الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي مهن للمستقبل في ما بين سنوات 2030 و2050 ؟

رويدة سالم

2020 / 9 / 29
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يتناول هذا المنشور ملخصا لكتابين يعالجان كيف تغير التكنولوجيا، في مجال المهن، عالم الخبرات البشرية.

الكتاب الأول : "مستقبل المهن" للمؤلِّف جاك أتالي بالاشتراك مع بيار كاهوك وفرنسوا شيراك وجون-كلود جافيليي

صدر عن، منشورات فيارد Fayard، في طبعته الأولى، سنة 1995، كتاب "مستقبل المهن" لثلة من المؤلفين تحت إشراف الفيلسوف الفرنسي جاك أتالي، أستاذ الاقتصاد في جامعة باريس-دوفين، الذي عمل مستشارا خاصا لفرنسوا ميتران من 1981 إلى 1991، وأسس البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD)، سنة 1991، وكان أول رئيس له، وترأس في 2008 لجنة تحرير النماء الفرنسي (كتابة تقارير وتوصيات لتعزيز الاقتصاد الفرنسي). ويقود حاليا مجموعة بوزيتيف بلانات. وقد نشر أكثر من 70 مقالة وسيرة ذاتية ورواية.
هل سيجد أبناء المدارس الثانوية اليوم عملا سنة 2050 وأي مهن سيمارسون ولأي منها يجب إعدادهم؟ ثم باعتماد أي تكنولوجيا وفي أي مؤسسات وحسب أي قوانين عمل يتوجب تكوينهم؟ وهل سيكون عدد الريبوتات أكبر من عدد الموظفين في المؤسسات أم أنهما سيكونان موجوديْن بشكل متعادل؟ وكيف ستؤثر الكونية، وما ينتج عنها من تعاقد مهني خارجي، على طبيعة المهن، وعلى العائدات، وعلى مشقة العمل؟ ثم كيف سيتطور العمل النقابي وهل سيكون هناك مزيد من عدم الاستقرار أم ستتضاعف الحماية الاجتماعية؟ وهل سيتطور العمل المؤقت، وهل ستختفي البطالة؟
يتناول كتاب مستقل العمل، الذي ينقسم إلى فصلين أساسيين هما، أولا "غدا: العمل في العالم"، وثانيا، وهو بحث أكثر تركيزا على مستقبل العمل، "في فرنسا"، كل هذه المسائل ويجيب على أسئلة كثيرة أخرى.
بداية الفصل الأوّل هي جرد لما قام به باحثون في المستقبليات، قبل خمسين سنة، أولئك الذين وضعوا كغاية لتوقعاتهم، سنة 2000 مؤكدين أننا، في ذلك التاريخ "سنعيش مع الروبوتات". لكن ذلك الجرد يظلُّ مجرّد توصيف مبهم لـ"ماذا يمكن أن يحدث للعمل ولنا في المستقبل". ورغم أنه يعتمد ظواهر مميِّزة تَسِمُ الحياة الاجتماعية مثل سَكند لايف، [وهي لعبة عالم تخيُّلي ثلاثية الأبعاد تصور حياة ثانية موازية للحياة البشرية التي نعيشها علي كوكب الأرض، يعدُّ سكان العالم فيها بالملايين من جميع أنحاء العالم، ويتعايشون ويبيعون ويشترون، ويمكنهم شراء الأراضي والجزر وبناء البيوت والبحث عن الترفيه والسعادة]، إلا أنه لا يصف الميكانيزمات التي يمكن أن تقودنا نحو مثل تلك التغيرات. وبالفعل يعدّد أتالي، في بداية الكتاب، النقاط العامة التي يُجمِع حولها الجميع فيما يتعلّق بمستقبل العمل من مثل استمرار التناقض شمال-جنوب وارتفاع عدد سكان العالم وطول الحياة في البلدان الغربية والتشكيك في منظومة التقاعد (...إلخ)، ولكنه لا يتعمّق في ذلك ويبقى جرده سطحيا.
ثم وانطلاقا من بعض البديهيات الديموغرافية يؤكد أن:" العالم سيكون مأهولا أكثر فأكثر بطالبي التشغيل. وسيستمر البشر في سن العمل في الارتفاع كما فعلوا ذلك، دوما،... وفي 2050، سيكون عددهم قد ارتفع بحوالي النصف ليبلغ سبع مليارات. وبتعبير آخر، سيلتحق أربعون ألفا بسوق الشغل العالمي سنويا" ويوضِّح أن: "هؤلاء الباحثين عن عمل سيكونون بالأساس فقراء قادمين من الأرياف أو مدن الصفيح في البلدان الناشئة. لكن لن يعملوا كلهم مع أنهم جميعا سيرغبون في ذلك".
ثم يوضِّح، في جزء آخر، أن المجتمع يسير نحو رقمنة فائقة من نوع "الأخ الأكبر" سيكون فيها، حسب رأيه، علماء الرياضيات والمعلوماتية والمهندسون فاعلين مهيمنين على المجتمع المستقبلي. لكن هذه الفكرة تحتاج إلى تصحيح وذلك لأنه لئن كان المختصون في المعلوماتية ضروريين فالأهم هو وجود لغة معلوماتية عالمية يمكن للعامل البسيط فهمها.
وفي موضع آخر، يقوم بتوصيف التحولات التي ستحدث على مستوى التنظيم ذاته للعمل مع ظهور العمال "المرتحلين" في شكل "فرق مسرحية" يجمعها مشروع واحد. ويؤكد أن ذلك التنظيم الجديد للعمل يمكن، بالفعل، أن يتطور في هذا المنحى، مع تطور مؤسسات العمل المؤقت والتي ستلعب، بالتالي، دور قائد أوركسترا التشغيل، وستحد من التقلبات الديموغرافية (خاصة إحالة أعداد كبيرة من الموظّفين على التقاعد). ويقول إن تلك المؤسسات لن تكون وحدها قادرة على تدبّر أمرها. ويضيف أنه "رغم ارتفاع عدد الباحثين عن عمل، ففي بلدان الشمال سيكون هناك نقص في اليد العالمة بسبب شيخوخة مجتمعاتها. كما أن البطالة ستتقلص، لهذا السبب الديموغرافي، وسيكون ضروريا تكييف التكوين المهني حسب الاحتياجات، وبشكل سريع. فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، وباعتماد توقعات مؤسسة سياسة التشغيل ، سيقلب الافتقار للأصول، خلال الثلاثين سنة المقبلة، الوضع وعدد الشباب القادمين لسوق الشغل سيكون أقل بكثير من عدد جيل (المحالين على التقاعد) . وسيؤدي هذا إلى تقليص ملحوظ جدا للبطالة لكن أيضا إلى ارتفاع في التضخم وبطء كبير في النمو".
من الملاحظ، أيضا، أنه من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه العمل في أفق خمس عشرة أو عشرين سنة في ظل سياق تغيرات رقمية كبيرة. لكن التحدي الأكبر يكمن في المواءمة بين طرق تنظيم المؤسسات والطفرات التكنولوجية المتكررة التي ستغير طبيعة العمل ذاته. وجاك أتالي وهو يتنبأ باختفاء بعض القطاعات المهنية وظهور أخرى يؤكد أن تلك التغييرات المحتملة ستحدّ من البطالة. وسيكون على الأجيال القادمة القيام بأعمالها كما لو أنها "مهام" تتم على فترات متقطعة وسيكون عليها، بالتالي، التحلِّي بمزيد من الحركية والتكوين المستمر، لكي تتمكن من ملاحقة التطورات التكنولوجية، التي ستتضاعف هيمنتها. رغم ذلك، لا يتوسَّع جاك أتالي في ذكر مختلف أنواع عقود العمل التي يمكن اعتبارها هشة وغير مستقرة من نوع "عقد الشغيل الجديد".
ثم يطرح عدة أسئلة من قبيل "أي قانون عمل سيكون معمولا به حينها؟ وأي مهن سيمكن مزاولتها خلال الخمسين سنة القادمة؟ وهل نحن نسير نحو مجتمع فائق التصنيع؟ وما هي تأثيرات العولمة على فرنسا (من حيث تحوّل المهن وارتفاع الزمن المقيّد وتناقص وقت العمل وطول أوقات الفراغ...)؟ لكن، للأسف مثل هذه التساؤلات، لا يقدر لا أتالي ولا أي أحد غيره على الإجابة عنها بشكل مؤكد وموضوعي.
يبدو الفصل الثاني، حول مستقبل العمل في فرنسا، أكثر واقعية ويقدِّم بعض الحلول التي سيحتاج تطبيقها إلى تغيير مجتمعي وثقافي، مع ظهور مقاربة جديدة للعمل تكون مختلفة تماما، سواء على المستوى الخاص أو العام، مثل، إعادة توطين الشركات، التي وقع إنشاؤها في بلدان أخرى، بحثا عن اليد العاملة الرخيصة، والتي ستعود إلى فرنسا، بحثا عن المهارات وحسن التسيير.
من بين ما يمكن أن يبقى في الذاكرة، بعد قراءة هذا الكتاب، هو أولا، التعريف الذي يحدد مفهوم عالم العمل المستقبلي لكن، أيضا، يمكن تبنيه لتوصيف عالم المهن المؤقتة "انطلاقا من التطورات السابقة، نرى عالما، متزايد الحركيّة، يتجلّى أمام بصرنا. إنه عالم متغير وهش وغير مستقر ولا ثابت". وثانيا، التساؤل: هل يسعى جاك أتالي إلى تحذيرنا لكي نستعد لمثل تلك الاحتمالات المتعلقة بمستقبل العمل، هذا المستقبل الذي لا نقدر على الجزم إن كان سيكون مطمئنا أو مثيرا للقلق؟ وهل يجب أن نكون مطمئنين لمختلف التطورات في مختلف الخدمات المهيمنة أم علينا أن نخشى هذه الحركية المستمرة التي ستشتدّ حدّتها في السنوات القادمة؟
من المؤكد أنه من المستحيل اتخاذ موقف محدّد وواثق في مستقبل طبيعة العمل، الذي سيمكن ممارسته، بعد عشرات السنين، لكن هناك شيء ثابت وهو أن الرقمنة الهائلة واستعمال الريبوتات والذكاء الاصطناعي ستتسبب في تحوُّل طبيعته لا في اختفائه الكلي.


الكتاب الثاني للمؤلفان: رتشارد ودانيال سوسكيند

*
ظهر هذا الكتاب ضمن منشورات OUP Oxford، في طبعة أولى، سنة 2015، للمؤلفيْن رتشارد ودانيال سوسكيند. ورتشارد سوسكيند كاتب بريطاني ومحاضر ومستشار مستقل لشركات مهنية دولية وحكومات محلية. وهو مختص في مجال التكنولوجيا القانونية منذ أوائل الثمانينات، كما عمل مستشارا في تكنولوجيا المعلومات لدى رئيس القضاة في إنجلترا وويلز ويشغل خطة أستاذ في جامعة أكسفورد وكلية جريشام وجامعة ستراثكلايد، وكان رئيسا سابقا للهيئة الاستشارية حول المعلومات في القطاع العام، وهو الآن رئيس منظمة "المجتمع للمعلومات والقانون". ودانيال سوسكيند دكتور مختص في تأثيرات التكنولوجيا، وخاصة منها الذكاء الاصطناعي، على العمل والمجتمع. وهو باحث في علوم الاقتصاد، في كلية باليول (Balliol) بجامعة أكسفورد، حيث يقوم بالتدريس والبحث. وعمل سابقاً في حكومة المملكة المتحدة كمستشار سياسي ضمن الوحدة الاستراتيجية لرئيس الوزراء، وكمحلّل سياسي في وحدة السياسة داونينج ستريت وكمستشار أول في مكتب مجلس الوزراء.

في السنوات الأخيرة، دقّت العديد من المقالات الصحفية ناقوس الخطر حول الروبوتات التي ستأخذ مكان البشر في العديد من الأنشطة الإنتاجية، وحتى في الخدمات بل وتوقعت اختفاءها. وإذا استعرنا المبدأ الكلاسيكي لـ"التدمير الخلاق" لشومباتر Shumpeter من حيث أنه يعني اندثار بعض المهن، وظهور أخرى جديدة، فيمكن اعتبار هذا الكتاب، "مستقبل المهن: كيف تغير التكنولوجيا عالم الخبرات البشرية"، هاما للغاية لأنه يوثِّق هذه المسألة بشكل جيد. إذ استعرض فيه الكاتبان مجموعة من المهن الراهنة، وشرحا المخاطر التي تتهددها، ووصفا الخيارات التي يمكن أن تظهر لتصحيح مساراتها والنظم والأدوات التي ستساهم في تحوّلها أو ستحلّ محلّها، مؤكدين أنها قد صارت عتيقة، ولم يعد من الممكن تخيّل إمكانية استمرارها، في عالم العمل المستقبلي. كما شرحا كيف أن "الأنظمة التي تتزايد مهاراتها باطراد" ستُغيِّر، بشكل جذري، الطريقة التي يتم بها اليوم تبادل الكفاءات المهنية.

يحتوي الجزء الأول، من الكتاب، على ثلاثة فصول تحلِّل بعمق التحوُّلات المتوقعة في عدد من المهن: مثل المحاماة والصحافة والهندسة المعمارية، والصحة، والتعليم، والضرائب، والمحاسبة، والمجتمع الديني ذاته.... ويسلِّط الضوء، في البداية، على الفوائد الهامة التي نالها أصحاب تلك المهن المدروسة المختلفة، بفضل المعارف المتاحة لهم، والتي أجبرت الآخرين على اللجوء إلى خدماتهم والاستعانة بخبراتهم. ثم يعرض السياق التاريخي لتطورها، ويعدِّد القضايا والمشاكل التي صارت تشكّك في الطابع الاحتكاري الذي تمتعت به، لفترة طويلة، مشيرا إلى أنه لم يعد ممكنا تواصل وجوده، في جميع تلك الأوساط المهنية، نظرا للمعلومات المتاحة الآن على الإنترنت في جميع المجالات. فقد أتاحت المعلوماتية وجود كميات كبيرة من المعارف المختلفة وصار بإمكان أي إنسان أن يقوم هو ذاته بتشخيص مشكلته والبحث عن حلول لها، سواء في مجال الصحة أو القانون أو الضرائب أو غيرها، رغم أن صلاحية تلك الخلاصات أو التقييمات، التي يمكن أن يحصل عليها، تظلّ، في وقتنا الراهن، غير صالحة لكل الحالات.
ثم يناقش هذا الفصل من الكتاب التحديات التي تواجهها تلك المهن وأماكن العمل التي تُجرَى فيها. ويؤكد أن التكنولوجيا، بتوفيرها لإمكانية الوصول الحر إلى مجموعة ضخمة من المعلومات، فإن بعض مهام جمع المعلومات مثلا لم تعد ضرورية. ويقدّم عدة نماذج تؤكد هذه الأطروحة، من بينها المحامين الشباب الذين كانوا يُضطرُّون إلى جمع المعلومات وتحليلها ثم تقديمها إلى مرؤوسيهم صاروا اليوم مهددين بفقد وظائفهم، إن لم يكونوا، بالفعل، قد فقدوها في بعض مكاتب المحاماة في العالم. وينطبق الأمر ذاته على مجالات المحاسبة والضرائب والهندسة المعمارية وبعض المهن الأخرى، كمجاليْ الصحة والتعليم. ففي هذين الميدانين تتوفر، أيضا، الكثير من المعلومات التي تهدِّد مهنتيْ الطبيب والمُدرِّس، رغم أنه ما يزال أمامهما بضع السنوات من راحة البال قبل استبدالهما نهائيا بأنظمة الكمبيوتر أو البرمجيات. كما أن البرمجيات تمكِّن، الآن، لا فقط من جمع المعلومات ذات الصلة في قواعد بيانات كبيرة، بل أيضا من إجراء تحليلات أولية، يمكن أن تتسبب، مع تنامي كفاءاتها، في اختفاء هذه المهن، التي كانت تعد أساسية.
بعد هذا الجزء الأول، ذي الطابع التجريبي، والذي يصوِّر التغيِّرات السابقة والمتوقّعة، يمرّ الكتاب إلى جزء يسود فيه الجانب النظري أكثر من سابقه. فيتناول بإسهاب التغييرات المتوقعة أو الملحوظة، فعليّا، في التكنولوجيات وأنظمة المعلومات. ويَدرُس المجتمعات التي كانت موجودة قبل الكتابة (ما قبل الطباعة) ومنذ ظهور الطباعة (المجتمعات القائمة على الطباعة)، ومن ثمّ يمرُّ إلى دراسة آثار الإنترنت على مجتمعاتنا. ويسلط الضوء على النمو المتسارع لنظم المعلومات والمعارف، وقواعد البيانات الكبرى، والآلات، التي تزداد كفاءاتها باستمرار. ويؤكد على أن هذه الآلات والتقنيات تغزو، بشكل متزايد، جميع قطاعات النشاط المهني وتُظهر حقيقةَ أن أي مهنة ليست محصّنة.
يذهب الكتاب، أيضا، إلى أن البشر سوف يكونون أكثر اتصالا بالانترنيت. وهو أمر ملحوظ، اليوم، مع ما توفِّره بعض الـ"أشياء" المحمولة التي يمكن زراعتها في الجسد أو ارتدائها وتكون متصلة بأنظمة إنذار أو عيادات طبية، وخاصة في حالة كبار السن أو الرياضيين. هذه الأشياء التي تعطي كل فرد حامل لها، المزيد والمزيد، من المعلومات عن نبضه ودقات قلبه، وحالته الصحية العامة، ستؤدي حتما إلى اختفاء بعض المهن أو تحوُّلها...
يتناول الفصل النظري الثاني (أي الجزء الخامس من الكتاب) إنتاج المعارف وتوزيعها. ويقدم فيه المؤلفان تحليلا مميّزا للخصائص والآثار الاقتصادية للمعرفة، فضلا عن الروابط بين المعارف والمهن. ثم يبرزان أهمية الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج وتوزيع المعرفة، في عدد من المهن، مبيِّنين أن البشر ينتقلون من سياق "الحرفية" إلى سياق "المشاعات" ثم نحو الوصول المشترك والمُعمَّم للمعارف. ويناقشان، لشرح ذلك، سبعة نماذج محتملة لإنتاج المعرفة وتوزيعها.
يتناول الجزء الأخير الآثار المترتبة على الفصول السابقة. ويضع فيه المؤلفان فصلاً حول "الاعتراضات والمخاوف" المختلفة، التي تثيرها أطروحاتهما. ويحاولان الإجابة عنها بشكل متفاوت الإقناع حسب النقاط المثارة والمراجع المعتمدة. فيعالجان مسائل التفاعل الشخصي، والتعاطف، والخبرة، والأخلاق، ويبرزان العناصر التي غالبا ما يرتكزان عليها لإثبات أن الآلات والبرامج لن تكون قادرة على فعل كل شيء ولن تحلَّ تماما محلَّ الإنسان أو العمال والعاملات. وفيما يتعلّق بعمل النساء، يذكران أن وظائفهن التي ترتكز على التعاطف الإنساني مثل "الرعاية" والاعتناء، ستكون أكثر ديمومة ولكنهما يعودان إلى التشكيك في ذلك نظرا للوجود الحالي للروبوتات التي يبدو أنها تعتني، بشكل جيد للغاية بالمسنين في اليابان. ويخلصان إلى أنه من الممكن، باختصار، الاستعاضة بالآلات، لا فقط على مهن البحث والتوثيق والتحليل، بل وحتى على العمل الإنساني، المبني على التعاطف والدعم والرعاية.
ويختتم المؤلفان الفصل الأخير، بالدعوة إلى الاهتمام بالمستقبل وعلى وجه التحديد، مستقبل المهن، مشيرين إلى إمكانية حدوث بطالة تكنولوجية. ثم يتساءلان عما إذا كان بالإمكان استبدال جميع أصحاب المهن، التي قاموا بدرسها، بآلات وروبوتات تتزايد مهاراتها باستمرار، وعن جدوى كل السيناريوهات، التي قدماها حول استبدال المهنيين بالآلات، إن لم تساعدنا على تحديد المستقبل الذي قد نريده، أو ينبغي لنا أن نرغب فيه.
لا يمكن نسيان هذا الكتاب، بعد الانتهاء من قراءته، لأنه سيطبعنا بعمق نظرا لاعتماده وثائق بالغة القوة والإقناع، ولأنه لا يبخل على القارئ بحواشٍ تقدم المعلومات والعناصر التي تدعم الحجج المطروحة، ولأن المؤلفين يذكران عوالم مهنية أخرى دون التأكيد على أي منها سيكون ممكنا أو محتملا مما يمنح نصهما نبرة تفاؤلية تمنحنا بدورها الأمل في عالم العمل المستقبلي، على نقيض بعض الكتابات التي ظهرت في السنوات الأخيرة وتصور، في كثير من الأحيان، عالم المهن المستقبلي على نحو كارثي دون تقديم ما يدعم وجهات نظرها.

دمتم بخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا