الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل حكايات - الدرهم الأخير - للؤي عمران.

عامر موسى الشيخ
شاعر وكاتب

(Amer Mousa Alsheik)

2020 / 9 / 26
الادب والفن


(1)
استهلال


تمثل الحكاية عنصرا مهما من مباني النصوص السردية ، فهي مادته الأساسية ، ودعامته الأولى، حتى تستقيم في قوالب السرد ، من حوار ووصف ، تأتي بلغة الكاتب وأسلوبه.
في كتابه " الدرهم الأخير " يضع الكاتب والمترجم لؤي عمران خطا موازيا لفهم منجزه عبر انتخابه لعنوان فرعي يوازي العنوان الكلي ، محققا لدى المتلقي فهما مؤقتا لمضمون الكتاب وهو: " عندما يتحول التاريخ إلى حكايات " . هذا العنوان والذي جاء هامشيا يعكس رسالة أولى من رسائل هذا الكتاب ، في أن الكتاب ينتمي إلى النمط الحكائي من النوع القصصي المتفرع من النوع السردي النثري ..

(2)
وصف الكتاب

صدر الكتاب عن دار تموز- ديموزي في دمشق 2020 ، صمم غلافة الفنان ماجد الوروار ، وحمل الغلاف توصيفا بتوقيع الشاعر قاسم والي ، وقع الكتاب في 86 صفحة من القطع المتوسط .


(3)
طبيعة الكتاب

ينتخب الكاتب حكايات حقيقية، وأخرى غير حقيقية متخيلة عن الواقع من المجتمع العراقي، لكنها قريبة للحقيقة جدا ، ويضعها في قالب مكون من عناصر سردية واضحة ، مكان وشخوص و وأحداث ، فضلا عن الزمان ، وهو العنصر الذي حقق العنوان الفرعي ، لأن جل النصوص تنتمي إلى تاريخ مضى كان الكاتب شاهدا عليه ، وحاول مسكه وتحويله من تاريخ شفاهي إلى نصوص مكتوبة ، أتت بلغة واضحة وبسيطة تؤدي غرضها في إيصال حمولات النص الساعية إلى تعرية زمن الحقبة البعثية من تاريخ العراق الحديث ، وجعلها رسائل حية ناطقة بكل ما جرى للعراقيين من عذابات ، وموجهة إلى الجيل القادم ، وهذا ما أكده الكاتب في عتبة الإهداء إذ عنونه بـ " الإهداء إلى الجيل القادم " .. وهذا ما يدعو للقول بأن الكتاب يضمر رسائل اجتماعية وسياسية وتاريخية فيها نوعا من المصارحة والمكاشفة مع الذات العراقية التي عاشت تحولات قسرية منذ تشكل الدولة العراقية إلى لحظة زوال النظام البعثي من ثم اجتياح العراق وظهور الدولة العراقية الجديدة بكل عللها ، وجردها وعرضها على المتلقي الذي لم يعش تلك الحقبة .

(4)
رسائل الكتاب


أولى تلك الرسائل نجدها وضحة وجلية في مقدمة الكتاب ( ص 9) والتي أتت مقتضبة ومختصرة ومختزلة ، وضعها الكاتب بصيغة خطاب موجه إلى القارئ ، يقول :
" على صفحات الذاكرة .
مدونات كثيرة
تصفحتها كثيرا
كثيرا جدا
وجدتني في بحر الدماء أعوم
ليتني بلا ذاكرة ".
لا يترك الكاتب قارئه عند هذه العتبة فحسب ، إذ ينتقل به إلى مستوى آخر من التفاعل ، وينطلق معه بعد المقدمة ، في السؤال مفتوح عن الكتابة ، ويقول " لماذا نكتب ؟" ( ص 10 ) ويجيب الكاتب بنفس الأسلوب الساعي إلى الاختصار ، في الكشف عن سببه الشخصي للكتابة ، ويجيب " وضع الأجيال في الصورة التي تساعدهم على عدم خوض تجربة فاشلة قد خاضها آخرون " ومن ثم يعرج على حقبة الدكتاتور وهي الرسالة الأهم في الكتاب ويقول " لذا لا بد من إيصال ماهية الدكتاتورية وأساليبها للقادم من الأجيال " .
وضمن هذا الإطار تأتي حكايات الكتاب الاثنتي عشر بأبطالها ، وهم يواجهون مصيرهم المحتوم ، تحت طواحين الحروب الخاسرة ، والسطلة التي عبثت بمصائرهم وأحلامهم ، وأجسادهم ، وتخوض النصوص في الحديث عن الهامش العراقي المسكوت عنه ، والمضمر على هيأة حكايات داخل الصدور ، وما تعرض له هذا المجتمع من سحق وقسوة وتنكيل ، ليشكل الكتاب في مبناه أشبه بخط فاصل بين زمن ولى تاركا آثارا يعيشها المجتمع اليوم ويعاني من تركتها الثقيلة ، وتشكل النصوص أيضا أشبه بوثيقة تاريخية أتت بإطار أدبي غير مثقل بالخيال والاستعارات واللغة الشعرية ، باستطاعة القرّاء تناولها ومعرفة عوالمها .


(5)
زمن نصوص الكتاب

وفي الحديث عن أزمنة نصوص حكايات الكتاب فهي واقعة بين الأعوام 1963 – 1991 ، وإن لم تأت بشكل متسلسل ،إلا أنها تمثل أعوام صعود حزب البعث في انقلاب 8 شباط إلى السلطة ، وصولا إلى حرب الخليج الثانية ، التي أعقبتها الانتفاضة الشعبانية والهجرة العراقية الجديدة .. ويعرض لنا عبر أبطال حكايات هذين الزمنين ، الصراعات العراقية المجتمعية وأطرافها من شيوعيين ودعاة وبعثيين ، والمألات التي لحقتها ببنية المجتمع العراقي ، من فقد وهجرة وتشريد وضياع حتمي ، وهذا ما نجده في حكاية " وداعة الله " ( ص 13 ) والصراع بين الذي دخل بيوت العراقيين عبر الأيدولوجيات المتصارعة في حوار الأشقاء حيدر وأحمد الأمر الذي أدى بهم إلى الخلاف العائلي بسبب أن أحدهم متحررا ديمقراطيا يساريا والثاني محافظا متدينا ، لينتهي الأمر بهم إلى سجون الأمن العامة ، ليتخم الأب الحكاية بجملة قالها لزوجته " أولادك والوطن وداعة الله " . وأيضا في حكاية " الوشم البارودي " ( ص 33 ) التي تتحدث عن الجنود العراقيين الذين يتعرضون إلى حوادث جانبية في معسكرات الحرب إلى رمي بالرصاص القريب ليتم اتهامهم بأنهم ضد الحزب والقائد والثورة ، ومن ثم حكاية " السابعة والخمسون " ( ص 27 ) والتي تتحدث عن مواليد هذه السنة من القرن العشرين ، وكيف أنهم صاروا وقودا للحرب العراقية الايرانية ، وهي المواليد التي سجلت أعلا نسبة في الشهداء(القتلى ) والمعاقين والأسرى والمفقودين في تلك الحرب ..
وهكذا في الحكايات الأخرى " نقطة ضوء ، و سيد حسن ، و فرحان ، و الدرهم الأخير ، وأنا أخاف الله أيضا ، و القرآن الكريم ، والسيد الرئيس ، و حب بين الماء والنار ، والقرار الصعب ". وصولا إلى نص "الخلاصة" ( ص 85 ) ، وهو خاتمة الكتاب والذي يضع فيه الكاتب أس الرسائل ومختصرها بخطاب يفترض فيه بأن القارئ صار صديقا له بعد رحلة القراءة الشاقة والتجول معه في ذاكرته الممتلئة بالجراحات والعذاب ليقول له :
" يا صاحبي
دع عنك ذاكرتي
ففيها كل ما يعني
خراب
واحتراب
وضياع
صمم
فضاءك
وابتدأ صنع الحياة "


(6)
كلمة أخيرة


هذه النصوص والنصوص الأخرى ، كلها تأتي ضمن مشروع عمد عليه الكاتب في السعي وبشكل شخصي خال من الايدلوجيا والوصايا المؤسساتية في أن يضع خبراته ضمن هذا الاطار الهادف ، وهذا ما فعله في كتابه الأول " ق.م سيرة سجين سياسي " في نقل ما كانت تشهده السجون العراقية في النظام السابق .
ولا أجد توصيفا أبلغ من التوصيف الذي كتبه الشاعر قاسم والي على غلاف الكتاب في أنه يشعر " بالسعادة لقراءة نصوص غير سعيدة كتبها لؤي عمران " فهذه النصوص تضمر حقائق تكاد تضيع اليوم في ظل السوء الحكومي الحاصل ، اذ لم يكن هدف الكتاب ترجيح فئة على أخرى أو شريحة على أخرى ، بل هدف الكتاب جاء من أجل قول الحقيقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل