الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني : الأسس والمفاهيم والمهام

حسن الشامي

2020 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يحتل مفهوم المجتمع المدني مكان الصدارة في الفكر السياسي والاجتماعي في القرن العشرين كأحد التجليات المصاحبة للدولة الديمقراطية.. ولكن التساؤل عن كيفية نشأة الدولة الديمقراطية في بدايتها في محاولة لمعرفة أيهما يسبق الآخر : هل الدولة الديمقراطية أم المجتمع المدني؟

إن دراسة دور المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي لأنظمة الحكم الاستبدادية على ضوء ما حدث من تطورات في قلب أوروبا وشرقها وفي كوريا الجنوبية والفلبين وعدد من دول أمريكا اللاتينية مع بزوغ نجم حركة التضامن في بولندا عام 1980 م.

وعلى الرغم من محاولة التأسيس لفكرة المجتمع المدني مع انهيار منظومة الشيوعية، إلا أن هذه المحاولة تتجاهل دراسات عدد الباحثين في مجال الفكر الإنساني أمثال أرسطو الذي عبر في كتابه "المجتمع السياسي" عن ذلك المجتمع الإنساني الذي يسمو أفراده على متطلباتهم الذاتية والآنية ويتحلون بالإرادة والقدرة على التأثير في الأنماط الاجتماعية وفق رؤيتهم لما يجب أن تكون عليه وظائف المجتمع.

وقد عرف لدى الرومان القدامى عندما استخدموا تعبير "Societas civilis" والتعريف أنه مجتمع أو جماعة من المواطنين الأحرار المتساوين أمام القانون وتحكمهم قوانين بينة تعبر عبر معايير وقيم مشتركة. وهو ما أصبح يعرف اليوم بمصطلح أو مفهوم "المجتمع المدني".

إن مفهوم العلاقة بين الفرد والمجتمع ومفهوم حقوق المواطنين ودورهم في الحياة العامة، إضافة لدور الدولة وعلاقتها بالتجمعات الاجتماعية المنظمة التي تقوم بأدوار وظيفية في المجال العام أدى إلى مفهوم ملتبس حول "المجتمع المدني" الذي يمكن تعريفه على أنه : "المجموع الكلي للمؤسسات والمنظمات والاتحادات المدنية غير الحكومية، والتي تقوم بأدوار وظيفية في المجال العام وهي بمثابة منظمات شعبية تتمتع باستقلال نسبي عن الدولة وقائمة على طواعية العضوية".

وهذا التعريف العام للمجتمع المدني لا يحظى باتفاق عام وهناك من يرى أن المجتمع المدني فضاءً اجتماعيا ينسج فيه إتحادا بشرياً متحرراً من سلطة القهر ومتحلياً بباقة من شبكات الاتصال.
وهناك تعريفات تفصيلية للمجتمع المدني ترى فيه نموذجاً معيارياً منفصلاً عن الدولة والاقتصاد تتجلى فيه المكونات التالية :
ـ التعددية : كالأسرة والمجموعات أو التجمعات العامة والاتحادات التطوعية التي يسمح استقلاليتها بثراء أنماط الحياة.
ـ العلانية : مثل مؤسسات الثقافة والتواصل.
ـ المشروعية : وتتمثل في القوانين العامة والحقوق الأساسية المطلوبة لتحديد التعددية والخصوصية والعلانية.
ـ الاستقلالية : عن الدولة والاقتصاد وغيرهما.. وتشكل في مجملها ضمانة لوجود واستمرارية مجتمعاً مدنياً عصرياً وفريداً.

والمجتمع المدني يتمثل في ثلاثة أشكال مختلفة :
ـ وجوده في كل مكان يتسنى فيه تواجداً لاتحادات مختلفة خارج هيمنة الدولة. أو أن يكون المجتمع في مجموعه قادراً على تنظيم وتنسيق أنشطته خارج رقابة الدولة. أو شبكة من الإتحاد القادرة على التأثير في سياسات الدولة الحالية أو إحداث تغييراً في سياسة الدولة في منطقة معينة أو مساحة محددة.
ـ يتطابق بعض عناصر المجتمع المدني التي قد تتواجد في بيئة لا تتسم بالديمقراطية مثل وجود مجموعات أو جماعات من المواطنين مخالفة للدولة الاستبدادية لكن الدولة تسمح بمثل هذا الوجود.
ـ تواجد المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية والعلاقة بين الدولة والمجتمع المدني. أو تأثيرات ممكنة للأنشطة المدنية المستقلة في علاقتها بالدولة سواء كانت ديمقراطية أو أوتوقراطية.

مفهوم المجتمع المدني :
اقتفاء أثر أساليب المجتمع المدني وما يمارسه من قوى ضغط اجتماعية داخلية ضد الدولة الأوتوقراطية في عملية التحول الديمقراطي.
والمجتمع المدني يتشكل ويعمل في نطاق تفريعات الدولة القومية الديمقراطية، التي تعتبر الشرط المسبق اللازم توافره لقيام حكومة ذات نظام ديمقراطي.
ولابد من تحديد بعض الشروط الموضوعية التي يجب توافرها حتى يتسنى قيام المجتمع المدني وهي ما سوف تحدد ما إذا كان الفضاء الاجتماعي مهيئاً لظهوره، إضافة إلى الشكل الذي سوف يتخذه، والعوامل التي تحفز المواطنين على الانخراط فيه، وأنماط العلاقة بين بنى المنظمات المختلفة للمجتمع المدني بالمجتمع ككل.

المجتمع المدني والدولة الديمقراطية :
"الديمقراطية" هي شكل من أشكال حكومة الدولة، وأنه لا يمكن لأي شكل من أشكال أنظمة الحكم في العصر الحديث أن يكون ديمقراطياً إلا أن يسبق ذلك أن يكون دولة. وهو الأمر الذي يستدعي سؤالاً غاية في الأهمية : أيهما يأتي أولاً الدولة الديمقراطية أم المجتمع المدني؟.. أو هل تسبق الحركة الاجتماعية الشعبية التي تعد رائدة المجتمع المدني تطوير الدولة من الأوتوقراطية إلى الديمقراطية؟
ويمكن الإجابة كالأتي :
أولا : عملية التحول الديمقراطي قائمة على عاتق النخب الاجتماعية وهي النخب المعارضة التي تتشكل من خلال وفي نطاق النظام القديم، والنخب المضادة التي تنشأ كمحصلة أزمة للنظام السابق.
ثانيا : تنشأ عملية التحول الديمقراطي من خلال حشد الجماهير القادرة على تنظيم ذاتها في حركة اجتماعية تهدف إلى استعادة الفضاء العام الذي انتزعته وسيطرت عليه الدولة الأوتوقراطية، ومن ثم يصبح نجاح هذه الحركة الشرط الموضوعي المسبق لوجود قوى اجتماعية حرة ومنظمة تنظيماً ذاتياً تكون بمثابة النواة الصلبة لمجتمع مدني جمعي.

أنماط العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني :
الدولة في مقابل المجتمع المدني : يعتبر النمط الأول لهذه العلاقة قصير الأجل ويتسم بفترة انحدار وانحطاط الدولة الأوتوقراطية كما يمهد المسرح لنشأة وولادة الدولة الديمقراطية. وتتسم العلاقة بالعدائية بين المجتمع وبين الدولة التي تستحوذ على مجال القوة من خلال شرعية سلطة الإكراه في حين يحكم المجتمع المدني مبدأ المشاركة التطوعية.
المجتمع المدني يكمل الدولة : يبرز المجتمع المدني في تحقيق المنافع في المساحات التي قصرت الدولة عن إيجاد فاعلية لها فيها أو كانت تفتقر فيها إلى عنصر الكفاءة.
الدولة تكمل المجتمع المدني : يعبر عن ضآلة الدولة وتبعيتها حيث لا تكون الحاجة إليها إلا في المواضع التي لا يكون للمجتمع المدني فيها فعالية.

ظهور المجتمع المدني :
من المتوقع أن يبرز المجتمع المدني في حال توافر الشروط التالية :
ـ وجود فضاء عام يمهد الطريق لقوى اجتماعية حديثة وذات تنظيم ذاتي حر.
فلو كان الفضاء العام غير متوافر لقوى اجتماعية ناشئة وذاتية التنظيم وذلك عندما تتم السيطرة عليه من دولة غير ديمقراطية، فإنه يصبح من المتعذر على المنظمات والاتحادات المستقلة عن الدولة والتي تعتبر بمثابة التعبير المؤسسي للمجتمع المدني من الظهور. ولكن تحت مثل هذه الظروف المنقوصة يمكن أن تظهر منظمات واتحادات شبه مدنية. فهي غالباً ما يتم السيطرة عليها من قِبَل الدولة التي تسمح لها بالوجود كما هو الحال في الدولة الأوتوقراطية قبل المرحلة الانتقالية وكما هو المثال في الصين حيث بدار المجتمع المدني من قِبَل الدولة.
مع ذلك يظهر لنا التاريخ قيام شكل من أشكال التجمعات المعارضة بثقافة مغايرة لثقافة المجتمع وتعمل خارج الفضاء العام الذي تهيمن عليه الدولة، لكنها تتمكن من تكوين نواة لمجتمع مدني يمارس ألواناً من الضغط على الدولة وسياستها مما ينتج عنه في النهاية التحرر من النظام والدخول في عملية التحول الديمقراطي.
ـ وجود قنوات للتواصل الاجتماعي غير خاضعة لسيطرة الدولة :
يقوم "التواصل الاجتماعي" بدور في التعريف والتفاوض لمصالح الجماعة ويساعد في الاتفاق حول الأهداف والقيم المشتركة للمجموعات أو الجماعات الاجتماعية المتعددة والتي تمهد بدورها الطريق نحو مؤسسة الدولة.
ـ وجود أسواق حرة يتم فيها تبادل البضائع والخدمات مع توافر حماية للملكية الخاصة :
"الأسواق" المستقلة عن الدولة بآليات تحمي الملكية الخاصة وتضمن وجود مؤسسات مستقلة اقتصاديا عن الدولة لصالح المجتمع المدني. وذلك خلافاً للاقتصاد الموجه الذي كانت تهيمن عليه الكتلة الشرقية السابقة والذي لا زال معمولاً به في كوريا الشمالية وكوبا والذي يبرز في مجاله العام اتجاهات ومواقف نفعية بدلاً من الاتجاهات المدنية تجاه الدولة.. حيث تهيمن الدولة المركزية على موارد الدولة وإعادة توزيعها.
ـ الفضاء الاجتماعي : تملأ المجتمعات المدنية كل المجال العام الذي يمتد بين مستوى الدولة والمستوى الابتدائي للأسر المنزلية.

وظائف المجتمع المدني : يمكننا أن نميز أربعة وظائف أساسية للمجتمع المدني :
ـ الحماية من استبداد الدولة : تتضمن حماية استقلال الفرد والملكية الخاصة كما تتضمن مساحة للمجتمع بعيداً عن تدخل الدولة الاستبدادي.
ـ مراقبة والتحكم في سيطرة الدولة : خلق ثقل نوعي تنظيمي يحد من سيطرة جهاز الدولة.
ـ المشاركة الديمقراطية للمواطنين : تؤكد على أن المجتمع المدني يعمل كحاضن للمواطنين والفضائل المدنية مثل الثقة والتسامح وغيرها.
ـ خلق الفضاء العام وإمداده بالفاعلين : تكوين قنوات فعالة للحوار والحشد حول قيم الأفراد ومصالحهم.
والمجتمع المدني يحتل مستوى متوسطاً بين المستوى الأول الذي تمثله الدولة والمستوى الابتدائي الذي تمثله الأسرة ويلعب دوراً فاعلاً وهاماً في إنجاز الوظائف التي سبق الإشارة إليها.

وللمجتمع المدني مهام مثل المراقبة والبيان أو التعبير والاندماج أو التكامل والتثقيف، جدير بالمجتمع المدني أن يحقق فيها إنجازات.
فمهمة المراقبة تشير إلى سلطة الدولة تبقى ضمن إطار الشرعية القانونية.
ومهمة التعبير تشير إلى تحويل القضايا والمشاكل الشخصية إلى قضايا عامة تحقق فيها آمال وأهداف واحتياجات المستوى الأولى وتعبر عنه.
ومهمة الاندماج تعني التوحد حول أهداف عامة، وقد تتراوح هذه المهمة من القيام بعملية حشد من أجل المشاركة في أشكال تنظيمية في عمل جمعي، إلى مستوى أدنى يتمثل في حشد التأييد لمنظمة أو إتحاد.
ومهمة التثقيف والتعليم لها طبيعة ثنائية : فهي من ناحية تقوم بنشر منظومة القيم والأطر المدنية والتدريب على المشاركة في الحياة العامة وممارسة المواطنة وتعلم الديمقراطية من خلال العمل، ومن ناحية أخرى فإنها تسمو بالأهداف وترفعها إلى أهداف عامة وتحولها إلى حوار مجتمعي كان من الممكن لهذه الأهداف أن تبقى قضايا غائبة لا يلتفت إليها الرأي العام ولا الفاعلون السياسيون.

رئيس الجمعية المصرية للتنمية العلمية والتكنولوجية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات