الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسانية هي أهم قانون يتجاهله البشر

بكر محي طه
مدون حر

(Bakr Muhi Taha)

2020 / 10 / 9
حقوق الانسان


على مر العصور والبشرية تمر بعدة تحولات متأثرةً بالجغرافية والدين والتجارة وغيرها، وهذا الامر هو ما يُحدد قوة / ضعف فئة أو مجموعة من البشر دون أخرى، ولكن يبدوا بأن البشرية لا تمتلك ذاكرة قوية كما يقال أو يتناسون؟، فلكل زمنٍ فئة وجانب، ولا يخلو الأمر من بعض الحروب الطاحنة والمقابر الجماعية بهدف إنقاص الأعداد البشرية للطرف الآخر، والأغرب هو تكرار هذا السيناريو لحد الأن في بقاع مختلفة من العالم حيث القتل والإغتصاب والتخريب، ولايبدوا بأن العالم يكترث لأي علم او فن او حتى قطعة اثار من زمنٍ سحيق تُخبرنا كيف بدأت الحياة وأنماطها، وإنما كل ما يهمه هو اعادة احياء التراث البشري الازلي (الحروب).
فما إن دقت طبول حربٍ في مكان حتى إنقسم الناس بين مؤيدٍ ومعارض للجهات المتخاصمة طبعاً وليس للحرب نفسها، وكأنما البشر ينتظر بفارغ الصبر أي خلاف حتى يتحول الى حرب ليبدأ الشحن الإعلامي والدعم المادي لغرض سياساتٍ ومصالح دولية، أما من يفوز أو من يخسر فليس مهماً، المهم هو كم سأبيع من السلاح؟ وكم العقود التي سأحصل لإجل إعادة بناء البنى التحتية للمنطقة المتنازع عليها، أما السكان -الشعب- المتواجدين هناك فهم مجرد أرقام ووسائل وأدوات ضغطٍ لكسب تعاطف المجتمع الدولي حول قضيةٍ ما ذات أبعادٍ سياسية أو دينية أو قد تكون إقتصادية ليس إلا.
لكن سرعان ما تنتهي الحرب حتى يبقى الناس بلا مأوى أو أمنٍ غذائي أو حتى صحي، عدا الخسائر البشرية من قتلى ومفقودين وعشرات الأطفال اليتامى وبلا مستقبل وحالات الاعاقة الجسدية والنفسية وغيرها، إذ لم تعد قضيتهم تحتل الأخبار كما في السابق، فيصبحون من الماضي بظرف أيامٍ معددودات كأن شيئاً لم يكن ويمر الأمر مُرور الكرام، وبرغم كل هذا مازال البعض يعتقد بأن الحرب هي السبيل الوحيد لإرضاخ الخصوم والبطش المُبرر لإخافة الخصوم المُحتملين.
ولكن ماذا عن المفقودين والقتلى واليتامى وماذا عن الناس الذين أصيبوا بعوقٍ دائم بسبب الحرب أو حتى فُقدوا ولم يذكرهم أحد ولم يبقى منهم سوى صورة أو قطعة قماش أو حتى لعبة أطفالٍ مُتسخة بالوحل، فقد تمر سنوات ولا يكتشف أمرهم أحد إلا إذا صادف حفريات أو شهادة متأخرة من ناجٍ، من سيصدق بأن كل هذا الخراب والدمار كان يوماً حياة وأحلام وطموح، بالتأكيد لا أحد لأن الأمر سيتكرر مراراً ومراراً كونهُ أصبح جزءاً من حياة وعادات البشر وتقليداً لابد من إحياءه والأهم التفاخر به على إنه إرث وطني أو ديني، وإنه إستعادة للحقوق المسلوبة، ولا أحد سيدفع الثمن غالياً إلا الإنسان البسيط والذي لايريد سوى العيش بسلام.
إذ من فترة وسعير الحرب بين أرمينيا - أذربيجان مستمر بالإشتعال ويعصف بشعبين لا ناقة ولا جمل لهم سوى إختلاف سياسات ومصالح بين الحكام ليتحول الأمر بين ليلةٍ وضحاها الى ساحة حربٍ ومعارك طاحنة أكلت الأخضر واليابس، ولن أتطرق الى السبب سواء كان إقليم أو إستقلال أو حتى بئر سم (نفط)، أليسوا بشراً وكانو يوماً يعيشون ويتقاسمون الطعام والشراب وحتى المُصاهرة بينهم وخاصة المناطق الحدودية، كل هذا لم يشفع والحرب ما زالت تحصد بالجانبين.
أما الأغرب والمثير للإشمئزاز هو أطراف دينية / سياسية من هنا وهناك تدعو لإستمرار القتال، بل ووصل الأمر الى الحث على الإنضمام الى أحد طرفي النزاع، فالجميع يدعون للحرب وكأنما البشرية لم تتقاتل سابقاً، فتارةً يدعون لنصرة الدين وتارةً يدعون لنصرة المذهب!، ولكن المُحصلة النهائية واحدة فالجميع خاسر بإستثناء المُحرضين فهم أما خارج الحدود وإما سيستفيدون من خلال بيع السلاح والغذاء أو حتى مدهم بمقاتلين من بلدٍ آخر ليستخدم كورقة ضغط مستقبلاً في صفقات الطاقة والإستثمار وغيرها من جهة، والإبتعاد عن التدخل المباشر من جهة أخرى تفادياً للعقوبات الدولية (الشكلية).
حربان عالميتان فتكت بالملايين ولم يمضي سوى سنواتٍ عليها ليس إلا ومازالت أثارها الى الأن فكلما حُفر موقع لمشروع معين وجدوا قنبلة أو بقايا مقذوفات، وكلما نظفوا مستنقع وجدوا ألية عسكرية … الخ، شواهداً ودلائل على وحشية البشر وتمسكهم بالصفة الوحيدة التي لم يستطيعوا تغييرها ولا أعتقد هناك أي بوادر أمل بهذا الاتجاه، فالتخريب والدمار يشغل حياة البشر وإن كانوا بمعزل عن هذه الأمور، فالأغلبية يودون أن يشبعوا غريزة التخريب وهذا نشاهدهُ من خلال مواقع التواصل الإجتماعي لمقطع فيديو لألة تقطع أو تحطم الأشياء أو حتى رمي عجلة (سيارة) من إرتفاعٍ شاهق واذا بالمشاهدات تتخطى الملايين!، في حين مقاطع أخرى كثيرة تُعنى بالبناء أو الإختراعات أو حتى الفنون لا تتجاوز مُشاهداتها بضعة آلاف.
ولو عدنا للأساس الذي بنيت عليه هذه الأمور وثُبتت فإننا سنجد بأن المجتمع المتناقض الغير عادل في التعامل مع شرائحه المختلفة، هو من يساعد في ترسيخ نزعة التخريب والتدمير بداخل الناس بسبب الإضطهاد وسلب الحقوق، من خلال الترويج الغير مباشر لفكرة أخذ الحق باليد لأن القانون بكل الأحوال سيقف مع فلان لأنه رجل أعمال أو زعيم عصابة أو حتى برلماني!، ثم تاتي السينما التجارية البحتة -المعتمدة بنتاجاتها وأرباحها على هذه المجتمعات فهي لا تحمل أي مضمون إنساني سوى العنف المفرط- وتروج بقصد أو بغير قصد لفكرة الإنتقام والقتل والتخريب تحت مسمى البطل الذي لا يُهزم الذي يعيش حياته بطولها وعرضها.
سينما نمطية بصورة الشر الخير ضد الشر الشرير، فأغلب شرائح المجتمع مغبونة الحقوق مُتعطشة ليعيش أبناءها بضعة دقائق مُتخيلين أنفسهم مكان هذا البطل ليأخذوا حقوقهم المسلوبة لذة ما بعدها لذة، ومنهم من يذهب أكثر من ذلك من خلال ردود أفعالٍ عدوانية يذهب بسببها أناس أبرياء لمجرد محاولة الأنسلاخ من واقع مفروض على فئات بشرية كثيرة وكل العالم يعاني منهُ.
فحقوق الانسان التي ينادي بها الجميع ما هي إلا حبر على ورق، فالقتل و الإغتصاب والتدمير لم ولن يتوقف طالما لا يطبق القانون على الجميع ولا يخضع له إلا من لا منفعة منه (سياسية- دينية- عرقية)، "بطل رياضي يعدم"، "فتاة تغتصب ليعود المغتصب بعد أن خرج من السجن ليعيد الكرة مع حرقها!"، قد يكونان خبرين عاديين في 2020، لكن لأي حال وصل البشر ليقول "عاديين"، فالموت وسلب الحياة والحرية أصبح جزءاً من إرث البشر منقولاً للأجيال المتلاحقة بعد تزوير الحقائق ودفن القصص والتلاعب بطياتها وحسب المصالح المفروضة على أرض الواقع، وما يساعد هو ذاكرة البشر الضعيفة للقضايا قوية لتذكر الحروب والتغني بها.
إن التوعية بحقوق البشر والتأكيد عليها هي أهم بكثير من الأسلحة البايلوجية والترسانات النووية والتي وجدت من أجل حماية البشرية من البشرية نفسها، مضحك جداً هذا الأمر البشر يحمون أنفسهم من البشر من خلال القوة المفرطة والبطش المُحتمل لا الحوار والرقي والتعامل الإنساني، وما أن تحصل خلافاتٍ حتى يهدد البشر أنفسهم البشر بالزوال و الإبادة وعلى الشعب أن يتأهب لمواجهة الشرور البشرية القادمة!
وهنا أتساءل لماذا لا يتقاتل القادة من رؤساء وملوك وأباطرة وغيرهم من تيجان الرأس!، فيما بينهم وننهي الموضوع بدل تحمل الشعوب ويلات حروبٍ لاناقة لهم فيها ولا جمل، ففي النهاية هم فقط من يخسر ويضحي وتبقى السياسة وأهلها كما هي من مُنطلق المصالح العليا ليصير عدو الأمس صديق اليوم وعلى الجميع الرضوخ للأمر الواقع، سيقابله إستنكارات ورفض وبعد مدة الجميع سينشغل بتفاصيل الحياة وينسى وكأن شيئاً لم يحدث إلا من فقد عزيزاً، لتبقى الأحقاد المتوارثة تملؤ ثنايا الفؤاد بين الشعوب.
لقد أصبح العالم مُخيف فعلاً لدرجة لا تستطيع أن تنشيء أسرة خوفاً عليها من الإنتهاك أو الأذى في ظل قوانيين لا تحمي ولاتقدم ولا تأخر مجرد كلام جرائد كما يُقال، وقد يسخر البعض من هذا لكن ماذا لو إكتشفنا بأن هناك حياةً في كوكبٍ آخر وتواصل معنا سكانه، نحن بني البشر عن أي إرث أو إنجاز سنتحدث، حُروبنا الطاحنة على مر الزمان والتي لا تنتهي؟؟، يبدوا الأمر لامفر منه طالما نعيش وفق قوانين كثيرة لم تمنع كوارث بشرية من الحدوث، فالحُروب إرثاً بشرياً مُتجدد، بسبب عدم الإلتزام بالقانون الذي يعدُ الأهم لكل البشرية على حدٍ سواء إلا وهو (الإنسانية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الغذاء العالمي يحذر من المجاعة في شمال قطاع غزة... فك


.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي




.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال


.. طلاب معهد الدراسات السياسية المرموق في باريس يتظاهرون دعمًا




.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي