الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعبير المتناهي عن اللامتناهي في النص المفتوح

كاظم مؤنس

2020 / 9 / 28
الادب والفن


ظلال الكلمات ...في النص والقراءة
* د/ كاظم مؤنس / *
تنتظيم المفاهيم في شكل عائلات ونحن بدورنا نسعى للتعرف على افرادها بيدَ أن غلبة التماثلات العائلية في الوقائع تعقد المشهد فتزيد من إرباكنا فيه، ومع ذلك فهي لا تحول دون إمكانية التواصل فيما بيننا باستخدام اللغة بكامل طاقتها الحية في المناورة والتكييف والتشيء كونها تعبر عن صيرورة جنينية تشكل جزءا منها على نحو يجردها من دلالاتها المباشرة لتسويقها بما تسعى إلى قوله.
ومقابل افتراضات – ميرلوبونتي ـ المتشبثة بقوة في الفينومينولوجيا القاضية ( بوجود المقول مقابل الوجود الخام ) الخام: الذي نعرفه وندركه من خلال اللغة،ترفض هذه الأخيرة أن تكون متحفا لدلالات ثابتة بمعنى أنها ليست موضوعا وإنما هي مجال تتجلى فيها افكار الأنسان وتتحقق فيها مدركاته الحسية، هي عالم آيديولوجي كما يصفها صامويل كولردج لها قدرة الانفتاح على الواقع بكامل مدركاته. فإذا كانت العين تتوسل بالفكر أو العقل لترى شيئا ما، كذلك تفعل اللغة حين تقدم الوجود بدرجات متباينة في البعد الإدراكي لدى الأفراد بسبب ما تخلعه عليها الوقائع من خواص الاختزال والتكثيف فتدفع بالمعاني إلى هناك إلى العمق السحيق حيث يكمن المعنى الغاطس في الظل، فتكون المسافة المتوترة بين الظاهراتي والعمق قد ملأتها طبقات من المعنى ومستويات من التأويل.
وهنا يتجلى مرة أخرى دور اللغة باعتبارها منظومة علاماتية،فما الحروف والألفاظ والإيقون والإشارات إلا رموز مستخدمة لعملية ثنائية الفعل تعاكسية الحراك وهي بالذرورة الأساس المادي والمطلق بين قطبين في وسيط تعبيري ما . وفي إطار جدلية هذه العلاقة المتآصرة بين اللغة والرمز يبرز نوع من التمفصل الرابط بين تمثل العالم الخارجي وثنائية الشكل والمضمون في النص، حيث ينصرف الرمز الى البحث عن افضل الوسائل المنتجة للمعنى فيجسده في صياغة فريدة تنتهي الى وجود انطولوجي يعرفه ويخزنه وعينا الحركي على النحو الذي تقوم به الرموز التي لا تشبه الأشياء التي تدل عليها بقدر ما تغرس فينا فكرة الأشياء والموجودات التي نعرفها، ففكرة الشيء لا تتولد من العلامة بقدر ما تكون العلامة فرصة لانتاجها وتوليدها،لأن الرمز يحتم وجوب الدخول في مقاربة ذهنية بين صيرورة انطولوجية مع أخرى حسية ليتم تأويلها وترجمتها.
لقد أولى النقد الشكلاني والنقد الجديد اهتماما خاصا بدراسة تجليات الرمز،فكان ينهج احيانا منهجا وصفيا واحيانا أخرى منهجا بنيويا،وهكذا حتى استحال النقد جنسا ادبيا عبر الممارسة والتنظير بغية بلورة بعض الافتراضات التي تماهت مع عدد من النظريات اختزلها تيري ايجبلتون في اربعة مرتكزات تكرست كلها حول النص اما من خلال المؤلف أو المضمون أو البناء الشكلي او المتلقي ،وقد حاولت جاهدا تجنب مزالق الانحراف الى مجمل التصنيف السابق من اجل التركيز على عقدة وسطى بين اللغة وحراك الرمز ، وهو نوع من التمفصل الرابط بين تمثل العالم الخارجي والتعبير عن ثنائية الشكل والمضمون بما يثري التواصل اللغوي.
إذ لم يعد موضوع المتخيل والمتصور هو اللامتناهي، الميتافيزيقي، عند شيلنج او المطلق عند هيجل كذلك لم يعد في الأشكال والأشياء والموجودات لأنها موجودة منذ الأزل وستبقى كذلك، وتأسيسا على ذلك لم يعد مظهر الوجود والعالم على حد سواء في أولويات الاهتمام ،بل تقدمه البحث عن الغاطس والكامن تحت الظاهراتي " الرمز " الذي حل محل الوصف فهو الرؤية والاستغراق في الحضورالانطولوجي ،وما النص أي كان جنسه الإ العلاقة الأمثل للتعبير عن الثنائية السالفة الذكر التي قد يكون الرمز فيها جزئية مستقلة أو جزئية منتظمة مع وحدات أخرى من نوعها عندها قد يكون تلميحا غير مرتبط بمدلوله، وقد يكون واقعة، ومظهره تحقق ملموس في السياق اللغوي. وقولنا في السياق، جزم لعدم وجود اشارات رمزية عارضة أواعتباطية بل تمثل تقريبي لوجود انطولوجي قابل بقدر او باخر للحضور، بمعنى انه دالة غير مطابقة للواقع نجحت في إيقاظ معنى ما ، وهو ما هدف إليه بول بوجان بقوله ( انني لم احاول ان انسخ الطبيعة وانما مثلتها) بمعنى يستعيض عن الوجود الانطولوجي فيعبر عنه كما يتمثله في مشاعره أو في ادراكه و تجربته.وفي كل الاحوال يظل إدراكا حسيا مع كونه تأشيرا إلى شيء ما يحل الرمز بديلا عنه ولعل التعريف الذي وضعه رينيه ويليك في كتابه الشهير (نظرية الأدب) يتطابق تماما مع المدخلات التي نسوقها هنا بقوله :ـ أنه ذلك الشيء الذي ينوب عن أو يمثل شيئا آخرا، وهذا يتعالق مع تصورات الدكتور أحمد مختار عمر :ـ بأنه بديل يستدعي لنفسه نفس الاستجابة التي قد يستدعيها شيء آخر عند حضوره .
وتأسيسا على ذلك يمكن القول هو بديل يخلع على ذاته نفس الاستجابة التي تستدعيها رؤية الواقع من خلال إشارة دالة شرطها التكويني أنها تقوم على التمثل والإيجاز أو الاختصار المكثف للايحاء بوجود معنى أعمق مما يتجسد في المستوى الظاهراتي للنص ، وبناءً عليه فالرمز ليس علامة بديلة وانعكاساً لشيء مرئي فحسب بل هو الرمز نفسه وقيمته في ذاته مثلما قيمته في قدرته على التمثيل لحظة تغيب الواقع واستحضار بديل مستدعى . بيدَ أن الإجراءات المرتبطة بطبيعة شرطه التكويني لا تحقق ذاته إلا داخل اللغة لأنها لا تقتصر بوظيفتها على التوصيل بل تتعدى ذلك إلى ترميز العالم الذي تمثله كما تظل هي الإداة العظيمة في عملية الوعي والتي عن طريقها نرى الأشياء على نحو واع ، وانطلاقاً من كون اللغة نظام اتصالي، فأن وظيفتها الاجتماعية لابد أن تنطوي بالضرورة على نظام علاماتي وهذا ما يجعل منها نظاماً سيميائياً بامتيازلأن كل لغة مهما اختلفت ينبغي أن تحقق وظيفة اتصالية وتشترط لذلك أن تمتلك نظاماً علاماتيا يقوم بدور المعادل المكافئ لوجود إنطولوجي، والميزة الأساسية لهذه االنظم تتمثل في قدرتها على القيام بوظيفة الإستعاضة أو الاستبدال على حد تعبير يوري لوتمان، أي بمعنى أن العلامات والرموز تحل محل الشيء أو الموضوع الذي يتمثل معنى معيناً. أن سلسلة العلاقات هذه تحدد طبيعة الحركة الوضعية للرمز، فهو بحد ذاته لا يستطيع أن يفصح عن جوهره بكيفية مستقلة لأنه عنصر نوعي من عناصر اللغة ذاتها يدخل بمفرداتها ويتشكل في داخل نسيجها العضوي. وقد بينت نظرية دي سوسير في كتابه -علم اللغه العام - جوهر هذا المعنى وارتفعت به إلى كون (الرمز في حقيقته جزء من اللغة) وذهب أدوارد سابير إلى أبعد من ذلك في كتابه – اللغة ، الذي ضمنه آرائه اللغوية البنيوية وأعتبر (أن اللغة نظاماً رمزيا) وفي سياق ذي صلة تبرز عبارة رولان بارت من أن (كل نظام دلالي لا بد أن يمتزج باللغة) ومع ذلك فهو حتى وأن بدى بكيفية مستقلة منغلقة وغير قابلة للذوبان في داخل اي نظام آخر حتى وأن أظهر بعض الخصائص النوعية التي تبقيه فوق مستوى اللغة على حد تعبير سوسير فهو يظل في حقيقته متواطئاً معها ولا يتكون إلا في داخل نظامها وسياقها وفي إطار تجمع موضوعي متناسق يتواصل في المعنى ويخضع له. وهو ما ينسجم مع أراء - ليفي شتراوس- حين وصف دراسة دي سوسير بأنها (نسق يقوم على التسليم بعلاقة فاعلة ومتصلة بين مكونات العلامة اللغوية ).
ومن الطبيعي أن تقودنا هذه الجدلية إلى حقل اللغة مباشرة لأن اية نظرية تعنى بهذه الخصـوصية إنما ستعني التفكير ممارس بالتمثيل الرمزي. وتأسيسا على ذلك تصبح اللغة وسيلة التفكير الإنسانية،لأننا لا ندرك الوجود إلا عند وإثناء وعـــينا بـــه لغويا، وعليه فاللغة هي الشكل الوحيد الذي ينطوي على إدراك الموجودات والإقرار بوجود المرجع أو الأفكار والمعاني الــــتي نعبر عنها ونعمل على ايصالها إلى المتلقي باستخدامنا لعلامــات ورموز لغوية للتراسل فيما بيننا،وهو ما يدعــــوه – جون لوك – بشفافية اللغة في شرحه لمفهوم الرمز و وظيفته في بنية النص،أما شلنج فينظر لثنائية (الرمز والنص) على أنها تعبير متناهي عن اللامتناهي فيضعنا أمام نصا مفتوحا بعدد لا نهائي من المعاني له طبقات من المعنى وتعددية في مستويات التأويل ،وهي مسألة يأتي هيجل على ذكرها( بأن الفن لا يسلم سره،وأن معناه الحقيقي يكمن في اعماقه السحيقة وتتسق هذه الفكرة مع تأكيدات الفرنسي رولان بارت فيقر بإمكانية الاختلاف المطلق في قراءة النص وهو ما ذهب اليه أيضا ـ ارنولد هاوزر- في قوله " هناك دائما تفسير جديد يغير من معـناه ومضمونه ـ أي النص ـ " أما جان متري فيرى بأن النص منبع لا ينضب من المعاني المرمزه وهو تصور لا يتباين مع مقولات سيرجي آيزنشتين من (أن كل الكلمات لها ظلال عديدة من المعاني بالإضافة الى معناها السائد ) وهذا من طبيعة اللغة وبنيتها وهندسة تطورها ومستويات التمثل فيها،فالخصائص التي تبدو حكرا على الرموز ما هي إلا نتاج القيود التي فرضتها الأنساق لتجعل من البنيات اللغوية قابلة للتأويل في فضاء نص مفتوح على آخره.ورفض تثبيت معنى للنص هو القاسم المشترك الذي تلتقي عنده جميع الاتجاهات داخل استراتيجية التفكيك، بل هو النقطة التي تنشد إليها جميع مفاهيم التفكيكية،وقد تحدث بارت في بداية تحوله الى التفكيك عن مفهومه للنص باعتباره عملية انتاج مستمرة للدلالة، وإننا كلما ثبتنا معنى ما،يفاجئنا النص بقدرته على انتاج نص جديد من خلال علاقة التفاعل المستمر بين النص والقراءة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص