الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طقوسُ الثقافة التّذْكارية في كرة القدم الأوروبية

بوناب كمال

2020 / 9 / 27
عالم الرياضة


للوهلةِ الأولى؛ يبدو أنّ الرياضة والموت جزءانِ من عوالمٍ لا تلتقي، فلا مكان للموت في المسابقات الرياضية، لأنّ الرياضة شكلٌ من أشكال التعبير عن كثافة الحيوية الجسدية والمرح وتحسينِ الحياة، وإذا اقترنتِ الملاعب وصالات الألعاب الرياضية بالموت فإنّ ذلك يكون إمّا حالةَ نُزوعٍ لخيالٍ فنّي أو استثناءاتٍ غير عادية، مثل إعدام جُناة النازية في الصالة الرياضية لـ نورمبرغ أو قتلِ معارضي نظام الدكتاتور بينوشيه في الملاعب؛ أو مشانقَ نصّبتها المحاكم الثورية ،بقيادة أيقونة الثورة تشي جيفارا، للخاسرين والمنشقين في قصرٍ رياضي تمّ تشييده من طرف دكتاتور كوبا السابق فولجنسيو باتيستا.
مثل ما تجذبُ طقوس الحداد الجماعي انتباهَ وسائل الإعلام وباحثي العلوم الاجتماعية، فإنّ الأحداث الكارثية في الملاعب تسترعي بدورها اهتمامَ هؤلاء؛ ولا أدلّ على ذلك من المآسي التي وقعت في إبروكس بارك (غلاسكو) وملعب هيلزبره (شيفيلد) وملعب هيسل (بروكسل)؛ ناهيك عن مآسي أخرى مؤثّرة مثل تحطم طائرة مانشستر يونايتد في ميونيخ سنة 1958 وكارثة سوبرغا الجوية التي قضتْ على فريق تورينو الأسطوري 4 ماي 1949؛ هكذا شرعتْ ثقافة التّذكار والنّصب التذكارية في فرضِ نفسها على ثقافة كرة القدم في أوروبا، وأصبحت جزءا من الحياة الاجتماعية داخل أندية كرة القدم.
طقوسُ الذاكرة
تشملُ ممارسات الذاكرة في أندية كرة القدم الأوروبية نصْبَ لوحاتٍ تذكارية في الملاعب الرياضية، ونشرَ قوائمَ أسماء شرف مع سِيرٍ ذاتية لمُنتسبينَ توفّوا في الحرب، إضافة إلى إعلاناتِ نعْيٍ في المجلّات؛ وتماثيل ومقالاتِ مُعجبين ورموز روحية تُعرضُ في المزاد؛ وحتى القُمصان يمكن أن تُعبّر عن تخليد الذكرى، فعلى سبيل المثال طُرّزتْ قمصان فريق Scottish Heart of Midlothian FC بأسماء اللاعبين الذين قضوْا في الحرب العالمية الأولى؛ وعلى جدول الأعمال في بداية السنة تُبرمجُ دقائق الصمت، ويبرزُ في خضمّ ذلك جدالٌ ،أو سوء فهمٍ، بين بريطانيا وإيطاليا، حين يَستبدلُ المشجعون الإيطاليون دقيقة الصمت بدقيقةٍ من التّصفيق.
الشّرف والشّهرة
في غرّة أكتوبر 2006؛ وبحضور أكثر من 2500 مشجّع، دُفن رماد ملك ملعب ستامفورد بريدج بيتر أوسجود تحت نقطة ضربة الجزاء، هتفت الحشود Osgood is good. Osggod is good ؛ وارتفعَ رقم قميص أوسجود في سماء لندن؛ لم تهدفْ هذه الاحتفالات إلى تذكّر لاعبٍ متوفّى فحسب، بل اعتنتْ بإقرارِ المجد والشرف الذي يحظى به نادي تشيلسي؛ تُحافظ "قاعات المشاهير" على الذاكرة وتخلّدُ لاعبين استثنائيين، ومتحفُ مشاهير كرة القدم الإنجليزية في مانشستر أصبح مكّةً لشغوفي اللعبة؛ وحصلَ أن حدث خلاف بين إدارة المتحف ونجل أسطورة إيفرتون تومي لاوتون بشأن من له حقّ حيازة جرّة اللاعب الأسطورة.
إدانةُ الذّاكرة
بين عاميْ 1933 و 1945 ألغتِ النازية إنجازات الرياضيين اليهود من الذاكرة الجماعية، وحذفت سجلاتهم ووثائقهم من أندية كرة القدم؛ ومنذ سنة 2005 أُجريت عديدٌ من الدراسات التاريخية بخصوص تاريخ الأندية الألمانية خلال فترة الاشتراكية القومية، وتشملُ فصولا مخصّصة لمصير الرياضيين اليهود الذين وقعوا ضحيةً للسياسة العنصرية النازية؛ وبالمثل تعرّضت النساء غير البيض للاستبعاد من قائمة المشاهير في الرياضة الأمريكية؛ وفي هذا دلالةٌ على أنّ الذاكرة الاجتماعية انتقائية ومنحازة من حيث المعايير الاجتماعية والثقافية، ما يجعلها خاضعةً على الدوام للمراجعة.
معضلة رماد الآباء
منذ الثمانينات؛ عرفت المملكة المتحدة تعايشًا غريبا بين المقبرة وملعب كرة القدم، أيْ استخدام الملاعب الرياضية كحقولٍ لنثرِ الرماد أو حدائق لدفن الجِرار؛ ومع ذلك فإن العديد من الأندية أبدتْ خشيتها من مخاطر هذا التقليد على صحة اللاعبين أو سلامة العُشب؛ لذلك أصرّت بعض إدارات الفِرق على بَعْثرةِ الرماد أو دفنه بجوار الملعب؛ أما نادي مانشستر سيتي فقد اختار إنشاء حديقة تذكارية خارج ملعب الاتحاد؛ أنديةٌ أخرى ،مثل برمنغهام سيتي وَ ديربي كاونتي أف سي، أبرمت اتفاقيات مع الجمعية التعاونية ميدلانز لتنظيم "جنازات كرة قدم"، أين يكون في مقدور أقارب المشجعين المتوفّين شراء توابيت مزيّنة بشارات النادي؛ ويبدو أنّ المدافن في ملعب لابومبونيرا بـ بيونس آيرس قد أصبحت متكررة ومكلفةً لدرجة تدهور حالة عُشب الملعب، لذلك قرّر مجلس إدارة النادي تأسيس مقبرة بوكا جونيورز جنوب عاصمة الأرجنتين، وبينما تمّت ،فعلا، إعادة دفن العديد من نجوم الفريق في المقبرة الجديدة، استمرّت جرارُ المعجبين المتوفّين في الوصول إلى المقبرة من القارات الخمس.
بتصرّفٍ عن:
Wolfram Pyta & Nils Havemann (Ed) : European Football and Collective Memory, Palgrave MacMillan, 2015.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى عسل: أشكر جماهير الأهلي على الدعم وأسعى للتتويج بلقب ب


.. عاجل .. نقل أطفال الترسانة للمستشفيات بعد إصـ ابتهم باختـ نا




.. نوران جوهر: سعيدة بالتأهل لنصف النهائي وأتمنى التتويج بالب


.. مباشر.. إصابة 5 أطفال باختـ ناق داخل حمام سباحة بنادي الترسا




.. صورة تذكارية للرئيس السيسي مع منتخبات البطولة العربية للفروس