في الجوانب الثقافية والرياضية.
4- الدبلوماسية السعودية حذره في تعاملها مع العراق، وتنتظر دائما المبادرة العراقية وحسن النية لتبادر هي الاخرى في زيادة وتيرة علاقتها مع العراق ،خشية منها في وصول حكومة عراقية موالية الى ايران حسب تعبيرها، وبذلك لابد ان تكون الدبلوماسية العراقية اكثر فعالية في الترويج الى ان الحكومات العراقية لا تنحاز لاي دولة من دول الجوار على حساب الاخرى بل هي تسعى الى شراكة سياسية امنية اقتصادية مع كل دول الجوار.
5- العلاقات العراقية السعودية سوف تتحسن لكن تحسنها بطيء وحذر ويأخذ طفرات بين الحين والاخر، والسبب في ذلك كلا الطرفين لأزال يتوجس من الطرف الاخر، هذا من جانب و من جانب اخر هناك الكثير من القضايا الخلافية في السياسية الخارجية بين البلدين ،و الخلاف في زاوية النظر لكثير من قضايا الشرق الاوسط، وهذه القضايا الخلافية تتطلب في بعض الأحيان تصريحات و مواقف رسمية مما يعكر صفوة العلاقة بين البلدين، لكن لا يمكن العودة الى مرحلة القطيعة لان كلا البلدين لديه تصميم في دفع عجلة العلاقة الى الامم.
6- أفضل عامل في تحسن العلاقات العراقية السعودية و الذي يوصلها الى مرحلة التوافق والى الصداقة المتينة هو العامل الاقتصادي، لان كلا البلدين لديه مصالح اقتصادية مع الطرف الاخر ويمكن لهذا العامل ان ينقل العلاقة السياسية بين البلدين الى مرحلة الوفاق، والتباعد عن كل منغصات تلك العلاقة، وتعامل البلدين في علاقتهما بمنعزل عن ملفات السياسة الخارجية الاخرى لكلا البلدين.
7- يسعى العراق الى تقوية علاقاته مع السعودية لعدة عوامل اهما، ان اقتصاد المملكة اقتصاد قوي ولديها قاعدة صناعية قوية يمكن للعراق الاستفادة منها في بناء بناه التحتية، وكذلك يمكن استثمار رؤس الاموال السعودية في المشاريع العراقية، والمملكة منفذ بحري لبيع النفط العراقي في حالة اغلاق مضيق هرموز، سياسياً المملكة العربية السعودية هي مفتاح العراق لبوابة الخليج العربي و العالم العربي، وكذلك المنظمات الدولية لما لها من ثقل كبير في تلك المجالات، امنياً فللملكة دور كبير في الحد من الفكر الوهابي المتطرف ومساعدة العراق في القضاء على هذه الفكر والتكفيريين ومحاربة الارهاب، و هي عمق العراق الاستراتيجي لمنطقة الخليج العربي والحليف القوي والدولة الكبيرة اقتصاديا في الخليج و منطقة الشرق اوسط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا