الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حراك هيراقليد وسلطة برمنيد: الكتابة_على أطراف النهر - كتابة من أجل التغيير

عبدالنور شرقي
كاتب وباحث

2020 / 10 / 5
الادب والفن


من الكتابات التي واكبت الحراك الشعبي يأتي كتاب لونيس بن علي (الكتابة على أطراف النهر _ السيرة الكتابية للحراك، دار ميم للنشر، الجزائر، 2019) يضم الكتاب بين دفتيه مجموعة مقالات رأي ومقاربات نقدية أراد من خلالها الكاتب مواكبة الحدث ليس حضورا في الميدان فقط بل كدلك تأريخ اللحظة، تحليل المشهد وقراءته، البحث في مسبباته، ومآلاته.
عنوان الكتاب الذي اختاره المؤلف هو أول ما يتبادر إلى الذهن، لماذا النهر وما الذي يمثله داخل النص؟. قد يوحي النهر إلى الهدوء والسكينة التي تدفع بالكاتب إلى هذا المكان حتى يتفرغ للتأمل والكتابة بعيدا عن ضجيج المدينة، لكن في المقابل النهر رمز الصيرورة والتحول، يوحي بالتغير. الكتابة هي أيضا أسلوب ثوري مستمر ونضال نحو التحرر، نضال ضد الاستبداد والديكتاتورية.
ما الذي يجمع بين الكتابة والنهر داخل هذا المتن ؟. في استحضارنا لفكرتي الثبات والتغير يمكن العودة إلى شذرة من شذرات الفيلسوف اليوناني هيراقليدس "لا يمكن أن تنزل مرّتين في نفس النّهر.” (أفلاطون، محاورة كراتيلوس). كل شيء في تغير مستمر. لا مكان ولا حديث عن الثبات والسكون البارمنيدي، الأمر نفسه وبطريقة أخرى أراد أن يخبرنا لونيس من خلال مواد هدا الكتاب.
التغيير سنة كونية وضرورة تاريخية لا أحد بامكانه أن يوقفه، الحراك الشعبي انتفاضة ضد النزعة المركزية الثابتة التي ترفض الحركة وتقف أمام حتمية التغيير، النهر يتدفق في اتجاه واحد ويجرف معه كل شيء أمامه، لا حديث عن السكون والجمود التاريخي. لكن ماذا عن الأطراف ؟. الأطراف التي يقف عندها الكاتب حاملا قلمه وأوراقه هي تلك الأشكال من التعبير الفني (الغناء، الرقص، الرسم، الكتابة . . .الخ) الرافضة للاستبداد والتواقة للانعتاق من قبضة المتسلط والتي عبر عنها الحراك الشعبي سواء في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، مهمة الكاتب هنا هي مرافقة هدا التحول والتغير ورصد أشكال التعبير ثم العمل على توثيقها حتى تمثل سيرة حراكية كتابية.
جيل جديد من الشباب كسر حاجز الخوف وأغلال الصمت، رافضا للسلطة الأبوية، حان الوقت لقتل الأب وهدم وصاياه، لابد من اسقاط الطوطم السياسي.
صحيح هناك عدة معطيات سبقت الحدث، احتجاجات، اضرابات، مواجهات مع الشرطة، كلها كانت توحي بقدوم أمر جلل لكن لا أحد كان يعلم الزمان والمكان، الكيف والمآل. إستمر النظام لسنوات طويلة يجدد في نفسه من الداخل محافظا على تماسكه بتوزيع الريع وشراء الذمم، التخوين تارة والتخويف بنماذج سوريا وليبيا تارة أخرى مستعملا آلته الإعلامية والدعائية، لكن إلى متى يستمر الحال هكدا ؟ أكيد ستشرق الشمس يوما، شمس الحرية.

الكتابة على أطراف النهر يضم مجموعة مقالات قسمها الكاتب إلى ثلاث محاور أساسية.

المحور الأول: الحراك، مجرد وجهات نظر
المحور الثاني: في الرواية، جدل السرد والسلطة
المحور الثالث: حوارات الحراك

محاور الكتاب ليست منفصلة عن بعضها البعض، كل محور يمهد للمحور اللاحق، الكتاب عبارة عن ورشة عمل.

#المحور_الأول_الحراك_مجرد_وجهات_نظر: يمثل الجانب النظري، سيرة الحراك، مفاهيمه وأفكاره وكيف واجهها النظام بأساليب مختلفة من التشويه والتشويش تارة والإستمالة والاحتواء تارة أخرى ومحاولة الإختراق والتفكيك في مناسبات عدة. ميزة الحراك أنه لم يكن على مستوى الشارع ورفع الشعارات فقط إنما للكتابة دور في توجيهه. المعركة هي معركة مفاهيم وأفكار. (الإلتزام هو أن تعرف كيف تنقل صوت الشارع إلى الكتابة ص54).
تعددت أساليب المواجهة وأشكالها بين السلطة والحراك، استعمل الحراك الضحك والسخرية في مواجهة تسلط النظام، كما واجه خطاباته ووعود التغيير بشعارات عدم الثقة ترجمتها عبارة (ارحل)، واذا كان روح السلطة عابس حينها فقد واجهه الحراك بروح الإحتفالية في الفضاءات العامة. استعملت السلطة أسلوب الإشاعة وفبركة الأخبار الكاذبة لكن الحراك وفي غياب وسائل إعلام تنقل الحقيقة كان يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعية التي تفوقت على الآلة الإعلامية التي يسيطر عليها النظام، ومن بين القضايا التي طرحت مع الوقت قضية الهوية والإنتماء والبحث عن مرجعيات ايديولوجية ودينية وعرقية وتشويه أعلام الحراك واستحضار الرموز الوطنية، كل هده الوسائل كانت تهدف إلى كسر شوكة الحراك ومحاولة اضعافه. ربما لونيس كان متحمسا ومتفائلا بمستقبل الحراك ومآلاته لكنه لم ينتبه إلى الانحرافات التي طالت الحراك والتفكيك الذي حدث مع الوقت في غياب ممثلين للحراك يحاولون توجيهه وتأطيره ورسم آفاقه.
يستعين لونيس في تأطير كتابه بعدة نماذج فكرية ترافقه في تحليله ودراسته نذكر منها (ميخائيل باختين، فرانز فانون، نيتشه، فوكو،ادغار موران، دريدا، الغذامي، بختي بن عودة وغيرهم) والخيط الناظم الذي يجمع بين هؤلاء ويستعين به لونيس هو أن الكتابة مقاومة والمقاومة حرية.
للمثقف دور في صناعة القيم لكن لا يتحمل لوحده كوارث الحضارة الإنسانية، المثقف ليس نبي الأزمة، المثقف الذي ينتمي إلى المجتمعات الاستبدادية أكثر معاناة من غيره، تنهال عليه كل حملات التشويه والسخرية، لذلك فإن تحرير الفكر يبدأ بتحرير الإنسان من أشكال الهيمنة والوصاية، لا مستقبل دون تحرير الفرد من السياجات التي تحاصره (ينبغي أن ندرك العلاقة بين العناصر الثلاثة: الثقافة، الحرية، المستقبل ص88)

#المحور_الثاني_في_الرواية_جدل_السرد_والسلطة: يمثل هدا المحور الجانب التطبيقي للكتاب حيث يعمل على ايجاد تطبيقات عملية من خلال الروايات التي يقدم حولها قراءات تستحضر تلك العدة المفاهيمية المبثوثة في المحور الأول. مفاهيم مثل الشرعية الثورية، الأبوية والوصاية، العنف، السلطة، الحرية والمقاومة، المثقف... الخ. وقد اختار بعناية وفطنة الروايات التي تخدم محوره النظري وتكون متناسقة معه.

المحور التطبيقي بحث في الروايات التي مارست خلخلة للمسلمات واليقينيات والحقيقة الواحدة. فالرواية كما يرى لونيس إما أن تكون رواية النظام الرسمي أو رواية بحس نقدي.

حول الذاكرة التاريخية مثلا توجد كثير من الروايات التي حملت من الجرأة على تحطيم السردية التاريخية (كولونيل الزبربر، الحي السفلي، قرية الألماني، ص108) هده الروايات قاربت الثورة من منظور تاريخي وعملت على طرح اللامفكر فيه على محك النقد والمراجعة والمساءلة. وتكمن أهمية مثل هده الروايات أنها أبرزت تناقضات الحدث التاريخي، فككت سلطة القراءة الأحادية ومنحت المجال أمام صراع التأويلات ص109. هناك تاريخ مكتوب كما هنالك تاريخ مروي، يوجد تاريخ رسمي كما يوجد تاريخ مطموس، ما تقوم به الرواية النقدية هو اخراج التاريخ سرديا وفنيا بصورة تعطينا الحقيقة المختلفة عن الحقيقة الرسمية. من الروايات كذلك التي اشتغلت على موضوع الاستبداد والديكتاتورية قدم الكاتب قراءة لرواية حذاء فلليني. رواية هيدغر في المشفى هي الأخرى رواية مهمة في نقد الواقع الإجتماعي والسياسي. وربما أهم سؤال تطرحه هو: ما معنى أن تكون كاتبا في مجتمعات الحجز ؟. يبرز هدف الرواية في طرح اشكالية الكتابة بما هي تساؤل لا ينتهي وهي انتاج لأسئلة تعيد النظر باستمرار في المسلمات العامة. هي بمثابة الإرادة المضادة لإرادة السلطة ص 154. الكاتب الذي يطرح الأسئلة المحرجة هو بمثابة الشخص الخطير على المجتمع كما يؤكد لونيس بن علي.

#المحور_الثالث_حوارات_الحراك
في هدا المحور نجد مجموعة حوارات مع مثقفين وجامعيين حول الحراك الشعبي، يناقش أسئِلة أهداف الحراك ومآلاته، نتائجه ومستقبله، المرأة ودورها في الحراك، المثقف وحضوره، نقل الحراك إلى مواقع التواصل الإجتماعي وغيرها من الأسئلة التي استنتجنا منها النقاط التالية:
_الحراك ضرورة وحرية
_ التغيير حتمية تاريخية
_ نضالات المرأة من أجل التحرر
_ حضور ضعيف للمثقف في الحراك
_ غياب الجامعة ودورها في بلورة التغيير كسيرورة تاريخية ومعرفية وعلمية
_ الرواية سبقت الحدث وطرحت مسألة سقوط النظام
_ الرواية لها دور في طرح أسئِلة التغيير الجذري منها رواية الطاهر وطار الحوات والقصر، رواية الأعظم لابراهيم سعدي، جملكية أرابيا لواسيني الأعرج، 1984 لجورج أورويل.

من خلال ما تقدم يمكن لنا الإشارة إلى بعض الملاحظات حول الكتاب، في بداية قراءتي تفاجأت بعدم وجود مقدمة تعرف بمضمونه ؟. نعم هدا ما اعتمده لونيس، كتاب دون مقدمة تفتتح بها المتن، لماذا ؟. الكاتب وحده من يعلم بذلك، في البداية يبقى السؤال معلق دون إجابة مقنعة لكن ما إن تتقدم في القراءة تكتشف ذكاء الكاتب الذي عمد إلى حذف المقدمة وترك للقارئ مهمة كتابتها بعدما ينهي القراءة مثلما يحلو له. بالنسبة إلى تقسيم المحاور تكتشف ذلك التقسيم الذي يعتمد طرح الأفكار والمفاهيم النظرية ثم دعمها بالحجة والبرهان من خلال نماذج تطبيقية. ليأتي المحور الثالث أين يمنح الكلمة لآراء أخرى وموقفها من الحراك الشعبي.

أعتقد أن كتابة سيرة الحراك كما يصفها لونيس بن علي هي في غاية الأهمية وأمر ضروري لأن الثورة التي لا ترافقها النصوص لا معنى لها كما لا يمكن المحافظة على الحقيقة من التلاعب والسرقة والتشويه والتزوير وقد عبر عن هدا الموقف أستاذنا عبد الرحمن بوقاف حين قال (الثورة التي لا تستند إلى النصوص يختطفها اللصوص)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب