الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا زلت جميلة

محمد عبد حسين
كاتب و روائي و مترجم عن الفرنسية

(Mohammed Abed Hussein)

2020 / 10 / 13
الادب والفن


" لازلتُ جميلةً "
قالت هذه العبارة وهي تجلس أمام المرآة على منضدة الزينة المكتظة بمواد رخيصة ؛ أصابع احمر الشفاه , أقلام كحل متكسرة , ماسكارا منتهية الصلاحية , أحمر الخدود و الكثير من زجاجات العطر الفارغة و المستعملة ....
تلك الجلسة اليومية التي تطول أو تقصر و لكنها تتكرر دون انقطاع منذ أن اصبحت حياتها باردة كفنجان قهوة تركه أحدهم في مقهى مغلق لعدم توفر الشروط الصحية أو كمسجد قديم يثرثر فيه الشيوخ الخراف و يبول به العابرون.
كل صباح .... تستيقظ مبكراً لكنها تظل في السرير تنظر الى الفراغ كأن عيناها تثقبان الجدار لكي تغادر هذا القفص الذي تحول بمرور الايام الى سجن مظلم.... وبعد أن تتأكد أن زوجها قد غادر البيت الى عمله و الاطفال الى مدارسهم تنهض من فراشها و تتوجه الى المرآة لتمارس طقسها اليومي و تنهيه بعبارة:
" لازلتُ جميلة"
ترتدي ثوبها الاسود ذلك اللون الذي أدمنته أمام الجميع و بذلك التصميم الذي تظهر من خلاله منطقة اعلى الصدر كاشفاً عن بياض جسدها الخافت و يتدلى واضحاً عِقدها اليتيم الذي لا يفارقها و بمكانه الدائم ليملئ الفراغ الذي تسمح به الحمالة المرتخية.
بعد أن تعد الفطور لنفسها و تجلس على الطاولة في مطبخها؛ تفتح هاتفها الذكي و تقلب صفحات الفيس بوك و قد تكتب منشوراً يفيض ألماً و ندماً على حياة أُجبرت على عيشها أو على أحبةٍ خفقت أجنحة الموت على رؤوسهم مبكراً ..... و بين السطور تنعى نفسها و أمالها التي تحطمت على صخرة زواجٍ فاشلٍ جسدياً و نفسياً و حبٍ ضائع في غياهب الفرص المفقودة.


كتبت ذلك اليوم:
" تعلمت في هده الحياة
أن جرحي لا يؤلم أحد في الوجود غيري تعلمت مهما احببت سوف تفقد تعلمت ان افرح مع الناس فليس لهم ذنب بجرحي تعلمت ان احزن لوحدي و اشكو لخالقي فقط تعلمت ان دواء جرحي رضائي بقدري
تعلمت ان استسلم لقدري فهو بيد خالقي"
و اختارت صورة لفتاة شابة و جميلة وفي ملامحها شيء من الاغراء لترفقها مع المنشور و تنتظر الإعجاب و التعليقات.....
ثم تذهب الى صفحته الشخصية تتأمل أولاً صورته التي تشع بابتسامة رائقة و شيء من الوقار ... تتأمل الصورة ملياً ثم تتجول بين منشوراته المتنوعة و تقرأ كافة التعليقات الجديدة و تسترسل في قراءة منشور يضم ابيات من الغزل الاموي أو حكمة على شكل مثلٍ صيني ... تبتسم بلا فرح لنكتة خفيفة و تلتفت كل مرة إن كان متصلاً بالإنترنت أو لا.....
في ذلك اليوم كان متصلا على غير العادة في مثل هذا الوقت, فكتبت له
- صباحوووو
انتظرت قليلاً..... ليس هناك رد .
تركت الهاتف على الطاولة و ذهبت لتكمل أعمالها البيتية بتثاقل و بعد دقائق رنت نغمة الرسائل القصيرة فأسرعت لتفتح الهاتف و ترى الرسالة
- صباح الورد
كتبت بسرعة
- شلونك
- الحمد لله , أنتِ كيفك
- ممكن طلب
- تفضلي
- أريد أتصل عليك فديو ......
انتظرت بعد هذه الجملة دقائق و لم يأتي الرد .... انطفئ ضوء الهاتف في يدها و عيناها متسمرتان على شاشته .... لحظاتٌ مرت وهي تشعر أن الرفض يطاردها ايتما حلت مشاعرها ... رفض زوجها بعد أن تكررت حالات ضعفه الليلية ... رفض أطفالها لأنها تعاملهم بالصراخ و عدم المبالاة ... رفض الجارات اللاتي يعتقدن أنها تتكبر عليهن بسبب صمتها الدائم .... رفض ..... رفض......
أضاءت الشاشة مع رنة نغمة الرسائل و أنعكس الضوء على عينيها بشيء من الفرح و جاء الرد
- أي عادي
ضغطت زر مكالمة فديو و هي تسحب ثوبها الى الاسفل ليظهر العقد بوضوح مع صدرها و تعدل تسريحتها و بدأت مكالمة فديو ... شاهدته يجلس خلف مكتبه و ترتسم على وجهه ذات الابتسامة الرائقة و أحست اكثر بنظراته التي كانت تركز على الحد الفاصل بين سواد الثوب و بياضها هي.
تبادلا الابتسامات ثم انهت المكالمة
- عيونك وكحة
- لااااا .... بس عجبتني القلادة
انتظر شويه ... راح اراويك اشياء احلى من القلادة
تركت كل شيء و اسرعت الى غرفتها و أغلقت الباب ..... وضعت الهاتف على منضدة الزينة ... تسنده المرأة من الخلف و ضغطت زر مكالمة فديو وهي تردد
" لا زلتُ جميلة "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس