الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني عشر/ 5

دلور ميقري

2020 / 10 / 16
الادب والفن


لم يجزم أحدٌ من العارفين بقضية مقتل ناجيّة، ما لو أن الجارَ الشاب قد عشقها بالفعل. بل إنه لم يُستدعَ إلى المحكمة كشاهد، طالما أن التشريح الطبيّ أثبتَ عذرية الفتاة. كان محظوظاً أيضاً، بعدم تواجده في حجرة الإيجار، وذلك لما قدِمَ والدُ الفتاة، موغر الصدر، لكي يواجهها بما نمّ إليه عن مزاعم عارها. لكن زينو هيَ مَن تصدّت لطليقها، متخلّيةً عما اتصفت به من تعقل وحكمة. لِتُزيد الأمرَ سوءاً، حينَ بادرته بالقول: " تتحدث عن الشرف، أنتَ الذي أبدلت أمَّ أولادك بامرأةٍ صنيعة الملاهي! "
" وإذاً تنتقمين مني بتلويث شرف ابنتك، أيتها المرأة المجنونة؟ "، قالها وقد فقَدَ صوابه تماماً. عندئذٍ أشهرَ المسدس، مخاطباً الابنة: " ستأتين معي، حالاً ". الفتاة التعسة، كانت في الأثناء محتمية داخل حجرة النوم، المسدود بابها بجسد الوالدة الممتلئ. صرخت على الأثر أكثر من مرة، معلنة براءتها. أما عند باب المنزل، فإنّ العديدَ من نساء الجيران تجمهرنَ، وبعضهن أطلقن نداءات استغاثة عقبَ رؤيتهن الأبَ وفي يده السلاح:
" لقد جنّ، ولا شك "
" سيقتلُ البنتَ، حتماً "
" ولعله يقتل أمها، أيضاً!
" نادوا خالها، نادوا حوطيش "..

***
لكن ناجيّة لم تقتل بإحدى الطلقات، التي أصابتها في أعلى مقدمة كتفها. وكان الأبُ في ثورة جنونه قد وجه ماسورة المسدس باتجاه طليقته، عندما أوقفه شقيقها. حوطيش، المهدود البدن بالمرض، وصلَ متأخراً في نهاية فصل المأساة. وجوده، نجحَ بإعادة شيءٍ من العقل لرأس ابن العم. فما لبثَ هذا الأخير أن انسحبَ من المشهد صامتاً، ليأخذ طريقه نحو سيارته، المركونة على ناصية الدخلة، المؤدية لبيت حوطيش. عوضاً عن اسعاف الابنة، قاد السيارة إلى منزل عمّه العقيد كي يستنجد بمركزه في أمر هذه الورطة الدامية. من التطور اللاحق للقضية، ربما يُستشف أنّ العقيدَ أبدى في ذلك اللقاء استغرابه من أنّ الفتاة ما تزال حيّةَ.
السيارة الوحيدة في الزقاق، العائدة للسيّد بديع نورا هلّو، تولت بأريحية نقلَ الفتاة المصابة إلى المستشفى. تمت هنالك إزالة الرصاصة من كتف الجريحة، ولاحَ أنها اجتازت الخطرَ تماماً. زينو، التي بقيت في ردهة المستشفى، تلقت بفرح تأكيد الموظفين عن خروج ابنتها من حجرة العمليات وأنها في وسعها رؤيتها. ثم ما عتمَ أن حضرَ حوطيش مع امرأته، فسُمحا لهما أيضاً بمجالسة الجريحة. احتياطاً لاحتمال مقدم الشرطة للتحقيق، طلبَ الرجل من شقيقته التنازل عن إقامة دعوى بحق طليقها. لكنها رفضت ذلك باصرار، قائلةً أنه يستحق السجنَ. الفتاة الجريحة، وكان تناهى لسمعها الجدل بين الخال والوالدة، هتفت باكية: " إطلبوا من الطبيب الكشف عليّ، لتظهر براءتي واستعيد كرامتي ". لكن مجيء ضابط شرطة بهدف التحقيق، جعل المعنيين ينشغلون عن موضوعَ الطبيب.

***
يُقال، أنّ إصرار الأب على استكمال جريمته، إنما كان بسبب علمه بالدعوى المرفوعة عليه من لدُن طليقته. هذه الأخيرة، نجحت بإقناع ضابط التحقيق بوضع شرطيّ على باب حجرة ابنتها المصابة، هادفةً إلى حمايتها من أيّ تهديد محتمل. يومان مضيا غبَّ إجراء العملية الجراحية وتعويض المصابة عن دمها المراق، لم ينقطع في خلالهما الأقارب عن زيارتها. في اليوم الثالث، دخلت الممرضة إلى حجرة الفتاة وكان بيدها كيساً ورقياً: " يبدو أن أحد أقاربكم نسيه عند سدّة حجرة الاستعلامات "، قالت ذلك وهيَ تضع الكيسَ على طاولة واطئة بمتناول نزيلة الحجرة. لما رأت زينو محتويات الكيس، اتجهت إلى الممرضة بالقول: " أرجو أن تتممي معروفك باحضار آنية، لكي أضع فيها هذا الخوخ بعد غسله ". دقائق على أثر تناول ناجيّة لبضع حبّات من الخوخ، وتعالى أنينها بينما يدها تشد على البطن. استدعيَ الطبيبُ، وبمجرد علمه أن الحالة الجديدة لمريضته سببها ذلك الخوخ، أمرَ بإجراء عملية غسيل معدة. لكن الإجراء كان متأخراً، وما أسرع أن لفظت ناجيّة أنفاسها الأخيرة بين يدي الوالدة.
لقاء جريمته المُضاعَفة، حصل علي على عقوبة مخففة جداً. قيل أن عمه، العقيد، سبقَ وتوسّط مع القاضي لاعتبار الجريمة غسلاً للعار. في سبيل ذلك، حمل العمُ بعضَ أقارب الفتاة على الإدلاء بشهادة تزعم تلوث شرفها بعلاقة غير شرعية. أما شهادة الطب الشرعيّ، فلم تُطلب أبداً في المحكمة.
زينو، بقيت إلى آخر حياتها تنتفضُ جزعاً لمرأى ثمار الخوخ، أو لمجرد ذكر اسمه. وبالطبع، لم تعُد تستقبل في دارها أي مستأجر جديد.
خمسة أعوام على أثر رحيل ناجيّة، وستستعاد الحادثةُ المفجعة حينَ سقطت ضحية أخرى، بريئة، وذلك على خلفية إتهام مماثل عن علاقة مزعومة بشاب مستأجر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع