الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 5

دلور ميقري

2020 / 10 / 2
الادب والفن


ذلك العام، الذي رُزق فيه جمّو بابنة ثانية، ترافق مع فجيعته بكلّ من والدته ومعلّمه، الأمير. إلى ذلك، كان عاماً تميّزَ بالاضطرابات السياسية، الناجمة عن تبوّؤ العقيد الشيشكلي لسدّة الرئاسة. لقد حاول استحواذ السلطات الدستورية، الممنوحة للبرلمان، كما عمل على كبح نفوذ الأحزاب التقليدية من خلال تبنّي تنظيمٍ باسم " حزب التحرير العربي ". لكن دعايات البعثيين وأضرابهم، كانت تغمز من قناة الأصل الكرديّ للعقيد وأقرب معاونيه، مثلما أن المنشورات السرية الشيوعية، اتهمته بممالأة الاستعمار الغربيّ من خلال موقفه الغامض من حلف بغداد. صديق عُمر جمّو، " محمد " وهوَ ابن أخي علي آغا زلفو، كان منتمياً لمجموعة الضباط التقدميين، التي اخذت تراقب بحذر وريبة السياسة الخارجية للشيشكلي. ثم اتفقت على اعتقال العقيد، عند عودته بالطائرة من زيارة لتركيا قيلَ أنها كانت تمهّد لضم سورية لحلف بغداد. لكن الخطة فشلت، وتم توقيف المتآمرين. كون معظم هؤلاء من بني جلدته، فإن العقيد أطلق سراحهم ومن ثم أعادهم للخدمة.
أحد المقربين للعقيد للشيشكلي، كان خال أمية ابنة جروس؛ صديقة الطفولة والصبا لبطلة سيرتنا. العقيد محمود شوكت هذا، سيلعب في المستقبل القريب دوراً هاماً حينَ جرى إعلان العصيان العام ضد الدكتاتورية العسكرية. لكنه كان بالأساس متلوناً كالحرباء، فلم يُناهض الدكتاتور عندما كان هذا يتمتع بتأييد الجيش. قبل انجاب بيان لابنتها الثانية بنحو ثلاثة أعوام، وكانت عزباء بعدُ، أفاقت في إحدى الليالي على جلبة الدار. هنالك عند باب الحديقة، المفتوح على الزقاق، كان ينتصبُ والداها وهما يتهامسان. انضمت إليهما، لترى بَدورها عربة عسكرية كبيرة متوقفة في مدخل الدهليز، المؤدي لمنازل الجيران. أشباحُ عناصر العسكريين، كانت تتراءى في العتمة وهيَ تنقل من السيارة أغراضاً ثقيلة. في اليوم التالي، جاءت فاطمة، زوجة جروس، لتسرّ لصديقتها ريما سرَّ الليلة المنصرمة: حمولة السيارة العسكرية، كانت تخصّ شقيقها، الضابط في الجيش. وبحسب ما فهمته هيَ، أن الأمرَ يتعلق بأسلابٍ، تمت مصادرتها على أثر حملة للجيش على إحدى مناطق العلويين في جبال الساحل. ذلك جرى، عقبَ قمع حركة " الربّ المُرشد "؛ وهوَ سليلُ رجل دينٍ بارز، سبقَ أن انتخب لعضوية البرلمان في زمن الإنتداب. ثم ما لبث مع مستهل عهد الإستقلال أن اتّهم بالسعي لإقامة دويلة لطائفته، بدعمٍ من المستعمرين أنفسهم.

***
آلَ الوضعُ السياسيّ الجديد، غبَّ حصول البلد على الإستقلال، إلى وضعِ الأمير في دائرة إتهامٍ مشابهة. لقد نُظر إلى نشاطاته في إحياء ثقافة قومه، كما لو أنها محاولة من الفرنسيين لتفتيت أوصال البلد على غرار ما فعلته سلطتهم في عقد العشرينات. لكن كون الرجل أضحى منذ زمنٍ بلا مريدين، فإنهم اكتفوا بطرده من الوظيفة. عاش بعدئذٍ في حال ضنكة، معتمداً على الراتب الزهيد لإمرأته، المُعلّمة في مدرسة ابتدائية. إحدى قريبات الأمير كانت متزوجة من خال ملك الأردن، فسعت إلى تعيينه بمنصب رفيع في القصر. لكنه رفضَ هذه الدعوة الكريمة، التي وصلته بشكلٍ رسميّ عبرَ السفارة الأردنية، مبرراً ذلك بعدم رغبته في توتير علاقة المملكة مع الأتراك.
في مبتدأ الصيف، حصل الأميرُ على قطعة أرض في قرية الهجّانة من لدُن صاحبها، صديقه الملّاك حسين بك الإيبش. كان من المؤمل أن يستثمر الأرضَ، بغيَة تحسين وضعه المعيشيّ. شهرٌ على الأثر، ثم أشرف الرجلُ على حفر بئر في أرضه. وكان هذا آخر عهده في الحياة. كان يقفُ ذات يوم بإزاء البئر، مُشرفاً على العمل بالحفر، لما أنهارت التربة الهشّة فابتلعته إلى داخل رحمها. موت الأمير، كان له دويّ كبير داخل وخارج البلد. في اليوم التالي، تم تشييع الجثمان محمولاً على أيدي المريدين السابقين؛ وكان جمّو أحدهم. العزاء، الذي جرى في قصر آل الإيبش في حي سوق ساروجة، حضره رئيس الوزراء، حسني البرازي، ممثلاً عن رئيس الدولة، فضلاً عن سياسيين بارزين ومفتي الجمهورية: هذا الاحتفاءُ الرسميّ بالمناسبة الحزينة، ربطه البعضُ بسعي الدكتاتور للحصول على تأييد مجموعةٍ مهمة من المعارضة، ناشطة في الجيش والحياة السياسية على حدّ سواء، كانت تكن إحتراماً كبيراً للفقيد.

***
بيان، المُبكّرة صباحاً للاهتمام بأمر العجوز المريضة، هيَ من اكتشف موتها في ذلك اليوم من الربيع. ثم أفاقَ بقيةُ أهل الدار على صرختها، الناجمة حتماً عن رعبها من حضور الموت. كانت لمّا تبلغ بعدُ سنّ الثامنة عشرة، وفي الأشهر الأخيرة من حملها الجديد. بتوجيهٍ منها، سجّوا جثمانَ الحماة الراحلة على أريكةٍ في الإيوان، ليستقبل المشيعين من النساء. الرجال، وغالبيتهم من الأقارب والجيران، تجمهروا خارج المنزل، مباشرةً عقبَ سماع نعي الفقيدة من خلال صوت مؤذن جامع سعيد باشا. وما عتمَ الجثمان أن سار باتجاه المسجد نفسه، لتأدية صلاة الميت. جمّو، وكان الأكثر حزناً ولا غرو، انتظرَ مع آخرين خارج المسجد.
جنازة السيّدة سارة، شهدت حضوراً لافتاً بالنظر إلى كونها أرملة آخر من حمل لقب زعيم الحي الكرديّ. كذلك الأمر في حظوة أبنائها، وبالأخص أصغرهم، لمراكز مرموقة في المجتمع المحليّ إن كان عن طريق العمل الشخصيّ أو العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف