الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرةٌ للموتى «قصة قصيرة»(3) والأخير

مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)

2020 / 10 / 14
الادب والفن


أيُ عالمٍ هذا الذي يحيط بي ، وما هذا المكان الذي لا زلت أجهله ، وإلى أين نذهب بعد هذا المكان
لكنه يبدوا أن للأموات مجتمع وأماكن كالأحياء ، ولهم طقوسهم وعلاقاتهم كما الأحياء ، أمواتٌ يواسون بعضهم ، وكلما جائهم ميت جديد ، هبوا لمواساته وليضموه إلى جموعهم .
نعم أنا رجلٌ ميت كهؤلاء ، وهذه الحقيقة التي آراها الآن ، ولا أستطيع أن أغير هذا الواقع أبداً ، وأفضل شيء أفعله هو الإنضمام اليهم .
هذه التساؤلات التي تدور وتعبث بأفكار رأسه ، أكدت له حقيقة موته ، وإبتعاده عن الأحياء والحياة .
ومِن جديد أخذ الجميع يُرَبت على كتفيه ومعانقته محاولين تخفيف صدمة إكتشافه بحقيقة أنه مجرد إنسان قد غادر الحياة ومات ، وما يحدث في هذا الوقت ألا هو نوع من طقوس الموت وتفاصيل ما بعد الموت .
يتقدم الكهل قائلاً ! لا تحزن يا صديقي ولا تُثقِل رأسك بمزيد من التساؤلات والاستفسار ، لأنها لن تجدي شيء ولن تعيدك الى الحياة أبداً ، وهذا هو واقعك ، ونحن معك جميعاً يواجه نفس المصير .
لمْ نلتقي أثناء الحياة ولكننا التقينا ونحن أموات ، فانضم الينا لنكمل هذه الطقوس كما يفعل كل الأموات ، نموت بسلام وسكينة بعيداً عن ضجيج الأحياء وزحمتهم وتفاصيل حياتهم المعقدة ،
وصدقني يا صديقي أن الأحياء سينسونا قريباً ، أو ربما نسونا بأي حال .
ينضم الرجل لجموع الناس التي ما زالت تتكلم جميعها دون توقف ، ويبدوا أنهم يسردون قصص موتهم وتفاصيلها لبعضهم البعض ، يمشون ببطئ نحو تلك الكتلة الضبابية التي خرجوا منها .
واثناء المشي وكالجميع بدأ يتحدث مع من حوله ، يشاركهم الحديث ويسأل ؟
- كيف مُتَ أنت ؟
- كنت عائداً إلى بيتي قادماً من العمل
- ماذا حدث ؟
- قتلتني السرعة والمركبة
- لماذا ؟
- كنت على عجلٍ لأصل البيت
- ثم ماذا حدث ؟
- لم أصِل للبيت ، مُتُ بعيداً عنه
- وأنت كيف مُتَ ؟
- كنت أسبح في البحر
- لماذا ؟
- هربت من الحرب والموت في بلدي
- وماذا حدث ؟
- قتلتني الأمواج وغرقت ، لم أصِل الجهة المقابلة
- وأنتِ يا صبية كيف مُتي ؟
- أحببت شخصاً بالحي والتقينا
- ماذا حدث ؟
- قتلني أبي وأخوتي
- لماذا ؟
- لا أعلم
- وأنتَ كيف مُت ؟
- توقف قلبي عن العمل
- لماذا ؟
- كنت أكتب قصيدة عن الفقراء
- ماذا حدث ؟
- لَمْ أكمل القصيدة ومُت
- وأنتَ يا صغير كيف مُت ؟
- لا أدري ولكني كنت بحضن أمي ومت
- لماذا ؟
- أصابني المرض
- وماذا حدث ؟
- لا تملك أمي ثمن الدواء فمُت
- وأنت يا صديقي كيف مُت ؟
- كنت جندياً في معركة
- وماذا حدث ؟
- سقطتُ في المعركة
- هل انتصر جيشكم ؟
- لا أعلم
- وأنتم يبدوا أنكم متم مع بعض ؟
- نعم فنحن أخوة
- ماذا حدث ؟
- كنا نائمين فاخترقت قذيفة سقف بيتنا ومُتنا
- ولماذا أنتم ؟
- لا ندري ، هم يطلقون القذائف من طائراتهم في كل مكان ودون سبب
- وأنتَ كيف مُت ؟
- أطلق أحدهم الرصاص علي فقتلني
- لماذا ؟
- كنت أحاول أن أسرق شيئاً من بيته لأسدَ جوعي
- ولماذا ؟
- لأني لا أملك شيء ولا أستطيع أن أجد عمل
- وأنتِ كيف مُتِ ؟
- خرجت في مظاهرة أطالب بحريتي
- ماذا حدث ؟
- أطلقوا الرصاص علينا
- من هم ؟
- رجال الأمن
- وماذا حدث ؟
- سقطت اليافتة من يدي ، قتلتني رصاصة
- وأنتَ كيف مُت ؟
- قلت شيئاً عن الحاكم ، فاعتقلوني
- وماذا حدث ؟
- مُتُ تحت التعذيب في الزنزانة
يسأك المزيد ويتحدث مع كل من حوله ، ويسمع الكثير من القصص والحكايات عن الموت وأسبابه ، ويبدأ من جديد يتمتم وتشرد أفكاره إلى ابعد عن هذا المكان ، تأخذه الى ذاكرة الحياة نفسها
لم أكن أعلم بأن للموت تفاصيل أزخم من تفاصيل الحياة ، وأن للموت حكاية لا يسمعها الأحياء ولا يعرفها ، فالأحياء هناك مشغولين بتفاصيل حياتهم وأحداثها ، يتقاتلون ويكرهون ويقتلون ويتصالحون ويحبون ويتفائلون
الجوع يقتلهم ، والعطش يقتلهم ، والإفرط بالحب أو الحزن يقتلهم ، يتشاجرون ويقتتلون على أتفه الأسباب ، ومن ثم يستمرون بالحياة ، بضجيجها ، وصخبها وتفاصيلها المملة ،
يبدوا أن الموت أكثر سلاماً وسكينة من الحياة ، ويبدوا أن الأحياء هم مجرد أموات يتحركون ، ينظرون الى المقابر بأن من يسكنها أموات بدون حركة أو شعور ، إلى أن تهوي بهم تلك الجاذبية البطيئة
ويسقطون على أرض ذلك السهل الواسع الكبير ذو الأعشاب الخضراء القصيرة ، ومن ثم سيكتشفون بأنهم كانوا هناك أمواتاً مختلفين عن بعضهم البعض ، وهنا خلف تلك الكتلة الضبابية سيكونوا سواء
انتهت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تتحدث عن معاناتها مع مرض نادر وتعد بالعودة إلى ال


.. الفنان الليبي الطارقي أماكا جاجي يحدثنا عن ثقافة وموسيقى الط




.. فيلم ولاد رزق 3 يتخطى 12.5 مليون جنيه خلال يومي عرض بالسينما


.. نجم الغناء الأمريكي كريس براون يعلق في الهواء على مسرح أثناء




.. طرد كوميدي شهير وصف نتنياهو بـ-النازي- في فرنسا.. ما القصة؟