الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للثقافة أوجه كثيرة

بكر محي طه
مدون حر

(Bakr Muhi Taha)

2020 / 9 / 29
العولمة وتطورات العالم المعاصر


كم كتاباً قرأت؟
كم مؤلفاً عالمياً تعرف؟
هذه الاسئلة وغيرها هي الأكثر شيوعاً اليوم عند البعض، لتحدد مستوى الثقافة التي يملكها الإنسان، حتى يتمكنوا من إطلاق صفة (مُثقف) من عدمها، وكأن الثقافة مختزلة بكم الكتب المقروءة أو بعدد المؤلفين وإنجازاتهم!، ولكن هذا الأمر لم يعد يجدي نفعاً كما كان أبان الفترة التي وصفت بأنها ثورية في عالم الإطلاع والمعرفة وهنا أقصد فترة الستينات والسبعينات والتي سميت بالعصر الذهبي لما رافقها من تطور فكري وتحرري.
الأمر الذي إنعكس إيجاباً على الواقع فقد شهدت تلك الحقبة إزدهار الأعمال والتصنيع والإنتاج وحتى الإبتكارات بما يواكب عصر النهضة الفكرية أنذاك، مما دفع غالبية كبيرة من الناس الى القراءة والتعلم حيث برزت مقولة "خير جليسٍ في هذا الزمان كتاب"، كون الكُتب باتت تحتوي على معلومات ونشرات بحثية تخص الطب و الإجتماع والسياسة والدين والثقافة والفن وغيرها، أي إنها تواكب عدة مجالات، وبالأخص المترجم منها لما يحتويه من عُصارة عملية وعلمية تخدم القُراء والباحثين.
لكن لكل زمنٍ محطة لابد من التوقف عندها، والتحول الى عصرٍ جديد من التعلم والتطور بما يُمليه علينا الواقع الذي نعيشهُ، ولكن هذا لا يعني بأن الكتب أصبحت من الماضي، وننكر الفضل الذي يعود لها في نقل المعرفة والتجارب و إلا ما وصلنا لما نحن عليه اليوم من تقنيات وحداثة متنوعة، ولكن بفضل التطور التكنلوجي والعلمي صارت الحياة أكثر عملية وتحتاج الى ما قل ودل في نقل المعلومة أو الخبر.
فمثلاً بدل قراءة كتاب عن التصوير الرقمي أتدرب على كاميرا رقمية فمن البديهي بأن التصوير يحتاج لممارسة فعلية تطبيقية ولا يحتاج الى مجرد تنظير، إلا إذا إحتجنا الى دراسة معمقة عن التصوير ونشأته وبداياته والمراحل التي مر بها حتى وصل الى ما نراه الأن من تطور تقني لا يحتاج سوى معرفة بسيطة بقواعد التصوير والشروع بالعمل، وهنا بالتأكيد فأننا سنحتاج إلى مصادر عدة ونشرات بحثية فنية أو تقنية مُتخصصة بمجال التصوير أي العودة الى المراجع الأم (الكُتب).
وبالتالي فأن أهمية الكتب لا تندثر مع تقادم الزمن، وأنما تصبح محدودية تخصصية أكثر من السابق، وخاصة مع تحول أغلب الكتب الى صيغة العرض الصوري المتتابع أو الكتب الألكترونية (pdf)، وهنا لابد من التذكير بأن هذه التحولات جاءت نتيجة التطور والإستخدام التخصصي وما رافقهُ في العصر الحديث، وبما إننا نتحدث عن تطورات العصر الحديث، فلابد من التطرق الى تطور التوجهات والسلوكيات البشرية والتي كانت حكراً على فئة أو مجموعة صغيرة، أما اليوم فهي تمثل عُمقاً ثقافياً بحد ذاته.
فمثلاً الطهي بات يُمثل جزءاً مهماً من حياة البشرية وليس مجرد طهي للطعام، فالطرق تغيريت وكذلك الأدوات المستخدمة وأيضا النسب المحددة من المكونات والتوابل وغيرها، بالإضافة الى طرق التقديم والأتكيت الخاص بها، جعل من الطهي فن وثقافة لها الكثير من المتابعين والشغوفين لأجل تعلم طرقٍ ووسائل جديدة في طهي الطعام بما يتناسب مع صحتهم وحياتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للكوافير (مصفف الشعر) والبناء الحديث بأدوات بسيطة وأيضاً إعادة التدوير للأشياء، كُلها سلوكيات كانت بالأمس غير موجودة أو محدودة الأستخدام من فئة معينة، أما اليوم فهي تُمثل أسلوب الحياة الحديث.
وبالتالي فهي شكل من أشكال الثقافة الحديثة لما تنالهُ من إهتمامٍ واسع وشغفٌ متزايد من الناس، إذ ليس بالضرورة أن تكون الثقافة مجرد قراءة لأكبر عدد من الكتب أو معرفة إقتباسات كثيرة لمؤلفين وكتاب عالميين، فقد تكون إهتمامات وسلوكيات حديثة وأمور عملية اخرى، لأن الثقافة وبسبب التطورات الحياتية المستمرة للبشر لها عدة أوجه وتفرعات وليست نمطية أو مقيدة بفكرة واحدة، وحسب الميول والرغبات البشرية والعقلية ومستوها الفعلي في تقبل الأمور من عدمه.
فمثلاً الأنميميشن أو الرسوم المتحركة والكومكس سابقاً كانت مرتبطة بالأطفال فقط، أما اليوم وبفضل تطور الثقافات البشرية وإنفتاحها أصبحت مستهواة من قبل الراشدين قبل الأطفال، وأيضاً بات هناك نسخ قصصية مُخصصة للراشدين، أي أن الفكرة النمطية المتعلقة بأن أفلام الرسوم المتحركة (الكارتون) وما يتعلق بها ما هي إلا عالم مُخصص للأطفال قد إندثرت وبرز بدالها الأهتمام الواسع والشغوف بهذه الثيمة ومن قبل شرائح كبيرة من المجتمع لتتحول الى مهرجانات وحفلات وحملات دعم وشركات مُتخصصة بهذا المجال.
بالمحصلة النهائية فأن القراءة هي جزء مُهم من حياة الأنسان، لأنها الأساس في التعليم، لكن ثقافة الأنسان لاتقاس بمدى سرعة قراءته لأكبر عددٍ من الكتب أو الكم الذي حفظهُ لإقتباسات الكُتاب والمؤلفين العالميين بقدر سلوكه وتعامله مع الناس ومدى فائدته المجتمعية، حيث تُعتبر اليوم من المعايير الأساسية لتقييم الأنسان في العصر الحديث، مع الأخذ بعين الأعتبار بأن للثقافة أوجه كثيرة بناءً على ما وصلت إليه الحياة البشرية اليوم، ولا يمكن حصرها بكتاب أو مجموعة إقتباسات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا