الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة التي نُريد/ في الذكرى الاولى لِثورة اكتوبر دعوة لوضع خارطة طريق

طلال الحريري
سياسي عراقي

(Tallal Alhariri)

2020 / 9 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الثورة التي نُريد
في الذكرى الاولى للثورة فرصة اخيرة لوضع خارطة طريق للمستقبل والاستفادة من التجارب واستثمار المواقف والازمات.
معظم الرأي العام العراقي تكامل مع رؤية التغيير الشامل واصبح مؤيدا وداعما للثورة وفكرتها واغلبية الجيل الثالث للحراك المدني الذي صنع ثورة اكتوبر يتبنى فكرة الثورة اسلوبا ومنهجا، هذه المعطيات قد تكون جيدة عندما نأخذها شكلا بمعزل عن التجربة ونتائجها لكن عندما نحلل عمق التجربة ووسائلها من حيث المخرجات والتحديات سنصل الى نتيجة سيئة لا تُقارن بتضحيات جيل كامل وسنعلم بأن ثورة اكتوبر العظيمة ذات الهدف السياسي الاستراتيجي لم تستمر كثورة ملتزمة بالثوابت الثورية والوسائل الواعية التي صنعها جيل متنور صاحب رؤية ومبادئ سياسية عظيمة حيث انحسرت ثوبتها السياسية وتراجعت تدريجيا من خانة الثورة الى خانة الاحتجاجات والتظاهرات ذات الاهداف المطلبية المحدودة ومن هنا اصبحنا نواجه مشكلتين رئيسيتين الاولى جاءت نتيجة لتحول الثورة الى احتجاجات وبالتالي استمر نظام الاسلام السياسي واحزابه الفاسدة ولم يتغير الا وجه الحكومة، الثانية مشكلة الهوية الايدولوجية للثورة وهذا ساعد على اختلاط المفاهيم وتضارب الخطاب السياسي وعدم القدرة على التمييز بين الثورة والاحتجاجات.هذه الاخيرة من وجهة نظري كمختص تمثل مُعضلة وليست مشكلة عابرة لان التغلب عليها سيٌزيل المشكلة الاولى ومن هنا تحديدا تتبلور تحدياتها.
كي نحقق الثورة التي نُريد يجب علينا اولا فهم طبيعة الثورة واهدافها ومن ثم تحديد ايدولوجيتها السياسية وبالنهاية سنصل الى القدرة الكاملة على تحديد وسائلها وادوات نجاحها والتغلب على تحدياتها والعقبات السياسية والاجتماعية التي تواجهها.
ثقافة الاحتجاج هي السائدة!!!
منذ شهر ديسمبر/ كانون الاول قمنا بضخ مفاهيم مهمة لتثقيف الرأي العام سياسيا وتعزيز ثقافة الجيل الثالث العظيم بمفهوم الثورة وإبعادها عن ثقافة الاحتجاج حيث حاولنا وبسطور مختصرة غير مُبهمة توضيح قضية في غاية الاهمية وهي الفصل بين مفهومَي الثورة والاحتجاج وبالتالي ضرورة مغادرة الاحتجاج كوسيلة للتغيير الجزئي(السطحي) والعودة الى اسس ومفاهيم الثورة لاستعادة مسار التحشيد وترسيخ العمود الثقافي(الخط الساند) ومن ثم الوصول الى الهدف الاستراتيجي للتغيير الشامل وايقاف مسيرة الدم التي انتعشت وتصاعدت عندما اصبح الاحتجاج هو الغالب! ولكي لا نُسهب ونذهب بعيدا عن جوهر الموضوع فلا بأس بإعادة تكرار ما اكدنا عليه دائما وهو ان الثورة ذات مفهوم واسع وهدفها ثقافي سياسي لا يخرج عن رؤية تغيير النظام بالكامل وهذا الهدف الحيوي خارج نطاق المطالب الجزئية ومفهوم الانتقالية الناقصة في ظل استمرارالنظام.هذا المعيار يجب ان نُدركه ويتم استيعابه جيدا للمحافظة على وجود الثورة وضمان نجاحها.

الثورة هدم سياسي وبناء ثقافي
اكدنا دائما على ان الثورة بتعريفها البسيط المختصر هي هدم سياسي وبناء ثقافي ومن هنا تنبثق اهمية الفكر السياسي في ادبيات الثورة الاستراتيجية التي تُسير الثورة الناجحة وتكون منهج بيد الأرادة العامة حيث تصبح الفكرة والبناء الثقافي من الداخل ادوات تُعزز الوسائل الاخرى وتساهم في وضع رؤية استراتيجية للتغيير الشامل واعادة بناء الدولة وكل هذا البناء الفكري والثقافي سينتج عنه قيم ومبادئ عليا ستحدد مصير المستقبل ومن اجل ذلك قلنا بأن قيم الثورة ومبادئها يجب ان تتحول الى مشروع بناء يبدأ بالانسان وينتهي بالدولة.
ان الثورة كمفهوم وهدف سياسي، والايدولوجية كأداة وروية يجب ان يتكاملان ويندمجان بتوازن تام وهذا الامر يعتمد على تحديد مفردات الخطاب السياسي والثقافي للثورة.الخطاب يجب ان يبتعد عن اللغة المحدودة وثقافة المطالب الجزئية وان يستقطب كل عناصر الامة العراقية على اختلاف ثقافاتها السياسية والدينية والقومية، ويجب ان يُركز الخطاب على عراقية الثورة اولا، ويلتزم بهدف سياسي واحد يفهمه الجميع.ولكي تنجح الثورة بعملية كسب جميع عناصر الامة العراقية يجب ان تحدد هويتها الايدولوجية في الخطاب وادوات وادبيات بناءها الثقافي المستمر من اجل ضمان تحشيد واسع نحو الهدف الاستراتيجي، ومن اجل ذلك يجب على جيل الثورة بقدر ابتعاده عن الفكر الاسلامي وادبيات الاسلام السياسي ان يبتعد عن الخطاب المتطرف والراديكالي وبعض المفاهيم المتطرفة الدخيلة على العلمانية ومبادئ الليبرالية كمذهب سياسي مُعتدل ونظام نطمح اليه ونحاول تجديده والاضافة عليه والاستفادة من تجارب الدول الحرة ومن هذه النقطة تحديدا نستطيع الحفاظ على قيم التنوع في الامة العراقية ومن ثم كسب الجميع وتعزيز قوة التحشيد والانتشار والتمدد ثقافيا وجماهيريا وهذا هو المدخل الاستراتيجي لجعل الثورة هوية جديدة للمجتمع، ووسيلة انقاذ وتحويل مبادئها الى قيم اجتماعية في ضمير الامة.
يجب ان يعمل مجتمع الثورة الواعي على تأسيس ثوابت للبناء الثقافي وتعزيز ادوات تسويق فكرها وادبياتها لتعزيز بنيتها الاجتماعية من خلال انتاج قيم ومبادئ ومفاهيم وطنية شاملة وهذا مشروط باعتماد الليبرالية كهوية فكرية وثقافية لتحويل التنوع الى قوة ساندة ومنهاج وطني ممزوج بقيم الحرية والايمان بالعدالة وتكافئ الفرص والمسؤوليات المشتركة والمصير والواحد والمستقبل الواعد لمجتمع مدني تسوده قيم حره ورائدة.
البناء الثقافي بهذه الرؤية والخطاب الوطني سيوسع مجال الثورة الحيوي ويجعل الانتماء اليها مسؤولية وطنية بِمُعزل عن المعتقدات والافكار الدينية والقومية التي ستكون ضمن مفاهيم التنوع والحريات والتوازن الوطني تحت عنوان واحد: الجميع بحاجة الى وطن.
بهذه الطريقة سنجعل من الثورة ليس هدف اجتماعي محدود وانما مسؤولية وطنية وامل كبير وقيم عليا يلتزم ويؤمن بها الجميع وبذلك نصل الى مناخ خصب يعزز التضامن الوطني وتأدية الواجب من اجل رؤية واحدة فقط وهي المستقبل، مستقبل الدولة الحرة وكرامة الانسان اولا.
هذه ليست نظرية غير قابلة للتطبيق بل هي مجموعة ثوابت وتجارب تتمثل بفكرة وسلوك وخطاب وحالة جديدة شهد عليها الجميع في اكتوبر تشرين الاول 2019م وبالتالي غايتنا اليوم الاستفادة من تجاربنا وتجارب الدول والشعوب الحرة التي لا تختلف ظروفنا عن ظروفها سياسيا واجتماعيا وامنيا، شعوب ليست بعيدة عن واقعنا في السودان وتونس هذه التجارب شعوبها ليست افضل منا خاصة ان العراق اليوم يشهد صعود جيل عظيم بثقافته السياسية وتمسكه بالحرية وقيم التنوع والمستقبل.
هدفنا كأمة ومجتمع طامح في هذه المرحلة يتحدد بالعمل بمفهوم الثورة وتصحيح مساراتها السياسية والاجتماعية والثقافية كونها ومنذ البداية لم تكن ثورة خدمات وتبديل حكومات بل كانت ثورة واعية هدفها الاستراتيجي تغيير النظام وبناء دولة المستقبل الذي نُريد، ومن اجل ذلك ينبغي على الجميع مغادرة ثقافة الاحتجاج المحدود الذي لا تخرج عن رؤية الاعتراض العاجز والمطالب الضعيفة والتوسل من اجل اصلاحات شكلية اقصى اهدافها تغيير وجوه الحكومات وطلب خدمات من نظام سياسي عاجز وسلطة فاسدة.
يجب ان يُدرك جيل الثورة بأن الاحتجاجات لن تحقق الا استمرار الدم وتكشف المجتمع وتجعله هدف سهل لعمليات التصفية والخطف والترهيب وبالتالي الاختراق والتمزق والعزلة وتحطيم قوة الارادة العامة ومن ثم السيطرة عليها حتى ينتهي الحال بالانقسام والاندثار.
يجب التمسك بالثورة كمفهوم وهدف ووسيلة، وبالليبرالية كفكرة داعمة للبناء الثقافي والحفاظ على التنوع وقيمه الانسانية وتعزيز قيمة المشاركة الكاملة والمسؤولية التضامنية وهذا لن يتم دون مغادرة ثقافة الاحتجاج العاجز وتحديد الهدف الاستراتيجي بتغيير النظام السياسي والانطلاق بمشروع البناء الثقافي وانتاج هوية وطنية تجعل من التنوع قوة والوطن مسؤولية والدولة مكسب تاريخي عظيم مرتبط بوجود الامة العراقية ومصيرها.

ثورة من اجل تغيير العقد الاجتماعي
يجب على الجميع ان يشعر بالمسؤولية وان تعمل الارادة العامة الثائرة عبر تنسيقيات اكاديمية مختصة على تحديد مواصفات المرحلة ورسم خارطة طريق للمرحلة التي تلي الثورة من خلال انتاج حكومة وطنية مؤقته برؤية حكومة الانتقال الطارئ يتشارك معها المجتمع المدني وكل افراد الارادة العامة وتنسيقياتها المختصة باقتراح دستور (عقد اجتماعي جديد) وتأسيس مفوضية جديدة للانتخابات، وقانون انتخابات لا يخرج عن رؤية الثورة وكل هذا يجب ان يتم باستفتاء شعبي عام.
الحقيقة التي يجب ان يُدركها الجميع هي ان الانظمة السياسية والحكومات والشرعية مقومات وبنية مؤسساتية ناتجة عن الإرادة العامة من خلال عقد اجتماعي يتمثل بالدستور وهذا الاخير يخضع دائما للتقييم والمراقبة والتعديل، وتبقى الثورات وسيلة مشروعة لتغيير العقد الاجتماعي ووضع عقد اجتماعي جديد يغير نظام وادارة السلطة وبالتالي ينتج عنه نظام سياسي، وواقع جديد يمثل رؤية الارادة العامة ويحقق اهدافها التي قامت من اجلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو


.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي




.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي