الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 5

دلور ميقري

2020 / 9 / 27
الادب والفن


حلّ الفرحُ في حياة أصغر أبناء المرحوم الحاج حسن، عاماً على أثر فجيعته بصديقه ولاتو. قبل ذلك، حينَ دلّ شقيقَهُ الكبير على العروس المطلوبة، فإن والدتهما علّقت بنبرة مشفقة: " وأنت يا جمّو، ألا تفكّر بالزواج وقد تجاوزتَ الثلاثين؟ ". حينَ شرَعَ شقيقه بمشروع زواج جديد، عقبَ وفاة امرأته الأولى، عادت السيّدة سارة لتطرح نفسَ السؤال على أصغر أبنائها. عند ذلك، أبهجَ هذا قلبها بأن ذكرَ لها في شيء من التردد والحياء اسمَ العروس، التي يعتقد أنها مناسبة له. دونَ إضاعة أيّ وقت، وكما لو أن البنتَ لقيةٌ ثمينة لا تعوّض، بادرت الأم في مساء اليوم التالي إلى زيارة صديقتها، السيّدة ريما، لمفاتحتها بشأن الخطبة. هذه الأخيرة، وكانت لا تشك أبداً بقيمة الخاطب عند رجلها، ردّت بالقول الشائع: " هيَ ابنتكم، وفي وسعكم أخذها بالملابس التي ترتديها ".
في أمسية يوم الجمعة التالي، وكان الطقسُ ربيعاً دافئاً، احتفلوا في دار السيّد صالح بخطبة ابنته بيان على ابن الزعيم السابق للحي. وكان الأب قبلئذٍ قد ردّ طالبَ قربٍ للفتاة، وهوَ زيدان ابنُ شقيقته. قال لهذه الأخيرة بازدراء، لما عرضت الفكرة أمامه: " عندما يمتلكُ ثمنَ دجاجة، تبيض ذهباً، سأعطيه أغلى بناتي! ". حمحمت سلطانة في مزيدٍ من الغيظ، وسرعانَ ما نهضت لتغادر الدارَ فيما قهقهة ساخرة تشيّعها. حَشر الرجلُ للدجاجة في موضوع الخطبة، كان محالاً لنادرةٍ شائعةٍ أيضاً. فعادةً، عندما كان ابنها زيدان يطلب مصروفه قبيل التوجه إلى مدرسة التجهيز، فإنها كانت تقول له: " لو رأيتَ بيضةً تحت الدجاجة، خذها للدكان كي تبيعها ".
في عام مضى، لم يجد الفتى البيضةَ المأمولة، فثارَ على أمه وداسَ بقدميه الخضارَ، التي كانت تعدّها لوجبة الغداء. ذهبت بعدئذٍ تشكوه إلى عمّه فَدو، فلم تجده في بيته. آنَ كانت تهم بالعودة إلى دارها، اصطدمت عند الباب مع جمّو: " ابني المغضوب فعل بي كذا وكذا "، راحت تتحدث باكيةً. رافقها على الأثر إلى الدار، الكائن في أعلى الزقاق، وآبَ من هناك مع الفتى الغاضب إلى بيت جدّه، فربطه إلى شجرة لوز ثم انهال عليه ضرباً بعصا رقيقة. بقيَ مقيداً إلى الشجرة، لحين إطلاقه من قبل عمه الآخر، حسينو؛ وهذا كان عائداً إلى المنزل للعشاء، قبيل بدء نوبته في حراسة بساتين الحارة.

***
زيدان، لم يكن في حقيقة الحال قد أتى على ذكر الزواج. لكنها شيمة والدته، المُعرَّفة باللؤم، مَن دفعتها لذكر بيان عندما تناهى إليها أنّ السيّدة سارة طلبتها لابنها جمّو. الحركة نفسها، سبقَ أن أدتها حال سماعها بتقدّم آكو لخطبة فوزو لابنه الوحيد. إذاك، قالت لزوجها موسي مغمغمةً: " والله، كنتُ أفكّر بأنّ شيخو مناسبٌ لابنتنا "
" ما هذا الهراء، يا امرأة، وأنتِ تعلمين بأن والده كلمني عدة مرات بشأن فوزو في الأعوام الماضية؟ "
" ولكنها في نفس عُمر شيخو، فيما ابنتنا تصغره بعدة أعوام "، ردّت عابسةً. نفخَ الرجلُ بحركة تعبّر عن نفاد الصبر، وما عتمَ أن أشاحَ وجهه إلى الناحية الأخرى.

***
موسي، كان قد ترك خدمته كوكيل أعمال ابن الإيبش بعدما طعنَ في السن. ببعض المال المتوفّر لديه، استأجر محلاً في مدخل حارة الكيكان كي يسلي نفسه ببيع الخضار والفاكهة. لم يكن بحاجة للمال، لكنه اضطر لفتح المحل كي يقضي جل النهار بعيداً عن هرهرة امرأته. بيدَ أن هذه لاحت بغاية اللطف، لما سمعت بعد أشهر أن ابن زوجها، فيّو، يرغب بالاقتران من رودا، ابنة شقيقها. لم يدُر في خلدها آنئذٍ التساؤل، عما لو كان الشابُ شبه العاطل يملك المالَ اللازم للزواج.
في عام سابق، وكانت امرأة أبيه قد عادت مع أولادها إلى مسكن الزقاق بعدما انتهت خدمته للبك، راحَ فيّو يراقبها بانتباه دونَ أن تشعر. كونها مُعرّفة بالشح والحرص، قدّرَ أنها لا بد وتخفي الكثير من المال في مكان ما من المنزل. كان محقاً في تقديره. لكنها كانت تحوّل أي مبلغ يقع بيدها إلى حليةٍ ذهبية، بسبب خشيتها من هبوط سعر الليرة مثلما حصل في خلال أعوام الحرب. برغم وجود فيّو الدائب حولها، ما كانت تحذر منه؛ وذلك لاطمئنانها إلى صممه وخفّة عقله. إلى أن غادرت الدارَ مساء أحد الأيام مع أولادها في زيارة عائلية، فتعمّدَ هوَ الآخرُ السيرَ أمامهم في طريقه إلى المقهى. بيد أنه رجع بسرعة إلى الدار، فأخذ نفساً عميقاً هنالك قبيل شروعه في التنقيب عن الكنز المأمول.
ليلاً، تعالى صراخُ المرأة المفجوعة بفقدان ذهبها حتى ملأ أسماع أهالي الزقاق، الغارقين في النوم. لم تجد غير رجلها، تتهمه بالسرقة بما أنه كان هوَ بالذات ضحيةَ اختلاسها الدائم للمال من جيبه. في ذلك العُمر، المتوغل في الشيخوخة، كاد موسي أن يرمي عليها اليمينَ لولا تدخّل جدّته، السيّد سارة. قالت لهما: " عليكما خشية الله، وأنتما في هذه السن. لص نزل إلى الدار بغيبة أصحابها، هذا كل ما في الأمر ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?