الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني عشر/ 3

دلور ميقري

2020 / 10 / 12
الادب والفن


بعد زواجه مجدداً بأقل من عام، داهمَ نورو مرضٌ مفاجئ، وما أسرع أن خطف روحه. قيل في ذلك، أنه لبثَ يكابد حزناً ثقيلاً على قلبه مذ طلاقه من أمّو. امرأته الثانية، كانت من ريف ماردين؛ استوطنت أسرتها في الشام في فترة متأخرة. هذه المرأة، وكانت بسيطة حدّ السذاجة، حملت في بطنها ابنَ نورو الوحيد، وستنجبه بعد رحيله عن الدنيا بأشهر قليلة. قريبة للمرأة، سبقَ أن اقترنت بابن عم نورو، وكانت تقيم معه في زقاق عشيرته. المرأتان، بقيتا لآخر العُمر تتحدثان باللسان الأم، فانعكس ذلك على الأبناء.
من ماردين، هاجرت أيضاً أسرةٌ ريفية، لتقيم في القسم الغربيّ من الحي. ابنتهم البكر، كانت تُدعى " أمّو "؛ وهيَ أرملة شابة، لديها أربع بنات. الطريق إلى قلب هذه الأرملة، تعرّفَ عليه آكو، شقيقُ السيّدة ريما، لما فكّر بتجربة حظه بالزواج للمرة الثالثة. مثلما أتى ذكره معنا فيما سلف، أنه عاشَ فترة طويلة مع امرأة غامضة، ملتبَسة السيرة، وذلك بعد قصة عشق قديمة: إنها خاني، وكانت أرملة بدَورها، أنجبت ابناً من زواج سابق. في وقتٍ من أوقات شبابها، عُدّت خطيبة لنورو، وكانت آنذاك تعيش في مقابل منزله، بحجرةٍ بائسة، حصلت عليها من شقيقتها الكبيرة؛ امرأة قاطع الطريق الأشهر، " حمّو جمو ". بقيت خاني في عُصمة آكو نحو خمسة عشرة عاماً، دونَ أن ترزق منه بذرية. عقبَ طلاقها، عادت إلى حجرة أيام زمان وكان ابنها، في الأثناء، يستعد للتطوع في الجيش.

***
طليقة نورو، كررت إذاً مع رودا أساليبَ النكد والكيد، التي مورست معها من لدُن بنات عمه. هذا مع أن فيّو رضخَ لطلب امرأته، لما حملته على أن يجعل المنزل مستقلاً عن دار والده، أينَ تقيم شقيقته الكبيرة على أثر طلاقها. في تلك الآونة، كانت أخت رودا الأصغر تعاني أيضاً من مشاكل مع هَدي، ولم تكن قد سُدت بعدُ فتحةُ الجدار بين قسمَي الدار. وإذا أمّو، العريقة في النزال مع بنات سنجو، تدخل على الخط دعماً لإمراة عمها. كونها مطلقة بلا أولاد، ملكت ولا غرو الوقتَ على سعته. أضحت تحضر إلى بيت العم الصغير في ساعات مختلفة من النهار، متحججة بالرغبة في مساعدة امرأته. هذه الأخيرة، نظرت في مبتدأ الأمر بمزيد من الحذر والريبة لهذا التطفّل على حياتها الخاصة. لكنها بالتدريج صارت ترتاح لوجود أمّو، بالنظر لفاعليته في جعل هَدي ترعوي وتلزم حجرتها.
" ليتَ محبتها لكِ تنعكس عليّ أيضاً، فتكفّ عن التدخل في شئوني "، قالت رودا لبيان ذات يوم. اجتمعتا في منظرة منزل الأخيرة، فيما البنات الصغار يلهون في مماشي الحديقة. كان الوقتُ صباحاً ربيعياً دافئاً، بددت فيه الشمسُ السحابَ وسادت مملكة السماء. عينا بيان، لم تكونا غافلتين عن الصغيرات، خشية التورط في خصام مع رجلها لو أنهن خضن في الأحواض أو قلبن أواني الزهور. رداً على أختها الكبيرة، قالت مبتسمة: " إنها ترتاح لي، لأنني من ذوات الطبع المسالم. على عكسك أنتِ! "
" يا أختي، ما لها ولطبعي طالما أنني أعيش في بيت مستقل؟ "
" مهما يكن، فإنها الشقيقة الكبيرة لزوجك، وعليك استقبالها من كل بدّ "، أجابت بيان. ثم استدركت بالقول: " أجدها طيبة القلب، ولقد هبت للوقوف في صفي مرة تلو الأخرى في نزاعي مع هَدي ". حدجتها رودا بنظرة استياء، ما جعلها تستطرد: " مع ذلك، أعدك بفتح الموضوع مع امّو وبطريقة مناسبة ترضيكِ ". كانت هذه سانحة، دخلتا من خلالها إلى حديثٍ آخر.

***
الحارة، كانت في تلك الأيام تلهجُ بحديث طلاق زينو، ولو أنه لم يكن مفاجئاً لكثير من العالمين ببواطن الأمور. كون أمّو الصديقة الحميمة لفاتو، فإنها كانت من أولئك الأخيرين. ومن ثم نقلت لامرأة عمها الصغيرة ما تناهى إليها، أولاً بأول. في يوم طلاق زينو من ابن العم، كانت ابنتها الكبيرة، " ناجية "، تجتاز سنّ المراهقة، فيما ابنة أخرى ما فتأت طفلةً بعدُ. الصبيّان، وكان أكبرهما في سن العاشرة، لحقا بأبيهما بناءً على طلبه، وذلك للعيش في دار الجد. الزوج كان موظفاً صغيراً، لكنه استمد الكثير من القوة والثقة بالنفس من عمه، العقيد محمود شوكت، المقرّب من الشيشكلي؛ رجل سورية القويّ. بدَوره، كان العقيد مقترناً من ابنة عمه، الدكتور " محمد خضر "، المعد من أوائل أطباء الشام. برغم ما قيل عن عقم امرأته، بقيَ وفياً لها؛ كونه ربيبَ العم، بالدرجة الأولى.
" زوج زينو، أعاد الصبيين لأمهما، لما أشيعَ عن نيته الإقترانَ مجدداً بفتاةٍ، تعرّف على أسرتها في زيارةٍ له إلى حلب "، أحتتمت بيانُ الحديثَ عن المرأة المطلقة. بقيت رودا ساهمة الفكر، منشغلةً بمتابعة لهو ابنتها مع ابنتي الأخت. قالت أخيراً بنبرة مريرة، معلّقةً على ما سمعته: " المرأة، عليها أن تدفن نفسها في الحياة لو كانت مطلقة أو أرملة. وفي مثل حالتي، أن تبتلى برجلٍ أبله وأصم وضيّق الرزق، يُحْسَب عليها زوجاً ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز