الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحورية

حمزة لمغاري
كاتب

(Hamza Lamrhari)

2020 / 9 / 29
الادب والفن


قضت مشيئة الله في خَلقه أن تُفَرَّقَ الأرزاق بين العباد بقضائه وقدره، فمِنهم من رُزِق المال فسكن القصور، وتزوج الحسان، وتنعم الجاه. ومنهم من رُزِق البنين فأنجب منها ما شاء وما لم يشأ من صلب. والحسرة هي ألا ترزق المال ولا البنين، فتُرهَق من شدة عَوز المال وعدم الأولاد، ذاك حال الحاج علي، الذي اُبتلي بمحنة العُقرة، وحالت دون دوام معاشرة ثلاث زيجات، فجميع الأزواج اللائي تزوجنَه هجرنه، بذريعة إما مداومته على أكل السردين أو ضغينة عُقمه البئيسة، فشاع خبره في البلدة، ولم يُصِب في طلب يد فتاةٍ للزواج بعدهن، حتى بلغ من الكبر عتيا، لكن ذلك لم يمنع الحاج علي من سؤال الله، والتضرع إليه فجر كل يوم قبل خروجه للصيد بالقصبة.

وفي فجر أحد الأيام، حيث كان الشاطئ في جزر محتشما من رماله الذهبية، والهدوء يعمُّ أرجاء المكان، قدم الحاج علي حاملا قصبته، فجلس كالعادة عند شطِّ الشاطئ، ولوَّح بصنارته بعيدا في المياه، ثم نصب قصبته، يسترزق الأسماك بحِساب ساعات الانتظار. وفي غمرة هذه العادة التي مافتئ الحاج علي يقوم بها في كل فجر، في كل يوم، في كل سنة، سمع صوتا ورديا يخترق طبلة أذنه من مكان غير بعيد يجهر:"يا ابن البَرِّ"، فأدار الحاج جمجمة رأسه تجاه قائلة الصوت، وإذا به يرى خطيئة من المستحيل أن يتجنب المرء ارتكابها، أما عينا الحاج فقد خرجتا من مربطهما، واحمرّ خذه وأذناه، وتدلّى لسانه عاجزا عن البوح ببنت شفة. فعاودت الحورية قائلة:" يا ابن البَرِّ، ما بِگ؟"، فاستجمع الحاج عزيمته وخرج عن دهشته ناطقا:"مريضٌ بالعقم يا ابنة البحر، وما عساي إلا قِلة حيلتي لهذا الأمر، وليس لي من دواء له"، فأجابته الحورية:"هلم يا ابن البَرِّ، نحاول ممارسة الحب، ففي معاشرتِگ لي شفاءٌ لگ، وإن أصبتَني بحمل، فمَنبِتُ أولادِگ في أعماق البحار، وهم عنك مُبعَدون". فاستبشر وجه الحاج علي، وبسرعة استجاب لاقتراح الحورية، ونسي سبب قدومه للشطِّ، وباع فخذ الدنيا بنَعيم معاشرة الحورية، فحدث ما يُتصور ومالا يُتصور.

بعد أن أنهى الحاج علي عمله! هَرِع إلى طريق العودة، أخذ يُسائل نفسه ويستجوبها، فلقد كان مشطون البال، مهموم الحال حول ما جرى له مع الحورية، وبين أخذ ورد داخل صندوق رأسه، قرر تصفية جوعه أولا، ليسهل عليه تدبر أحداث يومه، فتسارعت خطواته نحو دكان الحاج بوشعيب، الذي يُجاور منزله، فاشترى من عِنده علبة سردين، ثم عرج إلى منزله فدخل، حيث أتى بصحنٍ وحطّه فوق المائدة، فما أن فتح علبة السردين حتى تطايرت أصوات السردين صارخةً:" بــابـا علي، بــابـا علي، بــابـا علي"، فحسِبها الحاج علي ذُريةً من صاحبته الحورية، فسقط على الأرض مغشيا عليه من هَول الصعقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس