الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تغدو الشتيمة الجنسية، معياراً للوطنية!

نوفل شاكر

2020 / 10 / 18
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عندما تغدو الشتيمة الجنسية، معياراً وطنياً!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في العراق، وقبل أشهر، انتشر مقطع فديو لأفراد
من الأمن، و هم يعتدون على فتى بالكلمات النابية المنافية للأخلاق؛ فثارت ثائرة المجتمع. حتى أن هاشم العقابي قدم اعتذاراً لرغد صدام حسين!

وبصرف النظر عن لامنطقية اعتذار العقابي، فضلاً عن ديماغوجيته، وانفعاليته المصطنعة أصلاً؛ فإن هكذا ممارسات مدانة، ومرفوضة وينبغي معاقبة من يقومون بتوظيفها، ولا سيما إذا كانوا من العاملين في الأجهزة الأمنية.

تذكرت هذه الحادثة اليوم، بمناسبة الإعلان عن عودة برنامج (البشير شو).

إذا كان ثمة من نشر ثقافة الشتم الجنسي، ووظف المفردات الإباحية في النقد السياسي، وأشاع اللغة الشوارعية، والتعبيرات غير الأخلاقية، والكلمات ذات الإيحاءات الجنسية الصريحة؛ فهو هذا البرنامج الهابط (فنياً وأخلاقياً وذوقياً).

وبصرف النظر عن المستوى الفني المتهافت ل(البشير شو)، والذي هو محاكاة رديئة لبرنامج عربي آخر ( برنامج باسم يوسف). وبصرف النظر عن ثقل دم مقدم البرنامج، و عدم امتلاكه الموهبة، وتعكزه على المحاكاة السطحية، وبأسلوبٍ تهريجي منسجم مع ذائقة فئة عمرية معينة... بصرف النظر عما تقدم؛ فإنّ الفكرة التي يقوم عليها البرنامج، هي؛ التسطيح، والتسقيط، والتحريض السياسي، عن طريق توظيف عملية الشتم الجنسي (الفشار).

الفئة المستهدفة، هي شريحة المراهقين والشباب غير المثقف، حيث تستغل مثل هكذا برامج موجهة، حالة السذاجة الفكرية، والطفولة الثقافية، وانعدام الوعي، الذي عادةً ما يكون شائعاً بين هذه الفئة من المجتمع. فضلاً عن الأمية بشقيها: المجازي، والحقيقي؛ لممارسة عملية التحريض السياسي، و تمرير الرسائل السياسية المموهة. وكلنا يتذكر الدور التحريضي الذي قام به هذا البرنامج، في عملية تعطيل الدوام في الدوائر الحكومية، وإغلاق المدارس، والجسور، وقطع الشوارع العامة، والتحريض على استهداف القوات الأمنية، والبعثات الدبلوماسية.وكانت رسائله تستهدف بغداد و محافظات معينة وبالاسم.

قد لا نكون مبالغين، أو متحاملين، إذا ما قلنا بأن ثقافة الشتيمة والطعن بالإعراض؛ هي السمة التي تميز العلماني العراقي.

أول من وظّف الشتيمة الجنسية في الثقافة العامة، هو الشاعر الشيوعي مظفر النواب، ولما عوتب على ذلك، برر الموضوع ببيت شعري يقول فيه: " وهل تجدون بذاءة أكثر مما نعيش فيه؟!". وقد أصبح هذا البيت لاحقاً من أهم الشعارات المرفوعة في احتجاجات تشرين العراقية، ومورست تحت يافطته مختلف أنواع الشتائم الجنسية، والبذاءات.

إقرأ ديوان (الملا عبود الكرخي) المسمى ب "الأدب المكشوف" ستجده عبارة عن قاموس للشتائم الجنسية باللهجة العراقية الشعبية، وستجد (مونوغرافيا) كاملة وموثقة بأسماء عاهرات بغداد، وسماسيرهن المشهورين. وعندما نصل إلى عهد صدام، سنجد بأن الطعن في الأصول، و توظيف الشتائم المقذعة، أصبح الملمح الأبرز للثقافة السياسية لهذا النظام، حتى أن صحيفة بابل التي كان يرأس تحريرها عدي بن صدام، كانت قد نشرت سلسلة من المقالات، التي تستهدف الطعن بأصول أهل الجنوب. وفي هذا العهد برزت ظاهرة (المسرح التجاري)، الذي اعتلت خشبته مجاميع الغجر (الكاولية)، وبدأوا بتوظيف المفردة الهابطة في الحوار المسرحي، مما شوّه فناً عظيماً، يعبر عن هوية الشعوب وذائقتها الثقافية، كفن المسرح.

ومن هنا، فلو أخبرت شخصاً يتمتع بنصف قواه العقلية، بأن السب والشتم في تأريخ الدولة العراقية، ابتدأ بمجيء الإسلاميين بعد 2003 ثم تأتي بعد ذلك وتخبره بما تقدم، وتضيف عليه: بأنّ رئيساً كعبد السلام عارف، كان لسانه منفلتاً، وكان لا يتورع عن شتم خصومه السياسيين، سواءٌ كانوا شخوصاً أو دولاً، وبأقذع الشتائم. أو أن صدام حسين كان يكيل الشتائم، لخصومه، وحتى لقادته في اجتماعاته الخاصة. وأنّ المخابرات العراقية في زمن صدام، كانت تصنع النكات الجنسية البذيئة، التي تستهدف قوميات، وعشائر معينة في العراق، وتجعل منها مادةً للسخرية، والانتهاك الجنسي اللفظي، فإذا أخبرت شخصاً بذلك كله، ثم قلت له بأن تأريخ الشتم بدأ في العراق بعد 2003 فأن هذا الشخص سيضحك على سذاجتك المنطقية، وسيقول لك بأن منظورك التاريخي مصابٌ بالعمى الفكري... لماذا؟

لأن هذا يعد منطقياً، تناقضاً مستهتراً بعقول الناس. وهذا التناقض المستهتر، يكثر ترديده مؤخراً لدى العلمانيين العراقيين، المدافعين عن شتائم برنامج (البشير شو) ولغته الشوارعية، وذريعتهم في ذلك هي: أن الإسلام السياسي هو من أصل لظاهرة الشتم والسباب في المجتمع العراقي. هؤلاء السادة المتعلمنين، يقومون باستدارة تأريخية، لأنهم نتاج ثقافة تبريرية ضدية. فلسان حالهم يقول: نعم أحمد البشير يستخدم الشتيمة، ولكن علينا ألا ننسى بأنّ الإسلاميين استخدموها قبله، متجاهلين بذلك تأريخاً يمتد من قصيدة (الملا عبود الكرخي) الشهيرة "مات اللمبچي داود وعلومه"! فعل التذكير هنا هو للتبرير.

شخصية علمانية كبيرة كإياد جمال الدين، دعا علانية إلى توظيف الفشار(الشتيمة الجنسية باللهجة العراقية المحلية) في المظاهرات العراقية، وبدأ هو بممارسة ذلك في تغريداته و منشوراته اليومية.
شخصيات كفائق الشيخ علي، وغيث التميمي، وأسعد الناصري، تستخدم (الفشار) كمفردة للحوار السياسي، وكلغة للخطاب التعبوي. جرّب أن تختلف مع أحدهم، سيشكك بأصلك، ويطعن بنسبك، وعراقيتك، وعروبتك.

ماذا ننتظر ممن يشاهد برنامجاً كالبشير شو، في بيته، والمفردات المشحونة بالأعضاء التناسلية، والممارسات الجنسية، تتقافز من الشاشة، لتلتقطها آذان أخته أو بنته أو زوجته، مع الضحكات المبطنة... ماذا ننتظر من هكذا أشخاص أن يقدمو للمجتمع؟ نظرة واحدة في الشعارات المرفوعة في احتجاجات تشرين تخبرنا عن ذلك.

كيف يتشكل الوعي عند مراهق، وشاب، يتعلم الثقافة السياسية، من تغريدات شتّام كفائق الشيخ علي؟! كيف يُصنع الذوق المجتمعي ببرامج مثل "ولاية بطيخ"؟! كيف يتعلم الشاب العراقي، على حب الوطن، و ثقافة المواطنة، إذا كان "الناشطون المدنيون"، يشجعونه على السب والشتم والبذاءة، و الحرق والتخريب، وقطع الطرق السريعة، والجسور، ويباركون له تشكيل " فرق مكافحة الدوام"، ويبررون غلق المدارس، و يقومون بالاعتداء على الكوادر التدريسية لفظياً، و جسدياً عندما لا تمتثل لذلك؟ والمثقفون يبرورن لذلك كله، ويسوّقون الرثاثة، على أنها حالة من البروليتارية الثورية، ويصدرون خطاباً شعبوياً هابطاً، لأجل التملق والانتهازية.

الوطنية يا سادة ليست بالشتائم والمفردات الإباحية. الوطنية يا سادة، ليست بالتخريب والحرق والتخوين، الوطنية لا تعني الانحدار الذوقي، والاستهتار بالأخلاق العامة، والأعراف الإجتماعية، والفوضى... هذه ليست وطنية...
هذه فوضى، وتخريب، و بلطجة باسم الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام