الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها العجوز: اجعل مسكنك المقبرة

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2020 / 10 / 13
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


كتبت منذ عشر سنوات مقالاً موثقاً عن كبار السّن داخل ، وعن حالهم مع الأبناء، لكن منذ أيام قليلة أثارني موضوع شخص من محافظة الحسكة رمى أمّه في الشّارع، هو لم يطردها. بل دفعها ، ودفع بحقيبتها خلفها، فوقعت ، صوّرها أحدهم ووضع صورتها وهي مرمية على الأرض على الفيس بوك . في الحقيقة أنّني لم أستغرب موقف الابن ، و لا حتى وضع الأم.
لا بد لي أن أتحدث عن غريزة الأمومة التي اعتبرها البعض خرافة ، حيث تقول الدكتورة كاثرين مونك عالمة النفس وأستاذ علم النفس الطبي في أقسام الطب والتوليد وأمراض النساء في كولومبيا: "تشير كلمة غريزة إلى شيء فطري - فطري أو طبيعي - يتضمن استجابة سلوكية ثابتة في سياق محفزات معينة". وهي لا تعتقد أنها كذلك أي أنها مكتسبة، وليست فطرية.
إن فكرة غريزة الأمومة تعني أن هناك معرفة فطرية ومجموعة من سلوكيات تقديم الرعاية التي تشكل جزءًا تلقائياً من أن تصبح أماً. قد نعتقد أن غريزة الأمومة هي ما يحفزنا على الرغبة في إنجاب الأطفال ثم نعرف بالضبط ما يجب القيام به بمجرد وصولهم. ومع ذلك ، فإنّ الأمّ أو أي شخص يقوم بتربية مولود جديد أو طفل يتعلم ممن خلال العمل ، ومراقبة ما يصلح وما لا يصلح مع كل طفل، و أن غريزة الأمومة خرافة كبيرة .أن الشخص ، بغض النظر عن جنسه أو توجهه الجنسي ، يمكن أن يكتسب في وقت مبكر شعوراً قوياً بطفله ويحافظ عليه طوال فترة نموه. لكن هذه القدرة لا تزال مختلفة عن غريزة الأمومة. يمكننا القول أن الارتباط بين الأم و الطفل، أو الأب و الطفل هو عملية معقدة ، قد يكون الطفل هو الذي يفرض وجوده ، ثم يتعلّق به الأبوان.
نحن توارثنا أن غريزة الأمومة فطرية، نتحدث عنها على هذا الشكل وتبرمج عقلنا الباطن على تلك " الغريزة " التي يسمونها خرافة!
نعود إلى السّيدة التي رماها ابنها إلى الشارع فسقطت، ومعها حقيبة ثيابها الصغيرة و القديمة ، وهي ليست استثناء، فالاضطهاد النفسي والجسدي لكبار السّن الذين يعيشون مع أولادهم هو أكبر مما نتوقع ، وهذه القصة ليست استثناء-وهنا أتحدث عن الوطن العربي بشكل عام، وعن سورية بشكل خاص.
الأفعال القاسية تتم دائماً من قبل الشخص الذي يستغل ضعف الآخر حيث يتعرض الأجداد لسوء المعاملة من قبل أولادهم ، أو أحفادهم، أو حتى في دور الرعاية، فأنت ضعيف، لم تعد محمياً.
قد تم التقليل من شأن هذه المشكلة ، بالعكس تماماً فإن كبار السن هم الضّحية، وككل الأحداث فإن المجتمع يقف ضد الضحية بطريقة ما، كالقول مثلاً : كان يتدخل في جميع الأمور. عليه أن يأكل ويشرب ، ويصمت.
يحدث الإيذاء النفسي أو العاطفي عندما يتسبب من يعيش كبير السّن في رعايته في ألم أو ضغط عاطفي، حيث يتم تهديده أو إذلاله أو مضايقته من خلال الأقوال أو الأفعال. ويخجل كبار السّن من البوح بالحقيقة.، فقط ينسحبون من الحياة، ومن مواجهة أبنائهم بالحقيقة، و يستعدّون للموت ، وقد لا يكون الموت أتى إليهم بالصدفة. بل بإرادتهم.
أرغب بالتنويه إلى البعض ، الذين يستشهدون" بالدّين الحنيف" ويقولون أنّهم يكرّمون آبائهم ، وهنا لا أعيب عليهم القول، لكن أغلبهم لا يعرف ماذا يجري داخل منزله، و أقصد هنا الرّجال ، فنادراً ما يكون للبنات دور في احتواء كبير السنّ، لسبب بسيط وهو أن الفتاة لا تعتبر من العائلة بعد الزواج ، ولن يقبل زوجها بالأمر، لن تكون أفضل أيضاً، فمن يقع ، و يضعف يكون وحيداً في ألمه.
هنا أرغب أن أبدي رأياً شخصياً، قد لا يكون صحيحاً:
أولاً علينا أن نعترف أن كبير السنّ سوف يكون في رعاية ابنه الذكر ، وهنا يدخل على الخط زوجة الابن، و الأطفال ، و لآن الزوجة و الأطفال غير راضين عن المعيل يمتعضون مما يفرضه عليهم ، فقد يسلم الرجل أمر العناية بأمه و أبيه إلى زوجته ، و يعتقد أن هذا واجبها، مع أنه ليس واجبها، لو فعلته تفعله بإرادتها، مع ضيق المعيشة يصبح وجود كبير السّن عالة ، لكن يمكن للابن الذكر تسوية الأمر سلمياً ، لكنه أحياناً لا يرغب، ويعتقد أنه آن الأوان لموت المسن.
لا أحد يبوح بالسّر من كبار السّن خوفاً على العلاقة الحميمة، لكنني رأيت بأم عيني كيف يسخر بعض الأحفاد من أجدادهم لو كانوا يعيشون معهم، بينما يحبونهم عندما يكون لديهم منزل مستقل ودخل، يتدلل الأطفال في بيوتهم، مع هذا قد يقاطع الأبن والديه تحت حجج كثيرة كي لا يرمون بحملهم عليه يوماً. شكا لي الكثير من المسنين ضيق عيشهم ، حتى أن أحدهم ، كان يجلس قربي أحياناً أمام باب الدّار قال لي: " لم أعد أصلي لأن أحفادي يسخرون مني عندما أفعل ذلك" لقد جردوه حتى من شعوره الدّاخلي بالإيمان .
يعتقد الآباء أن من حقّهم على أولادهم أن يعوّضوا لهم سنوات العذاب ، يحترمونهم ، ويقدمون لهم الرّعاية ، ويسمعون نصائحهم ، ويعتقد الأولاد " الذكور " وهنا أقول الذكور لأن البنات هامشيات إلا في بعض الاستثناءات ، وغير مسموح لهن ربما حتى بزيارة آبائهن لو كانا يعيشان عند أحد إخوتهم. الأخوة الذكور يعاملون البنات في هذه الحالة بشكل مهين ، فتمتنع الفتاة من تلقاء نفسها عن الزيارة، وتبدأ قصة التّشهير بالفتاة بأنها هي المخطئة.
من العبث أن تناقش الأولاد بحدود مهامهم تجاهك ، فهم قد ينتظرون أن تختفي ، ثم سوف يحبونك بعد الموت ، وكما نرى أن أغلب من عاملوا آبائهم بشكل سيء يتحدثون عن رضى الوالدين. طبعاً الحلّ يكمل في دور رعاية مجانية، وهذه الدور قد لا تخلو من التنمّر ، لكنه قد لا يزيد الحسرة في النفس مثلما يتنمر عليك ابنك، أو حفيدك.
أرغب أن أشير إلى الاضطهاد النفسي والجسدي للضعفاء في سورية، وربما لغير الضّعفاء حيث أصبح التمّر قيمة اجتماعية ، مجموعات تتنمّر على مجموعات ، أشخاص يتنمرون على أشخاص ، وبالنسبة لي أعتقد أنّ من الأفضل لكبير السّن الذي يغادر مكان سكنه ويعجز عن إعالة نفسه هو المقبرة، أصبحت المقابر في سورية مليئة بالزّوار كونها مليئة بالقبور ، و سوف يجد المسن العناية من قبل الغرباء. اجعل مسكنك المقبرة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معلومات عن مسعود بزشكيان الفائز برئاسة إيران


.. إضاءات حضارية- سيرة ومسار مع الدكتورة ألفة يوسف




.. فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة


.. وفاة المستشارة الخاصة بالرئاسة السورية لونا الشبل تثير جدلا




.. وزير الخارجية المصري: يجب العمل على الوقف الفوري والمستدام ل