الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجسید الإشتراكية كبديل واقعي لإقليم كوردستان العراق، مهمتنا العاجلة

نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)

2020 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الإحتجاجات التي تظهر بين حين وآخر علی شكل إعتصامات ومظاهرات في كوردستان العراق، هي جزء من ازمة شاملة للرأسمالية العالمية وعجز السلطات البرجوازية في البلدان التي تحكمها. نری اليوم أن معظم الدول من أمريكا الشمالية واللاتينية حتی اوربا وافريقيا وآسيا ودول منطقة الشرق الأوسط، من طهران إلی بيروت، مروراً ببغداد وإقليم كوردستان، غارقة في بحر من الإحتجاجات والمظاهرات والإنتفاضات الجماهيرية للعمال والكادحين والمحرومين.
أصبحت الرأسمالية في عصرنا نقيضا للمجتمع البشري، إذ اتسعت أبعاد البطالة والفقر والجوع بشكل رهيب، وتهدد الحروب والأوبئة والتلوث البيئي حياة البشرية جمعاء. يبدو أن النظام الرأسمالي والسلطة البرجوازية يضحيان بالمجتمع من أجل إنقاذ أنفسهما، حيث لا تجد البرجوازية أفقًا للحفاظ على سلطتها سوى الصراع وإشعال الحروب فيما بينها، سوى ممارسة الإرهاب ضد الجماهير المحتجة والعنف ضد النشطاء في الاعتصامات والمظاهرات والحركات الإعتراضية، كما هو الحال الآن في كوردستان العراق.
لقد وصل الوضع في إقليم كوردستان، كجزء من المجتمع الرأسمالي في العراق، بخصوصياته إلى لحظة تاريخية حساسة من أزمة إقتصادية سياسية وإجتماعية فكرية شاملة، مما وضعت الشيوعية في كوردستان، كأية حركة اشتراكية ثورية للبروليتاريا في دولة رأسمالية متأزمة، أمام مهمة تجسيد الإشتراكية كبديل واقعي لهذا الإقليم، وذلك من خلال تنظيم وتعبئة جماهير العمال والكادحين والمحرومين بأفق إشتراکي أممي.
إن هذه الأزمة الشاملة في الإقليم هي حصيلة عمل نظام إقتصادي وسياسي على مدى السنوات الـ 29 الماضية، حيث أدت إلى تراكم رؤوس الأموال بمليارات الدولارات لدی اقلية ضئيلة عن طريق استحواذها علی الموارد الطبيعية والتجارة الخارجية وكل المفاصل الحيوية للإقتصاد. إن هذه الأقلية المكونة من المليارديرات وأصحاب الشركات الضخمة في الإقليم ومالكي الحصة في الحكومة المركزية، هي أيضا نفسها التي تستحوذ على السلطة والميليشيات والحكومة في الإقليم، بمعنی إن المتحكم والموجه للاقتصاد والسياسة في إقليم کوردستان العراق هي مصالح هذە الفئة من البرجوازية الكبيرة والرأسمال الاحتكاري، وهي نفسها التي أوصلت الإقليم إلی هذا الوضع المأساوي والمغلق.
أن ما أدى إلى تسريع تفاقم هذا الوضع، خاصة في السنوات الست أو السبع الماضية، هو تنفيذ تعليمات وإرشادات (صندوق النقد الدولي) و (البنك الدولي) بشأن تخلّي حكومة الإقليم عن القطاع العام والتخلي عن التوظيف والتشغيل والتعيين المركزي، وخصخصة قطاع الصحة والتعليم والخدمات العامة، والتي بدورها أضفت، الصفة القانونية علی نهب الثروة العامة للمجتمع من قبل القطاع الخاص من جهة، وجلبت مأساة إنسانية للعوائل الكادحة من جهة أخرى، حيث ان هذه العوائل باتت في وضع ليس بمقدورها تأمين نفقات أجور السكن ومصاريف تعليم أطفالها ومرضاها واحتياجاتها الأساسية لحياتها اليومية.
تتجلى سياسة التجويع التي تتبعها حكومة الاقليم بوضوح أكثر في زمن كورونا، اذ نراها تضع حياة ومعيشة مواطنيها رهينة لصراعاتها مع الحكومة المركزية، في حين لا تمد اليد للأموال المدخرة بالمليارات لدی المؤسسات والشركات المملوكة من قبل كبار مسؤولي الأحزاب الحاكمة والرأسماليين التابعين لهم لدفع الرواتب والاجور او لتوفير الخدمات الصحية او دعم العوائل المفقرة والعاطلين عن العمل. ليس هذا فحسب، بل انها تغتنم الفرصة كي تتخلى عن مسؤولياتها في دعم القطاع الصحي ولا تبالي باحتجاجات الأطباء والممرضات وموظفي وعمال هذا القطاع ضد تأخير الرواتب ونقص المستلزمات الطبية، ما يؤدي الى تخلي هذه الكوادر عن مستشفيات القطاع العام والانتقال إلی المستشفيات الأهلية، وبالتالي تقليص الخدمات في المستشفيات العامة ما تثقل كاهل المواطنين وتفرض عليهم فقراً أشد ضراوةً.
يحاول النقد الليبرالي أن يرجع مصدر هذا الوضع المتأزم ومأساة جماهير العمال والكادحين، إلی عدم اللياقة، ونقص الكفاءة، وغياب الإدارة الحكيمة، وسيطرة العلاقات العشائرية وعوائل معينة علی أحزاب السلطة، مع تزوير في الانتخابات وعدم السماح بالتداول الديمقراطي للسلطة، وبهذا تخفي الأسباب الكامنة والأساسية وراء هذا الوضع، والتي هي الرأسمالية‌ كنظام والنيوليبرالية كسياسة إقتصادية والمحتوى الطبقي للسلطة في الإقليم.
عائلتا البارزاني والطالباني لا تمثلان القبلية والتخلف، بل هما عصابتان من المافيا ضمن هذه الشريحة من الطبقة البرجوازية التي احتكرت المفاصل الاقتصادية الرئيسية للإقليم في قطاع النفط والتجارة الخارجية، والمرتبطة بآلاف الخيوط مع المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية بالدول البرجوازية في المنطقة والدول الإمبريالية وشركاتها المتعددة الجنسيات. لا يمر شهر دون أن تستضيف أربيل وفودًا ومسؤولين من الدول الإمبريالية، أو قيام وفود ومسؤولين من (الحزب الديمقراطي) و (الاتحاد الوطني) وحكومة الإقليم بزيارات رسمية لعواصم الدول الإمبريالية والرجعية في المنطقة. إن هذا ليس دليل علی "عدم اللياقة والعشائرية وغياب الحكمة في الإدارة"، بل دليل علی تمثيلها للبرجوازية الكوردية وإلتحام مصالحها الإستراتيجية مع البرجوازية في المنطقة والعالم.
ان مصالح هذە الشريحة، في الحقيقة والواقع، هي التي تستوظفها هذە العوائل والأحزاب وميليشياتها، مع الخرافات الدينية والقومية وذلك لتأمين حرية وضمان تراكم الرأسمال علی حساب حرية وأمن وحياة الجماهير الكادحة ومستقبل الأجيال القادمة.
لكن عندما تٶدي سياسة إفقار الجماهير وسلب حرياتها وامان عيشها، إلی إحتجاجات ومظاهرات وإنتفاضات شعبية، حينها تنشط تيارات فكرية سیاسية مدعومة من قبل فئات وشرائح اخری من البرجوازية، تطالب بتوسعة قاعدة حكم هذه الطبقة وإنهاء إحتكار الإقتصاد والسياسة من قبل فئة واحدة. هذە التيارات تطرح اجندات سياسية وتحاول جعلها افقا للاحتجاجات من اجل إحداث تغيرات فوقية وشكلية في البنيان السياسي أي في مٶسسة الحكم، وذلك بتغيير الوجوه أو إزاحة أحزاب السلطة لدرء خطر هجمة الجماهير المستاءة والمنتفضة على نظامهم الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي الذي تكمن فيه كل أسباب بؤس الجماهير الكادحة، والحفاظ علی تراکم الرأسمال وارباح الرأسماليين.
تلك هي اجندة حزب (الجيل الجديد) والمعارضة القومية-الإسلامية من اجل فرض التراجع علی حزبي السلطة (الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني) في الإقليم، وذلك بإجبارهما علی تشكيل (حكومة تكنوقراط) من المتخصصين البيروقراطيين، وإجراء (انتخابات برلمانية مبكرة) خلال ستة أشهر، وهم يتفائلون بحصولهم على الأغلبية البرلمانية وبالتالي وصولهم إلى الحكم من خلال تداول السلطة. إن واقعية هذا التفاؤل ليست مجال بحثنا هنا، بل التأكيد علی إن هذه هي الأجندة السياسية للمعارضة القومية-الإسلامية من اجل تأطير الحركات الإحتجاجية في كوردستان العراق حتی لا تتمكن من الإرتقاء وتشكل تهديدًا لنظامهم الاقتصادي الاجتماعي الطبقي وتراكم الرأسمال ومصالح الطبقة البرجوازية ككل.
اليوم، الرأسمالية في مجتمع كوردستان العراق، هي أكثر تطوراً من رأسمالية فرنسا عهد کمونة باريس (١٨٧١) وروسيا عشية ثورة اوکتوبر (١٩١٧)، وهي في أزمة شاملة ومتناقضة مع تأمين الحاجات اليومية والأساسية للجماهير الكادحة، وإن سلطة البرجوازية في الإقليم وصلت إلی طریق مسدود وتواجه إحتجاجات عمومية شاملة وبات بقائها مرهونًا بممارسة القمع وحكم المليشيات.
يطرح هذا الوضع ثلاثة احتمالات: إما أن يحتفظ الحزبان بالسلطة من خلال القمع وتحت غطاء خطة الإصلاح الهشة والفارغة لحكومة الإقليم، أو القبول بالتراجع، بموجب اجندة المعارضة البرجوازية وإحداث تغييرات شكلية فوقية، وإما إنفجار غضب الجماهير المستاءة وكنس هذه السلطة والتي هي غير محسومة النتائج.
كل هذا يدل على توافر العناصر المادية الموضوعية لوضع ثوري في الإقليم، لكن ما يمنع هذا الوضع الثوري من التحول إلى أزمة ثورية وتهديد سلطة البرجوازية والنظام الرأسمالي، هو غياب العنصر الذاتي، عدم تجسيد أفق اشتراكي يجمع شتات الجماهير على نطاق واسع، غياب تنظيم الجماهير داخل المنظمات، في النقابات والجمعيات التعاونية، في المجالس واللجان الثورية، هو غياب حزب طليعي يقود مبادرات ثورية ويقوم بصهر كل ذلك في وحدة متماسكة، ويلعب دور القيادة الميدانية، المحلية والقطرية، وسط الحركات الثورية للجماهير، ويعمل كحلقة وصل بين الحركة الاحتجاجية للجماهير الكادحة في الإقليم مع الحرکة الإحتجاجية لعمال وكادحي عموم العراق ضد البرجوازية في السلطة المركزية.
ان غياب هذا العامل نفسه، عند سقوط سلطة برجوازية ما في دولة معينة، هو الذي يتيح الفرصة لتيارات سياسية برجوازية اخرى لإعادة ترتيب السلطة البرجوازية وضمان بقاء النظام الراسمالي واستمرار وبقاء تراكم الرأسمال دون مساس، كما شاهدنا في ثورات شمال افريقيا وانتفاضات لبنان والعراق وبلدان اخرى.
ان العمل علی بلوَرة هذا العامل الذاتي، هذا البديل الاشتراكي، لا يتحقق خارج المجتمع بل في قلبه وفي خضم تحولاته وصراعاته السياسية الداخلية، و علاوة علی كونه مسألة سياسية-عملية، هو مسألة فكرية نظرية بامتياز كذلك.
فبدون نضال فكري سياسي شيوعي لبسط سيطرة الأفق الأممي المعادي للرأسمالية، والقومية كحركة برجوازية، من الصعب القيام بتوجيه وتنظيم نضال الجماهير الكادحة وقيادة حربها ضد سلطة البرجوازية والاجندات المختلفة للبرجوازية المعارضة والمضادة للثورة، وكذلك ضد المحاولات الليبرالية لتضييق وقولبة آفاق الحركات الاعتراضية الجارية في إطار إصلاحات سياسية شكلية. فكلما يصبح هذا الأفق الأممي الإشتراكي قوياً وسائداً في وسط الكادحين، كلما تكون الشيوعية في كوردستان قوية وقادرة على تنظيم وقيادة الجماهير المعترضة، كلما تتمكن من تضعيف سيادة الافق والاجندات السياسية للتيارات البرجوازية المختلفة داخل الحركات الإحتجاجية والإنتفاضات والثورات.
ان شيوعية كوردستان لا يمكنها ان تخوض حرب الاجندات السياسية للبرجوازية المعارضة وتتفاعل مع الحركة الاعتراضية للعمال والكادحين وتعمل على تنظيم هذه الجماهير من اجل حسم السلطة، ان لم تنزل الى ساحة الحرب مسلحة بأفق ماركسي ثوري واممي.
القضية الاساسية للشيوعية هي العمل على قيادة وتقوية وتطوير الحركة الاشتراكية في صفوف الطبقة العاملة وكذلك على مستوى المجتمع كحركة اجتماعية سياسية، وخوض النضال السياسي من اجل الاستيلاء على السلطة من قبل الطبقة العاملة بالاستناد عليها.
هذا هو الافق الذي يجب ان يسود جميع النشاطات والفعاليات التحريضية والتنظيمية داخل الحركات الاعتراضية من اجل تحقيق المطالب والحقوق العادلة. فبدون هذا الأفق، لن تتمكن الشيوعية من فصل حدودها عن النقابوية والإصلاحية والاقتصادوية، بالأخص في الوقت الحاضر، حيث يشهد الاقليم اعتراضات لمختلف شرائح المجتمع ضد تأخير دفع الرواتب والاجور وتفشي البطالة والفقر جراء سياسات الحكومة في التعامل مع الوباء ... هذە الإعتراضات تجاوزت حدود المطالبة بحقوق معينة لهذه الشرائح فقط، بل اصبحت حركة سياسية جماهيرية عامة تطالب بإسقاط سلطة حكومة الاقليم. إذن لا يمكن التعامل مع هذە الحركات الإحتجاجية لهذه الشرائح كونها حركات مطلبية فقط، بل يجب التعامل معها كونها جزءً من حركة سياسية عمومية في كوردستان أيضًا.
لا زال هناك قسمٌ من داخل الحركة اليسارية والشيوعية في كوردستان يتعامل مع الاعتراضات انطلاقاً من منهج اقتصادوي، اذ يرى كافة الشرائح المعارضة ومطالبها وحركاتها الاحتجاجية ويباشر نشاطه معها، لكنه لا يرى الحركة السياسية العامة، حيث منهجه يقف عائقاً امام طرحه لسياسة شيوعية عامة وشاملة علی صعيد الإقليم للحركة الجماهيرية المطالبة بإسقاط السلطة. يرى الأشجار ولا يرى الغابة.
هذا وهناك قسم آخر نَظَرَ الى هذه الموجة من المظاهرات في بداية حزيران وأواسط آب (٢٠٢٠) نظرة قلق وتردد، وترقبَ الوضع عن بعد ، لان حزباً بورجوازياً قومياً معارضاً كـ (الجيل الجديد)، كان وراء الدعوة للمظاهرات. هذا يعني التعامل مع هذه الموجة من المظاهرات كشيء مستقل ومصطنع من قِبل المعارضة البرجوازية القومية، وفصلها عن جذورها التأريخية، وعدم النظر اليها كجزء من حركة مادية جارية داخل هذا المجتمع طوال سنوات. حركة تعبّر عن نفسها الآن وفي هذه المرحلة من عمرها وبهذه الطريقة ومن خلال هذه الفرصة السانحة أمامها، وعلى غرار ما حصل في السنوات الماضية، حيث ظهرت في مناسبات مختلفة ومن خلال قنوات مختلفة كما في (أكتوبر ٢٠١٥) و(اُيلول ٢٠١٦) و(كانون الاول ٢٠١٧).
نعم انها حركة سياسية جماهيرية نابعة من التناقضات الداخلية لمجتمع كوردستان العراق، تُعبّر عن استياء واعتراض جماهير العمال والكادحين والمحرومين والمهمّشين في المجتمع يطالبون بإسقاط سلطة البورجوازية القومية الميليشياوية وحكومتها في كوردستان، هذه الحركة تعبرعن نفسها بين فينة واخرى، في مناسبة واخرى وبطريقة ما.
رهان الشيوعية في كوردستان العراق هو في قدرتها ومبادرتها على تجسيد هذه الحركة كبديل اشتراكي لمجتمع كوردستان وربطها بالحركة التحررية للعمال والكادحين في عموم العراق من اجل إسقاط السلطة البرجوازية في العراق برمتها.
نهاية آب ٢٠٢٠








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد نادر
فؤاد النمري ( 2020 / 10 / 3 - 04:32 )
أكبر مظاهرتين قامتا في القرن الحالب كانت مظاهرة -إحتلوا وول ستريت-
OCCUPY WALSTREET
وقد كتب عنها الكاتب الشهير نعوم تشومسكي يؤكد أن العمال لم يشاركوا في تلك المظاهرات

ثم مظاهرات -السترات الصفراء- في فرنسا وهي مظاهرات لم تشارك فيها الطبقة العاملة

علم الإقتصاد الماركسي يؤكد أن الرأسمالية انهارت في سبعينيات القرن الماضي

إعلان رامبوييه 1975 1975 عكس ذلك لذوي العين الفاحصة
DECLARATION OF RAMBOUILLET

تحياتي

اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا