الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين زمَان الشاعر وزَمَن المُغَنّي...!!

ادريس الواغيش

2020 / 10 / 2
الادب والفن



بين زمَـان الشاعر وزمَن المُغني زمنان وجاهليتان: جاهلية أولى وجاهلية ثانية وأحلام ضاعت بالجملة. ذكر ابن رشيق في "باب احتماء القبائل بشعرائها"، من كتابه: "العمدة في محاسن الشعر وآدابه": "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصُنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان، لأنه حماية لأعراضهم، وذبٌّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج"، كان هذا في جاهليتنا الأولى، فما الذي حدث حتى تغيّرت طباعنا وتقاليدنا، وبعيدا عن الدين، لا نحن حافظنا على عادات جاهليتنا الأولى ولا نحن جدّدنا شيئا في "جاهليتنا" الثانية، أصبحنا عكس كل الأمم لا نفرح لولادة عالم فينا أو مجدد، ولم نعد نبالي بظهور شاعر أو مفكر بين ظهرانينا، بقدر ما نفرح لولادة نجم في كرة القدم أو مطرب في "فن الرّاي" أو مغني "الرّاب" أو حتى "كوامنجي" رديء الأداء في فن "العَيْطة" من الدرجة الرابعة أو الخامسة، بعد أن توارت أسماء رائدة لمعت من خلال أصواتها الدافئة وأدائها الرفيع في الأغنية العصرية من أمثال: عبد الهادي بلخياط، عبد الوهاب الدكالي أو نعيمة سميح ولطيفة رأفت وغيرهم أو غيرهن. وحين أفل نجم هؤلاء وغابوا إما طوعا أو غُـيّبوا قسرًا وإكراها، ظهرت بعدهم طحالب تقتات على ظلالهم وفتاتهم أو على "عْـيُوط" الأسطورة فاطنة بنت الحسين والحسين السلاوي وأنغام أخرى خالدة في الشرق للشيخة الريميتي أو أحمد ليو وفي الغرب لإبراهيم العلمي الذي تميز في أداء صنف الشعبي- الطربي، وأصبح فنانو "آخر زمن" يغنون ويقلدون ويسمخون كيفما شاءوا وبصيغ مختلفة، خصوصا مع ظهور آلات غربية إلكترونية جديدة تساعدهم على تحسين جودة الصوت وتعطيهم مساحات واسعة لحناجرهم المبحوحة وأخرى مختلفة في النغم والإيقاع من دون الارتهان إلى معهد أو معلم، لكن دون أن يبدعوا أو يقدموا شيئا جديدا ومختلفا فنيا، بل لم يحافظوا على التراث كما ورثوه، ولهذا يبدو أن جاهلينا الأولى كانت على علاتها أحسن وأرقى من جاهليتنا الثانية مع فارق في الزمن والتوقيت.
ولذلك، أقول لكل المطبّلين والمزمّرين و"الغيّاطة"، وحتى لمن تبع لائحة الدعم التي تقدمت لنا بها وزارة الثقافة المغربية بـ"النافخ":
- عندما نقول الفن أو "الفنانة"، فإننا لا نقصد به فئة محددة، مثل من يمتهن الغناء أو الرقص بنوعيه : البلدي والعصري، وإلا كانت راقصات وممتهنات هز البطن في كباريهات الدار البيضاء ومراكش والرباط وفاس وطنجة، وكذا "شيخات واد زم" - اللواتي كان يقدم وصلاتهن المرحوم نور الدين كديرة كل يوم أحد في برنامجه "الأحد الرياضي"، وكنا نحن كمراهقين نسعد بالسماع والاستمتاع في انتشاء لهن- أولى بالدعم.
الفنان هو من يقدم لنا فنا كيفما كان هذا "الفن"، سواء كان هذا الفن أصيلا أو لقيطا، ولائحة الفن أو الفنون عموما، إن كنتم تفقهون، تطول وتبدأ كي لا تنتهي، بدءا من النحت والرسم إلى التلحين والموسيقي والسينما بكل مكوناتها والمسرح بكل دواليبه والفنون التشكيلية بكل أنواعها وأجناسها...إلخ.
نحن كمغاربة لسنا ضد الفن، لم نكن يوما ولن نكون كذلك، وشهادة كبار الفنانين المشارقة والمغاربة أكبر دليل على حب الجمهور المغربي للفن والفنانين، لأن من يقف ضد الفن والفنانين إما معتوه أو متكلس فكريا أو جامد في عقليته وضد الحياة في صيرورتها الطبيعية بشكل عام، وفي كلتا الحالتين معا لا أعتقد أن مغربيا شريفا ضد الفن أو دعم الفنان والفنانين، لأننا كبشر نحيى بالفن كما نحيى بالخبز والماء والهواء، وقد نتداوى بالاستماع إلى الفن كموسيقى، في حين تعجز الخبز عن دوائنا أو حلحلة نبضات قلوبنا إن أصابها مكروه، لكننا في نفس الوقت نميّز بين الفن والعفن، كما بين من يستحق الدعم ومن لا يستحقه. هناك فرق كبير بين جملة موسيقية يعمل ملحن فنان على تدوينها طيلة شهور دون القبض على جمراتها، وبين مشروع فنان يتدرب على ترديد قاطع غنائية وفنان آخر تكفيه بعض قنينات من الجُعّة أو كأس ويسكي بارد في كباريه، حتى يصم آذاننا بما رخص وانحط من ألحان فن هابط وعفن، تلفظه الآذان قبل أن تسمعه ولا يقبل به أي ذوق سليم.
ويظل السؤال الشائك- الموجع والشرعي المطروح، هو:
- لماذا اقتصرت لائحة وزارة الثقافة- عمدا- إذن على هؤلاء المغنين والمغنيات دون غيرهم؟، ونحن نعرف أن أغبيتهم في غير حاجة إلى هذا الدعم، هناك فنانون مغاربة ومغربيات كبار تربينا على نبل رسالتهم الفنية، تركوا بصمات واضحة وإرثا غنيا في الغناء والتلحين والعزف، وفنانون آخرون عملوا وأبدعوا في المسرح كما في السينما والتلفزيون، لكنهم الآن مقعدون ويشتكون من العوز والفقر، نترفع هنا عن ذكر أسمائهم احتراما لمقامهم الرفيع عند المغاربة، وهم في وضع مالي وصحي يحتاج إلى الدعم أكثر ممّن قدم لهم الدعم ضمن اللائحة التي تبعتها تدوينات ساخرة من كل حدب وصوب، أظهرت مرة أخرى أن المغاربة لم يفارقهم حسهم الهزلي، رغم كل ما يمرون به من حجر وأزمات على جميع المستويات، هناك أيضا فرق موسيقية وفلكلورية مشهورة مثلت المغرب في عدة دول وأبهرت بأدائها الرفيع في الخارج كما في الداخل، وكتاب ومفكرين كبار شرفوا وزارة الثقافة المغربية في عدة محطات طيلة حياتهم، هم الآن يعانون صحيا وماديا، فلم تم إقصاؤهم من اللائحة، وقد بحّت الأصوات والحناجر تنادي بإنصافهم، لكن دون جدوى.
أطلت علينا هذه اللائحة في ظرفية استثنائية يعيشها المغرب صحيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، مع العلم أن هناك معايير موضوعية لدعم الفن والفنان والثقافة والمثقفين عموما، لو احترمتها وزارة الثقافة في لائحتها "الشبهة"، لكنا ساعتها قد صفقنا لها جميعا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث