الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية بين المفهوم والتطبيق /7 ...رؤيا الانتقال

خليل صارم

2006 / 7 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


رؤيا الانتقال -
- إذاً فإن انتقالنا الى الحالة الديمقراطية لايمكن أن يتم إلا عبر قوانين تمهد لها بشكل تدريجي بحيث يهضمها المجتمع تدريجياً لتكون البديل الثقافي لموروثه القمعي . مع أننا في سورية وقبل ماينوف عن خمسة عقود كنا نعيش حالة ديمقراطية متميزة وكنا مجتمعاً علمانياً منفتحاً قياساً الى المرحلة الحالية ولم تؤثر في تلك الحالة كثرة الانقلابات والانتكاسات الديمقراطية بين الفينة والأخرى والتي لم تكن ذات تأثير يذكر على حالة المجتمع حتى دخولنا مرحلة الوحدة حيث علقت القوانين والدستور الذي كان يضبط إيقاعات المجتمع لحساب قانون الطوارئ استكمالاً لموروثنا القمعي المخجل . وعدل الدستور على أساس أن يتلاءم ومستجدات العصر لكن الدستور القديم بقي أفضل . ومع ذلك فإن هذا الدستور الجديد والذي طرح للاستفتاء واعتمد منذ مطلع سبعينات القرن الماضي . أكثر من كاف لنقل المجتمع الى حالة متقدمة من التعود على مفاهيم الديمقراطية والحرية فهو يضم حرية الرأي والمعتقد وحق النشر وحق التظاهر والانتخاب وكافة الحقوق المتوفرة للمواطن في أرقى الديمقراطيات لكنه لم يطبق على أرض الواقع لحساب قانون الطواريء والقوانين الاستثنائية . ورغم ذلك نرى من يقدم للمحاكمة بتهمة مخالفة الدستور فإذا كان النظام لم يطبق دستوره وفي ذلك مخالفة قانونية للدستور فكيف له أنم يحاكم الآخرين بتهمة مخالفة الدستور .؟. صحيح أن مرحلة الوحدة قد شهدت تعاظم موجة المد القومي لكن الوجه السلبي لتلك المرحلة يكمن في القضاء على حالة الازدهار الديمقراطي واعتقال الحرية والتي استمرت حتى أيامنا هذه بزعم أن حرية الوطن الكبير هي سابقة على حرية الفرد مع أن حرية الأوطان بحاجة لفرد حر يحميها ويدافع عنها وينتزعها . ومصيبتنا أن وأد الحرية الفردية وديمقراطية المجتمع قد تقدم وتطور مترافقاً بشكل عكسي مع حالة التطور الإنساني التي شهدتها باقي المجتمعات لتتفنن الأنظمة في القمع والحجر على مجتمعاتنا . وهذه انتكاسة تسببت في ابتعاد المواطن عن دائرة الاهتمام بالشأن العام ايثاراً للسلامة وعادت القيم السلبية للانتشار في المجتمع انتشار النار في الهشيم الأمر الذي زاد في تفكك هذه المجتمعات وانهيار قيمها تحت ستار زائف من الأخلاق والتدين الأكثر زيفاً لاأكثر ولاأقل في حين أن الفساد قد نخر في العمق بعيداً مكتسحاً معه ماتبقى من منظومة القيم الأخلاقية لنتحول الى مجتمعات هشة قابلة للكسر والتشظي الى أبعد الحدود . ولو أن مرحلة المد القومي قد ترافقت مع تدعيم لمفاهيم الحرية والديمقراطية نصاً قانونياً وروحاً لتغير الوضع ولاكتملت حالة النهوض المجتمعي , ولما كنا شهدنا هذا الوضع المزري الذي نعيشه الآن . ذلك أن مرحلة النهوض القومي والتي اقترنت بالتقليد الاشتراكي المزيف وجرى تطبيقه بالقوة والعسف ترافق مع ديكتاتورية قاتمة مظلمة للدولة التي احتكرت كافة الموارد وجهود المجتمع . والغريب أن حزب البعث في سوريا كان من جملته إداناته لمرحلة الوحدة وأسباب انهيارها هو أن مرحلة الوحدة ألغت الأحزاب وحظرت نشاطها . فكيف يقع في نفس المطب منذ استلامه السلطة في العام 1963 ولغاية مطلع السبعينات مع تأكيدنا على أن حالة الجبهة الوطنية التقدمية التي أنشئت في مطلع السبعينات . كانت وماتزال مجرد مشاركة محدودة وليست تقاسم سلطة ديمقراطي يتم تكريره وتنقيته لغاية أن يأخذ الشكل الكامل عبر انتخابات حرة ونزيهة وبالتالي وبمرور الوقت تكلست هذه الجبهة وتكلست التنظيمات المشاركة فيها مكتفية بما حصلت عليه من مكاسب . من خلال تكلس القيادات التي استمرأت هذه المكاسب واحتكرتها لمصالحها الشخصية , فترهلت وترهلت معها أحزابها وباتت عاجزة عن رفد تنظيماتها بدماء جديدة شابة تحمل أفكار العصر وتتناغم معه . من هنا بدأ الفساد إضافة لأسبابه الأخرى يزداد انتشاراً ويشد الى ثقبه الأسود بقية أطراف الجبهة والقوى الأخرى الطامحة للمشاركة وبشكل حاد حيث وجد المسؤول بين يديه كم هائل من الموارد يتصرف به مستنداً في عدم خوفه من الحساب والعقاب الى حالة الموالاة المنافقة التي استثنته من الوقوع تحت مطرقة القانون الذي لم يطال الا المشكوك بولائهم وهؤلاء المشكوك بولائهم كانوا حقيقة من أصحاب الخبرات والأكثر اهتماماً بالمجتمع والوطن وكانوا حجر عثرة في وجه رموز الموالاة الذين لايملكون أدنى حظ من الثقافة والالتزام الوطني المطلوب ( ولاأدري اذا كانت الثقافة تقاس بالشهادات العلمية ) الأمر الذي أدى الى إقبال منقطع النظير على شرائها من جامعات تافهة بحفنة من الدولارات لتظهر طبقة من القيادات والمسؤولين لاعلاقة لهم بأية ثقافة أو خبرة والحقيقة أن ضحالة ثقافتهم تدل عليهم مع ذلك يتباهون بلقب (دكتور ) الذي دفع ثمنه مالايزيد عن خمسة آلاف دولار . .لقد أصبحت القاعدة السائدة بين المواطنين هي أن الشريف والمخلص صاحب الخبرة مرفوض في حين أن المطلوب هو الأكثر لصوصية وفساداً حتى غدت هذه المقولة أشبه بالمسلمة يدعمها مايصدر عن السلطة من سلوكيات تؤكدها فقد كان الفاسد يستبدل بالأشد فساداً الأمر الذي زاد من حدة انتشار الفساد . والذي قام بدوره بتدمير مابقي من قيم في المجتمع في ظل تراكم فظيع لإنتاج روتين بيروقراطي أشد ظلاماً من الظلام نفسه . روتين وتعليمات بيروقراطية مزاجية بعيدة عن القانون والمنطق . شخصية وخاصة بكل من يتولى منصباً أو إدارة حتى صارت الدولة عدة دول وحتى الوزارة الواحدة عدة وزارات لأن كل إدارة فيها لها تعليماتها الخاصة بها والمتميزة عن مثيلاتها في نفس الوزارة وحسب الدعم الذي يتمتع به هذا المدير أو ذاك .؟.
- إذاً فإن المطلوب أولاً هو استعادة ثقة المجتمع بنفسه وبوطنه حتى يقبل الدخول في حالة التحول الديمقراطي من خلال اقتناعه بصدق وجدية هذا التحول ذلك مع تشرذم وضعف القوى التي ترفع شعارات العلمانية والحرية والديمقراطية وتزعم الإيمان بها . لذا فان التصدي لهذه الحالة أو التمهيد للانتقال يجب أن يتولاها كبار المثقفين والباحثين الذين هم رموز الديمقراطية والحرية , وهؤلاء موجودين فعلاً وهم يحوزون على ثقة المجتمع وقواه الديمقراطية العلمانية والبعض منهم في السلطة . وهؤلاء تختفي أصواتهم في زحمة الضجيج التي تثيرها معارضة تافهة مشكوك بوطنيتها تقبع في الخارج وموالاة منافقة متخلفة فاسدة تسيطر على كل شيء وعينها ماتزال على مابقي من فتات .
- إذا كانت السلطة ستتصدى لهذا التحول فعليها وقبل كل شيء أن تقوم بتنظيف نفسها من قوى الفساد التي تعشش في زواياها وتتقدم ببرنامج إصلاحي متكامل لتستعيد ثقة المجتمع وعليها أن تدخل في حوار شامل مع قوى التحرر والديمقراطية والعلمانية عبر النقاط المشتركة بين هذه القوى والقوى الشريفة في السلطة تبدأ من التفاهم على نقاط مشتركة لمكافحة جدية للفساد وتنتهي بالأسس التي ستبنى عليها عملية الانتقال الديمقراطي السليم وفق قواعد الحرية السليمة التي يحميها قانون يعتني بأدق التفاصيل ولايمكن التجاوز عليه لأية قوة بما فيها السلطة التي يجب أن تخضع لقواعد ومفاهيم الديمقراطية السليمة . وعليها قبل كل شيء أن تتوقف عن غض الطرف عن نشاط القوى الدينية التي تتظاهر بالخضوع لمنطق العصر في حين أنها تخفي القوى المتشددة والتكفيرية تحت عباءتها والتي تضخ مفاهيماً متشددة في المجتمع ذات طابع تقسيمي مذهبي وخرافات وتحريفاً للدين لايهدأ وبشكل يومي ومستمر . فهذه القوى عبر تاريخها كانت تلجأ الى الغدر فور توفر الفرصة الملائمة لها وعينها دائماً على السلطة حتى ولو تسببت بتحطيم المجتمع كله . في الوقت الذي كانت فيه قوى الحرية والديمقراطية والتطور في المجتمع خاضعة فيه لرقابة قاسية متشددة تحصي عليها أنفاسها . الأمر الذي جعل الساحة مفتوحة لقوى الانحراف الديني لتستنسخ نفسها ثم تضخ مفاهيمها في المجتمع وترسخ فيه أسس التقسيم والتشظي مستغلة ردة الفعل من الفساد وتوسعه والذي ثبت بالفعل أن هذه القوى الدينية هي من أكثر المشجعين عليه وعلى استمراريته وتطوره لتستفيد من ردود الفعل .
• ان ماتحدثنا عنه سابقاً يقتضي البحث في تجاوزه وعلاجه تمهيداً لاجتيازنا عتبة الديمقراطية الى ساحتها ويفرض على نخبنا أن تراعي كل ذلك عند محاولتها طرح البديل الديمقراطي العلماني كي لاتستغل قوى التخلف والظلام أية ثغرة لمهاجمة مفاهيم العلمنة والحرية والديمقراطية كما تفعل الآن وماتضخه من أكاذيب تلصقها بالعلمانية وعلى رأس ذلك اتهامها بالكفر والإلحاد وعلينا أن لاننسى أن قوى التدين المنافق هذه قد وقفت نفس الموقف ضد التعليم في النصف الأول من القرن المنصرم ووصمت التعليم بأنه كفر والحاد وخسارة للأجيال .وتابعت بشكل تصاعدي وقوفها بوجه كافة الأفكار المتطورة . فالوحدة كانت احتلال والاشتراكية كفر والحاد وإباحة وزندقة , كذلك الآن الديمقراطية والعلمانية , وكلها أكاذيب تبتدعها هذه القوى لضمان بقائها في الشارع تتربع على اكتاف البسطاء وتوجههم لتحقيق غاياتها الدنيئة
• عليها أن توضح سلبيات الواقع ليتمكن الشارع من المقارنة السليمة ويدلي بقراره طالما أن مفاهيم العلمنة والحرية والديمقراطية لاتتعارض والبعد الروحي السليم بل تتبناه وتحميه وتحترمه على عكس مايضخه رجال الدين من أكاذيب عن معنى ومفهوم العلمنة لتخيف الشارع باتهامات الكفر والالحاد . عليها أن توضح التناغم التام بين الإيمان الصحيح وحقائق العلمنة وأن معنى لادينية الدولة يعني ايجاد الدولة المحايدة والمؤتمنة على الدستور والقانون التي تقف على قدم المساواة من كافة الأديان والمذاهب في المجتمع وأطيافه وأثنياته لتمنع طغيان الأكبر والأقوى على الأضعف وإلزامه بمفاهيم متطورة . راقية وإنسانية .. تصون حرية الفرد والمجتمع حتى ولو كان مسؤولي هذه الدولة ينتمون الى طيف واحد فإن الدستور والقوانين تلزمهم بموقف محايد من الجميع . وأن دور الدولة في ظل العلمنة هو حراسة تطبيقات الدستور والقانون والالتزام بالبرامج التنموية الأفضل والتي تحقق تقدم المجتمع ورفاهيته الى جانب حماية الوطن . وأنها غير قادرة على أي تعديل في القانون والدستور إلا بموافقة كافة الأطياف عبر ممثلي هذه الأطياف أو الحصول على موافقتها عبر استفتاء يؤكد ذلك . وان نسب التمثيل تمنع تحكم أي طيف في المجتمع .
• عليها أن توضح أن العلمنة تعني الحرية التي تطلق إبداعات المجتمع وتحمي منظومته الأخلاقية وتعيد اليها وجهها الصحيح بعيداً عن الزيف المترافق مع القمع والإرهاب المادي والمعنوي والفكري الذي رسخ فساداً متوارثاً عبر التاريخ و قيماً منحرفة جعلتنا نقف على هامش الحضارة والتقدم . فنحن مستهلكين للحضارة دون أية مساهمة في إنتاجها . لذا فان العلمانية هي خشبة الخلاص والمنقذ الوحيد لنا من التلاشي الذي تدفعنا اليه قوى التشدد والظلام بالتعاون مع القوى العالمية التي تقف منا موقفاً معادياً وعينها على أوطاننا بما فيها من ثروات وإمكانات
• والأهم من ذلك كله عليها أن تخاطب الشارع بلغته ليتمكن من التواصل معها وتقبلها ليخرج المجتمع بمفاهيم مشتركة واضحة لالبس فيها ولامجال للتأويل المنحرف كما حدث مع المقدس ومفاهيم الإيمان .
• وعليها أن توضح أن الديمقراطية تتقدم دوماً بالحلول المسبقة لكافة الأزمات المتوقعة في المجتمع وعلى كافة الأصعدة ( الاقتصادية – الاجتماعية - الثقافية– السياسية ) وبشكل تنأى فيه بالمجتمع عن الدخول في هذه الأزمات دون أن تهدر إمكاناته وموارده عبثاً .
- ( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز