الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدة المجتمع لا تقل أهمية عن الوحدة السياسية

ابراهيم ابراش

2020 / 10 / 6
القضية الفلسطينية


يقول علماء الأنثروبولوجيا السياسية إن المجتمع سابق على الدولة والسلطة وإن الجماعات تنتقل من شريعة الغاب إلى المجتمعات المنظمة والشمولية التي تؤسس لقيام الدولة والسلطة السياسية عندما تتوفر فيها عدة متطلبات أهمها :الهوية والثقافة المشتركة، المصلحة المشتركة بالعيش المشترك، تجاوز حالة الفوضى وشريعة الغاب والخضوع لقانون واحد ملزم للجميع، القبول بمرجعية أو سلطة تعلو على سلطة الافراد والجماعات الأولية من أسرة وقبيلة وانتماءات مذهبية وطائفية ومناطقية، الضمير الجمعي والإحساس بالانتماء المشترك لنفس الجماعة والأرض المشتركة. والتجارب التاريخية لسيرورة المجتمعات تؤكد أنه كلما كان المجتمع أكثر انسجاما وترابطا كلما كانت الدولة أكثر استقراراً، وأن وحدة المجتمع أهم من الوحدة السياسية.
إذا اخذنا حال المجتمع الفلسطيني حيث يناضل لتحرير أرضه و إعادة بناء دولته بعد عقود من الاحتلال الصهيوني فإنه يواجه ليس فقط الكيان الصهيوني الذي يحتل الأرض ويُنكر الوجود الوطني الفلسطيني بكامله، بل يواجه أيضا تحديات داخلية في الحفاظ على تماسك المجتمع ووحدته الداخلية التي تعرضت لضرر فادح بسبب النكبة التي أدت لتشتيت الشعب ثم بسبب الانقسام المعمم على كافة المستويات، وما تبذله دولة الكيان الصهيوني لتدمير وحدة المجتمع الفلسطيني وثقافته وهويته الوطنية لا يقل عما تبذله من إرهاب وعدوان في المواجهات العسكرية والميدانية.
المسألة المجتمعية شبه غائبة عن اهتمام الطبقة السياسية، ونقصد بالمسألة المجتمعية الحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع. ففي الوقت الذي تنشغل فيه القوى السياسية بالمصالحة السياسية والوحدة الوطنية ويتم التركيز على المصالحة بين الأحزاب وتوحيد المؤسسات والانتخابات الخ، يتم تجاهل ما يطرأ في المجتمع من تحولات خطيرة تهدد وحدته وتماسكه وأخطر وجوه الانقسام وهو الانقسام المجتمعي والهوياتي والنفسي ما بين أهلنا في الضفة وأهلنا في غزة ومحاولات البعض إثارة الضغينة والأحقاد بين الطرفين.
هذا الشكل من الانقسام والنزعة الانفصالية وإن كان لها جذور تمتد لمرحلة كانت كل من منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة تخضع لنظام سياسي مغاير وأحياناً معادي للآخر إلا أنها تلاشت أو خفت في ظل الثورة الفلسطينية والانتفاضة حيث انصهرت كل مكونات الشعب في حالة نضالية وحدوية تتجاوز الجغرافيا وكل الانتماءات الجهوية والطبقية.
بعد تواصل الضفة وغزة وتوحدهما في ظل الاحتلال منذ 1967فإن الاحتلال لم يأل جهداً لتعزيز حالة الشرخ والفصل المجتمعي والنفسي بين ساكنة المنطقتين، وعندما تأسست السلطة الوطنية 1994 حاولت تمتين الأواصر والروابط ما بين الضفة وغزة باعتبارهما أراضي الدولة المنشودة. وللأسف وفي الأيام الأخيرة حاول البعض وبأساليب شتى توظيف الإشكالات العالقة مع السلطة الوطنية والحكومة فيما يتعلق بالرواتب ومشاكل أهالي قطاع غزة لإثارة فتنة مجتمعية وإظهار الأمر وكأن هناك حالة عداء ما بين أهالي الضفة وأهالي غزة.
دون إنكار وجود بعض ذوي النفوس المريضة في الضفة ممن يحقدون على أهالي غزة ويرغبون في التخلص من القطاع وأهله معتبرين إياه عبئا على الضفة، وآخرون من غزة ممن يتطلعون لفصلها وتأسيس كيان منفصل وبالتالي يثيرون البغضاء تجاه الضفة، إلا أن هذه أصوات قليلة ولا تعبر عن الرأي العام الفلسطيني بشكل عام وفي الضفة وغزة تحديداً، ومن الملاحظ أن هذه المحاولات الخبيثة التي تعتمد على تصيُّد خطأ إداري هنا أو تصريح إعلامي هناك أو نبش في ملفات الماضي الخ، تنشط كلما لاحت بوادر مصالحة ترأب الصدع في العلاقات الاجتماعية والسياسية بين غزة والضفة.
ومن باب التذكير نقول إنه بسبب الاحتلال فللمجتمع الفلسطيني خصوصية فهو منقسم جغرافياً ما بين الضفة وغزة وفلسطينيي الخط الأخضر والشتات، كما أن الهجرة أوجدت تباينات ما بين المواطنين والمهاجرين، وسكان المخيمات وسكان المدن والقرى، هذا بالإضافة إلى الانقسام السياسي ما بين مشروع وطني ومشروع إسلامي، وهذا ما يجعل مسألة انهاء الانقسام معقدة وشائكة وتحتاج إلى حكمة وحنكة من القيادة الفلسطينية وعقلاء الشعب الفلسطيني .
من الممكن إصلاح وتجاوز الخلافات والانقسامات السياسية والأيديولوجية وحتى الجغرافية ولكن الأصعب إصلاح تفكك الوحدة المجتمعية والمنظومة القيمية، فأغلب الحروب الأهلية والصراعات في العالم التي تؤدي لتفتيت الأوطان لا تندلع بسبب الانقسام السياسي فقط بل لأسباب مجتمعية وثقافية عرقية أو إثنية أو دينية أو جهوية ومناطقية.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العدالة الاجتماعية اولا
ابراهيم الثلجي ( 2020 / 10 / 6 - 15:34 )
وحدة المجتمع لا تقل أهمية عن الوحدة السياسية
كلام في الصميم وهو تعبير ناضج عن الحالة الفلسطينية
فوحدة المجتمع يعني انه ناضج وراقي لاعلى سلمات التطور الاجتماعي والمدنية
والوحدة السياسية تعني الحديث كانه يدور عن مجتمع مفتت ومشرذم تتفق امراء الحرب فيه على مصلحة مشتركة بينهم تخص اقتسام الكعكات
المجتمع الفلسطيني منقسم على نفسه لغياب العدالة الاجتماعية
فما يسمى المحظوظ هو الذي معه فسيمة راتب والدنيا فاتحة بوجهه وليس من شطارته بل محظوظ بواسطة عند اركان الحكم او الكوتة السياسية فيتجوز ويفرش بيتا وينزل من البنك سيارة على ضمانة الراتب
والمجتهد او ما نسميه قطاع خاص ليس نتيجة للخصخصة بل للحرمان من كرسي في العام ومن بطاقة صراف الي وغير مندمج بعشيرة الصراف الالي الجديدة التشكيل
ذلك المجتهد تنزل على كتافه ان يحمل نفسه واهله ومصاريف القطاع العام الكسول
ومصاريف الامراء وتقاعدهم حيث انهم يعمرون ونسبة التطليق عندهم عالية فيبقى عداد التقاعد المسؤول عن تغذيته مجتهد شغال بارصدة سالبة
الى ان نصحو يوما ما كل المجتمع مفلس واذا واحد معاه كم دولار يجد المزارع والخباز ماتوا جوعا
فلا تنفعه
نعم للعدل الاجتماعي


2 - والمثال اوضح عن عدم وحدة المجتمع العراقي فاستغلت
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2020 / 10 / 7 - 07:30 )
الفرقه والاختلافات وخصوصا العرقيه والمذهبيه فتحول الان شعب بلاد الرافدين الى بهائم من اللطامه والمشايه للاسف

اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر