الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيد الحمام : حياة خرج البيت / الأنشطار الروائي وسرد الشيئية لدى الروائي علي جاسم شبيب

مقداد مسعود

2020 / 10 / 18
الادب والفن


حياة خارج البيت / الأنشطار الروائي وسرد الشيئية
الروائي على جاسم شبيب في (صيد الحمام)
1-2
ذبالة الفانوس تتمايل
المعزى تتمايل من ثقل حملها
هي رواية للجميع وليس للناشئة، وهي الرواية المظلومة نقدياً أعني الرواية التي لم تتوقف عندها إلاّ الأقل من القليل من المقالات ومعظم الذين قرأوها لم يكلّف نفسه حتى بكتابة صفحة فولسكاب واحدة !!
(*)
بالنسبة لي لو كنت مترجماً لما ترددت ُ من ترجمتها إلى اللغة الانكليزية أو الفرنسية. وكلامي هذا قلته وجها لوجه مع مؤلفها حين كنا معاً في الغرفة المخصصة له في بيتنا زهرة الرمان حين كان البيت في شارع السعدي .
تأجلت كتابتي عن هذه الرواية : مرة من أجل أن يستقر إندفاعي نحوها
وثانية ًاستوقفني الملح الذي فيها ولكن هذا الملح لا يغترف إلاّ القليل من (فتيات الملح) للقاص والروائي البصري المغبون مجيد جاسم العلي، والملح الذي في (صيد الحمام) علاقته ضئيلة مع (مدن الملح) للروائي عبد الرحمن منيف. الملح الناصع الذي تستقوي به أسباب الحياة اليومية في( صيد الحمام) جعلني أعاود قراءة كتاب (الملح تاريخ عالمي) للباحث مارك كور لانسكي/ دار الساقي/ 2005
(*)
سؤالي منبثق من القراءة الاولى في 2010 ماهي الأسباب التي دعت (أبو بدر) لهذه الكتابة وهو في ألمانيا ؟ هل الحنين وحده للرحم الجغرافي/ البصرة؟ هل تحصنه بزمنه النفسي الخاص؟ والسؤال الآخر هو أن تجربته في حركة الأنصار غزيرة، فماهي الأسباب التي حالت دون كتابته عن تلك التجربة الجبلية؟ هل (صيد الحمام) محاولة واعية تستقوي بزمن نفسي عاشه المؤلف ؟
(*)
(صيد الحمام) هي رواية العزلة البيضاء ذات التجويف البيضاوي كالمغارة وهي حكاية الولد الوحيد المتعلق بأمه بحبل أبيض كالملح. بيت ناءٍ عن البيوت : ولد ٌ وأم ٌ من الكادحات في كشط الملح وبيعه في المدينة. حياتهما : الولد والأم : رصاصية كالفجر ومزمومة كفم يبسّه الموت. الولد يخرج من البيت يقف في عراء بياضه معتم بفراق الأم للتو. الولد يخرج من البيت. حزنه القديم يدخل عليه وحدته في البيت تدخل عليه.. كل يوم الأم تغادر وحيدها من أجل أن تستحلب أسباب الحياة اليومية. وهي لا تعرف أن الزائر الأخير كانت يستحلب حياتها. ربما الام تدري لكنها خشيت على وحيدها ولم...
(*)
يسري في الرواية سرد الشيئية، كأنني مع سرديات كلود سيمون في رائعته الروائية (طريق فلاندرا)..الروف الذي ينبطح طويلا وتغيب نهايته في السراب الذي تشكل مثل سنام،يعلو ويهبط . لكن الولد الوحيد يسعى صعودا ولا أحد معه سوى فأسه ويعتلي الحدبة الصلبة فتمتد البطاح أمامه بلا نهاية . هنا في توحده مع / في حزنه ينتابه أحساسٌ جديد : ها هو حزنه يفلت بجناحيه الأسودين ويطير نحو سعة البطاح ومع الطيران ، يتذاوب الرماد في روحه الجريحة فيسترخي الولد الوحيد في غفوة ٍ هل ترك حزنه ؟ كما يترك هو نعاله الذي ترغمه (عيدة) على لبسه وهكذا كانت عيدة : تجد زوجيّ النعال عند باب البيت كل صباح فكفت عن لك ويواصل الولد رغبته في الصعود في ص50 سيرتقي عمودا أملساً مع الأعمدة الأربع في (صيد الحمام) وتكون جلسته على قمة العمود وعلى جانب العمود وهو يترجل سيرى شفرات متراكبة/ 54
(*)
هي رواية الأم في سلطتها الرحيمة تتسيد فيها المرأة ويغيب أو يتغيب الأب وتتضح السيادة المطلقة للمرأة من خلال شخصية العارفة والحكيمة غدنة الخير
الأم كينونة لا تتوارى، كلما اقترب الوحيد من ضياء البحيرات الملحية أستنشق رائحة الام الزكية. الولد تراكم ألمه في روحه. فتضخم حزنه يبيسا، راح الولد يركل كل حجارة تعترض ألمه، يركلها بقدمه الضخمة وأصابعه الغليظة المكورة،لا عزاء ولا مواساة ..إلى أين يتجه الوحيد اليتيم؟ بادر مسرعا.. فتح الحظيرة وقن الطيور فتعالت الأصوات : ثغاء الخراف والماعز وصياح الديكة . ثم راح الشمس تطلي اليوم ببهجتها المذهبة فتذهبت أغصان السدرة . في اللحظة الكرنفالية. ودّ الولد الوحيد : أن لا يحضرأي أحد ويبقى كل شيء كما هو.. هنا مهارة الروائي علي جاسم شبيب: الكيونة الإنسانية تكتمل بهذه اللحظة النباتية وألفة الحيوان الوفي
ما هي الجدوى من أقارب يسلبون المرأة الميتة، ولا يفكرون بحياة وحيدها ؟
لم يبق له من أرثٍ سوى شجرة التوت المغمورة شمسا وظلا رطبا هنيئا . لم يبق له سوى مخروطية القمم الملحية في الغرفة . من قسوة هذه اللحظة الملحية ستبزغ أمه مجددا نكاية بالموت : تبزغ/ تنهض/ تظهر بيضاء مثل بلورات ملح
متراصة متماسكة، ظهرت الأم الكادحة ..وأول ما ظهر منها خطواتها وهي تخوض في ملوحة الماء، يتقوس جذعها تمتد كفاها تجمع أكواماً مدورة ً، ترصها على هيئة كرات . ثم تنقلها وتنضدها في زنبيل .. الأم تواصل كدحها والرهق يتوغل في جسدها الهش المكابر: نزيز الملح يسيل على ربلة ساقيها وكعب قدميها. راحة البال محض لطخات في حياة الأم .. فالحياة : ملابس سوداء لطخها العجين الأبيض
والولد نفسه يشعر بأن حزنه يفلت بجناحيه الأسودين ويطير في فضاء البطاح الواسع. وبهذا الشعور هدأت روحه فأسترخى وغفا ..
(*)
الولد الوحيد يرص حياته كما يرص فجوة ً داخل الروف. حياته واخزة وممتدة ومسودة مثل حصران العاقول بإبرها المسّودة، تقطع أمتدادها نباتات خضراء ذات أوراق صغيرة. وحياة الولد الوحيد ملتمة على نفسها مثل هذه الأوراق وأيامه لا تشبه أيام الآخرين فمن أيامه تنبجس رائحة العاقول بخليط من روائح تراب فجوة مغارته, مساراته : رملٌ يشكل في كل مسافة ٍ حاجزاً مثل السيوف. والولد نظيف الذات مثل حجرة والدته المتوفاة
(*)
الذهب لاغوية له على الولدين.
أكتفى الولد اليتيم بخاتم ذهب لحبيبته (عيدة)
وذو الرائحة وهو مكتشف الكنز الذهبي : قرر مقايضة الذهب كله مقابل شفاءه مماهو فيه .
(*)
السرد
في الرواية : يتغلب الصمت على الكلام، ومن الصمت يستحلب القارىء أجراس الطبيعة وجغرافية الأمكنة وهنا تكون الغلبة لمسردة الأشياء. ذلك السرد الثمين الجميل الأنيق بحركته المتباطئة حتى نتذوق النص بحاستيّ الرؤية والسمع وبمهارة من طراز خاص استغنى المؤلف الروائي علي جاسم شبيب من عنصر مهم من عناصر الرواية وهو الحوار. قولي هذا ينطبق على بداية الرواية حتى ص37 حيث يطل علينا الحوار مكثفا وكاشفا لشخصية ولد ثان عائش بين بقايا الاموات والتوابيت المتكأة على الجدار ومن هذا الولد الثاني سنستلم كشوفات الغموض وتأويلاته البرية حول المكان المسمّى (صيد الحمام) هنا ينسحب السارد المطلق بظهور سارد مشارك وهو الولد الوحيد الثاني. وهذا هو المفترض لكن المؤلف / السارد المطلق يزيحه ويسرد لنا حكاية الولد الثاني، ويصادر صوته وينوب أيضا عن شهرزاديات المتواليات الحكائية التي مر بها الولد الثاني .ورغم الحوارات المقتضبة، فأن كفة سرد الأشياء لها نسبة عالية في الرواية
(*)
يقوم الولد الأول بوظيفة سردية تفصيلية لحياة الولد الثاني المميّز برائحته والمتلقي لهذه السردية هو الراعي، وهنا أيضا سيقوم السارد المطلق بتوجيز ذلك التفصيل بأقل من سطرٍ وتقديمه للقارىء (تقدم من الراعي وجلس بجانبه. قصّ عليه حكاية الطويلة / 76)
(*)
يتحول الراعي عبعوب الذي كان يتلقى سردا من الولد الأول إلى سارد في ص93
وهكذا يتم تدوير السرد وتقديمه إلى شقيق عبعوب ..
(*)
لماذا تأخرت تسمية الولدين ..!! حتى ص101؟ ما المقصود من هذا التأخير؟ ولماذا ذو الرائحة بادر/ كشف عن اسمه؟ رافضا علامته الفارقة / رائحته؟ : (فوقفوا مذعورين من هيئته كانت عينا ذي الرائحة واسعتين خائفتين... رفع رأسه وقال بتحدّ وصوت قاطع: أنا لست ذا الرائحة.. اسمي شهاب) وبسبب هذا الجهد المبذول في الإشهار.سيلتقط السارد ظلال ذلك على شهاب( تقطعت أنفاسه وحشرج صوته.) وهذا جانب ثر آخر في رواية (صيد الحمام) أعني أنها رواية تنتج أسئلة وتدعو القارىء للمشاركة في تحريك السرد إلى مديات أوسع
*علي جاسم شبيب/ صيد الحمام/ إصدارات اتحاد أدباء البصرة/ 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر تقرر توسيع تدريس اللغة الإنجليزية إلى الصف الخامس ال


.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر




.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى


.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا




.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح