الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدى السنين – 2 قصرت العقول بمقدار طول اللحى !

علاء الزيدي

2003 / 4 / 28
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

في دولة الكويت ، يفاجأ القادم من جحيم الشمولية البعثية ، مطلع الثمانينات ، بعالم منفتح وديموقراطي . يأتي من بلد الحزب الواحد والرأي الواحد والجريدة الواحدة ( وإن بنسخ متعددة اسمها الثورة والجمهورية والراصد ) والمجلة الواحدة ( وإن تعددت أسماؤها فهي ألف باء أو الغباء بالتعبير الشعبي وحراس الوطن وآفاق عربية وإلخ … ) بلد الجوع رغم بحيرة النفط الكبرى الثانية في العالم . بلد البؤس رغم العشرين مليون نخلة . بلد الجدب رغم الرافدين وسهول الخير والسماء المعطاء . إلى بلد صغير في حجمه وإمكانياته – عدا البترول طبعا – لكنه كبير في تجربته وتنوعه وثرائه المادي والفكري والثقافي .

هنا ، كان أول ما طالبت به مضيفي العراقيين ، الصحف  . هذا هو إدماني في كل زمان ومكان . هرعوا فجلبوا لي كل صحف ذلك اليوم : الأنباء والرأي العام والسياسة والقبس والوطن . لم أرتح لموقفها من كابوس بلدي والحرب المفروضة والمرفوضة – ولهذا حديث ليس هذا وقته – بيد أنني أحسست بطعم الرأي الحر الحقيقي . فللمرة الأولى أرى هذا ينتقد ذاك ، وذاك يعنف هذا . لأول مرة ألمح رداء القدسية وقد أزيح عن جسد الوزير والرئيس والمدير والكبير  . لأول مرة في حياتي أشعر بنكهة الحرية اللذيذة . لكن ما يؤسفني حقا ، هو أن هذا الوضع مختلف اليوم بعض الشيء . فقد شاعت وسادت الأفكار السلفية الشمولية معظم مناحي الحياة الصحافية والفكرية والسياسية أيضا ، حتى طغت لغة التكفير والتفسيق والتخوين ، وقصرت العقول بمقدار طول اللحى .

و أذكر ، أنني كان لي ، في تلك الأيام العصيبة ،  بالنسبة لواحد مثلي ، مقيم بصورة غير قانونية في بلد آخر ، موقف ، مع العسف السلفي . في منطقة الرميثية بالكويت العاصمة ، تعرفت على شاب في سني حينذاك ، اطلع بشكل أو بآخر على هشاشة وضعي القانوني من ناحية الإقامة والسكن وما إلى ذلك ، فاقترح علي اللجوء إلى المسجد القريب ، أثناء حملات التسفير ، التي تقوم بها الشرطة ، بشكل مكثف بين حين و آخر ، والتي تطول المقيمين بصورة غير قانونية ، مثلي . كما أجاز لي ولصاحبي العراقي المقيم معي استخدام حمام المسجد للاستحمام وغيره من الشؤون ، في غير أوقات الصلاة ( ذلك لأن المساجد وحماماتها تغلق في غير أوقات الصلوات الخمس ) لكن هذا الأخ سامحه الله بادر إلى تحريض إمام المسجد علينا ، فور معرفته بحقيقة انتمائنا المذهبي ، وهكذا فقد دخل الحمام ودورة المياه أيضا حلبة الصراع الديني والمذهبي !
لقد اعتذر لي إمام المسجد ( مصري الجنسية ) وحارسه – فيما بعد – بأنهما بريئان من هذا التضييق اللاإنساني . قال الشيخ : أخشى أن يقطع السلفيون عيشي !

لكن العيش في الكويت ، كان ، من جانب آخر ، فرصة ثمينة للتعرف على شخصيات من طراز متفرد ، من مثل الصحافي والكاتب اللامع المرحوم الحاج باقر خريبط ، صاحب امتياز أقدم مجلة في الكويت ، ألا وهي مجلة " صوت الخليج " التي تأسست عام 1961 ، وكانت وما تزال بمثابة مدرسة صحافية تموج بالحياة والعطاء .

شخصان ، تركا أثرا في حياتي المهنية لا ينسى ، أولهما : هو هذا الحاج باقر خريبط ذاته . وثانيهما : أستاذي المباشر المرحوم السيد كمال الرضوي ، سكرتير ، ثم مدير تحرير المجلة المذكورة نفسها ، في حين لم يترك مدير تحريرها ( م . ع . ج ) في نفسي ، سوى ظل باهت لنقش على ماء !

من جملة ما تعلمته من الحاج باقر خريبط : أن الصحافة موهبة أولا ، وموهبة ثانيا ، وموهبة ثالثا . أما الدراسة فتدعم الموهبة ، لكنها أعجز من أن تخلقها . وهنا تحضرني مقولة للسيد عادل حمودة ، الصحافي المصري البارز ( مجلة الأهرام العربي ، العدد 46 ، 7/8/1998 ) جاء فيها أن : أساتذة الإعلام لا يملكون مهارات صحفية ، ومعظمهم عاجز عن كتابة الخبر . أنا مستعد أن أترك لأي منهم روز اليوسف ، ونرى كيف سيكون الأمر !

كان اسمي المستعار في المجلة " عبد الله الحسيني " . وكان الحاج باقر يرحمه الله يوجهني لاستلهام الدروس من حياة المفكر عباس محمود العقاد . كان يقول بالحرف الواحد : يمكنك يا عبد الله أن تكون اسما معروفا في ميدان الكتابة والصحافة والأدب ، بشهادتك الثانوية التي كان العقاد يتحسر على مثلها ، لكنه ، تجاوز الزمن بموهبته الفريدة ودأبه المتواصل على الدراسة الذاتية والبحث الثقافي المستمر .

لا ريب لدي ، في أنني قد خططت هذه الوصية الرائعة ، بحروف من ذهب ، و لم تغادر ذاكرتي طوال الاثنين والعشرين عاما المنصرمة .

------------------

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يهاجم مجددا مدعي عام نيويورك ويصعد لهجته ضد بايدن | #أ


.. استطلاع يكشف عدم اكتراث ذوي الأصول الإفريقية بانتخابات الرئا




.. بمشاركة 33 دولة.. انطلاق تدريبات -الأسد المتأهب- في الأردن |


.. الوجهة مجهولة.. نزوح كثيف من جباليا بسبب توغل الاحتلال




.. شهداء وجرحى بقصف الاحتلال على تل الزعتر في غزة