الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليل الحسكة

يزيد عاشور
كاتب

2020 / 10 / 1
الادب والفن


تخفت الأصوات عادة ما بعد الحادية عشرة ليلاً الا من بعض سيارات الأجرة الصفراء وسيارات الأمن وبعض المارة على عجل بعض المطاعم الصغيرة المُلقاة على أرصفة الشوارع والتي تبيع الصندويشات السريعة والتي ما تلبث أن تختفي بعيد منتصف الليل فقط الأصوات العالية المنبعثة مع رائحة الخمرة من بعض الحانات تلوث صمت المدينة وغالباً ما تكون ضحكات تشعر أنها صادرة من رؤوس متعبة أنهكتها أقداح العرق البلدي
عادة ماكنت في أحد تلك الأماكن التي يكثر فيها العرق والثرثرة وتزدحم فيها الأصوات بدخان السجائر حيث يختلط سماء الحانة بشتيمة مخنوقة هنا أو مصطلحات كونكريتية مُسبقة الصنع مثل البروليتارية الأيديولوجية رأس المال الصراع الطبقي ألخ
عادة ما أودع أصدقائي عند الثانية صباحاً وأختار أن أمشي وحيداً في طرقات الحسكة .. أعرف الأبواب الميتة وأعرف أسماء من هم خلف الأبواب المحال التجارية أعرف أصحابها وأعرف من هو الطيب فيهم ومن هو النصّاب
أعرف كل حفرة في الطريق حتى أني قد منحت بعض تلك الحفر أسماء و بعد أن تعثرت مراراً بها صارت كذلك تعرفني وأعرفها ولم تعد مجرد أشياء
كان مشواري وحدي جزء مهم وأساسي من السكرة أحساس أمتلكته فقط وحدي
حين أتجول في المدينة النائمة أشعر بأن المدينة ملكي أنا سيدها أمضي وحيداً في شوارعها أتوقف انّى شئت و أبول على أي جدار ( مرة تبولت على قفل أحد أبواب المحلات لأنني كنت لا أحب صاحبه ) لم يُعكر صفو نشوتي تلك الا بعض سيارات البيجو البيضاء الطويلة والمدينة كلها تعرف أنها سيارات الأمن التي غالباً ما تتوقف ليمتد رأس قبيح من أحدى نوافذها ويسألني بصوت لا يخلو من ريبة ... شو .... لوين يا حبيب ؟ أحياناً أضطر للوقوف والشرح وأظهار هويتي وأحياناً أكون أوفر حظاً فأكتفي بأجابات مقتضبة وأتابع سيري
لم أكن أتذّمر من تلك السيارات ولا من الأسئلة السخيفة لقد تعودت عليها بفعل التكرار والعادة حتى أن الليل بات يبدو دونها غير كامل
عادة ما أختار الخابور كمحطة أخيرة لي أجلس قرب الناعورة أسمع نواحها الذي لم ينقطع منذ ولدت وهي تحمل بين صفائحها ماء الخابور لتودعه في ممر ضيق يقوم بلملمة الماء الهارب الى ساقية تنتهي في الحقل المجاور ثم لا شيء غير صمت الخابوروانكسار بعض أضواء المدينة القريبة على سطح الماء فتبدو كأنما تعلن عن افتتاح حفل صغير لكرنفال اللون المضطرب على سطح الماء
أنا والخابور والمدينة النائمة أنها حسكتي وهذا خابوري يعرفني وهو مستلق كحيوان مفترس يعرف صاحبه ويكتفي بتحريك ذيله حين يلتقيان
الحسكة كانت لأهلها في النهار وفي الليل لي
سمعت أن الناعورة قد ماتت و الخابور بات هزيل أول الأمرحين لم يحتمل فراق الناعورة فمات هو الآخر
أغمض عيني هذه الأيام وأحاول أن أصطحبني الى شوارع الحسكة مثل ليالي زمان لكنني أفشل في أستحضار الشوارع ولا أتذكر أين تنتهي
نسيت أسماء الحفر لم أعد أشعر بفحولة الخابوروالناعورة بالكاد أتذكر كيف هو شكل قبرها المتروك بأهمال دون شاهدة هناك
الموت بدأ يعرف طريقه الى ذاكرتي
كثيرة هي الخلايا التي ماتت في جسدي
في انتظار أن يموت ما تبقى منّي سيستمر الحلم بليل الحسكة بالناعورة والخابور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي