الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرنفال الكرة و الادب على ناصية العالم

نائل الطوخي

2006 / 7 / 9
الادب والفن


الجلوس في آخر المدرجات امتياز يحترمه جيدا المجانين و محترفو الشغب. منذ خلقها الله و احتلها الأسبان كان هذا الموقع من العالم هو نصيب القارة الأكثر إجراما و الأكثر إبداعا في التاريخ، أمريكا اللاتينية. في جنوب غرب الكوكب يمكن للقارة السمراء أن تري العالم بتأمل أكبر، تقذفه بالبن و التانجو و الثورات المتعاقبة، و لكن الأهم من كل شيء، يمكنها أن تتعرض لتيارين شديدين من الهواء يتلاطمان عندها كما هو جدير بناصية العالم، تيار الأدب و الكرة، تعيد إنتاجهما ثم تبصقهما علي سائر الأركان.

عندما حلل كونديرا تاريخ الرواية الأوروبية مشبها إياه بشوطين لكرة القدم أغفل أمرا مهما، حيث أوروبا هي قارة الرصانة، قارة التقاليد التي تنمو ببطء، أما اندفاعة الأهداف المفاجئة في الأدب فلا تعرفها إلا أمريكا الجنوبية. لنتذكر تقليد البوم و كيف ترسخ في خمسين عاما متجاوزا كل ما تفعله أوروبا خلال قرون ثلاثة. الاشتعال المفاجئ للأدب اللاتيني، البوم، أو كما يترجم أحيانا، الصرعة، يذكرنا بالعمر القصير جدا للاعبي الكرة و لنجوميتهم. لا يكادون يحققون شيئا حتي يكتشفوا أنهم قد هرموا و لم يعودوا يصلحون إلا للتعليق أو التدريب، و هو أبعد شيء عن الأدب، بمعناه المؤسسي الوقور، و أقربه إلي الجنون. التوهج السريع ثم الانطفاء المفاجئ و الأكثر سرعة كان من نصيب الأرجنتيني دييجو مارادونا الذي لم يرد بتعاطيه المنشطات إلا تطبيق حكمة أدبية صميمة: مزيد من المخدرات يعني خيالا أكثر عظمة، في الكتابة و اللعب علي حد سواء.
تلاعب أمريكا اللاتينية أوروبا، المنافس التقليدي، و لا ننسي أنه بمفهوم ما، استعماري بالطبع، فإن الفضل في اكتشاف القارة السمراء يرجع للقارة البيضاء. العلاقات بينهما معقدة، بدأت كرة القدم في البرازيل من أوروبا. جاء الإنجليز باللعبة إلي هذا البلد. لسنوات لم يكن هناك لاعب أو مشجع واحد أسود. بعد فترة قصيرة ستصبح كرة القدم لعبة شعبية رائجة في الشوارع و علي الشواطئ البرازيلية. ستشتهر اللعبة هناك للغاية، سيتم تشبيه شهرة الأديب البرازيلي الشهير جورجي أمادو بشهرة بيليه، و سيقال إن منصب مدرب المنتخب القومي البرازيلي أهم من منصب رئيس الجمهورية. كذلك ستتلقي العديد من الدول الأوروبية الهزيمة علي يد المنتخب البرازيلي الذي لم يتخلف عن المونديال مرة واحدة خلال السبعة عشر عاما السابقة. هذا الصعود حدث بخبرة أوروبية إضافية، فكثير من اللاعبين البرازيليين تعاقدوا مع نواد أوروبية مثل رونالدو مع نادي برشلونة الأسباني و سقراط مع نادي فلورنسا الإيطالي، و عادوا إلي بلادهم قائدين إياها نحو المونديالات المتعاقبة. في نفس الوقت سنجد بورخس، و هو الأرجنتيني ذو الثقافة الإنجليزية، هو الذي يفتتح الاهتمام بالأدب اللاتيني في فرنسا عندما يلقي محاضرة عن أمريكا اللاتينية. المعني في الحالتين هو تمريرة أوروبية، واثقة من نفسها إلي حد العمي، للمنتخب اللاتيني الناشئ، و لكن المنتخب الناشئ يكشف عن خبرة رهيبة. يسدد اللاتينيون هدفا نهائيا في الشبكة الأوروبية. و تبقي المفارقة المريرة في أن هدفي بورخس، و معه مواطنه كورتاثر كذلك، هما بالتحديد من لم يتم تسديدهما في شباك لجنة نوبل باستوكهولم. كان هذا انتصارا أوروبيا علي الأدب اللاتيني لا يوازيه إلا خروج البرازيل و الأرجنتين هذا العام من المونديال علي يد فرنسا و ألمانيا، و هما رمز أوروبا العريقة. كل شيء في القارة المجرمة يختلط ببعضه، في كرنفال كبير. لا حدود للأدب أو للسياسة أو لرقص السامبا، و التي تؤدي في الملعب كصلاة بعد كل هدف. كذلك ينسي باولو كويلهو نفسه، فيلبس قناع ساحر الصحراء و يوجه نصائحه لمشجعي البرازيل في كأس العالم: لقد قدم رونالدو و مازال يقدم الكثير للبرازيل. أود أن أري الناس تعامله في حب و تقدير و تقبل و تسامح و ليس في انتقاد و رفض. الحب هو ما سيجعله يتحسن و يقدم ما عنده. هذا الحب سيدفعه دفعة عظيمة. مثلما في رواياته، يحاكي كويلهو الحكماء الآسيويين. يمحي الحدود بين الأدب و الدين و الكرة. يجعل الكون كله يتآمر لصالح البرازيل، فقط إذا رغبت البرازيل في مصلحتها بعمق.
كان بورخس يتخيل كونا يسميه البعض مكتبة، كونا لامتناهيا يحوي قاعات خماسية ملتصقة ببعضها البعض. ربما كان يتخيل في ذات الوقت كرة القدم ذات الرقع سداسية الأضلاع التي يمكنها الجري في الملعب بلا نهاية مثلما مكتبة بابل هي بلا نهاية. و إذ تصبح كرة القدم هي الكون/ المكتبة أفلا يكون في ذلك إشارة إلي أنها هي حبة الفاصوليا التي يري فيها المتصوفة العالم كله كما في قصته الشهيرة الألف؟ هل كان هذا هو الطموح المكبوت و النهائي للكاتب الأعمي الذي يعيش علي ناصية العالم: رؤية الكرة الأرضية كلها داخل نموذج دائري، بلا بداية و لا نهاية، صلب و إنما مراوغ و متهرب دوما، مثل كرة القدم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب