الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق امام مفترق الطريق،ا صلاح من الداخل ام انقلاب؟

كمال سيد قادر

2006 / 7 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا اعتقد بان هناك انسان بالغ فى العالم يهتم بالسياسة يحتاج الى شرح و تحليل للاوضاع العراقية الراهنة و وسائل الاعلام تزودنا باستمرار بانباء عن القتل، و الاختطاف، و الفساد المتفشى فى كافة اجهزة الدولة، و انعدام او تدنى الخدمات الاساسية، و الفوضى، و التطهير الطائفى و العرقى . و ربما اصبح العراق الآن اخطر مكان للعيش فى العالم.

و لكن ما ينبغى معالجته و مناقشته هو طريقة انقاذ العراق من هذا الوضع المأساوى.
و العراق الحالى لا يشكل حالة شاذة فى التأريخ الحديث للدول، بل سبق لدول عدة فى العالم ان مرت بضروف مشابهة للوضع العراقى الحالى الذى من المستحيل ان يستمر على ما هو عليه الآن دون ان يؤدى الى كارثة تاريخية تهدد حياة الملايين من العراقيين من خلال حرب اهلية تجرى ألآن على نار هادئة و تدهور الوضع الاجتماعى و الاقتصادى و الصحى للمواطنين.

الخيارات المتاحة امام العراقيين لانقاذ بلدهم هى خيارات محدودة تم تطبيقها فيما مضى فى بلدان مرت بحالة مشابهة للحالة العراقية.

و هى خيارات يمكن ان تأخذ شكلا سلميا طوعيا او عنفويا اكراهيا، و هى:

1. النظام السياسى يقوم باصلاح نفسه بنفسه كما حدث فى جنوب افريقيا حيث تم تفكيك نظام الفصل العنصرى و حل محله نظام ديمقراطى يضمن المساواة لكافة المواطنين بغض النظر عن الانتماء الطائفى و العرقى و الدينى.
2. يقوم الشعب من خلال احتجاجات واسعة بتبديل حكومة فاسدة غير مرغوب فيها حتى لو كانت قد جاءة الى السلطه باساليب ديمقراطية، كما حدث فى صربيا عام 2000, و الارجنتين عام 2001، و اكرانيا عام 2004 و 2005.
3. الانقلاب العسكرى كما حدث فى تركيا عام 1980 و كوريا الجنوبية عام 1961.
4. الانقلاب الداخلى حيث يقوم فرد او جماعة من داخل الحكم نفسه بالاستلاء على السلطة، كما حدث فى الفلبين عام 1972، حيث قام الدكتاتور السابق ماركوس آنذاك بتعليق الدستور و ثم تعديله لينفرد بالحكم بعدئذ.

و فى كل هذه الحالات التى تم ذكرها، و بالرغم من اختلاف الاساليب، فان هناك عوامل مشتركة فيما بينها. اى ان التغيرات على الحكم، مهما كانت ايجابية او سلبية كانت قد سبقتها حالة من الفوضى و الفساد و عدم الاستقرار. ففى حالة جنوب افريقيا فهى كانت مسرحا لحرب اهلية بين الاكثرية من غير البيض و الحكومة العنصرية التى كانت تمثل البيض فقط.
و فى حالة تركيا، فان حالة من الفوضى و الفساد و الفلتان الامنى كانت قد سبقت انقلاب عام 1980، بحيث رأى الجيش بانه من واجبه انقاذ البلد من خلال الاستلاء على السلطة. و فى حالة الفلبين كان هناك وضعا مشابها، اذ اجتاحت حربا اهلية هذا البلد بعد انتخاب ماركوس رئيسا له عام 1965 بين الشيوعيين و الجماعات المسلحة الاسلامية من جهة و الحكومة من جهة اخرى مما وفرت لماركوس ذريعة تعليق و تعديل الدستور و الانفراد بالحكم بحجة اعادة الامن و الاستقرار الى البلد عام 1972. و كذلك بالنسبة لكوريا الجنوبية حيث استولى الجنرال بارك جونك لى على الحكم عام 1961 بعدما عم الفساد و الفوضى البلد.

فيما يخص الانقلابات مهما كان الشكل الذى تتخذه، فانها حالة مؤقتة نسبيا. ففى تركيا لم يستمر حكم العسكر الى ثلاث سنوات حيث اجريت انتخابات برلمانية عام 1983 فى ظل دستور جديد. و لكن الحالة الكورية استمرت لمدة اطول اى من عام 1961 الى 1987 حيث اجريت انتخابات رئاسية مباشرة.

و بالنسبة لفعالية الانقلابات، فهى تعتبر اسلوبا فاشلا بصورة عامة. فحكم ماركوس الدكتاتورى لم يؤدى الى اعادة الامن و الاستقرار الى البلد، و لا الانقلاب العسكرى فى تركيا حيث ان تركيا تعانى لحد الآن من حروب داخلية و تدنى النمو الاقتصادى.
حالة كوريا الجنوبية هى الحالة الوحيدة التى ستطاعت ان تحقق نجاحا اقتصاديا حيث ان الاقتصاد الكورى عاش قفزات نوعية فى فترة الحكم الدكتاتورى و لكن على حساب الحريات المدنية. و لكن هذا التقدم الاقتصادى شكل فى نفس الوقت حجر عثرة امام الحكم الدكتاتورى، اذ نمى المجتمع المدنى فى البلد مع نمو الاقتصادى الى ان قضى على الحم الدكتاتورى نفسه عام 1987.

من بين انجح اساليب تغير نظام حكم هو الاسلوب الطوعى السلمى كما حدث فى جنوب افريقيا ابتداءا من عام 1994 حيث ادت المصالحة الوطنية الى شيوع الامن و الاستقرار فى البلد و ازدهار الاقتصاد.

تبديل حكومة فاسدة عن طريق انتفاضة جماهيرية سلمية هو اسلوب ناجح ايضا و لكنه يتطلب مجتمعا مدنيا متطورا نسبيا و اجماعا شعبيا يصعب ايجاده فى مجتمعات عشائرية او طائفية كالمجتع العراقى مثلا.

و بما ان الوضع الحالى فى العراق من المستحيل ان يستمر على شكله الحالى، فانه من المعقول التفكير فى الاسلوب الذى ربما سيسلكه العراقيون لانقاذ العراق من هذا المأزق .

ألعراق امام مفترق الطريق

وضع العراق الحالى يشبه الى حد كبير الاوضاع التى سادت فى البلدان التى تم ذكرها اعلاه، قبل حدوث التغيرات على حكوماتها.

فعراق اليوم يتسم بالفوضى، و الفساد، وا لحرب الاهلية و عدم مقدرة حكومته على ادارة البلد بصورة مرضية، و هى حكومة لا تتمتع حتى بالسيادة الداخلية الكاملة اذ هى لا تسيطر الا على اجزاء منفصلة عن بعضها البعض داخل العراق و حتى داخل العاصمة نفسها، ناهيك عن مقتدرتها على حماية المواطنين التى هى عادة من الواجبات الاساسية للحكومات.
و الحكومة العراقية الحالية تعتمد كثيرا على القوات المتعددة الجنسيات التى تتحمل العبأ الاكبر فى محاربة الارهاب، و لكن هذه القوات هى ليس من واجبها حماية حكومة طائفية فاسدة عاجزة عن اداء واجباتها، كما لم يمنع وجود القوات الامريكية فى تركيا و كوريا الجنوبية و الفلبين من حدوث انقلابات ضد حكوماتها فى الماضى.

و هناك الآن خيارات عدة امام العراقيين لتنظيم امور بلدهم، و نفس هذه الخيارات كانت متاحة لشعوب اخرى، نجحت بعضها فى مهمتها و اخفقت بعضها الآخرفيه:

1. انتفاضة جماهيرية: هذا الخيار له شرعيته اذا ايده اكثرية الشعب بكافة طوائفه و اعراقه كما حصل فى اوكرانيا و صربيا فى الماضى بشرط ان يكون سلميا، و لكنه خيار مستبعد فى الحالة العراقية لان انتفاضة شعبية من هذا النوع تتطلب حدا ادنى من الاجماع بين كافة الطوئف و الاديان و الاعراق، و هذا هو امر صعب تحقيقه فى العراق الحالى بسبب انقسام الشعب نفسه بمحاذات الخطوط الطائفية و العرقية حيث لكل جماعة استراتجية خاصة بها لا تتناسب مع استراتيجيات الجماعات الاخرى.
2. الاصلاح من داخل الحكم: هذا الخيار هو من افضل الخيارات و اقله احتمالا لان القوى الرئيسية داخل الحكومة نفسها هى قوى طائفية و عرقية و ليست بالضرورة حركات عراقية جامعة و هى لم تجمعها الا الضرورة. فالاحزاب الشيعية تمثل الشيعة، و الكردية الاكراد فقط و نفس الشئ بالنسبة للاحزاب العربية السنية، و لهذا فانه يصعب عليها التوصل الى استراتيجية عراقية. و مشكلة اخرى تعانى منها بعض هذه القوى هى تبعيتها لقوى خارجية، خاصة لبعض دول الاقليم، و هى دول لها مصلحة فى ابقاء العراق على وضعه الحالى. فالعراق هو ليس جنوب افريقيا التى كانت لها احزاب عصرية تؤمن بالديمقراطية من حيث المبدأ و تمارسها داخل صفوفها. الاحزاب العراقية الرئيسية الحالية هى اكثرها احزاب مركزية لا تمارس الديمقراطية فى صفوفها و تعتمد على الاسلوب الوراثى الاقتطاعى فى تحديد رؤساءها. صحيح بان هناك محاولة اصلاحية من الداخل كمؤتمر الحوار الوطنى و لكن هناك امل ضئيل فى نجاح هذه المحاولات بسبب الاستراتجيات المختلفة للقوى السياسية الرئيسية على الساحة العراقية و سعيها الى الحصول على امتيازات طائفية.
3. الانقلاب على الحكم من الداخل: هذا خيار وارد و لكنه اذا حصل فسوف لم يكتب له النجاح، لان اى طرف داخل الحكومة العراقية الحالية يقوم بالاستلاء على الحكم سيكون طرفا طائفيا، و هذا يعنى بانه سيجد نفسه فى مواجهة مع الطوائف الاخرى بصورة تلقائية، مما يؤدى الى المزيد من التشنج او حتى حرب اهلية كلية بين الطوائف المختلفة. فالبعثيين كانوا يمثلون طائفة معينة و لم يكن باستطاعتهم حكم العراق الا عن طريق الاضطهاد المكثف للطوائف و القوميات الاخرى. فكل طرف طائفى آخر يستولى على الحكم سوف يسلك مسلك البعثيين و يلقى حتما نفس المصير.
4. الانقلاب من خارج دائرة الحكم: هذا الخيار هو وارد جدا اذا توفرت بعض الشروط لدى الطرف الذى يكمن ان يستولى على الحكم. لهذا الطرف ان يكون طرفا عراقيا علمانيا غير طائفيا، له القوة العسكرية اللازمة وخاصة القوة الجوية لاستلاء على الحكم و الاحتفاظ به، يكون غير تابعا لاى طرف خارجى و لكنه ليس من المشروط ان يكون هذا الطرف حزبا سياسيا بل يمكن ان يكون جهازا حكوميا تكنوقراطيا ليس مبنيا على الطائفية. فهذا الطرف اذ وجد فى العراق و كان له الرغبة و القوة للاستلاء على الحكم، فان اول عمل يقوم به بعد استلام الحكم ربما يكون تعليق العمل بالدستور الحالى و فرض حضر مؤقت على عمل الاحزاب السياسية مع حرمان بعض السخصيات السياسية و الطائفية من بعض من حقوقها المدنية والسياسية للحد من نشاطاتها. بالاضافة الى ذلك فان هذه الحكومة ستقوم باصلاحات اقتصادية و ادارية واسعة و خاصة فى ميدان مكافحة الفساد و توفير الخدمات الاساسية للمواطنين و رفع مستوى المعيشة. كما ان على هذه الحكومة ان تقوم بجمع الملايين من قطع الاسلحة و الذخائر من العراقيين و فرض قونين فعالة ضد حيازة و استعمال الاسلحة بصورة غير قانونية. فهذه الحالة اذا ظهرت يكمن ان تستمر لمدة قصيرة نسبيا كما كان الحال فى تركيا بعد انقلاب 1980 او مدة اطول كحالة كوريا الجنوبية. و هذا امر يتعلق بمدى نضوج الاوضاع فى العراق للعودة الى الحياة الديمقراطية. و مهما كان الامر فان السلطات الجديدة سوف تحضى بتابد شعب واسع خاصة لدى الطبقة الوسطى و العلمانيين و هذا التأيد سوف يتسع ليشمل ايضا الطبقات الفقيرة فى حالة نجاح السلطات الجديدة فى معالجة الاوضاع الاقتصادية الحادة، و هو امر ليس بعسير فى دولة غنية بالموارد الطبيعية كالعراق. و فيما يتعلق بموقف قوات المتعددة الجنسيات، فانه من المنتظر بان هذه القوات سوف لا تتدخل فى شؤون العراق الداخلية، اذا لم تضر الحكومة الجديدة بهذا القوات و تعمل بجهد لرفع ثقل مكافحة الارهاب عن كاهلها.

و بالرغم من ان هذا الاحتمال هو وارد جدا، لكنه خيار غير ديمقراطى، لذلك فانه على القوى السياسية الحاكمة فى العراق بذل قصارى جهدها لانجاح الحوار الوطنى و بناء عراق جديد بعيدا عن الطائفية، مبنى على حق المساواة بين كافة المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية و الدينية و العرقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث