الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكفاءة السياسية وراء تعيين وزراء من أصل أجنبي في الحكومة البلجيكية

التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)

2020 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


وزراء من أصل أجنبي
هناك من يحاول أن يُحمّل هذه المسألة ما لا يمكن أن تحتمله، فيذهب إلى أقصى الحدود عندما يعتبر أن تعيين وزراء من أصل أجنبي إنما هي ورقة سياسية، سواء للداخل الذي بات يشكل فيه الأجانب قوة ديمغرافية مهمة أو للخارج قصد إثبات تسامح البلجيكيين مع غير الأصليين. وقد عهدنا سماع مثل هذا التفسير كلما شكلت حكومة في دولة أوروبية أو غربية يوجد فيها عنصر مسلم أو عربي أو أجنبي.
أعتقد شخصيا أنه ينبغي أن نستوعب هذا الأمر بشكل واقعي، حيث المناصب التي تصل إليها كفاءات من جذور أجنبية على مختلف المستويات وفي شتى المجالات، لا تتحقق إلا بعد جهد جهيد في الدراسة والوظيفة والعمل السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي، علما بأن الإنسان لا يتلقى منصبا أو وظيفا معينا في الغرب إلا إذا كان يستحقه، وتؤهله إمكانياته المعرفية والمهنية للقيام بذلك، وقلما نسمع هنا عن ظواهر المحسوبية والزبونية والوساطة. ما يدل على أن هذه الشخصيات، التي تستوزر أو تعين في مناصب سياسية عالية أو تقلد مسؤوليات جسيمة، مهدت لذلك عبر انخراطها الطويل والحقيقي في العمل السياسي، ولعل نظرة بسيطة في ملفاتها الشخصية وأنشطتها المتنوعة تثبت هذه الملاحظة.
لذلك، فإن تعيين شخصيات من أصل أجنبي (مغربي، عراقي) في الحكومة الفيدرالية الجديدة في بلجيكا يمكن اعتباره نتيجة منطقية للكفاءة السياسية والاستراتيجية التي تتمتع بها هذه الوجوه، بالإضافة إلى أسماء أخرى تقلدت مناصب عالية على الصعيد البلجيكي، كمحمد الرضواني عامل مدينة لوفان (من أصل مغربي)، ومريم الماشي رئيسة حزب الخضر (من أصل تركي)، ورجاء موان رئيسة حزب البيئة في منطقة الوالون والعاصمة بروكسيل (من أصل مغربي)، بالإضافة إلى عشرات الشباب الفاعل في مختلف الأحزاب والهيئات السياسية.

تحول جذري في واقع المسلمين في الغرب
لم يعد اليوم الحديث عن الغرب المسيحي، فهذا مصطلح أصبح نسبيا في الغرب أمام زحف العلمانية واللادينية والإلحاد، فأصبح النفوذ الديني المسيحي يتقلص بشكل تدريجي، وهو مرشح للانكماش أكثر، وتشير الإحصائيات إلى أن ما يقارب 82% لا يزورون الكنيسة على الإطلاق، وفي هولندا أصبحت حوالي نصف الساكنة تعتبر نفسها ملحدة أو غير متدينة، بل وأنه مع قدوم 2030 سوف تختفي 1000 كنيسة في أوروبا. وهذا ما ينطبق أيضا على الأحزاب السياسية المسيحية التي أصبحت تتراجع في بعض البلدان الأوروبية، ومنها بلجيكا، أمام تصاعد اليمين التقليدي واليمين المتطرف.
منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي بدأ يطرأ تحول ديمغرافي في بنية المجتمعات الأوروبية أمام تصاعد الهجرة الجنوبية وارتفاع عدد مواليد الشرائح غير الأصلية بشكل ملحوظ، لاسيما في المدن الكبرى التي تشهد كثافة سكانية أجنبية هائلة. ولم يقتصر هذا التحول على ما هو ديمغرافي بقدر ما تجاوزه إلى مختلف المجالات كالاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية وغيرها، حيث صار الحضور الأجنبي يتعزز ويمتد، وما ولوج بعض الكفاءات من أصل أجنبي المعترك السياسي والحكومي إلا مؤشر واضح على ذلك.
ومن الطبيعي أن يطرأ نوع من التحول على طبيعة العلاقة بين الأصليين والأجانب، بين الغربيين والمسلمين، وذلك بحسب أداء المسلمين المهني والدراسي والاجتماعي والأخلاقي. وفي الوقت نفسه، يجب أن ننتبه إلى أن تعامل الغرب مع المسلمين ليس متجانسا، بل متنوعا يختلف من فئة إلى أخرى، ومن حزب إلى آخر، ومن سياق إلى آخر. هناك من يرفض المسلمين جملة وتفصيلا، كما هو حال حركات اليمين المتطرف والنازية الجديدة والمرتدين والمثليين، وهناك من يتحفظ في تعامله مع الشريحة المسلمة، وهناك من يتعاطى مع المسلمين بانفتاح تام واحترام متبادل وتعاون متواصل.

من الاندماج إلى المواطنة
لعل مصطلح الاندماج لم يعد يستعمل كثيرا في الأدبيات السياسية والإعلامية والأكاديمية الأوروبية كما كان الأمر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لأن الحضور الإسلامي والأجنبي ولج اليوم لاسيما في السياق الأوروبي، وبالتحديد سياق أوروبا الغربية، مرحلة المواطنة، حيث أصبحت الأجيال المسلمة الأخيرة التي ولدت وترعرعت في الغرب تشكل قاعدة الهرم الديمغرافي، فهي لا تحتاج إلى الاندماج الثقافي والاجتماعي كما كان حال الجيلين الأول والثاني، لأنها تتقن اللغة على مستوى عال أو لا بأس به، وتملك مختلف المهارات الاجتماعية والمهنية والتواصلية، بل وهناك الآلاف من الشباب الذين اقتحموا مجال السياسية؛ دراسة وممارسة.
على هذا الأساس، إن التحولات الجديدة التي يشهدها واقع المسلمين في أوروبا والغرب ينبغي أن تستوعب في بنية المجتمعات التي بات يشكل المسلمون جزءا لا يتجزأ منها، فلم يعد ينظر إلى نجاح المسلم في انفصال عن السياق الذي ينتظم فيه، ولا يقارن بنجاح غيره من شرائح المجتمع الأصلية أو الأجنبية. بل تعتبر الإسهامات التي يقدمها المواطنون مكسبا للمجتمع المتعدد الذي يحضنهم بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الإثنية أو الدينية، وهذا ما يسري على الوزراء من أصل أجنبي الذين عينوا في الحكومة البلجيكية الجديدة على أساس الكفاءة المعرفية والمهنية والسياسية التي يتمتعون بها، لا على أساس الأصل أو الدين أو لون البشرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن