الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى الثورة اليمنية هل نعلم وجهتننا؟ (1-2)

منذر علي

2020 / 10 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في مطلع الستينيات من القرن العشرين، خرج شعبنا إلى النور، ومنذ منتصف الثمانينيات من ذات القرن، وحتى مطلع العشرينيات من القرن الواحد والعشرين، أُدخل شعبنا عنوة في الظلام. وها نحن اليوم نقبع حائرين في زاوية مظلمة، في الدرك الأسفل من العالم. الاوباش المحليون وأسيادهم الإقليميون، يسيطرون على وطننا ويتحكمون بمصيرنا، فيعصف بنا اليأس ويفتك بنا الموت. فهل ندرك الأسباب الكامنة وراء هذا المشهد المأساوي؟ هناك اجتهادات مختلفة، ولكنها تكاد تنحصر في الاتهامات الجاهزة أو التبريرات العاجزة، أو اللوم المتبادل، الذي يختلط فيه الجنون بالبلاهة. ولذلك يمكن القول، بقدر كبير من الثقة، إننا نتجاهل جوهر المشكلات التي تعصف بنا، وأحياناً كثيرة لا نعرف الأسباب الحقيقة، على وجه اليقين، التي أودت بنا إلى هذا المصير البائس. فينتج عن هذا التخبط أننا نتوهم أننا نسعى للخروج من أزماتنا فيما نحن، في الواقع، نصنع المزيد منها، ونغرق في وحل الأزمات والمآسي.
***
الناس يدركون أننا انحرفنا عن حاضر عصرنا، وابتعدنا عن المستقبل، ونعيش على هامش الماضي. وطننا مفتت، وشعبنا يموت جوعاً ومرضًا وقتلًا، ودولتنا الكسيحة، تُدار من الخارج. لكن لا يدرك الجميع أنَّ الوضع القائم، Status quo، هو النتيجة المنطقية لحماقات وإخفاقات النخب السياسية، وانطوائها على مصالحها الخاصة، وتمحورها حول هوياتها القبلية والطائفية والجهوية الضيقة، على حساب مصالح الشعب، والهوية الوطنية الشاملة. إذاً، لا غرابة أنْ تفشل تلك النخب في حماية الثورة، ومكاسب الشعب التقدمية، والمصير الوطني المشترك، وتسقط في النهاية في الوحل، وهي ملطخة بالعار، أمام الإغراءات الخارجية، كما يسقط الذباب على القاذورات، وتقود الشعب عنوة إلى الجحيم والهوان. واليوم ونحن في هذه المأساة التي لا نظير لها في تاريخنا، هل نعلم ماذا نريد؟ وهل نعلم ماذا يريد لنا الأعداء؟ وهل نعلم كيف يمكننا أنْ نخرج من الظلام إلى النور؟
***
في بلدٍ متخلفٍ، كاليمن، تحكمه الأوهام والخرفات، وتتحكم به العصبيات الدينية والقبلية، قليلون هم الذين يدركون ماذا تريد القوى السياسية المحلية، وماذا تريد القوى السياسية الإقليمية التي تساندها.
إذْ لا يعرف الجميع أنَّ الحوثيين يريدون حكم اليمن، كطائفة هاشمية تعلو، من وجهة نظرهم، على كل الطوائف الأخرى، وأنَّ هذا التوجه، المعطوب بالخرافات والأوهام، لا يوافق عليه اليمنيون، ولا يوافق عليه كل أعضاء الطائفة الهاشمية ذاتها، بل أنَّ هناك من بين صفوفها من يناهض بقوة هذا التوجه الشائن.
وربما لا يعرف الجميع أنَّ المجلس الانتقالي يريد حكم جنوب اليمن، كتحالف ديني وقبلي، من مناطق معينة، يعلو، من وجهة نظر المتعصبين وخفيفي العقل، على كل القبائل الأخرى في الجنوب، بسبب ما يزعمونه من دور تاريخي لمناطقهم في الدفاع عن الجنوب، وما تتميز به مناطقهم وقبائلهم من بأْسٍ وشجاعة، حسب الأوصاف التي يصبغونها، بكرم كبير، على أنفسهم، ولكن هذا التوجه الأحمق، لا يوافق عليه العقلاء في تلك المناطق، وتعترض عليه الأغلبية من أبناء المناطق اليمنية، الجنوبية والشمالية.
كما أنَّ الناس لا يدركون أيضاً أنَّ الإصلاحين الإسلاميين، يريدون، مثل أقرانهم الحوثيين، حكم اليمن، كطائفة سنية، تعلو، من وجهة نظرهم، على كل الطوائف الأخرى. ولئن كان لهؤلاء حضوراً سياسياً قوياً في محافظتي مأرب وتعز، وحضوراً شعبياً نسبياً في شبوة وحضرموت، وإب والحديدة، إلاَّ أن وجودهم ضعيفًا في بقية المناطق اليمنية الأخرى.
وقد لا يعرف البعض أنَّ هناك قوى، قومية ويسارية وليبرالية، هامشية، متعددة، جزء منها موزع الولاءات، بنسب متفاوتة، بين الشرعية والقوى الانقلابية. وثمة جزء آخر متحرر من الارتهان الغبي للقوى المتخلفة، الداخلية والخارجية، ومشغولة بالهم الوطني، وتعاني من أوجاع الحياة السياسية، مثل أغلبية الشعب، ولكن هناك بعض الجماعات اليائسة، المشغولة بمصيرها الخاص، وتبحث ، مثل غيرها، عن منفذ للهجرة، خارج اليمن، للاستمتاع بالحضارة الغربية، كما تشاهدها في السينما، أو كما تتخيلها في أحلامها، وليست كما تتجسد في الواقع!
ولا يعرف الجميع أنَّ " السلطة الشرعية"، المكونة، بدرجة أساسية من أكثر من طرف، تشمل بقايا الأنظمة السابقة، والمرتبطين الجدد بها، وهي متعددة الولاءات ومتنافرة، وتطمح للسيطرة على كامل التراب اليمني، لكنها استنفدت قوتها، وغدت معلقة بين السماء والأرض، عاجزة عن الصعود، وغير قادرة على الهبوط، ومصيرها أصبح مرهوناً بحركة الرياح السياسية التي لا يمكن التنبؤ باتجاهاتها بدقة، وبالتالي لا بد وأنْ يكون مآلها السقوط.
وفي الأخير ثمة بعض الفئات، التي لا تدرك أو بالأحرى، لا تحس، حتى بشكل غريزي، Instinctively، كالحيوانات، أنَّ هناك شعب منكوب، يقدر بعشرات الملايين، تتنازعه الأوهام، ويفتك به البؤس بسبب الجهل، والتخلف، وخيانة النخب السياسية وعدوان الدول الإقليمية الطامعة في أرضه.
***
هذه هي الخريطة الاجتماعية التي تلخص، بشكل مكثف، محنتنا الحقيقة، وتكشف مكر النخب السياسية المهيمنة وغاياتها الشائنة التي تسعى إلى تحقيقها على حساب الوطن والشعب. إنه لأمر جلي أنَّ هذه القوى السياسية الشوهاء، لها ولاءات خارجية متنافرة، ولها أهداف داخلية متعارضة، وبالتالي فهي متحاربة وفي صراعٍ دائم، وليس لديها مشروع تقدمي، عقلاني، وطني، وتحرري، يستلهم ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، سوى أن لديها ميول قبلية وطائفية وجهوية قاتلة، وتسعى، من أجل تحقيق أهدافها البائسة، إلى بيع الوطن والتحرر من العقل والتاريخ والحياة ذاتها، ونقل الشعب عنوة إلى محارق الموت. ولكن هل ثمة قواسم مشتركة بينها؟
أجل. فعلى الرغم من التعارض بين أطراف هذه القوى الشائنة، ثمة قواسم مشتركة بينها، وهي أنها، في جوهرها، قوى نكوصية، مناهضة للمشروع الوطني التقدمي الجامع الذي دشنته الحركة الوطنية التقدمية في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم، وبالتالي فأن نشاطها السياسي، كما يرى المحللون السياسيون الموضوعيون، مدمر، ولا بد أنْ يفضي بالوطن إلى طريق مسدود. ولكن ما مدي تأثير هذه النخب في الأوساط الشعبية؟
من الواضح أنَّ هذه النخب السياسية الشوهاء، تحظى بتأثير متفاوت بين أوساط الشعب، ولكنه تأثير محدود للغاية، لأنها في الحقيقة لا تمثل سوى مصالح الشريحة العليا من المنتسبين إليها، الذين يتسلمون رواتبهم بالدولار. وأعني أنها لا تمثل، حتى مصالح قواعدها، التي يتم استرضاءها بمنحها بعض الفتات، وهي قطعاً لا تمثل مصالح الشعب اليمني، الذي لا ينال سوى الجوع والمرض والموت. إذن، من أين تستمد هذه الجماعات الشوهاء قوتها؟
لا ريب أن لهذه الجماعات المحلية المتناقضة عناصر قوة، وعناصر ضعف، تتصل بتكويناتها الاجتماعية وتوجهاتها الأيدولوجية، وطبيعة تحالفاتها الخارجية. فأغلب هذه القوى لها توجهات أيدولوجية دينية، تتيح لها التلاعب بمشاعر الناس، وتمنحها رافعة شعبية، سواء انحصرت تلك القوى في مجموعة ضيقة من الطائفة الهاشمية السياسية، التي تسعى بوقاحة لحكم الوطن، وتحظى بدعم خارجي إيراني، أو في مجموعة أكبر من الطائفة السنية السياسية، التي تسعى بسفاهة لحكم الوطن، وتحظى بدعم خارجي سعودي محسوب، وبدعم قطري وتركي كبيرين، أو تلك المنحصرة في مجموعة دينية، سلفية، وقبلية وجهوية ضيقة، وتسعى بصفاقة لحكم جزء من الوطن، ولكن قوتها العسكرية في تنام دائم بحكم الدعم الخارجي.
وخلاصة القول، فإنَّ القوى الداخلية المتعارضة، سواءً الدينية أو القبلية منها، تساندها قوى خارجية متعارضة في مصالحها وغاياتها، وهي الرابحة في المحصلة الأخيرة، وما القوى المحلية إلاَّ مجرد أداة رخيصة بيد القوى الإقليمية، الممولة لمشرع الخراب في بلادنا، المؤذي لوطننا وشعبنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ