الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصّراع من أجل البقاء

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2020 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لا أصدّق أننّي عشت كل هذا الزمن و أنا غير مدركة لأمر الوقت وقيمته. . . كأنّ الوقت لا قيمة له. لم أكبر منذ أوّل تنهيدة لأبي ، و أوّل دمعة لأمّي ، كان قلبي يتقطّع أرغب أن أفدي عائلتي التي غمرها الألم ، و أعاهد نفسي أنني سوف أبني بناية فيها شقّة لكل فرد من أفراد أسرتي. . . لم يكن يومها لديّ تصور ما هيّ الشّقة، لم أرها في قريتي ولا في مدينة السّلمية التي عشت فيها طفولتي حتى الرابعة عشر ، ثم كنت أعيش فيها بشكل متقطع، لكن لا زالت رائحة بيتنا الترابي ، وورود أمي عالقة في ذاكرتي، وكلما أردت أن أعرف الجهات الأربع أتخيل بيتنا و أقيس عليه.
كنت في طفولتي أسعد بالذهاب لرعي أغنام أمّي، وعندما أعود إلى المنزل أشعر بالضَيق ، لا أعرف السبب، فأنام قبل أن يرخي الليل سدوله . فقط في تلك الليلة لم أنم بعد أن أتيت من المدرسة ، ولم أجد غير جدتي. قالت لي: الأمن أخذ الجميع . كانوا يشتمون لهم ويقولون علينا أن نقتلكم أفضل من أن تنتشر العدوى . الوباء هو الشيوعية -أمي و أبي لا يحبون الشيوعية- لكنهما متّهمان . أذكر أن من بين الذين كانوا يرافقون الأمن أحد أفراد الطائفة الإسماعيلية، وسوف أسميه" س" حرصاً على أقربائه، فلا أحد يؤخذ بجريرة غيره .
بعد شهرين عاد أبي من السّجن ، وعندما سخّنت له أمي الماء على بابور الكاز كي يستحم قال لها : لا أستطيع، فقميصي الداخلي ملتصق بجسمي ، رأيت أمي تجلب الزيت في صحن، وتنقع الأماكن العالقة من قميصه، ثم ترفع القميص بتأنّ فيظهر بعض القيح والدّم . أغمضت عيني، ذهبت إلى زاوية ، و بدأت أبكي حيث كنت أخجل أن أظهر مشاعري . هي قصّة طويلة بطول عمر ، ولا أتحدّث عنها إلى من باب الحاجة للنّص .
استمر حكم عبد الناصر حتى وصلت إلى المرحلة الإعدادية ، كان أغلب الأساتذة من مصر ، و كنت معجبة ببعضهم ، وبخاصة أستاذ الموسيقى الذي تعلمت منه أوّل أغنية " القمح الليلة" ، وانتهت الوحدة ، وكانت مديرة المدرسة ، وهي في نفس الوقت معلمة اللغة العربية ناصرية . كانت منفعلة لرحيل عبد النّاصر فطلبت منا أن نعبّر عن الأمر بموضوع تعبير، و لآنها كانت شامية لا تعرف الخلفيات الاجتماعية طلبت مني أن أقرأ موضوعي كما كانت تفعل دائماً ، و لأنني كنت حقيقية وغير مزيفة حيث لم يكن الفيس بوك موجوداً في ذلك الوقت.عبّرت عن فرحتي برحيل عبد الناصر، و لأوّل مرة أتلقى موقفاً عدائياً شبه جماعي من الصّف والمعلمة .
بعد تلك الحادثة أصبحت أقرأ الآخر أكثر ، وكان أعضاء الاتحاد القومي في مدينتي يعتبرون من كبار القوم ، كنت أعتقد أنّني من مكان آخر وليس من ذلك المكان ، و لم يتغيّر الوضع ، فهم أصدقاء بعضهم البعض، و الهدف هو " الأمة العربية الواحدة" ووصل أشخاص من بينهم إلى الحكومات اللاحقة، كانوا نسخة عن عبد الناصر تماماً ، لكن الأسد وهو " غير عروبي، غير أممي، لا يؤمن بالفكر " قتل بعضهم وسجن الآخر ، وكان له تاريخ في ظلمهم.
بعد قيام " الثورة السورية" عام 2011 انضم إليها بشكل فعلي من خلال المظاهرات، أو من خلال التأييد من كان ناصرياً، أو بعثياً مع صدام دون تغيير في الأفكار عن الدكتاتور، و أنه لا فرق بين دكتاتور و آخر ، في البدء شارك الجميع تحت شعار:" الشعب السّوري واحد" ثم بدأوا ا بتأسيس منصّات دينيّة ، أو ناصرية، أو تمجد صدام حسين. . . أو إلخ .
تجاوزت السبعين من عمري ، و لازال أبناء مدينتي " مدينة الفكر والفقر"- تلك التسمية المغلوطة حيث لا يجتمع الفكر مع الفقر- هم أنفسهم إلا قلّة منهم ، حيث أن أفكار الاتحاد القومي ، أو حزب البعث ، أو الشيوعيين نسخة طبق الأصل عن الماضي، ولا زلت في الصف السادس الابتدائي أعرف أسماء من لهم مراكز في الطائفة ، و أصبح أولادهم يملكون نفس المراكز في الطائفة، والحزب ، و الأجهزة الأمنية . الجميع يمجد غيفارا، فيروز، محمد الماغوط ، ويتغنون بشعر محمود درويش ، ويمتدحون طائفتهم كونها منفتحة .رغم كل ذلك أصبح أغلبهم فقراء ، وبذلك تساوى الجميع ، لم يعد هناك فوارق طبقية. أصبح الصّراع من أجل البقاء فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحظ يبتسم لمنتخب فرنسا في ضربات الترجيح ويتأهل لنصف نهائي ك


.. تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.. إليكم ما نعلمه حتى ا




.. مصر ومؤتمر الأزمة السودانية.. تحديات ملحّة تدفع للتحرك الفور


.. كيف يبدو المشهد في تل أبيب؟




.. تركيا.. طلاب جامعة ميديبول يتضامنون مع غزة في حفل التخرج