الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن زنا … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 10 / 2
الادب والفن


بالكاد اعرف من اين ابدء …
لتكن البداية من يوم عثروا عليَّ ملفوفا بقماط ممزق امام الجامع الوحيد في منطقتنا … فكثر اللغط يومها عني ، وعن مصيري بعد ان تناثر سيل من السباب واللعنات على من كانوا السبب في هذه الجريمة النكراء ، وامتد النقاش ، والمداولة ساعات كان الجميع فيها في حيرة من امرهم … فهل يسلموني الى قسم الشرطة ، ام الى دار الايتام ، ام ماذا ؟
وبعد التداول والاخذ والرد تطوع الحاج عبد الواحد الفران مسرورا بان يتبناني ، ويحسبني ولده الذي لم يُنجبه ، وكان دافعه في ذلك انه وزوجه لم يرزقا بذرية ، ويبدو ان الله قد اكرمهم بهذا الطفل تعويضا لهم على صبرهم ، وايمانهم بان الله - مقسم الارزاق - لا ينسى احدا !
وهكذا بدءت الحكاية …
انتشر الخبر ، وتناقلته الأفواه من فم الى فم … وتحول همس العجائز الى صراخ حتى صار مضغةً للافواه ، ولم يبقى احد في محلتنا لا يعرف قصة اللقيط خالد … وهو الاسم الذي اطلقه علي والدي بالتبني الحاج عبد الواحد وحرمه …
وتحدد مصيري دون ان يكون لي فيه من خيار ، ولا ذنب فيما وقع من زلّةِ قدرٍ اعتدت على المجرى الطبيعي للامور !
وافق إمام الجامع مستلطفا الفكرة ، لما يعرفه عن الحاج عبد الواحد من ورع وطيبة قلب ، وفعل الخير ، وان الطفل المسكين هذا سيكون بالتاكيد بايدٍ امينة …
اسرع الشيخ عبد الواحد - والدي الجديد - بكنزه الى زوجته ليبشرها بما وهبته السماء لهم من رزق … !
هللت المرأة الطيبة واستبشرت خيرا بهذا المولود ، وتمنت ان يكون مقدمه باعث خير وبركة على هذا البيت واهله ، وهكذا اصبح عندي ام ترعاني ، وتهتم بي لتعوضني عن امي الزانية التي نبذتني والقتني في الشارع بمجرد ان ولدتني كأنها تلقي فضلاتها … تحت ضغط الخزي والعار الذي ساسببه لها لو اكتشف اهلها الامر … !
ورقة صغيرة تملأها خربشات يسطرها شيخ على عجالة ، وبلا مبالاة فصلت بين امي وابي ، وبين ان اكون طفلا شرعيا ، مقبولا ومندمجاً في هذا المجتمع القاسي الذي قد ينسى كل شئ ، ولا ينسى او يغفر لمن تجاسروا ، وتحدوا ارادته ، وداسوا باقدامهم على الموروث من القيم الاجتماعية الصارمة التي اسلم الناس جميعا انفسهم ، وعقولهم لها لتقودهم في هذه الحياة كما تُقاد النعام … !
وهكذا عشت ، وترعرعت في بيت الرجل الطيب الحاج عبد الواحد مشمولا بكل رعاية ، واهتمام خاصة من امي التي كانت ترعاني ، وتهتم بتربيتي ، وتعليمي ، وتحيطني بدفء ، وبحنان حازم ساهم بشكل ما في صلابة عودي ، وقوة شخصيتي … فعلموني في احسن المدارس ، وصرفوا علي ولم يبخلوا بشئ ابداً ، وانا احبهم كثيراً ، ويحبونني اكثر ، ولم اكن اعرف ولا اعترف بغيرهم اب وام في هذه الدنيا … !
وبدءت طفولتي تسوقني الى الشارع ، واللعب مع اقراني من الاطفال الذين بدءوا يخصوني بنوع معين من الشتائم التي تركز على موضوع واحد يتعلق باصلي وفصلي ، ويعاملونني معاملة غريبة ، ويسخرون مني ، وكأنني شاذ بينهم كلما حصل شجار بيني وبين احدهم ، وكثيرا ما كانت تحصل مثل تلك الخلافات والشجارات ، وهذا امر طبيعي ، ولكن الغير طبيعي ان يصرخ بوجهي من اختلف معهم … ناعتين اياي بالنغل ، ولا ادري وقتها هل كان اولئك الاطفال يعون معنى ما يقولون ام انهم قد سمعوها من اهلهم دون فهمها … ؟
اما بالنسبة لي فلم اكن اعرف طبعا اي معنى لهذه الكلمة الغريبة … ربما أُدرك انها بالتاكيد سُبة من نوع ما ، ولاشئ غير ذلك … ! تُخيم علىَّ سحابة من حيرة ، وانا اسمعها تُقذف في وجهي مرارا وتكرارا ، ولا ادرك لها من معنى …
وفي يوم ذهبت الى امي باكيا ، وسألتها ببراءة ، والكلمات لاتزال تتعثر فوق لساني عن معنى كلمة نغل … شهقت المسكينة ، وضربت على خدها من هول المفاجئة والصدمة … ثم احتضنتني بقوة ، وقبلتني وهي تبكي ، ومن يومها منعتني من الخروج ، واللعب في الشارع مع اولاد الحارة ، وكأنها تحيطني باسلاك شائكة لتحميني … بالرغم من توسلي المتواصل لها بان تسمح لي في ذلك .
وعندما حان وقت المدرسة الحقني ابي الحاج عبد الواحد بناءً على توصية من امي باحدى المدارس الخاصة ، والراقية حتى لا اختلط بصبيان الحي من المتنمرين … فينكأون الجرح ويجددون الاحزان ، ويعاد احياء الفضيحة … الجريمة التي ارتُكبت في حقي ، ولا ذنب لي فيها … !
وانطوى الامس بعيدا ، وتوالت السنين تباعاً … وكبرتْ … والتحقت بالجامعة طالباً في كلية الهندسة ، وبدء يتفتح وعيي اكثر … وعرفت يومذاك الحقيقة ، او هكذا صفع سمعي شئ من رذاذها من هنا او هناك يكفي ان يلقي كامل الضوء عليها … وانا اليوم اسردها بشجاعة امام اسماعكم .
صحيح ان الموضوع كان كبيرا علي ، وقد سبب لي ما تسمى بعقدة الاصل والنسب ، وتركت في نفسي ندوبا ربما ستظل باقية الى الابد … كوني انسانا بلا جذور … يعوم في الهواء !
الا انني في قرارة نفسي كنت مقتنعا بمصيري ، ومستسلما لما خصه القدر بي … الذي كان رحيما بي ، ووهبني اناس طيبيين احسنوا لي ، واكرموني ، واوصلوني الى شاطئ الامان ، ولم يُشعروني وانا اعيش في وسطهم بانني لست ولدهم ، وانني ابن حرام .
يقولون ان الله اذا احب رجلا ، وضع في طريقه امرأة تُحبه ، وهذا ما حصل معي … فقد التقيت بوداد في دهاليز الكلية ومكاتبها … فتاة تُشرق بجمال طبيعي هادئ أخاذ يفرض عليك ان تحترمه اكثر مما تشتهيه ، وهو ما اريد واتمنى في شريكة العمر … احبتني وبادلتها الحب بالحب ، وانطلقنا في ارض الحب سعداء فرحين لا يعكر صفو حياتنا شئ …
امتدت زمالتنا في الكلية الى ما بعدها بعد ان تحولت الى حب نقي نظيف اطهر من انفاس الملائكة !
عفواً نسيت ان اصف لكم نفسي :
فانا شاب وسيم طويل القامة حاد التقاطيع جميلها ذو احساس مرهف وقلب طيب قلَّ ان يجود به الزمان هذه الايام ، ولا ينقصني شئ الا ماذكرته في بداية الحكاية ، وهي صفات تدل على ان من طرحني على هذه الارض وهرب … كان جميلا ، فشكرا على اية حال … ولا ضغينة !
وفي يوم التخرج كانت فرحتى على كبرها وعظمها لا تقاس بفرحة امي وابي الذين اطمأنوا علي ، وشعروا بانهم قد ادوا ما عليهم واكثر ، وصانوا الواجب وحفظوا الامانة .
لا يمكن للحياة ان تمر هادئة سعيدة على الدوام كالحلم الجميل … من المستحيل ان نامل في مثل هكذا حياة … فالدنيا مليئة بالمفاجآت والمنغصات ، وبشكل مفاجئ وصادم توفيت والدتي الطيبة ، وبموتها مات فيَّ جانب مهم لا يعوض … فهي التي كانت لي نعم الام واكرمها … ملأتني بحبها وحرصها على تربيتي تربية صالحة … وبكيتها كما لم يبكي ولد امه ، ولحق بها ابي بعد اشهر قليلة … شد ما حزنت على الاثنين ! وهكذا بقيت وحيدا … ضائعا في هذه الدنيا … !
توظفتُ سريعا بسبب درجة الامتياز التي حصلت عليها مع توصية من اساتذتي بان اكمل دراستي لما الفوه فيّ من ذكاء وفطنة ، ولكنني آثرت ان اتزوج واستقر اولا خاصة ، وانا بامس الحاجة الى انسانة ترعاني ، وتملأ علي حياتي ، وتسد شئ من الفراغ الذي تركه اهلي برحيلهم المفاجئ … وكانت المرأة موجودة ولا داعي للبحث عنها فحبيبتي وداد هي زوجة المستقبل والامل المنشود ، او هكذا تصورت .
وامانةً مني التي درجتُ عليها بفضل تربيتي الجيدة ان اصارح الانسانة التي ستشاركني الحياة بكل شئ ، وليكن ما يكون ، وان لا اخدعها ، وازيف لها الحقائق ، ولا اخفي الازبال تحت السجادة … كما يفعل البعض من الشبان هذه الايام ، وهي امور ليست اصلاً من شيمي … !
وقد فعلت …
عزمت ان ابوح لها بالحقيقة كاملةً ولا شئ غير الحقيقة ، وبعد سماعها قصتي كاملة بلا حشو ، ولا اسهاب … هبط عليها ذهول مفاجئ امات فيها اي رد فعل … ثم اطرقتْ الى الارض ، وكأنها تبحث في طيات ترابها عن جواب ، او حل لشئ من قلق احسستُ انه بدء يعتمر في داخلها ، وكانني بذلك قد ايقظت حواسا كانت نائمة عندها لم تكن في وارد حساباتها … ثم قالت وهي تشد على محابس دموعها ، وبصوت يشبه الهمهمة او مناجاة الروح :
- انت تعرف انني احبك ، ولا اتمنى غيرك زوجا ، ولكن … ثم صمتتْ ، وذهبتْ في تفكيرها بعيدا الى حيث لا ادري … فقلت بصوت فيه غصة لابدد الصمت ، واستعجلها لان تسهب اكثر :
- وانا كذلك ابادلك كما تعرفين نفس الشعور ان لم يكن اكثر …
- اهلي … قاطعتني بصوت منكسر ، حزين … سيسألون ويتقصون ، وانت تعرف مجتمعنا … !
تجمدتُ في مكاني كمن صرعته رصاصة ، وشعرت بان قلبي يرفرف كالحمامة الذبيحة … ادركت المعنى مما ارادت ان تقول :
- وما ذنبي انا فيما تلمحين ؟
- طبعاً طبعاً لا ذنب لك … واردفت بتردد وهي تزدرد انفعالها … تقدم وربنا يستر … قلت بايجاز من لا يود مواصلة الحديث :
- بصراحة … انا غير مطمئن …
وهكذا توقف الحوار بيننا بعد ان ايقضتني كلماتها من غيبوبة الغرام … ! واخذ كل واحد منا يهيم بافكاره ، وهواجسه وحيدا في عالم اخر بعيدا عن شريكه … ثم تقدمنا صامتين كأننا نشيّع ميتا … !
لكنني اعرف مجتمعنا اكثر مما تتصور ، والنتيجة محسومة سلفا ، ومع هذا قررت ان اقوم بما يجب علي القيام به ، وذهبت في عصر يوم حُدد لي فيه موعداً مع والدها واخيها ، وكان اللقاء باردا خاليا من اي معنى ، والحديث ممزقاً ، والنكات مفتعلة … ادركت من خلاله ان الخبر لم يعد مستورا ، وانها لن تكون اكثر من زيارة مجاملة يختمونها بالدارج من العبارات في مثل هذه المناسبات من قبيل ان الزواج قسمة ونصيب ، ومعناها ان الطريق مقفل ومسدود … ومع السلامة !
همت على وجهي منهزماً حاملا طعنة الغدر بين اضلعي ، وململما جراحي مصمما على اصلاح كل شئ في حياتي ، وتعديل مسارها المعوج الى الابد فلجأت الى الخطة باء ، والتي نحيتها جانبا من عشمي في انجاح مسعاي في الزواج من وداد ، او من غيرها ، فانا لم اكن عاجزا عن الحصول على امرأة اخرى ، ولكني كنت ارفض ان ابقى حبيسا لهذا الهاجس ، وتلك العقدة اللتان قد يعكران مجرى حياتي في المستقبل في اية لحظة ، وهو ما كنت ارفضه قطعاً !
واليوم لا خيار عندي الا في الخروج من النفق المظلم ، وتنفيذ ما كنت قد خططت له وعزمت عليه ، وهو الهجرة الى عالم آخر ، وارض اخرى لا تتحكم بها عقول متحجرة قادمة من كهوف الماضي الغابر …
يقولون ان الظروف هي التي تصنع الانسان ، وليس الانسان من يصنع الظروف … مقولة تحمل مفهوماً غائماً … قررت بعناد ، واصرار ان اعكسها واصنع قدري وظروفي بنفسي ، وبدلا من البكاء على اللبن المسكوب عزمت على اصلاح وعائي ، فعقدت العزم على ذلك بعد ان وجدت نفسي امام جدار صلب من التقاليد ، والقيم البالية تقف حائلا بيني وبين تحقيق آمالي التي سرعان ما سقطت امامي جثة هامدة … !
وهكذا كان …
ولم انسى توديع وداد في يوم لا يُنسى ، وتمنيت لها حياة سعيدة بعد ان مسحت سيلا من دموعها التي انحدرت في خطين متوازيين على كلتا وجنتيها ، وقبلت جبينها … وغادرت وسط صمت ثقيل بعد ان لم يعد للكلام من معنى ، وانا اسمع نشيجها ، وكان آخر صوت حبيب كنت اود ان اسمعه ليكون لي زادا في غربتي الباردة الجديدة … !
نجحت بعد جهد جهيد ان اصل الى المانيا الموطن الجديد والملاذ الاخير دون ان انظر الى الوراء !
وكانت بداية جديدة اخرى …
عانيت فيها من الم الحنين الموجع في بداياته ، والذي سرعان ما اخذ بالتلاشي تدريجيا بحكم الزمن ، ولم يبقى منه بعد ذلك الا ما يبقى من الورد بعد جفافه … بسبب انشغالي بعملي ، وتصميمي على النجاح فيه ، وبسبب علاقتي بانسانة احبتني حقا ، وفتحت لي قلبها ، وعوضتني عن كل صنوف الحرمان والمعاناة التي عشتها في بلدي … !
وانا اليوم اعمل مهندسا في احدى الشركات الكبيرة وناجحا في عملي … تزوجت من فتاتي الالمانية ، وعندي منها اولاد اثنين : حسن ونادر … طبعا لم تكن هناك ضرورة بان اصارحها بقصتي لاكمل زواجي كما فعلت مع وداد لانهم لا يحملون عقدا كعقدنا ، ولان هذا الامر عادي في ثقافتهم المنفتحة على الحياة ومسراتها … !
وهكذا التأمت كل جروحي في وقت زمني قصير ، ولم يبقى من اثر لها الا ندبٍ لا تكاد تُذكر … !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا