الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العم حسام الالوسي .. اجراس لذكرى رحيله .

بديع الآلوسي

2020 / 10 / 8
الادب والفن


ما الزمن يا عم ؟ كل شيء حدث وكأنه البارحة ، فكيف لي ان اصدق ، انه وفي مثل هذا اليوم 7 اكتوبر ، قبل سبع سنوات في عام 2013، غادرنا والى الأبد العم حسام ، الذي كرمه المشتغلون معه ولقبوه بشيخ فلاسفة العراق .
للأسف ، لم يتسع وقتي لأنعم بصحبته أو اكون قريبا منه ، وظلت علاقتي بهذا العم الطيب لا تتعدى لقاءات متباعدة واحاديث مبعثرة ، لكنني استطيع ان ازعم اليوم ، بأني قد عرفته من خلال كتبه التي اطلعت عليها في الغربة ، تلك الكتب التي اضافت لي الكثير واضاءة لي الدروب .
اجل ، انفرط عقد السنين سراعا ً ، ولم تتح لي فرصة التحاور معه ، فيوم كنت في بغداد ، كان هو استاذا جامعيا ً في ليبيا والكويت واليمن ، ويوم عاد اواخر الثمانينيات ، كنت انا قد غادرت العراق ، وظل حلم اللقاء به مؤجلا لأكثر من عقدين من الزمن ، على الرغم من ذلك ، ظل العم حسام بالنسبة لي ولأخوتي ولكل من قرأ له ، مفكرا المعيا ً ذا تجربة هائلة ، يحق لنا ان نفخر به ، وكيف لا .. ومن يتتبع سيرة حياته ، يجدها كفاحا ً عنيداً ضد الجهل والتخلف ، ونضالا ً طويلا ضد الظلم بكل اشكاله والوانه ومعانيه .
تلك المسيرة التي بدأها متفلسفا في مطلع شبابه ، والمتأمل لديوان الشعري ( زمن البوح ) يلحظ ذلك جليا في بواكير اشعاره ، اما سفره الحقيقي فقد بدأ مع أطروحة الدكتوراه التي حملت عنوان : ( مشكلة الخلق في الفكر الإسلامي ) .. ليواصل بعدها تدريس الفلسفة كأستاذ جامعي لنصف قرن تقريبا ، الف خلالها ما يربو على الثلاثين كتابا ً وبحثا ً اصيلا ً ، اعتمد في تأليفها على المنهج الجدلي التاريخي او ما اطلق عليه لاحقا بالمنهج التكاملي ، مؤكدا على جدلية العلاقة ما بين ( الفلسفة والعلم والفن ) وعلاقة كل ذلك لفهم الانسان والمجتمع والعالم ، من دون ان يغفل تلك الرؤية الحاذقة بربط التراث بالمعاصرة ، وهذا باعتقادي اجمل ما في كتبه ، واعني تلك النظرة الموسوعية التي يحتاجها كل قارئ له شغف بالفلسفة وحب للمعرفة .
اليوم وانا احتفي بفكره النير ، واقرع الأجراس في ذكرى رحيله اقول :
كثيرة هي خصاله الطيبة ، لكن اكثر ما كان يعجبني بالعم حسام الالوسي ، هو روحه المثابرة ونشاطه الدؤوب ، حيث واصل عمله في التأليف والاشراف على طلبة الدكتوراه حتى بعد احالته الى التقاعد ، وكذلك مساهماته الفاعلة كمحاضر ومحاور ومستشار في دار الحكمة . باذلا ً قصارى جهده لجعل الفلسفة زاداً يوميا في متناول الجميع ، فهل كان يحلم بتغيرنا ام بتغير العالم من خلالنا !؟ . اي تكن الاجابة لا ضير .. فهو كمثقف نوعي كان ينتمي لذلك الجيل من المثقفين العراقيين امثال : علي الوردي ، وصلاح خالص ، ومدني صالح ، وسامي عبد الحميد ، وفؤاد التكرلي ، والمخزومي ، ونوري جعفر ، ومنير بشير ، وجواد سليم ...الى اخره ، فجميع هؤلاء حاولوا تغيير العالم ، الذي للأسف لم يتغير بسبب الردة الفكرية التي حدثت في عموم عالمنا العربي !!!
اما كيف تمكن الالوسي ( وسط هذه المعممة ) من التصدي لتلك الردة الظلامية ، وظل أمينا ً لرؤاه الفكرية التنويرية !؟ فالجواب برأيي : يكمن في اسلوبه الخاص بتأليف كتبه ، القائم على عرض الافكار بحيادية ، اخذا ً بالرأي وضده ، وصولا ً لما يريد قوله ضمنا ً، من دون ان ينسبه لنفسه علنا ً، وتلك لعمري براعة قل نظيرها في المؤلفين والكتاب ، ومن قرأ كتبه يفهم قولي وما اعنيه .
ربما لهذا ، كان مع نخبة من المفكرين امثاله ، ممن حاولوا قرع اجراس الحقيقة وتجاوزوا الخطوط الحمراء ، وظلوا يراهنون على قدرة العقل في تفسير الظواهر الحياتية منها والكونية ، ناهيك عن نظرته الخاصة في دراسته كتب تراثنا الفلسفي القديم برؤى تنويرية حديثة ، مؤكداً في كل محفل ومناسبة : ان التفلسف قديم قدم الانسان ، وانه ضرورة حياتية لا محيص عنها .. وكل الفلسفات التي ندرسها اليوم ، هي مفيدة بهذا القدر او ذاك ، ولكنها ـ برأيه ـ لا تكتسب حيويتها وقوتها وخلودها ، إلا فيما إذا طرحت وعالجت قضايا واسئلة معاصرة ، وقد الف كتبا عديدة في هذا المنحى ، متصديا لمشاكل عصره ، وكان جريئا ً وشجاعا ً في طرح رؤاه .
فتحية لهذا المفكر الجليل في ذكرى رحيله ، وله الذكر الطيب مع كل اشراقة شمس ، لأنه زرع فينا حب المعرفة ، وعلم الكثير منا جدوى التفلسف والاندهاش ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا