الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني عشر/ 2

دلور ميقري

2020 / 10 / 11
الادب والفن


عقدان من الأعوام تقريباً، كانا انقضيا على معاشرة أمّو لنورو حينَ تم الطلاق. كمعظم زيجات جيلها، لم يكن للحب شأنٌ هنا. بل ربما لنقيضه، البغض، كان الحظ الأوفر؛ ما لو علمنا أنّ امرأة الأب، سلطانة، شاءت أن تزيحَ من طريقها هذه الفتاة، المتسمة بالذكاء والحيوية والجسارة. إذ دأبت أمّو منذ فترة مبكرةعلى مواجهة المرأة القاسية القلب، دفاعاً عن شقيقيها الصغيرين، وذلك في غيبة الأب وراء مصالحه. مرات، انتزعت من يدها العصا، التي كان يرتجف إزاءها كلا الطفلين فرقاً، قبل أن تعمد للفرار إلى دار جدتها. ذات يوم، وكان فيّو بالكاد بلغَ السادسةَ من العُمر، كانت الجدة لديهم في المنزل. انتبهت للصبيّ، يفرك بحركة عصبية أذنه اليمنى، بينما أثرٌ مقيم من الدمع في عينيه. لما فحصت الأذن، راعها تغلغل الديدان فيها. فما لبثت أن أرسلت بطلب السيّد صالح، كي يوصلها بسيارته إلى الطبيب الوحيد لأهالي الحي، الكائنة عيادته في سوق الجمعة. ثمة، أبلغهما الطبيبُ أن الطفل سيفقدُ السمعَ تدريجياً ما لم تُجرَ له عملية جراحية عاجلة. حصلا منه على بطاقة توصية، لكي تجرى العملية في مستشفى الطليان بجنوب الصالحية. بيد أنهم، هنالك، وبعد اخضاعه لفحص دقيق، أعلنوا أن الجراحة لم تعد تفيد، واكتفوا بتنقية أذن الصبيّ من الطفيليات.
" كيفَ من الممكن أن ننسى لصالح، موافقته على زواج أبينا بشقيقته؟ "، كذلك قالت أمّو ذات مرة لصديقتها الوحيدة. عن طريق" فاتو " هذه، تم تناقل تلك الجملة المأثورة بين نساء العشيرة. لما وصلت لسمع كنّة الدار، رودا، فإنها ما أسرع أن أعادتها على مسمع من الأب: " إذاً أنا بمثابة الأسيرة بين أيديهم، إنتقاماً من عمتي سلطانة؟ أرأيتَ ما وراء سعيهم لتزويجي بشقيقهم، الأبله؟ ". بقيَ السيّد صالح مطرقاً برأسه، لا يدري كيفَ يهدّئ ثورة ابنته الأثيرة. قال أخيراً، متكلّفاً لهجة هادئة: " ما دمتُ أدُبّ على سطح الأرض، ليس بوسع أحد أن يضيمك. حموك رجلٌ محترم، لن يسمح أيضاً بالجور ". لم تقتنع الابنةُ بهذا الكلام المُطَمئن، فالتفتت هذه المرة إلى امرأة أبيها: " المسكينة بيروزا، معروف وضعها بين براثن ذلك الوحش. فهل تدخل والده، مرةً، ليرفع الظلم عنها؟ ". وبدون حاجة لسماع جواب، استدركت بنبرة عنيفة كأنما تتحدى أشباح أولئك المعنيين: " لكنني لستُ مسكينة مثلها، وسأهدمُ سقفَ الدار فوق رؤوسهم لو أرادوا اختبارَ صبري! ".

***
فاتو، هيَ زوجة الرجل الطريف الطبع، المدعو " حُوطيش "، يقع منزلهما على ناصية الدخلة، المؤدية إلى منزل المرحومة زَري ومنازل فرع عشيرة آله رشي؛ جيران السيّد صالح وأقرب أصدقائه. حوطيش، كان يمتهنُ بيعَ القهوة المرّة، المطيّبة بالهيل، إلى تجار سوق الحميدية. في أثناء العمل، كان ينثرُ أقواله الظريفة بهدف جذب الزبائن؛ فعل الحبوب مع حمام الجامع الأمويّ. في الزقاق، كان معبودَ الأطفال، بالنظر إلى كرمه ولطفه، يحيطون به في كل مرةٍ يظهر أمامهم. الابتسامة لا تفارق وجهه البشوش، المغطى نصفه بشاربٍ ثخين، دقيق من طرفيه، بينما تقرقع مع مشيته العجولة الأباريقُ النحاسية والفناجينُ الخزفية، المطوقة خصره بوساطة سيرٍ جلديّ ـ كما حال جنديّ الحرب الكونية، المدجج بالسلاح والذخيرة، الذي يبتسم لمصوّر وكالات الأنباء وهوَ في طريقه إلى جبهات الموت.
تعززت صلة أمّو مع فاتو، كون هذه الأخيرة من الجيران المباشرين لدار جدتها. كانتا تستعملان الكردية في الحديث، برغم أن إحداهما، فاتو، من ريف دمشق. ربما ضافرَ من صداقتهما، حقيقة عقم كل من المرأتين. منزل حوطيش، كان يمتد على مساحة شاسعة، يشغل قسماً منه ابنُ عمه، المقترن من شقيقته الوحيدة؛ " زينو ". على عكس مسلك قريباتها من آل سنجو مع أمّو، فإن شقيقة حوطيش كان تكن وداً كبيراً لامرأته فاتو. وإنها هيَ مَن فاتحت هذه الأخيرة بأمرٍ، على جانبٍ من الخطورة والسرية. ففي ليلة سابقة، حضرت إلى منزل زينو جدّةُ آل " سينكي "، وكانت قد خلّفت السيّدة سارة في مهنتها كقابلة الحارة. بعدما استأمنت فاتو على السر، حدثتها عن امرأة وضعت مولودها قبل بضعة أيام: " أنجبته سفاحاً، لأن والده رفضَ الاعتراف به. لقد انتقلت أصلاً إلى الحارة، هرباً من الفضيحة، وذلك عندما امتلأ بطنها بالجنين. الآن، ترغب بتسليم المولود لأسرةٍ مستعدة لمعاملته كما لو كان ابنها "، اختتمت القابلة القصة بهذا العرض. القصة، نقلتها فاتو بحذافيرها لحوطيش، منهية كلامها بالقول: " عدا عن أنه سيملأ بيتنا بالحياة، فإننا نكسب ثواباً بتربيته بدلاً من رميه في ملجأ الأيتام أو أن يقع بيد من لا يخشون الله فيه "
" حسنٌ، وماذا سنقول للناس لو سئلنا عن ذويه؟ "، سألها الرجلُ وقد ظهرَ التأثرُ في سحنته ورنّة صوته. ردت المرأة ببساطة: " نقول أننا بلا أولاد، لذلك جئنا بهذا الصبي من الملجأ ". هكذا استلما الطفلَ من القابلة في اليوم نفسه، تحت جنح الظلام. لكنهما ما لبثا أن أعلنا على الملأ وجوده لديهما، بالحجّة المعلومة، ثم أطلقا عليه اسماً مناسباً. كانت قد مضت بضعة أشهر على الحادثة، وقد دُفع بالصبيّ مجدداً إلى زينو كي ترضعه؛ هيَ من أنجبت حديثاً طفلةً، لم يقدّر لها العيش سوى أيام معدودات.
قالت أمّو لصديقتها فاتو، معلّقةً بأسى على القصة: " لم يكن ليتغيّر حالي مع بنات سنجو، حتى لو أنني أنجبتُ لنورو عشرة أطفال ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع