الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الحادي عشر/ 1

دلور ميقري

2020 / 10 / 6
الادب والفن


برغم ما اتسمت به حياتها من روتينٍ يوميّ، كانت بيان تعدّ نفسها امرأةً سعيدة. أعتادت أن تستيقظ مبكراً، لتحضّر الفطور لرجلها. لكنها بعدئذٍ، لم تكن ترجع إلى الفراش. لقد فطمت مؤخراً أصغرَ الابنتين؛ الشقراء ذات العينين السماويتين، الشبيهتين بعينيّ جدّتها، المرحومة سارة. ولأنها ولدت عقبَ وفاة الأمير، أُعطيت اسمَ زوجته. الطفلة الأخرى، المكلل رأسها بالشعر الأسود، تميّزت بالفطنة والنباهة إلى شيءٍ من الشقاوة، المتمثّلة بالميل للعراك مع شقيقتها. لكنهما كانتا تستغرقان في النوم غالباً إلى منتصف النهار، ما يتيح للأم التفرّغ لمشاغل المنزل. الجارة سَرو، كانت تطل عليها أحياناً، لتشربا معاً قهوة الصباح، ومن ثم تتعاونان ببعض الأعمال هنا وهناك. لقد أعتادت سَرو على التعامل مع جارتها الفتية، كما لو كانت الأم: في حقيقة الحال، أن ابنتها الوحيدة، " سمراء "، كانت في عُمر بيان تقريباً. أما من رجلها الجديد، حمّوكي، فإنها أنجبت في عامٍ مضى غلاماً، ما لبثَ أن توفيَ بأحد أمراض الطفولة.
فرجة الجدار، المطلّة على الجيران الطيبين، أتاحت لبيان عقد صداقة مع امرأة أخرى. إنها " حفصة "، ابنة حَمي سَرو، وكانت تكبر هذه بقليل لكنها تزوّجت في وقتٍ متأخّر. ربما كابدت مؤخراً بعضَ الغيرة، وهيَ ترى علاقة امرأة أخيها الوثيقة بالجارة الفتيّة. صارت هيَ الأخرى تدعو هذه الأخيرة إلى صحبتها، في كلّ مرةٍ تطل لتسأل عن امرأة أخيها. لمحض المصادفة، أنها رُزقت بكلّ من ابنتيها بنفس توقيت إنجاب بيان لطفلتيها. وكان لديها أبنٌ أيضاً، يقارب عُمره العاشرة، قيلَ أنه يُعاني من شيءٍ من البله. بيان، كانت نادراً ما تزور أولئك الجيران، وذلك لوجود شابّ أعزب هنالك في المنزل. هذا الشاب، وهوَ شقيق حفصة الأصغر، كان يُدعى باسم تشنيع، " بيفازو " بالباء الأعجمية؛ ويعني: رجُل البصل! مع ذلك، كان شخصاً إجتماعياً ويكن كثيراً من الود لشباب آل حج حسين، بوصفهم أقاربه. ابن رابعة، خلّو، كان أحد أصدقائه، وذلك منذ أن كان يعيش في دار الجدّ مع أمه. عبرَ فرجة الجدار، كانا فيما مضى يتفقان على موعدٍ لجولة في البستان أو سهرة في مقهى قوّاص.

***
وهيَ ذي رابعة، تأتي إلى الحارة مع ابنها. سألها هنالك مرة أخرى، ما لو أرادت منه أن يعود ليأخذها، فأجابت أنها ستبقى إلى عصر يوم الغد. بعد انصرافه، بدأت في جولة على منازل أشقائها واحداً واحداً، بحَسَب تسلسل أعمارهم. ثم حطّت أخيراً في ضيافة بيان، وكان رجلها ما زال في العمل. قُدّمت القهوة للضيفة في الإيوان، فتناولت هذه الفنجانَ: " غدا الأخوة كالغرباء عن بعضهم البعض، بوساطة الجدران، التي رفعتها نساؤهم "، قالتها وهيَ تنفخ على البخار الساخن. ثم استدركت، محدّقة في بيان بعينين متحجرتين: " بالطبع لا أقصدك أنتِ، مع أنك أكثر المستفيدات من تقسيم المنزل "
" تقسيم المنزل، تقررَ قبل مجيئي إليه وكانت المرحومة والدتك بعدُ في كامل صحتها "، ذكّرتها بيان بهذه الحقيقة. تمتمت الأخرى، وهيَ تستدير بوجهها إلى جهة الفرجة، المطلة على بيت الجيران: " رحمها الله.. ". ثم أتبعت ذلك بالتساؤل: " كأنني أسمعُ صوتَ رجال، آتٍ من داخل الدار؟ ". امتقع وجه بيان غيظاً، فانتصبت واقفة لتقول: " أيّ رجال؟ ". هنا، وقبل أن تفتح ابنة حميها فمها، أمسكت بيدها: " تعالي لأريك مصدرَ الصوت ". ومضت معها بضع خطوات إلى حجرة المؤونة، التي يسطع منها نورُ النهار من خلال نافذة وحيدة في أعلى الجدار. هنالك، أشارت بيان بيدها نحوَ النافذة: " هل عرفتِ الآنَ مكانَ الرجال؟ ". الأصوات، كانت ما فتأت تتعالى من لدُن المستأجرين الأغراب، الذين يقيمون في منزل هُوري. قالت رابعة، متكلّفةً نبرة بريئة: " آه، واضحٌ أن الأصواتَ من عند الجيران. لقد تساءلتُ حَسْب، ولم أقصد شيئاً! ". لم تعلّق بيان بشيء. لكنها لما عادت مع ضيفتها إلى الإيوان، أعادت فنجاني القهوة إلى الصينية، قائلةً: " المعذرة، عليّ إعداد الغداء قبل حضور جمّو ". بدَورها، لملمت رابعة ملاءتها: " سأنتظره في الحديقة "، قالتها ثم سارت إلى تلك الجهة.

***
بقيت الضيفة بعد الغداء، وذلك لما دعاها جمّو للسهرة. وكانت هذه مناسبة، ليجتمع الأخوة ونساؤهم مساءً في الإيوان. في أثناء تبادل الرجال الحديث، راحت الطفلتان تلهوان حول المناضد الصغيرة. التفتت رابعة عندئذٍ إلى والدتهما، لتقول بصوتٍ مسموع: " يظهر أن خلفتكِ، ستكون كلها إناثاً ". فعقّبَ فَدو، ضاحكاً: " أمن المحال أن يأتي الصبيّ بعد ابنتين، أيتها المرأة المسمومة؟ ". تعالت الضحكات، وشاركتهما رابعة في ذلك. إلى أن اتجهت، هذه المرة، نحو امرأة فَدو: " والعقبى لكِ، كي يمتلأ المنزل بالصبيان والبنات "
" إن شاء الله "، غمغمت مزيّن وقد أظلمت سحنتها. عند اختتام السهرة في ساعةٍ متأخرة، كونها ليلة الخميس، ألحّ فَدو على رابعة أن تأتي للمبيت في بيته. بعدما تفرق الضيوف، قال جمّو وهوَ يضع رأسه على الوسادة: " صدقَ فَدو، لما وصف شقيقتنا بالمرأة المسمومة ". هنا، لم تعُد بيان تطيق كتمَ ما في داخلها من القهر. فقصّت على رجلها ما فاهت به رابعة، لما سمعت أصوات الجيران. استشاط عندئذٍ جمّو، غضباً: " لو جرؤت على هكذا تصرّف مشين لدى هَدي أو مزيّن، لقامتا بطردها من المنزل حالاً ".

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه