الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيلم الكوري (شّعر) قصيدة سينمائية مترف بالجمال ، وتأمل بالحياة والموت ...

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2020 / 10 / 16
الادب والفن


الفيلم الكوري (شّعر) قصيدة سينمائية مترف بالجمال ، وتـأمل بالحياة والموت ..

Film - Poetry

علي المسعود

لا يستطيع أي شخص أن يكتب قصيدة بمجرد محبته لهذا الأمر أو لهوايته ، فكتابة الشعر ليس بالأمر السهل الذي يتمكن منه أي شخص ، بل هي موهبة تولد مع الإنسان منذ الصغر ، ويمكن تنميتها وتطويرها ، وتحتاج كتابة القصائد بمقومات الكتابة الشعرية وأصول كتابتها . الفيلم الكوري الجنوبي (شعر ـ بويتري) وعنوانه بالكوري (Shi) ، الذي كتبه وأخرجه " لي تشانغ دونغ "وأستطيع ان أطلق عليه عنوان (قصيدة) لانه يدور في محور كتابة القصيدة والالهام الشعري بالاضافة الى الحادثة الحقيقية التي تتعرض لها تلميذة للاغتصاب من قبل مجموعة من الصبية المراهقين . ومن إنتاج عام 2010 . يعود المخرج الكوري الشهير " لي تشانغ دونغ " بعد غياب ثلاث سنوات أعقبت فوز فيلمه "سر شروق الشمس" عام 2007 بالعديد من الجوائز بعمل مميز ، ولم يكن من الغريب أيضا أن يحصل فيلمه " شّعر"على الكثير من الثناء والتقدير من النقاد وكذالك الحصول على الجوائز في مهرجانات السينما. يبدأ الفيلم ، الحائز على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان عام 2010 ، بجوار نهر وبمشهد لأطفال يلعبون عند حافة النهر ، ثم يكتشفوا جثة تطفوا على سطح النهر ، وهي جثة فتاة صغيرة في المدرسة الإعدادية منتحرة . يظهر عنوان الفيلم ، "الشعر" ، المكتوب بأناقة باللغتين الإنجليزية والكورية ، سرعان ما علمنا أن الفتاة التحقت بالمدرسة نفسها التي التحق بها حفيد ميجا - الذي تحت رعايتها - وأن الفتاة انتحرت بالقفز في النهر من جسر قريب ، وهذا التناقض المقلق بهدوء بين المسارات المتوازية للجمال والموت ، هو جوهر الفيلم الممتع والجميل .
الشخصية الرئيسية في الفيلم هي شخصية (مي جا) ، ومن أول وهلة لا تبدو كأي امرأة عادية فهي برغم فقرها وعملها كممرضة بدوام جزئي لأحد المسنين ، فهي مهتمةأيضاً بأناقتها ، فهي تحرص دائما على الخروج متأنقة مهما كانت متاعبها أو همومها وهو ما يدل على حسها الجمالي ، هي جدة تبلغ من العمر 66 عامًا تقوم بتربية حفيدها ووك (لي ديفيد) . تدور أحداث "الشعر" حول كفاح تلك المرأة المسنة مع ظروفها وإحساسها الأخلاقي عندما يتبين أن حفيدها متورط مع خمسة من الطلاب في إغتصاب فتاة وهي طالبة معهم ويؤدي ذالك الى انتحار الفتاة . تحمل القصة ضربات اجتماعية قوية وموجعة لتلك السيدة ، ويكون التمثيل هو السبيل الوحيد لتصوير حجم الالم والمعاناة والذي ابدعت في تجسيدة الممثلة الكورية المخضرمة ( يون) . ولكن بعد ذلك يسلم القدر لها ضربتين في تتابع سريع وهما ، أولاً : تم تشخيص حالتها على أنها في المرحلة الأولية من مرض الزهايمر ، مع تراجع بطيء ولكن مؤكد إلى الخرف أمامها .
ثانياً : انتحار فتاة في الحي ، وتكشف المذكرات التي تركتها تلك الفتاة إنها تعرضت للاغتصاب مرارًا وتكرارًا في المدرسة من قبل مجموعة من الأولاد بمن فيهم حفيد السيدة يانغ ميجا . قصة الفيلم تسرد في إيقاع حزين وكئيب نسبيا حول بطلته الجميلة التي وصلت إلى ستينات عمرها والتي تسكن مع حفيدها المراهق بعد طلاق ابنتها وذهابها للعمل في العاصمة تاركة ابنها في رعاية جدته ، التي تعمل كخادمة منزلية بدوام جزئي لدى رجل أعمال مسن لديه شلل في أطرافه العلوية والسفلية وصعوبة في النطق في هذه الأثناء ، تشعر الجدة " ميجا " التي تلعب دورها الممثلة الكورية الأسطورية جيونغ هي يون ، بالقلق من نسيانها لأسماء الأشياء اليومية ، لذلك يرسلها طبيبها المحلي لإجراء فحص طبي حيث تعلم أنها في المراحل الأولى من مرض الزهايمر . وربما تفقد كلماتها ، لكن ميجا تعثر على أعلان على باب المركز الثقافي المحلي عن دورة ، تلتحقت الجدة " ميجا " بدورة عن ( الشّعر ) للمبتدئين في المركز الثقافي المحلي ، ربما لأنه قيل لها ذات مرة أنها يمكن أن تكون شاعرة ذات يوم أو ربما كشكل من أشكال التمارين الذهنية لدرء مرض الزهايمر . يكلف المعلم الطلاب بمهمة كتابة قصيدة بنهاية الدورة التي تستغرق شهرًا ، وينصح الطلاب بإيلاء اهتمام وثيق للأشياء من حولهم . يقول لهم "لكي تكتب الشعر يجب أن تراه جيدًا" ، وياخذ لهم التفاحة مثلا . ويضيف: "أن تعرف حقًا ما هي التفاحة ، وأن تهتم بها ، وأن تفهمها ، فهذا يعني رؤيتها حقًا ". تعتني "مي جا "بحفيدها المراهق المتهور (ووك) ، ويبلغها والد أحد ألاصدقاء ووك ، إن القتاة المنتحرة قد تركت مذكراتها و سجلت فيها أن حفيدها "ووك" وخمسة أصدقاء آخرين كانوا قد تناوبوا على اغتصابها في المختبر العلمي للمدرسة مرارًا وتكرارًا ودفعوها إلى الانتحار ، ومن أجل إبعاد أبنائهم عن المسالة القانونية ، يقترح الآباء أن يقدم كل واحد منهم - بما في ذلك " مي جا " (بما أن ابنتها ، والدة ووك ، ليست موجودة) يجب أن يقدم لوالدة الضحية المفجوعة تعويضًا وقدره (30 مليون وون ) وذالك لغرض التسوية . يتم تشجيع هذه التسوية من قبل كل من المدرسة والشرطة باعتبارها أفضل بديل لمنع فضيحة محلية ، ولكن يجب أن يتم ذلك بسرعة قبل أن يصل الى ألاعلام ويطالب الناس بالعدالة القانونية . يقدم المخرج الكوري ( لي تشانع دونغ) ، المشاهد التي يلتقي فيها الآباء مع "مي جا" لمناقشة الامر بطريقة مبسطة وغير ملزمة ، ويبدو أن المعضلة ألاساسية هي كيف ستتمكن " مي جا" المراة الوحيدة والتي تعيش على الاعانة مع العمل الجزئي ، وبدون زوج وذات دخل منخفض – من تسديد نصيبها من التعويض لعائلة الطالبة المنتحرة . وهناك معاناة من نوع خاص تواجه السيدة " مي جا"، الا وهي قضية ألالهام الشعري ومحاولاتها المتعثرة في كتابة القصيدة . في بعض الأحيان كانت ميجا تتجول لتفكر في ثمرة مشمش متساقط ، أو تنظر إلى شجرة "للاستماع إلى أفكارها" ، لكتابة القصيدة ، أوالوصول الى حالة الالهام الشعري لكتابة قصيدتها الاولى و لكنها تعود خائبة بعد فشل محاولاتها ، تكافح ميجا من أجل الإلهام ، وفي مشهد لاحق بالقرب من النهر في محاولة لكتابة قصيدتها الأولى ، كانت تحدق في صفحة فارغة من دفتر الملاحظات الصغير بينما يسقط المطر على الورقة مثل الدموع ، تبدأ السيدة الجميلة "ميجا " في سعيها للحصول على الإلهام الشعري وملاحظة أبسط الاشياء مثل الاستماع إلى شجرة ،أوالإعجاب بالزهور ، ومن ثم كتابة السطور عندما تأتي إليها. لكن هذه المهمة صعبة عليها وخصوصا بعد أن أخبرها الطبيب أن مشاكل ذاكرتها الأخيرة هي نتيجة إصابتها بمرض الزهايمر . كما إنها لا تخبر ابنتها التي تعيش في بلدة أخرى أو حفيدها أو أي شخص آخرعن حالتها . وتستأنف الجدة المرهفة المشاعر سعيها للجمال حتى إنها تتأثر بصوت حفيف الأشجار . وتضيف كل تجربة لها انطباعات جديدة عن شكل و أسلوب القصيدة التي تحلم أن تكتبها . في فصل الشعر يُطلب من الجدة ميجا أن تسعى وتكتب عن الجمال من قبل الاستاذ ، ولكن لا يمكن التوفيق بين هذه النصيحة المتعددة المعاني مع تجربتها في الحياة الواقعية ، وبالتالي تتعثر كتابتها . لن يصبح الشعر ممكنًا إلا بعد أن تدرك حقيقة الحالة الإنسانية - أن الفرح والألم سيتعايشان دائمًا . فعندما طُلب منهم مشاركة أجمل ذكرياتهم ، يتذكر معظم زملاء ميجا حالة من لحظة الصدق الحقيقية ، عندما تشارك الجدة ذكريات طفولتها الثمينة ، وتختلط فيها ابتسامتها بالدموع . إنها لحظة محرجة بالنسبة للفصل ، ولكنها في النفس الوقت كانت ولادة شاعرة .
تعمل ( مي جا) ، كممرضة لرجل ثري مسن يعاني من شلل جزئي إثر سكتة دماغية، وفي مشهد مبكر رفضت طلب الرجل المشلول في تحقيق رغبته بالشعور برجولته بممارسة الجنس معها خلال القيام بواجبها في استحمامه ، "مرة واحدة فقط قبل أن أموت" يطلب منها الرجل المشلول ، ولكنها نهرته بشدة وتركته عارياً يتخبط على أرضية الحمام . ولكن عندما تغوص في حياة وتعرف المزيد عن الفتاة المنتحرة بعد مقابلة والدتها التي تدير حقلاً زراعياً، و تعرف أن والدها قد مات في حادث سيارة قبل بضعة أعوام ، وأن أمها هي المسؤولة عن تربيتها . هذه المأساة التي تكتشفها الجدة يوقظ فيها شيء ما ، تقوم بزيارة الرجل الثري المشلول وتقوم بممارسة الجنس معه وتحقق له رغبته وفي مشهد مشوب بالحنان ، يمنحه الرضا . وبعد أيام عادت أليه وطلبت منه أن يعطيها المال الذي تدين به . "هل هذا ابتزاز؟" يسأل. أجابت ببرود: "أطلق عليها ما تحب " . وفي مقابلة مع المخرج الكوري (لي جانغ دونغ ) ، سئل بشان دوافع (مي جا) في العودة عن قرارها في تنفيذ رغبة الرجل المشلول ، لم أكن أنا الوحيد الذي اربكه دوافع " في المشهد حيث تمارس الجنس مع الرجل المشلول الذي تخدمه ، هل الدافع هو إنساني في تنفيذ رغبة رجل مشلول ويحتضر ؟ ، أم هو دافع مادي ؟ لغرض تسديد المبلغ الواجب دفعه الى والدة الضحية المنتحرة ،" رد المخرج الكوري عن الأفكار التي تدور في ذهن (مي جا) " عندما تمنح الرجل العجوز هذا العمل الرحيم قبل أن تتخذ قرارًا بممارسة الجنس معه ، ذهبت إلى النهر حيث ماتت الفتاة ووقفت تحت المطر ، في غمرة التأمل ، لبعض الوقت . لابد أن الأفكار العميقة والمعقدة هي التي أسرتها. كانت ستفكر في الرغبات الجنسية للأولاد الصغارغير الناضجين التي دفعت فتاة صغيرة إلى موتها ، وبين الرغبات الجنسية لرجل عجوز يتوسل إليها أن تجعله رجلاً للمرة الأخيرة. لسبب متناقض ، قررت أن تمنحه هذه الرغبة . ربما لم يكن الأمر سوى تعاطف خالص ، ولكن بغض النظر ، عندما تطلب منه المال ، فإنها تسيء إلى هذا العمل . للأسف ، إنه خيار لا مفر منه تقوم به " . تدفع " مي جا " المال ولكنها تصرعلى معاقبة حفيدها وتخبر الشرطة المحلية عن حفيدها ، وبكل هدوء يتم سحب الفتي الى سيارة الشرطة بعد كانت تلعب كرة الريشة في الشارع معه .
في نهاية الفيلم ، وفي اليوم الاخير من دورة الشعر ، تذهب إلى الصف الدراسي وتضع القصيدة مع باقة من الزهور البيضاء على المنضدة ثم ما تلبث أن تخرج من الصف وتختفي . يندهش المعلم حين يعلم بنظمها للقصيدة وغيابها بينما يعجز الآخرون عن ذلك ويقوم بقراءتها أمامهم . تغيب ميجا عن الحضور وتحضر فقط قصيدتها البكر مع باقة من الازها ، وحين يبدأ الاستاذ بقراءة القصيدة يحضر صوتها أخيرًا ، لكن كلمات قصيدتها - "أغنية أغنيس" التي تأتي فيها الجدة " ميجا " لتعيش في كيان الفتاة المنتحرة - تُقرأ القصيدة مع تسلسل لصور الضحية حتى لحظة وقوفها على الجسر وقبل رمي نفسها في النهر ، يبدأالاستاذ بالحديث في اليوم الختامي لدورة الشّعر " من الصعب كتابة قصيدة و من أجل ذالك يجب أن يدق قلبك لتكتب واحدة ، فالقلب هو من يكتب الشعر وعلي أية حال السيدة "مي جا" ليست هنا لكنها قلبها كتب القصيدة ،
كيف أنتهى ألامر هناك؟
كيف الحال هناك؟
يالها من وحدة
كم هو وحيد؟
هل لازالت الشمس تتوهج بالحمرة عند المغيب ؟
هل ما زال يتوهج باللون الأحمر عند غروب الشمس؟
هل ما زالت العصافير تغرد في طريقها للغابة؟
هل استلمت الخطاب الذ لم أجرؤ على أرساله؟
هل يمكنك استلام الرسالة التي لم أجرؤ على إرسالها؟
هل يمكنني أن أرسل الاعتراف الذي لم أجرؤ على الإدلاء به؟
هل سيمر الوقت وتذبل الورود؟
حان الوقت لأقول وداعا .. مثل الريح التي تتوانى ثم تمضي
تمامًا مثل الظلال ... لأجل الوعود التي لم تنفذ ،
للأجل الحب المختوم حتى النهاية
لإجل العشب الذي يقبل أقدامي المتعبين
ولأجل الخطوات الصغيرة التي تتبعني
حان الوقت لاقول وداعا .. الآن كما يحل الظلام
هل ستضيء الشموع من أجلي مرة أخرى؟
أصلي هنا .....
لا يبكي أحد يجب أن تعرفوا .......
كم احببتكم بعمق ......
الانتظار الطويل في منتصف يوم صيفي حار
طريق قديم يشبه وجه أبي
حتى الزهرة البرية الوحيدة أشاحت بوجهها خجلاًً
كم أحببت بعمق
كيف يرتعش قلبي عند سماع أغنية خافتة
امنحك البركه .. قبل عبور النهر الأسود
مع آخر أنفاس روحي .. بدأت أحلم ..بشمس صباح مشرق
أسير مرة أخرى ، وقد بهر الضوء بصري
ألقاك مرة أخرى... واقفة بجواري !! .
وفي نهاية فيلم "شعر" أو قصيدة ، تظهر صورة للبنت المنتحرة وهي واقفة على حافة الجسر وهي مبتسمة، ونسمع صوت "ميجا" في الخلفية وهي تقرأ قصيدتها الاولى ، وتتابع خلال قراءة عدة صور من حياة " مي جا" وذكرياتها ، أننا عندما نسمع صوت ميجا تقرأ قصيدتها ، "يمكننا فقط أن نشعر بغيابها ، لكن ليس لدينا أدنى فكرة عن المكان الذي ذهبت إليه". في النهاية ، وجدت " ميجا " صوتها بالفعل وحلقت مع الالهام الشعري وفي خلق قصيدتها الاولى ، لكن بقية حياتها كانت عبارة عن فوضى ، وأنهى المخرج الكوري فيلمه الجميل والشاعري في مجموعة من اللقطات المعبرة و المؤثرة بشكل فريد من اللقطات لمواقع مهامها اليومية ، أفرغت من حضورها المشرق الجميل . أصبحت حياتها التي تتزامن مع مراحل حياة الفتاة التي اغتصبها حفيدها . وسواء تركت منزلها ، أو ماتت في مكان ما ، أو اختفت ، فإن وعيها الداخلي يظل لغزًا أساسيًا ، أدلى المخرج الكوري الجنوبي " لي تشانغ دونغ " بهذا التصريح عن فيلمه : " هذه أوقات يختفي فيها الشّعر . البعض يأسف على مثل هذه الخسارة ويقول آخرون: "الشعرلا يستحق الموت". بغض النظر ، يستمر الناس في قراءة وكتابة الشعر . ماذا يعني إذن أن تكتب الشعر عندما تبدو آفاق المستقبل المستمر قاتمة؟ هذا سؤال أريد أن أطرحه على الجمهور . لكن في الحقيقة ، هذا سؤال أطرحه على نفسي كمخرج : ماذا يعني أن أصنع أفلامًا في أوقات تختفي فيها الأفلام؟ " . أما عن حادثة الاغتصاب ، يضيف المخرج الكوري" لي تشانغ " أنه كان في زيارة إلى اليابان عندما كان يفكر في حادثة الاغتصاب تلك ، وشاهد في غرفة الفندق برنامجًا تلفزيونيًا عن الغابات يستخدم فيه الموسيقى وصور للأنهار والطيور وهذا الأسلوب في العرض يجعل المشاهد يستغرق في التأمل بشكل واضح، ومن هنا جاءته فكرة استخدام الشِّعر في هذا الفيلم الذي يطرح قضية قاسية وصادمة على المُشاهد . فمن خلال أبيات الشعر ومزجها مع الطبيعة تجعل المشاهد يتأمل ويعيد التفكير في رؤية الأشياء مرة أخرى" .
بالنسبة لميجا ، البالغة من العمر 66 عامًا ، تربي حفيدها الوحيد ، ووك (لي ديفيد) ، في شقة ضيقة وفوضوية في مدينة غير مسماة ، يصبح السعي وراء الشّعر هواية ثم يتحول الى شغفًا وأخيراً وسيلةً للسمو ، بالاضافة الى ذلك ، إنه إلهاء ممتع عن منغصات الحياة وهموها ، وبخلاف ذلك أيضًا هو وسيلة لتنشيط العقل أو الذاكرة ، كما أخبرها الطبي في وقت مبكر . وبينما تكافح هذه الجدة الجميلة ، الحساسة والحازمة من أجل فعل الصواب من قبل حفيدها وإراحت ضميرها بالأضافة الى كتابة أول نص شعري في حياتها . هذا الجدة على الرغم من أنها لا تملك الكثير من المال ، إلا أنها أنيقة وترتدي ملابس جميلة وقبعات بيضاء . وتتوالى على الجدة المتاعب عندما تعلم بأن حفيدها كان ضمن ستة من المراهقين الذين إغتصبوا تلميذة صغيرة، ما دفع الفتاة إلى الانتحار ، وعندما تستجوب حفيدها الفظ والمستهتر "ووك " حول الحادث ، يقول إنه بالكاد يعرفها زميلة في الفصل . وتقع (ميغا) في صراع بين تدبير حصة حفيدها من المال المطلوب ومواجهة الحقيقة المرعبة في سلوك حفيدها من جراء الجريمة البشعة التي شارك في ارتكابها، ومع ذلك تعاني من شعور الحزن والألم لانتحار الفتاة رغم أنها لا تمت لها بصلة ، خاصة وأن الآخرين لا يبدون أية مبالاة ، بل إن الصبية المغتصبين قد عادوا إلى حياتهم المعتادة من اللهو والمرح ، بينما يحاول آباؤهم أن يبعدوا الشرطة والصحافة عن القضية ، ومع تقدم الأمور تزداد وطأة الزهايمر على عقل الجدة ، التي تطالب حفيدها الملهوف دائما على أكل الطعام بمزيد من الترتيب والسلوك الحسن . وينتهي الفيلم بلقطة جميلة قريبة مثل ماشهد الافتتاحي للفيلم ، للنهرومستوى تدفق النهر وجريانه الدائم ، مع صوت مدرس الشعر وهو يلقي القصيدة الوحيدة التي كتبتها «ميجا»، وكأنها تريد أن تؤكد أن في الشعر ما يقدس الحياة ويداوي جراحاتها ويزرع الأمل ويقاوم الملل ويوسع الرؤية بعد ضيقها، ومنه أيضا ما يغرق في الألم واليأس والموت، شخصية مدرس الشّعر الذي هو مدخلنا مع السيدة (ميجا) الي عالم الشّعر وماهية الشّعر. ففي أولي المشاهد الخاصة بالمدرس يبدأ كلامه بقوله إن الشّعراء يرون ما لا يراه الناس العاديون ، ويؤكد مدرِّس الشّعر أن الناس لا يرون الجمال الحقيقي، ولا يكتشفونه بسهولة على الرغم من أنه موجود بالقرب منهم دائما ، وفي واحدة من محاضراته القيّمة يقول:( إن كل واحد منكم على انفراد يحمل الشّعر في قلبه، لكنكم تحبسونه، ولقد جاء الوقت لتحرير الشّعر وإطلاقه) . ثم يضرب مثالاً في غاية الأهمية حينما يمسك تفاحة ، ويقول إننا جميعاً قد رأينا مثل هذه التفاحة آلاف المرّات، ولكننا لم نتمثلها ونتحسسها جيداً، ولم ندوِّرها في أيدينا، لذلك فإننا لا نستطيع أن نمسك بجمالها الحقيقي الذي يختفي وراء عجالتنا وانهماكنا في مشاغل الحياة اليومية . وفي هذه الأثناء تسأل السيدة ميجا سؤالاً منطقياً قد يدور في أذهان العديد من الناس المعنيين بالعملية الابداعية مفاده (متى يأتي الإلهام الشعري؟) فيجيبها المدرِّس جواباً قد يبدو غامضاً ومُربكاً بالنسبة لها حينما يقول: (الإلهام لا يأتي، بل يجب أن تذهبي إليه وتتوسليه. يجب أن تصلّي له، وحتى الصلاة قد لا تضمن لك شيئاً. انه شيء ثمين جداً، ولا يمنح نفسه دفعة واحدة . وهذا هو السبب الذي يدعوكِ لأن تذهبي إليه وتتوسلي له). تسأل ميجا سؤالاً ينطوي على بعض السذاجة هذه المرة حينما تقول: (أين أذهب؟) فيضحك المدرس ويقول: (إنه ليس في مكان محدّد، ولكن لابد أن يكون في مكان ما يجب أن تذهبي إليه . الشّعر لا ينتظركِ، وهو موجود في مكان قريب جداً، وليس بالضرورة أن يكون نائياً . إنه هناك حيث تقفين. إن الشّعر يمكن أن يوجد حتى في حوض غسيل الأطباق!" . من المثير مشاهدة تحول مي جا من بداية الفيلم إلى النهاية . أداء الممثلة الكورية "يون " كان مدهشاً ، بحيث كانت تقنعك بمشاهدها واستثمر المخرج ( لي تشانغ ) تلك الموهبة بنجاح . إنها شهادة على إرادة وروح امرأة لا تقهر بقدر ما هي شهادة على الشّعر نفسه . عندما أخبرها معلمها أن الشّعر يحتضر ، تشعر ميجا بالصدمة والحزن . لا يعكس حزنها حزنًا على وفاة الشّعر فحسب، بل على الجمال نفسه، الشّعر جمال وما فائدة الحياة بدون جمال؟ . تدخل الجدة " ميجا " إلى عالم من الظلمات غريب عليها تمامًا ، وشّعرها هو عزاء يمكنها الهروب إليه. ولطالما خدمها تفاؤلها المنقطع النظير ، ولكن عندما بدأ ذهنها وذاكرتها بالتلاشي ، فإن الشّعر هو كل ما تبقى لها في عالم لم يعد منطقيًا . الممثلة الكورية " يون جونغ هي "، هي نجمة السينما الكورية المشهورة في الستينات والسبعينات ، وقد أبدت يون رضاها عن الدور الذي عادت من خلاله إلى الشاشة الكبيرة بعد غياب أكثر من 16 عاما . وهي أيقونة فنية كورية . صنعت عشرات الأفلام في أواخر الستينيات والسبعينيات ، ثم تقاعدت فجأة في منتصف التسعينيات ، وساهمت الممثلة الكورية الجنوبية بإضفاء جمالية أكبر على الفيلم . أداء الممثلة الكورية القديرة ( يون) هو بساطة وعفوية غير عادية . إن تصويرها لامرأة على أعتاب ضباب الشيخوخة يتسم بالحيوية والحزن ، ويحمل الفيلم بأكمله بأسلوب رقيق. تمكنت من إشعاع القوة والضعف في وقت واحد ، إنها العمود الفقري الذي يبني عليه المخرج لي فيلمه .
المخرج الكوري الجنوبي الموهوب للغاية ، إستطاع أن يصنع شريطأ سينمائياً مزيج فريداً من الجمال والظلام في حياة الجدة وهي تحاول ببسالة التعامل مع تحدٍ وخيبة أمل . دراما نفسية شجاعة ومؤثرة حول امرأة عجوز تواجه التحدي المتمثل في كتابة قصيدتها الأولى من خلال التجارب التي تحرك وجدانها ، فيلم" الشّعر" من تاليف وإخراج المخرج الكوري الجنوبي " لي تشانغ دونغ" ، ومن بطولة كل من ، يون جيونغ هي ، لي ديفيد ، وكيم هيراما . وفي الختام ، ماحققه المخرج المتميز " لي تشانغ" لا يمكن التقليل من شأنه . الشعر هو قوة ، واستحضار بارع لروح حرة مزقتها ضباب العمر والمأساة التي يؤدي بحثها عن الإلهام الشعري إلى مصدر غير متوقع ومفجع . إنها تجربة سينمائية عميقة تمامًا من مخرج يعمل في قمة لعبته مع ممثلة في أوج قوتها. إضافة إلى إنه عمل فني بارع . يضع الشعر في معايير عالية جدًا . فيلم " شّعر " يحتوى علي الكثير من المشاهد التي تشير الي تداخل كلٍ من العالمين الشاعري والسينمائي بصورة استثنائية ، فرغم قسوة الأحداث التي تتعرض لها شخصية (ميجا) الا أن الفيلم يؤكد علي وجود الجمال والسحر والسكينة في هذا العالم القاسي المتداعي . يمكن القول أن الفيلم عبارة عن قصة تمت صياغتها بشكل رائع وتتدفق بأناقة مثل الاسم نفسه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث