الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائزة كبرى لأفضل فكرة تصنع ثورة

هويدا طه

2006 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


من الذي يقرأ ما يكتب الحالمون (بصناعة ثورة) في مصر؟! الحقيقة التي نخاف مواجهتها أو الاعتراف بها خشية الانهيار يأسا.. هي أن هؤلاء الحالمين يقرؤون لبعضهم البعض في دائرة تكاد تكون مغلقة! ما العمل إذن؟ كيف ينتشر هذا الحلم في ربوع مصر؟ ولنأخذ نموذجا لنكون أكثر تحديدا.. كيف تستميل حركة كفاية- مثلا- جموع الشعب المصري.. المعرض عن كل شيء حتى عن إنقاذ نفسه.. كي (تشارك) في صناعة ثورة (حقيقية) تنقذ مصر من كارثة انهيار محتم.. استشرفه جمال حمدان في وصفه لشخصية مصر حين قال " أمام مصر طريقان لا ثالث لهما.. الانحدار التاريخي أو الثورة التاريخية"..
إذا كانت الشواهد التاريخية من تجارب الأمم الأخرى تقر بأن (النقد) سبيل التقدم.. فإن النقد ليس حقا فقط على الحاكم الفاسد وسلطته ونظامه وحاشيته.. بل الشعوب ذاتها تستحق أن تخضع لنقد أبنائها الحالمين- إذا كانت تشرف على الهاوية دون أن تكترث- حتى لو كان عدم اكتراثها هو نتيجة القهر وليس اختيارا حرا لرذيلة اللامبالاة.. يجب حينئذ على هؤلاء الحالمين التوجه بالنقد لثقافة شعبهم السائدة.. لأنماط سلوكه.. لبلادته.. لاستسلامه بلا مقاومة لماكينة شرسة تسحب منه روح التمرد، لا يكفي أن تقول "تمردوا.. أو موتوا" فلن يسمعوك.. وفي الغالب لن يتمردوا.. وستموت أنت!
نستحضر هنا مثالا تاريخيا بدأت تباشيره بنهاية أربعينات القرن الماضي.. حين كانت (فكرة الاشتراكية) هي الحلم الطائر الذي يرفرف على خيال الشعوب البائسة في العالم الثالث.. حتى أخاف احتمال شيوع الفكرة في العالم معاقل الرأسمالية الشرسة.. التي لا ترحم جموع البشر بسطوة وقسوة انفراد أغنيائها بالثروة ومتع الحياة.. فتفتق ذهن الرأسماليين عن فكرة (سحب البساط) من تحت أقدام المبشرين بالاشتراكية.. طرحوا على أنفسهم سؤالا: ما الذي يسحر حشود الناس في فكرة الاشتراكية؟ وكانت النتيجة حتى لا نطيل في ذلك أنهم بدءوا في صناعة (آلة) التأمين الاجتماعي والصحي للعمال والفلاحين وغيرهم ممن كانوا يستعبدونهم لصناعة الثروة.. وتراكمت خبراتهم في ذلك.. حتى أنه في بعض البلدان الرأسمالية فاقت جودة الخدمات التأمينية للعمال المكتسبات الضئيلة التي بشرت بها الدول الاشتراكية ولم تنجح في تحقيقها.. فكانت النتيجة المثيرة للعجب أن العمال والفقراء في البلدان الاشتراكية.. بلدان الحلم الطائر.. راحت في أواخر القرن تحلم بتكسير أجنحة حلمها.. وتفضل عليه تروس آلة التأمينات في بلدان الرأسمالية المتوحشة!
الآن.. يمكن أن يحدث شيء مماثل.. ولكن على الجبهة المضادة.. نطرح سؤالا: ما الذي يجعل الرأسماليين ينجحون في نشر أفكارهم عن (صناعة الثروة).. كي نستخدمه في نشر فكرة (صناعة الثورة)؟! ما هي أهم أدواتهم في جذب الناس بهذا التمكن إلى محرقة سلعهم.. وإغوائهم بتحقيق متعة لا تكفها تلك السلع فيلهث الناس باستمرار وراء مزيد من السلع.. ما هي تلك الأداة الفعالة.. كي نستخدمها في جذب الناس إلى ساحات الاحتجاج على واقعهم المهين.. ولفت نظرهم لا إلى سلعة نروجها وإنما لشيء آخر يهمهم لكنهم لا يبالون به .. مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ووطنهم؟ الإجابة هي ببساطة (آلة التسويق)!
ذلك أن تلك الآلة- آلة التسويق- هي التي جعلت الرأسمالية تنجح في نشر أشيائها.. أشيائها تلك ليست فقط (سلعا) وإنما أنماط سلوك نفسي واقتصادي واجتماعي.. وأبرز أدوات تلك الآلة هي الدعاية والإعلان والإلحاح والإغراء.. والدراسة النفسية لحاجات الناس واللعب عليها لجذبهم جذبا إلى الأسواق! لا قيمة هنا للمعيار الأخلاقي في الأمر.. التسويق هو بذاته خلق جديد على كل حال، ونحن بحاجة إلى تسويق فكرة (صناعة الثورة) بين ملايين وليس بين مئات حالمين بها أصلا.. نحن بحاجة إلى (جذب) الناس لا إلى الأسواق وإنما إلى ساحات الاحتجاج والاعتصام والتظاهر حتى.. العصيان! كيف؟!
تحتاج حركة كفاية إلى (توظيف) فكر (المتخصصين في الدعاية والتسويق)! للدمج بين أسلوب الخطط الخمسية الاشتراكي الذي يضع هدفا نبيلا نهائيا يتحقق بها.. وأسلوب التسويق الرأسمالي القادر ببراعة على حشد الناس وإبهارهم بسلعة ما أو فكرة ما، بالطبع المعوق الأكبر لذلك ربما يكون (التمويل).. الأخ التوأم للتسويق، وهذا سيكون موضوع بحث آخر، لكن حتى بدايات التسويق- إذا كانت ناجحة- قد تمول ذاتها فيما بعد، فهؤلاء المتخصصون في التسويق الجهنمي يعرفون مدى تأثير نشر الأفكار وأنماط السلوك من خلال – مثلا- الاستيكرز (الملصقات) المجانية والهدايا التي تحمل شعار وفكرة وموعد المظاهرة.. مثل الحقائب والدفاتر والأقلام.. والدعوات لحضور أفلام سينمائية ومباريات كرة القدم مجانا.. وشرائط الكاسيت.. وحفلات غنائية يقيمها مطربون ينتمون أو حتى يتعاطفون مع كفاية.. كما يعرفون مدى التأثير السحري للإعلانات (التجارية) في التليفزيون والجرائد عالية التوزيع.. والمسابقات اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية التي تستهوي ذلك القطاع الضخم من الشعب.. تلك المسابقات التي تسأل أسئلة تتسلل من خلالها الأفكار والرؤى إلى الوعي الباطن والظاهر وذلك المعلق بينهما! والتي تنتهي بجائزة.. جائزة لأحسن فكرة عن أنسب مكان للتظاهر- مثلا- أو أفضل وسيلة لتغيير الحكومة أو أفضل طريقة لمراقبة العملية الانتخابية.. أو أفضل وصف لشخصيات الحكومة.. إلى آخره من أسئلة يعرف المتسابق أن في نهايتها جائزة! وهي وسائل لا تروج فقط الأفكار وإنما تروج المصطلحات أيضا حتى تصبح جزء من الثقافة الشعبية اليومية.. وتروج ما يمكن تسميته أغاني أو أناشيد التغيير.. حتى تصل بالأمر إلى (الجائزة الكبرى) التي يخطط لها بعناية.. جائزة السؤال: (كيف تدفع الشعب المصري إلى العصيان)؟! وأحد أهم الوسائل التي يمكنك رصدها في ذلك الأسلوب.. أسلوب الجائزة الكبرى.. هو أن المسابقة تمتد لأشهر طويلة تتكرر فيها يوميا أسئلتها حتى (يتشبع) بها الناس قبل أن يأتي يوم تسليم الجائزة.. فيكون المسوقون قد حصلوا خلال تلك الفترة على أضعاف ما سيقدموه في جائزتهم.. لكن ما تحتاجه في حالتنا ليس (ريعا) ماديا وإنما (انجذابا شعبيا).. لذلك سيكون التخطيط مختلفا، لكنه بشكل أو بآخر يجب أن يتم على يد هؤلاء.. المتخصصين.
قد نكون شعبا صعبا.. لديه كما يقول بعض المؤرخين قابلية للاستعباد وقابلية لقبول التعذيب والسكوت وقابلية لهدر حقه دون أن يغضب أو يتمرد، قد يكون ذلك لأسباب تاريخية قاسية.. ولأسباب عالمية ليست فقط أكبر من طاقة الشعب المصري بل أكبر من طاقة كل شعوب العالم الثالث (التي أصبحت في هذه الرتبة الثالثة لأسباب هي الأخرى تاريخية) وقد نكون شعبا مقهورا لا حول له ولا قوة أمام سطوة الدولة البوليسية المخيفة.. التي نسج مبارك ونظامه شباكها حولنا لنصبح فيها كالفئران.. لا قادرين على الفرار منها ولا حتى على قرضها، وقد نكون شعبا انقسم إلى أمتين أمة الجوعى وأمة المتخمين (على حد تعبير د.جلال أمين) وقد نكون شعبا تكونت فيه نخبة مثقفة معزولة عاجزة.. اكتفت- إن عمدا وإن عجزا- بتبادل الحلم بين أفرادها واكتفت بأداء واجب قراءة بعض أفرادها لأحلام يكتبها بعضها الآخر.. لكن كل تلك (المسلمات) ليست قدرا حتميا.. بل يمكن تغييرها عبر النقد الحاسم.. أولا نقد تلك النخبة المثقفة المعزولة لنفسها ولأدواتها النمطية.. التي ركنت إليها وسكنت بها بينما يندفع العالم أمامها اندفاعا.. فكرا وسلوكا، وثانيا نقدها لشعبها الذي لم تعد صفة (الصابر) كافية لتبرير القابلية المشينة للقهر التي يبديها.. ثم يأتي ثالثا: نقدها للدولة البوليسية الفاسدة والنظام المتكلس الممسك برقاب الجميع، لا يكفي الحلم إذن.. شيء ما يجب أن نتوجه به لذلك الشعب المنهك حتى اللامبالاة.. المتعب الحائر حتى السكون.. الصابر بلا وعي حتى الثمالة، المخدر الغائب الذاهل عن أرض تميد تحته دون أن يعير خطوته انتباها، لابد من شيء تستطيع نخبته الحالمة تقديمه بدلا من هذا (التحليق الدائم) بين أحلام ثورة لا تندلع إلا في خيالها الحالم.. حتى لو كان هذا (الشيء) هو اللجوء إلى آلة التسويق الشريرة، هناك عراقة لهذا الشعب الذي تنتمي إليه تلك النخبة نفسها- على كل عيوبه- ولأجل تلك العراقة لا يجب ولا يصح أن نيأس.. كما لا يصح أن تترك روح الشعب المصري لتغدو مثالا لتلك (الروح الغبية).. التي وصفها أبو القاسم الشابي في لحظة يأس بقوله: "أنتَ روحٌ غبية تكرهُ النور.. وتقضي الدهورَ في ليلٍ ملس ِ .. ليت لي قوة العواصف يا شعبي.. فألقي إليك ثورة َ نفسي"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 5.4 مليار دولار تكلفة السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة


.. تصاعد الانقسامات السياسية.. حرب غزة لم تنجح في توحيد الصف ال




.. طفلان يختبئان داخل تنورة والدتهما من البرد في غزة


.. كتائب القسام تعلن أن مقاتليها قطعوا إمداد قوات الاحتلال شرق




.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه