الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل اختلت معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ؟

سنية الحسيني

2020 / 10 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


سعى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال سنوات حكمه المتتالية، وهي الأطول في تاريخ إسرائيل، وخلال إدارته للصراع مع الفلسطينيين، لترسيخ رؤيته الأيديولوجية الصهيونية للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ومستقبلها. وتعكس خطة صفقة القرن، التي عرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملامح تلك الرؤية. وتحدث نتنياهو عن تلك الرؤية بوضوح خلال خطابه في الجمعية العامة مؤخراً، حيث أكد على عدم واقعية المطالب الفلسطينية بإقامة دولة على حدود الرابع من حزيران، وعدم واقعية إخلاء أي مستوطن من بيته في الضفة الغربية، في توافق مع ما جاء في صفقة ترامب، وعدم واقعية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.

وعلى الرغم من أن تلك الرؤية ليست جديدة تماماً، فناهيك أنها تعكس جوهر الرؤية الصهيونية، فالمتتبع كذلك لسياسة إسرائيل مع الفلسطينيين، على مدار سنوات احتلالها للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967يستطيع أن يتوصل إلى تلك الرؤية، إلا أن الجديد جاء في إفصاح نتنياهو عن تفاصيلها، وسعيه للضغط على الفلسطينيين لإجبارهم على القبول بها. ورغم مواجهته للعديد من الإخفاقات والسقطات في سياسته الداخلية، أقلها كان كفيلا بإسقاط حكومته، الا أن المتغيرات الذي ادخلها على الملف الفلسطيني خصوصًا والشرق الأوسطي عموماً جعل نتياهو يبقى رئيس الوزراء الأكثر شعبية وحزبه الأعلى حصداً للأصوات. فهل يبقى نتنياهو رئيساً للوزراء رغم كل اخفاقاته؟ وهل شكلت المعطيات الجديدة التي وضعها على الطاولة تحولاً في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، لم تدخر سلطات الاحتلال جهداً الا بذلته لتضم أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين وأكثرها أهمية من حيث الموقع، بالتزامن مع حرصها على عدم منح أي شكل سيادي للفلسطينيين عليها. فبدأت إسرائيل في ذات العام، ممثلة بحكومة حزب العمل، بتنفيذ سياستها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها ضمن خطة عرفت بخطة آلون، والتي هدفت لبناء سلسلة من المستوطنات على طول الحدود الشرقية مع نهر الأردن وأخرى حول مدينة القدس. في عام 1977، وفي أعقاب تولي مناحيم بيغن رئاسة الوزراء، كأول رئيس ينتمي لحزب الليكود، توسعت عمليات الاستيطان وتنوعت مواقعها وامتدت حدودها. وجاء طرح بيغن لفكرة منح حكم ذاتي في اطار التفاهمات حول اتفاق كامب ديفيد مع مصر في نفس ذلك العام، دون الموافقة على سيطرة فعلية أو سيادية للفلسطينيين على أرضهم.

وفي عام 1993، في اطار اتفاقات أوسلو أرجأت إسرائيل التفاوض حول قضايا الحدود واللاجئين والقدس وكل ما يتعلق بقضية السيادة، وكان كل ما أعطته للفلسطينيين حكماً ذاتياً في حدود المناطق المكتظة بالسكان. في ذلك الاتفاق، قسمت إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى ثلاثة أجزاء، احتفظت بأكثر من 60٪ منها تحت سلطتها الكاملة (مناطق C). واستطاعت طوال كل تلك السنوات، وفي ظل حكومات يسارية ويمينية، وعبر سياسات إسرائيلية منظمة، توسيع رقعة الاستيطان والسيطرة على الأرض، وفرضت واقعاً سياسياً وديمغرافياً جديداً على الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم تجرؤ أي حكومة إسرائيلية بما فيها الحكومات «اليسارية» على توقيع اتفاق نهائي مع الفلسطينيين، رغم مرور كل هذه السنوات.

كشف نتنياهو اللثام صراحة عن أهداف إسرائيل تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بعد أن تغيرت معادلة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، في أعقاب انتهاء ما يسمى بثورات الربيع العربي وبروز تداعياتها. اذ انتهى دور الدول العربية الوازنة لصالح الفلسطينيين في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد أن حيد دور كل من العراق وسورية ومصر. وتبلورت معادلة صراع جديدة في منطقة الشرق الأوسط تقوم على أساس الرؤية التي وضعها الرئيس جورج بوش الابن قبل عقدين من الزمان، وقبل عقد من انفجار تلك الثورات. فما بين ما أُطلق عليه دول محور الشر، التي لا تتوافق مع السياسة الاميركية والإسرائيلية في المنطقة، ودول محور الخير، بات معظم الدول العربية يتحالف أمنياً مع إسرائيل لمواجهة إيران وحلفائها. فباتت تلك الدول مؤهلة للانخراط والتعاون السياسي مع إسرائيل في اطار تلك المعادلة الأمنية الجديدة. وما نشهده اليوم من اتفاقات تطبيع متواترة بين دول عربية وإسرائيل ما هي الا نتاج لهذا التبدل الاستراتيجي في المنطقة، والذي انعكس جوهرياً على معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ولا يخرج ما تقوم به إسرائيل من حصار وتطويق عن توازنات تلك المعادلة التي تم فرضها على منطقة الشرق الأوسط، بما يخدم أهداف إسرائيل ويحافظ على مصالحها في فلسطين والشرق الأوسط أيضا. فلم يخف نتنياهو موقفه عندما اعتبر أن اتفاقات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية يلغي تحكم الفلسطينيين في مسار عملية السلام بين إسرائيل والعرب. ولم يخرج الإعلان عن موافقة لبنان الدخول في مفاوضات مع إسرائيل حول الحدود بين البلدين، لأول مرة في تاريخ الصراع بينهما، وتحت وطأة الضعف والانكشاف الذي أصاب لبنان عموما وحزب الله خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت، عن ذات الإطار، الساعي لتحييد أي قوى عربية داعمة للفلسطينيين في معادلة صراعهم مع إسرائيل اليوم وفصل الملفات.

نجح نتنياهو بوضع معطيات جديدة لمعادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسّعت من حدود المطالبات الإسرائيلية في أي مفاوضات بما يخدم الرؤية الصهيونية عموماً لأي حكومة إسرائيلية قادمة. وليس من المتوقع تجاوز تلك المعطيات أو تحييدها الآن، إسرائيلياً على الاقل، لأنها أولاً تجسد الحلم الصهيوني الذي لا يقوى قائد في إسرائيل على التمرد عليه، خصوصاً في ظل انحدار المجتمع الإسرائيلي بشدة نحو اليمين خلال العقدين الأخيرين، بالإضافة إلى أن تلك المعطيات باتت مرتبطة بالسياق العام الشرق أوسطي الأكبر الذي خلق مصالح جديدة للدول العربية مع إسرائيل تضعف دورها أو قد تحيده في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويبقى الفلسطينيون كما كانوا دائماً الشوكة أو العثرة الكبرى أمام تحقيق الطموحات الصهيونية في أرضهم. ويفسر الضغط الإسرائيلي المتصاعد على الفلسطينيين لثني عزيمتهم أكبر دليل على ذلك، ومن المتوقع أن يزداد الضغط في ظل استمرار حكم نتنياهو أو فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية.

ويستغل نتنياهو هذه المعطيات في إطار معادلة الصراع في الشرق الأوسط لترسيخ مكانته السياسية، رغم الإخفاقات والأخطاء التي ارتكبها على صعيد السياسة الداخلية. ويؤيد معظم الإسرائيليين اليهود مخطط الضم الذي ورد في صفقة ترامب، كما أن معظمهم يؤيد اتفاقات التطبيع العربي مع إسرائيل. ولايزال الليكود، رغم تراجعه في استطلاعات الرأي، متفوقا في انتخابات الكنيست. كما بقي نتنياهو متربعاً على رأس خيارات المواطنين كرئيس للوزراء وبفارق كبير مقارنة بكل من يائير لبيد ونفتالي بينيت وبيني غانتس.

تأتي تلك النتائج على الرغم من كل ما تعرض له نتنياهو من عثرات، أقلها كان كفيلاً بإسقاط حكومته. اذ يُعد معدل انتشار جائحة كورونا في إسرائيل الأعلى في العالم، وأثّر ذلك بشكل سلبي على اقتصاد البلاد. تلك الأسباب تحديداً أدت إلى بروز حملة احتجاج ضد نتنياهو تطالبه بالاستقالة. يأتي ذلك بالإضافة إلى خلافات الليكود المستمرة مع شريكه حزب أزرق أبيض في الحكومة الائتلافية والتي كادت تتفكك بسبب أزمة إقرار الميزانية. الا أن أزمة نتنياهو القضائية تشكل الخطر الأكبر الذي يواجهه. ورغم سعي نتنياهو لتجاوز تلك العثرات مستغلاً إجراءات الطوارئ التي تسود البلاد بسبب انتشار الجائحة، الا أن جميعها كانت حلولاً مؤقتة لن تنهي أزماته. اذ استطاع نتياهو فض الاشتباك مع حزب «أزرق أبيض» بإرجاء البت في الميزانية لمدة ثلاثة شهور. وفرضت قيود على حركة المتظاهرين بحجة مكافحة «كورونا»، كما تم إرجاء جلسات محاكمته بسبب تداعيات انتشار الجائحة.

من الواضح أن انتشار الفيروس ساهم حتى الآن في تأجيل مواجهة نتياهو للتحديات الداخلية، الا أنه يستغل ذلك للاستعداد للانتخاب القادمة للفوز بأكثر عدد من المقاعد في الكنيست، بما يضمن بقاءه على رأس السلطة وبما يساعده في استصدار قرار برلماني يعطل محاكمته. اذ جاء قرار استثناء المعاهد والمدارس الدينية من قرارات الحجر ليضمن بقاء دعم الأحزاب الأرثوذكسية له. كما أن إعلانه بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية يأتي في إطار تعزيز مكانته في صفوف قاعدته اليمينية. فهل يمكن أن يستخدم نتنياهو ورقة الضم لاستعادة تلك الجيوب اليمينية التي تراجعت عن دعمه، بعد إعلانه عن تأجيل الضم؟ يأتي ذلك على الرغم من أن سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين لن تتغير كثيراً بتغييره، الا أنه يبقى الشخصية الأقل استعداداً للتفاهم والأشد تعنتاً مع الفلسطينيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال؟
محمد البدري ( 2020 / 10 / 15 - 15:16 )
ومنذ متي كانت المعادلة موزونة او متعادلة؟

اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف