الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أتْقِنُ النِّسيانَ ولا أريد ، عشوائيات في الحب

سمير محمد ايوب

2020 / 10 / 11
الادب والفن


لا أتْقِنُ النِّسيانَ ولا أريد ،
عشوائيات في الحب
قبلَ أيام ، من شرفةٍ في مغاريبِ جبالِ البلقاء ، المُطِلَّة على فلسطين ، كنتُ وحيدا مع وخزةٍ في الصَّدر، أحلمُ عشوائيا ، وعينايَ ترقُب الشَّمْس وهيَ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا . وأنا أشعلُ أولى لُفافاتي ، وقعَ بصري المُمْتلئ بقرصِ الشمس ، على حاسوبي الشخصي أمامي ، فرأيتُ رسالةً تحتلُّ كاملَ شاشته المضيئة تُخاطبني ، فقرأتُ :
رغم أني أعرفُ كلَّ عيوبِكَ ، حارَبْتُ وجَعي لأجلِكَ ، حتى سكَنَ الكثيرُ مِنَ الليل ، وباتت الرِّيحُ أقلّ رعونة ، ولم أعُدْ على مفترق طُرُق. ولأنّك تعلمُ أنني لا أطيقُ النّسيان ، ولا أُجيدُه ولا أريدُه، سأخبرُكَ سرَّاً .
تُرْهِقُني وِحْدتي وتُشتِّتُني وتُبَعثِرُني . وأنتَ تتسلَّلُ مِنْ مُخيَّلَتي وظِلِّي ، أحسُّ باختناقٍ شديد . أعجزُمعه عن ترتيب صمتي . ويستعصيَ عليَّ الانعتاقُ مِنْ أبجدياتٍ وتفاصيلَ ما ملَّت إنتظارَك، ما زالت مرسومةً في قلبيَ ، على مقاساتِ لَهفتِك وضحكتك ومَواعيد عودتك .
أزِلِ العُصْبةَ عن عيونِ قلبِك يا هاجِر ، وأتركْ جانِبا حُزْنك ، وشُدَّ الرباط على تعرجات جرحك الظالم ، وتعالَ نَعُدْ مِنْ جديد . فلِلْحب يا والدَ وحيدَتِنا رقصةٌ ثانيةٌ بلْ وأكثَرْ ، دفاترُها مليئةٌ بأسطُرٍ لَمْ تُكتَب بعدُ ولَمْ تُقَلْ. لكَ كثيرُ هذا القلب، الذي اتسع مع كلِّ غيمةٍ أو هزيمة وادعةٍ عبرَت بِنا. بكَ العينُ مُمْتلئةٌ ، لَمْ تَنْظُر لغيركَ، وما زلتُ أشمَّ رائِحتَك في قهوتي .
أضْنَيتني بالهجر يا ظالم , لا تدعني أنتظر طويلا . عُدْ قبلَ أنْ تذبلَ أوقاتُنا. قُمْ وتَعالَ ، وقُلْ ليَ أينَ نُنْهي فراقَنا ، لأنْتَظِرَكَ هناك ؟!!!
وأنا أنزفُ وجَعاً ، تَمْتَمَتْ روحيَ قبلَ شفتايَ .
وبعد ساعاتٍ كُنا هناك ، فالتقينا.
وما أنْ سكَنَت أنفاسُنا واستكانت قلوبُنا ، قالت بِشغفٍ مُتعجِّلٍ كعادتِها : لِمَ هُنا، وفي كلِّ مساماتِ هذه الأرضِ ، لنا ذكرىً مُتمرّدة تُهامسنا ؟!
وهي تُحيط بظهري وتحتضن كتفي ، أجيتها بمذاقِ العِتاب: تبقى لبعض الأماكن نكهةً مُشاغبةً ومذاقا يلسعُ بهدوء. هُنا قبلَ ثلاثين عاما إلتقينا أوّل مرّة . تعاهدنا ونقشنا أسماءنا وظلالنا ، على شجرة البلوط هذه .
قالت بدلالٍ مُطْمَئنٍّ ولكنه مستَفِزٌّ : أمَا أضناكَ الحنينُ أيُّها الجبّار الظالم ؟!
قلتُ مُكابِرا : منذُ أنْ راقصتُكِ قبلَ عامٍ، في حفل زفاف وحيدتنا لابن عمها ، قرب سور عكا ، معَ كلِّ صمتٍ يذهبُ وآخرٍ يأتي، كانت وحِدَتي تزدادُ سوءً. تَشابهتِ المَواسم ، جَفَّ لِساني وتَصحَّرَتْ شفتاي.
كلَّما استدرجَني وجعٌ ، أو احتلَّني شوقٌ أو استبدَّ بيَ حنينٌ ، كنتُ أُحْسِنُ الظنَّ بما تبقى بيننا ، فأشمّ عطرَكِ رغمَ استبدادِ الجُغرافيا. ورغمَ خوفِ الذاكرة ترمِشُ عينايَ بسرعةٍ ويَزدَادُ نبضُ قلبي . وبِلا تفكيرٍ أشتري أقربَ المسافاتِ ، وأتسرَّب إلى ما نَقَشنا أوغَرَفنا مِنْ تَفاصيلٍ.
فَنَظرَتْ إليَّ ولَمْ تَقُلْ كثيرا .
مددْتُ يَدَيَّ، أمسكتُ أصابعها النحيلة ، وأنا بشغفٍ أهمسُ : وإن ابتعَدَتْ تضاريسُنا ونأتِ الدّيارُ بِنا ، فنحنُ حُلُمٌ يَخصُّنا وحدَنا، لا نحتاجُ معه وقتما نشاءُ لاستئذانِ أحدٍ ، وأينما نشاء وبالكيفية التي بها نشاء.
إقتربي ، فالمساحة بينَ ذِراعيَّ ما تزالُ لكِ وحدَكِ . إقتربي قبلَ أنْ يَمْتَصُّنا صمتٌ مُتَصحّرٌ لا يقوى على قولٍ ، أو صمتٌ كهلٌ لا يقوى على فِعلٍ ، أو صمتٌ مجنونٌ يقولُ غيرَ ما نُريد ، لا حَكاويَ فيهِ ولا ثَرْثرةً ولا وَميض. إقتَرِبي فربَّما لا تَتَّسِعُ أجراسُ العمرِ لابتعادٍ آخر.
الاردن – 10/10/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن