الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


1 / 2الكف تناطح المخرز - رواية

محمد أيوب

2006 / 7 / 6
الادب والفن


(1)

هبطت العتمة دفعة واحدة ، نسمة باردة تلامس وجهه .. شعور غريب يلف كيانه .. النعاس يسري خدراً لذيذاً في أوصاله.. تجتاحه رغبة عنيفة في نوم عميق ، والظلمة وحش كاسر يحمل في جوفه ما يحمله من قلق وترقب ، سكون غريب يلف المنطقة .. أصوات تقافز العِرَس هنا وهناك تمزق سكون الليل ، لكن زلزالاً فقط هو الذي يستطيع أن يهز النعاس القابع بين الجفنين .
ألقى النعاس مراسيه في بحر عيون عسلية يسكنها قلق دائم.. تيار الليل يندفع وئيدا وئيدا ، والنوم بحار لجية .. خطوات أثقلها حقد أعمى تجوس الشوارع، تبحث عن صيد سهل تزرع ظلماً آثماً أو تقلع أمنا وطمأنينة ..
دبيب قلق في أيد مرتعشة يلامس جسده ، يتململ ، يفتح عينيه يتساءل ، تهمس زوجته:
- اسمع صوتا بالباب .
كان صوتها جسدا تهزه برودة شديدة حاولت أن تتمالك نفسها وتتظاهر بالطمأنينة .. استطردت :
- لا بد أنهم أصحاب جاءوا للسهر .
تناثرت علامات استفهام تتضخم أمام عينيه .
- كم الساعة الآن ؟
- الثانية عشرة ليلا.
تبعثرت علامات الاستفهام إشارات ضوئية تستل النعاس من بين جفنيه، تلقي بالمرساة بعيدا لينطلق قارب نعاسه في عرض بحر لجى.
أحس وكأنه استيقظ فجأة دفعة واحدة ، همس بصوت مسموع :
- من هو الذي يفكر في زيارتنا عند منتصف الليل ، لا بد أنهم جيش كوني على حذر دعيني أتصرف بهدوء.
حاولت أن تبدو رابطة الجأش ، وعلى الرغم من ارتجاف صوتها فقد أردت أن تبذر بذور الطمأنينة في نفسه:
- سمعت أحدهم يقول : اقذف حجراً على الباب لتوقظهم :
أنبتت بذور الطمأنينة التي زرعتها زوجته علامات استفهام لم تنضج بعد، تطايرت آخر قطرة نعاس من عينيه ، هب واقفا ، صفع أذنيه جرس الباب.. هتف بصوت تعمد أن يبدو خشنا ..من بالباب ؟
أجابه صوت أصفر:
- افتح .. جيش .
تسمرت زوجته في مكانها كأنها أصيبت بصعقة كهربية ، لكنها ما لبثت أن تساءلت :
- هل افتح الباب ؟
همس :
- انتظري .
- صعد إلى السطح ، أطل على الشارع ، طلب إلى زوجته أن تضيء النور تراجعت العتمة إلى الوراء قليلا، تكشفت عن أشباح قلقة ، صاح أحدهم :
- ألا تصدق ؟
بصق كلامه في وجوههم :
- لا أصدق طبعا ، لأن جيشا يحترم نفسه لا يفعل هذا .
صاح أحدهم :
- افتح الباب بسرعة .
شعر بغثيان يجتاح كيانه .. رغبة في القيء فوق رؤوسهم تلاحقه..
يا من يجترون الحقد وآلام الناس .. ألا ترون في النهار ؟ يا بوم الليل وجرذانه، يا دنس العصر وأدرانه.. ألا يحلو لكم إلا إيقاظ الناس من أعماق النوم ؟ أهذا ما يتطلبه أمنكم ؟ لاحقه الصوت بوقاحة :
- افتح الباب قبل أن نكسره.
اندفع صوته بصاقا في عيونهم الصدئة:
- انتظروا فالأطفال نيام.
فتح الباب ببطء ، حاول أحدهم الاندفاع إلى الداخل، اعترضه بيديه:
- لن تدخل قبل أن أعرف سبب هذه الزيارة المقيتة!
أجاب بلطف:
- أين أولادك؟
- وماذا تريد منهم؟ إنهم نائمون.
فح من بين فكيه:
- أريد أولادك .. لدي أوامر يجب أن أنفذها.
- طز.. لن تأخذهم.
تحرك شخص يبدو أنه المسئول عنهم محاولا إخافته :
- أعطني هويتك.
صاح بانفعال :
- فقط ؟!! خذوها فأنا لا أريدها.
صفعته الكلمات بعنف فتدخل كلب حراسة :
- اسكت وألا أشبعتك ضرباً .
طوفان غضب اجتاح كيانه، غلت الدماء في رأسه ، خرج عن طوره وصاح:
- إن كنت راجل اعملها ، والله لأكسر يدك إن رفعتها .
طق الشرر من عينيه:
- يلعن اليوم اللي شفناكم فيه ..أي والله جنوب أفريقيا أشرف منكم.
تدفقت الكلمات طلقات غضب مخزون في أعماق النفس، رشاش الكلمات يهذي ، يقذف ، لكنه يعي ما يقول .
صاح به شرطي مدني :
- مالك يا حاج هل أنت مسطول ؟
أيقظته الكلمات أكثر ، هزت وجدانه ، استفزته بعنف :
- أنا مسطول يا مسطول .. أن أصحى منك .. أصحى من حكومتك. شلّهم ارتباك مفاجئ ، كانوا يظنون أنهم بورقتهم الملعونة يوجهون أصابع الاتهام إليه ، فإذا بهم في قفص الاتهام، اكتست وجوههم بلون الكركم ، ماتت ابتسامة الظفر على وجه المسئول عنهم، داهمه قلق جامح ، ماذا لو تدفق الجيران من البيوت المجاورة ، ماذا لو رشقونا بالحجارة ؟! ماذا سنفعل عندها ؟ هل سنطلق النار كما اعتدنا ؟ كان يجب أن أوقع الرعب في قلوب سكان هذا المنزل اللعين ، فإذا بهذا الأحمق.. هذا المجنون ، يقلب خطتي رأسا على عقب ، فأجد نفسي متهماً بدلا من توجيه أصابع الاتهام .. ترى هل فعل بنا هتلر مثلما نفعل بهم اليوم ؟
خرج حياد من غرفته ببطء كأنما أيقظته أفاع ملعونة في حلم مزعج ، فرك عينيه كأنه يحاول رؤية ما أمامه ، ارتد إلى الوراء قليلا يريد أن يهرب ، لكن إلى أين ؟ المكان مليء بالجنود، جميع الأبواب موصدة بوجه جندي أو بظهره ، سيان ، وصوت أبيه يتدفق طوفانا يغرق صمت الليل .
نهره أحدهم :
- أين هويتك تعال معنا .
صاح أبوه : لا تخف منهم ، البس ملابسك وخذ هويتك ، ولا تخف أنت أقوى منهم ألف مرة ..إنهم جبناء .
أزاح الجندي الواقف بباب حجرته بيده ، دخل بهدوء إلى الحجرة ، خلع بيجامته ، لبس قميصه وبنطلونه، وأدخل قدميه في الحذاء نسى جواربه ،أخذ بطاقته الشخصية ، الوقت يمر سريعا ، أسرع من المعتاد ، لو أن الساعة تقف ، لو أنهم يموتون جميعا قبل أن يأخذوني معهم ، لو أن زلزالا يهدم البيت على رؤوسهم، نظر إلى والده نظرة عتاب تشوبها لوعة ومرارة ، سرح ببصره عبر العتمة التي تحاصر أنوار المنزل ، شرد ذهنه ، لطالما منعتني يا والدي من التعبير عن نفسي، لطالما حذرتني من إيذائهم ، من المساس بهم، " ابعد عن الشر وغني له، وهات فأس وقني له"، وها قد ابتعدت عنهم ، فهل تركوني في حالي ؟ هل ابتعدوا عني ؟ ها قد جاءوا يدقون بابنا عند منتصف الليل ليقصفوا عمر الطمأنينة في عيون أخوتي الصغار ، آه يا والدي .. حتى اسمي ، أسميتني حياد، فإلى متى سأظل حيادا لا طعم له ولا لون ولا رائحة ،إلى متى سأظل متعادلا مثل ملح الطعام ؟ إلى متى يا والدي ؟ إلى متى ؟ إنهم يخرجونني عن اسمي رغما عن أنفك وأنفي ، رغم أنف دعواتك ودعوات أمي الصالحات ، ها قد وضعت رأسي بين الرؤوس فماذا حدث ؟ لقد اختاروا رأسي من بين كل الرؤوس ليقطعوه ، فهل تصدق ذلك يا والدي ، خنعت كثيرا ، تهربت من عيون زملائي سلكت الطرق السلبية ، صليت كثيرا ، لأقنع نفسي أن حياتي لها معنى ، فماذا كانت النتيجة ، ها هم يعكرون صفونا وفي منتصف الليل ! ألم تكن تتوقع ذلك يا والدي وتخشاه ؟ ، كنت تكاد تموت خوفا علي ، وها أنت تكاد تنفجر غيظاً منهم ، أنت المسالم الهادئ .. حتى أنت لم تسلم منهم.
جذبه أحدهم بعنف :
- هيا .. هيا معنا .
- صفعته فكرة قاتلة .. بعد أيام سيكون الامتحان .. امتحان الثانوية العامة ضاع الولد، جن جنونه :
- لا.. لن تأخذوه قبل أن تقتلوني .. لن تأخذوه .
صاح الشرطي المدني :
- لا تخف يا حاج ،إنه مجرد إجراء احتياطي .
- لا أخاف ؟ لا أخاف وأنتم تنتزعون قلبي من بين ضلوعي تستلون روحي بلا شفقة ، تقتلونني بلا رحمة ، لا أخاف !! يا ظلمة ...
صاح:
- تريدون إضاعة الامتحان عليه ، ليكن ، لقد أضعتم عمرنا كله ، طز فيكم وفي الامتحان ، لكني أقسم واسمعوها جيدا ، ثم افعلوا بي ما شئتم ، سيكون ابني فدائياً بعد أن يخرج من السجن ، لن أمنعه من الأخذ بثأره ، بثأر أبناء شعبه الذين شربوا من كأس ظلمكم حتى الثمالة ، اسمعوها جيدا ، وإن كان في جيشكم رجال، فلتحذروا .. إن أبناءنا ..أحفادنا قادمون إليكم ، يزحفون ببطء لكنهم سيصلون مهما طالت الطريق .
صاح المسؤول :
- أين ابنك الآخر ؟
جن جنونه :
- إنه لا يحمل بطاقة هوية .
- وليكن نريد أن نأخذه معنا ؟
يا أولاد الكلب ، تتلذذون على آلامنا ، تبتلعونها ، ثم تعيدون اجترارها في أوقات راحتكم ، انخلع قلب زوجته، حاولت أن ترجو ضابطا يضع على رأسه طاقية صغيرة.
- أنت متدين .
وقبل أن تكمل رجاءها صفعتها كلمات زوجها :
- هذا خرا .. هذا ليس متديناً ، هذا لعنة هو وأمثاله من أدعياء التدين ، ليفعلوا ما يشاءون ، لم أعد أهتم ، لكني أقولها فاسمعوها جيدا:
- افعلوا ما شئتم، سيخرج أبنائي من السجن، إنهم لم يفعلوا شيئاً، مشوا إلى جانب الحائط كثيراً ، طلبوا الستر كثيراً ، فهل نجوا من شركم ؟ سيخرج أبنائي ، وسينضمون إلى صفوف المقاومة، وذنبكم على جنبكم ، انتم تريدونها هكذا فليكن ، وإذا كان لا بد من الاختيار بين الخنوع والمقاومة فنحن مع المقاومة .. مع المقاومة ، اقتلونا إن شئتم ، جذورنا أقوى منكم ، ستنبت جذورنا من جديد ، فهي تمتد عميقا في بطن هذه الأرض ، أما أنتم .. أين جذوركم ، أنتم نباتات صناعية في أصص جميلة لن تصمدوا إن اشتدت الريح قليلاً ، فهل تدركون هذا ؟
انتبه فجأة ، لم يجد إلا ذلك الضابط ذا الطاقية المثبتة على رأسه بمشابك شعر حريمية .. دفعه بعنف :
- أين أولادي . أريد أن أذهب معهم .. أريد أن أذهب معهم .
أجابه ببرود أسود :
- لن تذهب .
- بل سأذهب .. سأذهب .. سأذهب
كانت عيون زجاجية هلعة تطل من خلف شيش النوافذ حين عادت سيارة جيب إلى الوراء بسرعة ، قفز الضابط وجنديان كانا معه إلى السيارة ، صرت العجلات تاركة إياه وسط سكون الليل وظلمته نهبا للأفكار .. أفكار شتى تتنازعه ، لكن فكرة أكبر من كل أفكاره ألحت عليه فهمس :
- عاشت المقاومة .

الفصل الثاني


( 2)
نظر الشرطي المدني إلى ساعته ، وصورة تلك المراة ما زالت تلاحقه ، آثار بصاقها ما زالت تحرق جلده، تمزقه من الداخل ، مسح وجهه للمرة المائة ، لكنه لا يزال يشعر بطعم البصاق يخترق خلاياه، يحرقها ، لم أصادف في حياتي مثل هذا الموقف ، هذا البيت مدبرة حركها طفل أحمق بعصاه ، فاعت دبابير الغضب بدائية شرسة ، كانت الكلمات لسعات دبابير تخز العقل ، تخز النفس .. الله يعدمك أولادك ، دعوة أم محروقة بلهب غاضب همجي انصبت على رأسه ، وهو يحاول تهدئة الموقف ، تلطيف الجو :
- يا حاج إنه مجرد إجراء احتياطي .. احترازي .
شرد ذهنه .. احتياطي !! هل يصدق هذا ؟
لقد تعود أن يبصق تلك الكلمات أينما ذهب ، فهذه مهمته كشرطي مدني .. أن يرش على الموت سكرا .. كان شاهداً تحت الطلب ، كم مرة خرج في مثل تلك المهمات ، لكنه لم يصادف مثل هذه الليلة اللعينة .. دعوات تلك المرأة تلاحقه، تهز كيانه من الداخل .. الله يعدمك أولادك .. تفوو عليك وعلى حكومتك ، ومسح وجهه للمرة الأولى بعد المائة .. هذا البصاق الملعون .. ألا يتركني في حالي .. أحس أن جلداً جديداً ينبت في وجهي من كثرة ما مسحت البصاق ، بصاقها يذكرني بعار هذه البدلة الخاكية اللون ، كان شيوخ بلدتنا يقولون في الجليل :
" لا يدخل الشرطة إلى الداشر " .
وها هي هذه المرأة تصفعني على وجهي ، ليتها صفعتني بيدها ، لقد صفعتني بكل كيانها .. بكل أحاسيسها ، اعتصرت خلاصة جسدها بصاقاً يحمل طعم الاحتقار ولون الحقد.
أحس باختناق شديد .. فك أزرار قميصه .. كابوس ثقيل يلاحقه ، هل هو قدري أن أكون شاهدا على مآسي الناس لا تكاد ليلة تخلو من مأساة مداهمة البيوت التي أصبحت جزءاً من حياتنا .. افتح .. جيش افتح ..جيش .. افتح قبل أن نكسر الباب ، وبصق باشمئزاز .
*******
على الرغم من تجاوز الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، قرر أبو محمود – ذلك الشرطي المدني من الجليل أن ينزل من السيارة التي كانت تقله عائدة به إلى المركز ، قرر أن ينزل ليتحرر من جو العمل الرسمي ولو لفترة بسيطة ، سار ببطء ، تنفس الهواء ببطء شديد.. كان الهواء نديا، سار وسارت معه وساوسه ، أفكار سوداوية تلاحقه، ترى كيف يكون شعوري لو أنني عدت إلى بيتي ووجدت ابني الوحيد محمود وقد حدث له مكروه.. لا .. وحرك يده اليمنى محاولا أن يبعد هذه الأفكار عنه، اقترب من دكان ما زال يفتح أبوابه ، توقف، فهو يعرف صاحب الدكان جيد !
- أهلا أبو محمود .. أهلا يا بركة .
سرح أبو محمود ببصره إلى جهة غير محددة ، بركة .. أنا بركة يا منافق ، إنكم تكرهوننا ، ولكني عربي مثلكم .. قدري الملعون وضعني في هذا المأزق ، أن تكون شرطياً في زمن الاحتلال يعني أن تكون شاهد زور لا أكثر ، شاهداً على ديموقراطية لم تولد بعد ، لقد ترقيت في سلك الشرطة .. إنني أحمل تلك الوردة على كتفي فماذا أفادتني ؟ هل أنا ضابط حقا، هل أملك الحق في قول ما أريد ولو مرة واحدة .. إنني أنفذ ما يريدون فقط.
أيقظه صوت صاحب الدكان :
- تشرب حاجة باردة ؟
- كان يحس بحاجته فعلا إلى شيء بارد يطفئ تلك النار التي تعشش في مسامات الجلد ، لكنه لا يستطيع ابتلاعها ، يحس أن كرة مرة تغلق حلقه .. الله يعدمك أولادك .. ماذا لو سمعت ذلك يا محمود ؟ هل كنت ترضى أن يستمر أبوك في عمله ، أحس برغبة شديدة في العودة إلى ذلك البيت ، تلك المدبرة التي أثارها طفل أحمق فملأت كيانه لسعا ، لكنه لو ذهب فسيواجهونه حتما بتهمة ما ، توقفت أمامه سيارة بصورة مفاجئة ، نزل منها شخصان ، ثم نزل منها الرجل المسطول نفسه ، صاحب ذلك البيت الذي يحمل بين فكيه مدفعا رشاشا .. يلعن اليوم اللي شفناكم فيه .. خذوا هويتكم ، لا أريدها .. جنوب أفريقيا اشرف منكم ، هتلر وما أدراك ما هتلر ، كلمات ليس لها أول من آخر ، ما زال صداها يتردد في أذنيه :
- مساء الخير ، قالها سائق السيارة بتثاقل .
عقب الرجل بهدوء :
- بل صباح الخير .
نظر أبو محمود بدهشة إلى الرجل .. يبدو هادئا ، وكأنه لم يكن بركانا يقذف حممه قبل أقل من ساعة ، يبدو هذا الرجل الآن بحيرة هادئة ، عيون صافية لا يشوبها قلق ، إنه يحسده ، هدوء يسبب له غيظاً غير محتمل ، على الرغم من أننا أخذنا ولديه فهو هادئ ، وكأنه لم يحدث شيء ، دفعه حب الاستطلاع :
- ماذا تريد يا حاج ؟
ابتسم الرجل :
- لا أريد شيئا.. أنت عبد مأمور.. ألم تقل لي ذلك في المنزل، حتى لو أردت، ماذا تستطيع أن تقدم لي ما دمت عبداً مأموراً !؟! زميلي هو الذي أوقف السيارة .
دهش الشرطي :
- إذن .. إلى أين كنتم ذاهبين ؟
رد الرجل :
- إلى مركز الشرطة .. أريد أن أعرف ماذا فعلوا بأولادي .
أحس الشرطي برغبة صادقة في تقديم نصيحة حقيقية :
- يا حاج ،لا تذهب ، بعد أن فعلت ما فعلته بنا في المنزل ، ولولا خشيتهم لأشبعوك ضربا .. كانوا يخشون إثارة غضب الجيران ، عد إلى بيتك وسيطلق سراح أبنائك غدا أو بعد غد ، عد ولا تذهب ، ستجد ما تكره إن ذهبت.
قال السائق : وابني ؟
- سيطلق سراح الجميع ، انه مجرد حبس احتياطي بمناسبة يوم المساواة .
- ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجه "أبو حياد" وكلمة طز أكبر أمام عينيه ، فلم يعد يهتم ، ليفعلوا ما يشاءون ،همّ بأن يركب السيارة ، ولكن الشرطي أوقفه :
- يا حاج .
التفت إليه .
- مش حرام مرتك تدعي على ابني ؟
- هيء.. صدرت عن أبو حياد غير مكتملة .
- أنت زعلان ؟ أخذتم أولادي الاثنين وابن الجيران ، والله أعلم اخذ توا مين كمان!! وزعلان من دعوة ؟! يا أخي عنا مثل بيقول "ظالم ما تكون من الدعا ما تخاف" فهل تشعر أنك ظالم أم أنك على حق ؟ ألجمه السؤال فما اعتاد أن يسأل أو يسال ، اعتاد ان ينفذ الأوامر فقط دون أن يسأل : أهي عادلة أم ظالمة ، كل ما يعرفه الآن أن دعوات تلك المرأة تلاحق ابنه الوحيد ، يتخيلها قطاراً يجري بسرعة رهيبة وابنه محمود يلعب أمامه ، لا يدرك حقيقة الخطر الداهم ، طنين الدعوة يمزق أذنيه ، يصمّها .. الله يعدمك أولادك .. الله يعدمك أولادك..
صاح :
- مش حرام مرتك تدعي على ابني ؟
- يا أخي تعال نتفق ، سأغير مضمون الدعاء ، فأنا أمون على زوجتي ، اسمع هذه الدعوة : الله يبعث لكم بجيش أقوى منكم يدخل بيوتكم ويفعل بكم ما تفعلون بنا الآن ، نحن لا نملك إلا البصاق والدعاء فقط .
- والله صعبة يا حاج ، أنا معك ، شيء صعب أن يأخذوا أولادك أن يضربوهم أمام عينيك ، ولكني عربي مثلك .
- هيء .. هيء .. هيء ..
ومزقت ضحكة غير مكتملة سكون الليل :
- أنت عربي ؟! أنت عربي ؟! إذن لماذا تفعل بنا هكذا ؟ إذا كنت عربيا مثلنا .. لا .. لا تقل إنك عبد مأمور .. لا تقلها .
- ولكنها لقمة العيش يا حاج .
- أية لقمة عيش ؟! لقمة مغموسة بآلام الآخرين ، لقمة مرة ، فكيف تستطعمها ؟ كيف تحس أن لها طعماً مريحاً ؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير


.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام




.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي