الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوساطة الروسية في ملف كاراباخ

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2020 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


بالنسبة لوساطة روسيا في حرب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان

قلت في السابق أن روسيا تميل للجانب الأرمني ولكن بشكل دبلوماسي هادئ وبعيد عن خرق القانون الدولي، فهي وإن كانت تعترف بأن إقليم "ناجورنو كاراباخ" أذربيجاني لكنها في ذات الوقت تعارض السيطرة عليه بالقوة واحترام هوية الإقليم التاريخية..

شئ أشبه بمطالب (ضمنية) تقول بضرورة الحكم الذاتي للإقليم فيدراليا أو كونفيدرياليا، والفارق أنه لو كان الحل فيدراليا فالإقليم الأرمني ليس تابعا لأرمينيا الدولة بل أذربيجان..لكنه يظل إقليم أرمني الهوية ضمن ولاية ذاتية أشبه بطريقة حكم الولايات المتحدة، ولو كان الحل كونفيدراليا فالإقليم لن يتبع أذربيجان سوى بالإسم، إنما كافة شئون الدفاع والثروة والسلطة والثقافة والمجتمع وكل شئ هي ملك للأرمن في الإقليم، وأعتقد أن أذربيجان تحارب هذا الخيار الثاني..لكنها يمكن أن تتفاوض حول الخيار الأول..

روسيا حققت 4 انتصارات عسكرية وسياسية كبرى خلال ال 20 عام الماضية، وهي الآن في مكان أفضل بكثير مما كانت عليه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والخمسة انتصارات هي ( حرب الشيشان – حرب جورجيا – حرب سوريا – ضم شبه جزيرة القِرَم) وهي الآن تدخل على استحياء في ملفين (ليبيا والقوقاز) سبق أن استضافت حوار بين خليفة حفتر والسراج، الآن تستضيف حوار بين أرمينيا وأذربيجان، ومن خلال هذا التاريخ والتوجه يتبين الآتي:

1- روسيا تمارس كل صنوف القوة من (السياسة والعسكرية) لكنها لم تمارس بعد الجانب الاقتصادي وتجعله أداة لخدمة القوتين السابقتين، يعني وارد أن تجعل سلاحيّ (الغاز والنفط) الروسي ضمن شروط الحل في أي ملف سياسي، لكنها تبعد كثيرا عن قصص الدعم والمنح المشروطة وغير المشروطة لعوامل منها تواضع الاقتصاد الروسي من جهة الإنتاج مقارنةً بالولايات المتحدة والصين..

2- ظهرت هاتين القوتين بوضوح في الملف السوري، ففي الوقت التي حسمت فيه الجانب العسكري وعادت أكثر من 80% من أراضي الدولة للحكومة، هي الآن تتفاوض على الباقي مع تركيا الراعي الرسمي لجهاديين إدلب سياسيا، وتركيا وافقت على هذا الدور الروسي مقابل بعض الملفات الأخرى كضمان توفّر الطاقة الروسية والإيرانية كبديل عن الخليج الغاضب من تركيا الآن، وكأوراق مساومة في ملفات أخرى كليبيا والقوقاز، أي أن تدخل تركيا في حرب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان قد تتجاوز أبعاده قصة الإقليم المتنازع عليه لمساومة بين تركيا وروسيا حول دور بشار الأسد في مستقبل سوريا.

3- روسيا قبل أن تدخل الحرب السورية ظهرت بمظهر المحايد والوسيط (الإيجابي) لصالح القانون الدولي، لكنها حتى الآن لم تظهر بهذا الشكل في ليبيا والقوقاز، هي تُعلن نفسها محايدة إيجابية نعم ولكن ليس لصالح القانون الدولي..فهي تميل للمعارِض خليفة حفتر ضد الحكومة الليبية المعترف بها، وتميل أيضا لرؤية الأرمن ضد اعتراف الأمم المتحدة بأذربيجانية ناجورنو كاراباخ، وهذه المفارقة أضعفت حضور روسيا في كلا الملفين ..وبالتالي كان طبيعي أن الملف الليبي يحسمه تدخل الجيش المصري بوضع خط أحمر بين سرت والجفرة، مقابل تدخل الجيش الأذربيجاني بكل قوته ليفرض أوضاع جديدة على الأرض تساعده في المفاوضات.

4- هذا يعني أن احتمالات نجاح الوساطة الروسية بين الجيشين الأرمني والأذربيجاني تشبه لحد كبير فشل وساطتها بين حفتر والسراج، والمعيار الحاكم هنا (تردد بوتين) والأيد الروسية المرتعشة التي تهاب من العقوبات الدولية أو من فك تحالفاتها وصداقاتها الرافضة للانقلاب على الشرعية والقوانين.

روسيا كما خسرت أوكرانيا في الثورة البرتقالية 2005 خسرت قبلها دول البلطيق الثلاث "أستونيا وليتوانيا ولاتفيا" بانضمامهم لحلف الناتو عام 2004، وبالتالي صار أي وجود عسكري غربي في تلك الدول يشكل تهديدا مباشرا لروسيا، وعليه جرى تفسير أن رغبات أمريكا والناتو نشر صواريخ في دول البطليق ورقة مساومة بين الطرفين، فهي لا تريد في المقابل أن يتحول القوقاز لورقة مساومة غربية خصوصا بعد تدخل تركيا – العضو أيضا في الناتو – لصالح أحد الأطراف، ويهمها جدا أن يظل الوضع في القوقاز هادئا أو ينتهي لمصلحة روسية كما حدث بسياسة "النَفَس الطويل" في سوريا ، وسياسة "الحسم" في أوكرانيا وجورجيا والشيشان"

يهم أيضا روسيا أن لا تفقد تركيا كصديق وحليف – أحيانا – فتركيا تمثل المدخل الأخير والوحيد لأوروبا جنوبا بعد فقدان دول البلطيق الثلاث وأوكرانيا، ولكن الميل الروسي لأرمينيا والذي ظهر في مناورات قفقاس 2020 العسكرية الضخمة في أوائل سبتمبر الماضي يقلق الأتراك ويشكك في نوايا روسيا بالوساطة، فتلك المناورات ضمّت الجيش الأرميني مع روسيا والصين وإيران ودول أخرى، لكنها لم تضم أذربيجان ..وهذا شجع تركيا لدعم أذربيجان عسكريا في إشعال ملف "ناجورنو كاراباخ" فلا يستبعد أن الرد التركي على تجاهل أذربيجان من المناورات تمثل في إحياء قضية كاراباخ سياسيا لكي تصبح ورقة تركية ضد بوتين، وهذا ما يفهمه الروس أصحاب القوة السياسية التي انتهوا بها في القرن وسوريا، وقرروا بدء المواجهة مع الأتراك مرة أخرى بشكل سياسي.

وهذا يدل ربما على تغير في الموقف الروسي من قضية كاراباخ يحاكي أو يقاوم الحضور التركي في القضية الذي ظهر جليا في دعم أذربيجان بمقاتلين سوريين من خلفيات تركية كالتركمان، إضافة لطائرات إف 16 التي اعترف بوجودها اليوم الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" في مقابلة له مع قناة cnn الأمريكية مُدعيا أنها لا تشارك في الحرب لكنها طائرات تركية موجودة في بلاده أنكرها في السابق واضطر للاعتراف بها بعد كشف الأقمار الصناعية عن وجودها، إضافة لدعم تركيا للجيش الأذربيجاني بكمّ كبير من الطائرات المُسيّرة والشحن الإعلامي والديني – أحيانا – وبالطبع في ظل هذا الحضور القوي لتركيا في ملف كاراباخ أن يتعامل الروس معه بواقعية مفرطة بعيدا عن الشعارات، وفي تقديري أن الكرملين حاليا يعكف على إيجاد خطة روسية كبرى تتضمن كيفية احتواء ومواجهة هذا الخطر القوقازي من الجنوب..

هدف روسيا إذن هو إظهار قدرتها على التوسط والحضور الدبلوماسي الذي هو مقدمة لإحياء القوة الروسية القديمة في عهد القياصرة والسوفييت، وهذا ربما يكون ملحوظ وبشكل استثنائي حيث أن روسيا تقريبا من الدول القلائل في العالم التي يُذكَر إسمها في أغلب مشاكل العالم إما كطرف وإما كداعم وإما كوسيط..بينما انحسر الوجود الأمريكي في القوقاز وأوكرانيا وجورجيا وليبيا والآن ينحسر من سوريا بالتدريج، لاسيما أن هذه الصورة التي بدى عليها العالم تدل على رغبة روسية في إحياء نفوذ إمبراطوري بائد وحضور سياسي وعسكري للدولة سيخدم بشكل مؤكد طموحات روسيا في الهيمنة الاقتصادية التي تأملها في المستقبل.

والهدف الأخير لروسيا من الوساطة هو سد الفراغ الناجم من ضعف القوى الكبرى، فلا أمريكا ولا الاتحاد الأوروبي أو مجلس الأمن قادرين على حل المشكلة، حضور روسيا هنا سيمثل استبعادا نهائيا للنفوذ الأمريكي..وكما نجحت روسيا في طرد النفوذ الأمريكي من وسط وغرب وجنوب سوريا وحصره في شرق الفرات معزولا - ردا على طردها سابقا من البلقان - هي الآن تنجح في ملء الفراغ الأمريكي بعدة ملفات ..ليبيا كانت الأولى وحاليا القوقاز مع اختلافات بسيطة تخص الجوار الجغرافي والدين والقومية واللغة..فالليبيين أبعد للروس من القوقازيين وحجم الاهتمام الروسي بجيرانهم مؤكد سيكون أكبر..خصوصا وأن المصلحة الاقتصادية العليا حاضرة مع أصدقائهم في إيران والصين..

ما ستسفر عنه المفاوضات متوقع..لكنه من المبكر تحديده، إنما روسيا هذه المرة تريد الحل في إطار يحقق مصلحة روسيا العليا أولا في الداخل والخارج، وبما لا يخل مع توجهات روسيا السابقة في دعم "كاراباخ أرمنية الهوى" ضمن كيان أذربيجاني أكبر لم يُحسَم شكله، إنما المؤكد والذي وصلت إليه روسيا وإيران مؤخرا أنهم يعترفون بأذربيجانية الإقليم طبقا للقانون الدولي، لكن الحوار والمفاوضات حول وضعية الإقليم وشكله سياسيا لن تتوقف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس