الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرةٌ للموتى «قصة قصيرة»(1)

مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)

2020 / 10 / 11
الادب والفن


في مكانٍ بعيد عن حدود المدينة وتضاريسها المعقدة،بعيداً عن زحمة الأحياء وضوضائيتهم وضجيجهم،بعيد عن فوضويتهم وحركتهم المستمرة
هدوء وسكينة ما يُعطي الطابع السائد لطقوس المقابر ومكانها،لا أصواتٌ هنا ولا حركة ،إلا حركة الريح التي تموج بالعراء وتتحرك بسهولة وحرية بين أغصان الشجر ونباتات الورود المحيطة بالقبور
قبور بُنِيَت على خطوط أُفقية بتنظيم هندسي ليس عشوائي كمساكن الأحياء ،ليَسهُل على الأحياء التعرُف على قبور موتاهم.
لا أرقام هنا ولا عناوين ، الشخوص ونوع النبتة حول القبر ما يُميز القبر عن الآخر،وتختلف أشكال القبور وحجمها وطريقة بنائها ونوع الزرع والنبات حولها، فهذا القبر لرجل عاش ثمانون عام،وذلك القبر لطفل عاش يومين
وهذا القبر لفلان وكنيته،وذلك القبر لفلان ومكانته ، الأحياء هم من اعطى القبور حجمها ومكانتها ، ولكن هؤلاء الأموات لا يقسم بينهم سيئ فمه جميعاً أموات ،وبغض النظر كم عُمر الميت أو حجمه ومكانته في الحياة
لا فرق هنا بين الكُنية والمكانة ،لا فرق بين نوع الموت ، الجميع هنا أموات يرقدون بسكينة وسلام بعيداً عن الأحياء.
***
تأتي جموع ومجموعات من البشر تُفرِغ حمولتها من الأموات وتذهب، عويلٌ ودموعٌ ومناجاة ، هذا ما يستطيع ان يفعله الأحياء للأموات ، الكل يثرتر ويتكلم ،ينظرون إلى تلك الحفرة بحزن وألم ،ما عدا الميت فهو صامت ينظُر وينتظِر.
وما أن وضعوه في أعماق الحفرة ،وجرفوا التراب فوقه ،حتى مضوا يتركونه خلفهم وحيداً ،يصيح بهم أين انتم ذاهبون؟ ولماذا تتركوني هنا؟ أرجوكم لا تبتعدوا ولا تتركوني وحيداً.
بقي يتمتم ويهذي لنفسه ،ولم يعد يرى أحد ،فالكل إختفى عنه وعن المقبرة،صرخ الكثير ونادى الكثير حتى تعب ويأس،حينها قرر أن يموت بسلام وهدوء،فقد أيقن انه مجرد إنسان للتو مات.
***
دخل في غيبوبة تُشبه نقطة ضوء في أفق بعيد،تصل نهايته إلى كتلة ضبابية غامضة،يسأل نفسه أين أنا وماذا يحدُث معي؟ وما هذه الأشياء حولي ،يبقى يتسائل ،ربما أنا أحلُم!أو ربما أني أحلُم بأني أحلم!
فذه الأشياء حولي غامضة وغير مفهومة ، إلى أين تأخذني هذه الجاذبية البطيئة نحو الأسفل؟ إني أرى الأشياء من حولي وأعرف من أنا ولكني لا أعرف أين سأسقط ومتى!
ثمة ساحة كبيرة تشبه السهل المستوي دون تضاريس أو معالم،دون أشجار أو جبال ،سهل تملأه الأعشاب القصيرة الخضراء، تتمايل طوعاً لحركة الريح المستمر دون توقف.
مكان يبدو أن ليس له نهاية أو حدود،فكل الاتجاهات لا ترى هنا سوى الأشياء نفسها ومتشابهة ، ساحة كبيرة ، سهل مستوي ،لا تستطيع أن تحدد المكان أو ان توصفه ، يمشي بكل الإتجاهات دون جدوى
يمشي ويقطع مسافة طويلة باتجاه اللاشيئ أو العدم ،يحاول أن يميز شيئاً ربما رآه من قبل ،يحاول أن يفك لغز وجوده في هذا المكان ،ويبقى يتمتم لنفسه ،أين هذا المكان على هذه الكرة الأرضية ! ومن جاء بي إلى هنا؟
يحاول من جديد ان يحدد الأشياء في هذا المكان الغامض الفارغ من كل شيء الا من أعشاب قصيرة تتمايل بكل الاتجاهات وريح لا يتوقف عن الصفير،يصرخ ربما يسمعه أحد أو يجلب إنتباه كائن حي أو حيوان أو طير،
لا يسمع سوى صوته وصفير الريح المستمر، يجُن جنونه وبدا وكأنه فقد عقله ،وبدا من جديد يهذي لنفسه ويكام حاله ليواسي أفكاره الشاردة ، لعله يجد جواب لهذا الغموض من حوله،
يُتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل