الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفقة الأمازيغية لنصف قرن: من التداول الشفوي إلى المأسسة والكتابة (كلمة شكر وامتنان)

الحسين أيت باحسين

2020 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


أعزائي السيدات والسادة الزملاء،
إنني ممتن لجميع الحاضرين، اليوم، في مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تخليدا للذكرى التاسعة عشرة للخطاب الملكي السامي بأجدير؛ وبمناسبة مراسيم منح جائزة الثقافة الأمازيغية، وتهنئة الفائزين بجوائز الثقافة الأمازيغية برسم سنة 2019 التي يمنحها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمناسبة ذكرى خطاب أجدير وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في 17 أكتوبر 2001. ولا يفوني أن أشكر إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على تنظيمها لهذا الحدث، أخذا بعين الاعتبار مراعاة الظروف الصحية التي فرضتها جائحة كورونا كوفيد-19 من واجب الاحتراز وحتمية التقيد بالتدابير الوقائية؛ كما لا يفوتني أن أهنئ الزميلة والزملاء الذين أتقاسم معهم هذا الاحتفاء بمناسبة منح جوائز الثقافة الأمازيغية برسم سنة 2019؛ فهنيئا لكل الفائزين، وشكرا لكل المنظمين.

أعزائي السيدات والسادة الزملاء،
منذ عقد من الزمن نُظِّمَ لنا: أنا؛ كباحث، آنذاك، في مركز الدراسات الأنتروبولوجية والسوسيولوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ ومُحْتَفِيَتَيْنِ بهما؛ يوم 22 دجنبر 2010؛ حفلُ تكريم في هذه المؤسسة وفي هذه القاعة؛ وهما الأستاذة فاطمة بوخريص، من مركز التهيئة اللغوية، التي ستستأنف آنذاك مشوارها الثقافي والعلمي الأكاديمي بالعودة إلى الجامعة من حيث ولجت مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ والأستاذة هنو لعرج من مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية؛ التي ستحال آنذاك، مثلي، على التقاعد ابتداء من فاتح يناير 2011.
منذئذ اعتقدت أن ذلك التكريم هو بمثابة قطع الحبل السري بيني وبين هذه المؤسسة. وبكل صدق، لم أكن أتوقع تكريما من هذا المستوى؛ لكن أدركت؛ من خلال تكريم اليوم أن هذه المؤسسة لا تتنكر لنساء ورجال يناضلون من أجل الحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي، ويقدمون خدمات لقضية (هي الأمازيغية) ولمؤسسة (هي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية) من أجل تحقيق الأهداف المنوطة بها.

أعزائي السيدات والسادة الزملاء،
إنني مَدينٌ؛ تِباعا؛ لمجالين اجتماعيين هما: مجال العالم القروي الذي عَرَفَتْ فيه طفولتي تَنْشِئَتَها الأولى، ومجال الفضاءات التعليمية والتربوية التي تَرَسَّخَتْ فيها تنشئتي الثقافية؛ ومَدينٌ أيضا لمؤسستين هما الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ أقول مَدينٌ لهذين المجالين ولهاتين المؤسستين في الولع والوجد الذي أُكِنُّه للقضية الأمازيغية منذ أزيد من نصف قرن؛ دون أن تُغريني مُختلفُ الأهواء الأخرى التي ملأت كلَّ السبل التي مررت منها منذ بداية الاستقلال، وما واكبه من تبخيس للأمازيغية، إلى اعتراف الدولة رسميا بالأمازيغية وإحداث مؤسسة عُهد إليها برعايتها وتأهيلها وانتقالها من طابعها الشفوي إلى وضع اللغة الرسمية الدستورية المعيارية؛ وذلك لتجاوز ما كانت تعاني منه عبر تاريخها العريق، ألا وهما المأسسة والكتابة؛ بالرغم من أنَّ الأنظمة السياسية التي سادت في مجال تداولها منذ العصور القديمة، في شمال إفريقيا، بل وحتى خارج هذا المجال، كانت مؤسسة من طرف الأمازيغ أنفسهم.
لقد وَجَدْتُ، طيلة هذه المدة، متعة مستمرة في الاهتمام بقضايا الأمازيغية التي مكنتني من تشكيل مناعة قوية ضد كل تبخيس لها، والسير مع رفاق الدرب في المجالين وفي المؤسستين المشار إليهما سابقا؛ وكنا، في ذلك، متأبطين بثلاثة أساليب هي: الحوار أولا، والحوار ثانيا، والحوار ثالثا مع الجميع: سواء مع الخصوم أو مع ذوي القربى!
لقد كانت أدواتنا ووسائلنا، في بداية الأمر، بسيطة ومحدودة، تتمثل في سُبُلِ جعل الأمازيغية تنتقل من الشفوية إلى الكتابة؛ أي من التداول الشفوي إلى التدوين الكتابي؛ من خلال الجمع والتدوين والنشر في أفق محدود. وفي نفس الوقت انطلق الرعيل الأول؛ كل في تخصصه العلمي والأكاديمي الجامعي، داخل الوطن وخارجه؛ في اتخاذ قضايا الأمازيغية مجالا للاهتمام والتخصص العلميين والأكاديميين الجامعيين.
الشيء الذي مهد الطريق لفتح الباب أمام خلق منابر للتحاور حول القضية الأمازيغية وإنتاج خطاب يستهدف، في نفس الوقت، رفع شعارات حول مشروعية الأمازيغية ونشر دراسات وأبحاث علمية وأكاديمية مدعمة لتلك المشروعية؛ المشروعية التي استندت أيضا إلى مطالبة المجتمع المدني، المتمثل في العمل الجمعوي الأمازيغي، بالاعتراف الرسمي بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة؛ إمّا بواسطة الوساطة الثقافية أو بالترافع من أجل إحقاق الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية أو بالانخراط في أوراش تنموية في العالم القروي المهمش.
وحين أتت رياح طي صفحة "سنوات الرصاص" السياسي في بداية الألفية الثالثة؛ أعلنت الدولة أيضا عن طي صفحة "سنوات الرصاص" الثقافي؛ متمثلا في خطاب العرش يوم الإثنين 30 يوليوز2001 ولخطاب أجدير ولإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من نفس السنة يوم الأربعاء 17 أكتوبر 2001، وإدماج الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام، واعتماد أبجدية تيفيناغ، بمصادقة ملكية، حرفا رسميا وحيدا لكتابة الأمازيغية بالمغرب يوم الإثنين 10 فبراير 2003؛ لِيَلِيَ ذلك الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 الذي يعتبر بمثابة استجابة لمطالب الحركة الأمازيغية؛ ويتوج ذلك بالاعتراف الرسمي بالأمازيغية في دستور فاتح يوليوز 2011 رغم مختلف تحفظات الآلية السياسية آنذاك (تجاه تيفيناغ وإشراط ترسيم الأمازيغية بقوانين تنظيمية).
لكن، ومن باب ثقافة الاعتراف، ينبغي الاعتراف بالقيمة المضافة للأمازيغية خلال العقدين الأخيرين مقارنة بوضعها خلال نصف القرن، منذ استقلال المغرب من الاحتلال الأجنبي الفرنسي والإسباني، إن لم نقل منذ قرون وقرون من تاريخها في وطنها؛ إذا ما استثنينا ما قام به الأجانب في فترة الاحتلال الفرنسي والإسباني من أبحاث ودراسات في مختلف مجالات المعرفة؛ ويا لها من مفارقة !وبالمناسبة لا ينبغي تبخيس ما أنتجته الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في ظروف، تمّ نعتها ب "سنوات الرصاص" الثقافية، ويتمثل ذلك في أزيد من 80 إصدارا في مختلف المجالات والتخصصات؛ كما ينبغي التنويه بما أصدره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مختلف ميادين المعرفة، ويتمثل في ما يناهز 400 عنوان في مختلف التخصصات.
وسيكون من القيمة المضافة أيضا أن يتفضل مجموعة من الباحثين والفاعلين الجمعويين، بالمشاركة في إغناء مكتبة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بما يملكون من مراجع ومصادر من شأنها أن تغني رصيد المكتبة، وتُيَسِّرَ مجهودات الباحثين والطلبة اقتداء بمبادرة كل من عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الأستاذ والباحث أحمد بوكوس، وأسرة الفقيد الأستاذ والباحث قاضي قدور، وأسرة الأستاذ الحسين أيت باحسين؛ وذلك بجعل خزاناتهم الشخصية هبة لمكتبة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وذلك تفاديا لما عرفته خزانات ملوك ومفكرين أمازيغ عبر التاريخ من مصير مجهول، بدءا بمكتبة يوبا الثاني، وأبو الحسن المريني والمختار السوسي والقائمة طويلة.


أعزائي السيدات والسادة الزملاء،
أملنا في أن يأخذ جيل الشباب مشعل التعامل مع القضية الأمازيغية بشكل عقلاني وحداثي، ووفق ما يقتضيه تنزيل القوانين التنظيمية الخاصة بالأمازيغية، بما لها وما عليها؛ وأملنا أيضا في أن تعاد الهيكلة التنظيمية والتدبيرية لجمعيات الحركة الأمازيغية لكي تتلاءم مع المستجدات والآفاق التي عرفتها وستعرفها القضية الأمازيغية، واعتمادا على ما تتيحه ثورة الرقمنة ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة.
لقد استطاع الرعيل الأول أن يخلق نخبة؛ تعددت النعوت التي أطلقت عليها عبر نشأة وتطور الحركة الأمازيغية؛ ولكنها افتقرت إلى جمهور يتبنى ويجسد على أرض الواقع أفكارها؛ أمّا اليوم فقد عَظُمَ الجمهور ونَذُرَتْ النخبة؛ وتلك مشكلة حلها، وفق ما تقتضيه المستجدات والآفاق؛ إعادة التوازن المختل بإحداث التكامل بين أنشطة هياكل خاصة بالنخب المتبقية، وبين هياكل تنظيمية خاصة بتشبيب الأطر التنظيمية والتدبيرية، مع الأمل في مزيد من التعاون الناجح.

ختاما، أعزائي السيدات والسادة الزملاء،
شكرا على هذا التكريم، إذ يسعدني كثيرا أن أكون من بين المحتفىن والمحتفيات بهم وبهن في هذا اليوم؛ وأشكر، بكل إخلاص، كل رفيقات ورفاق الدرب منذ بداية السبعينيات الذين ساهموا في تأهيلي لأنال اليوم هذا التكريم؛ إنني مُمْتَنٌّ جدا للجميع على تكريم اليوم.
كما أشكر أصدقائي وأقاربي وأفراد أسرتي الصغيرة على دعمهم وتحملهم المستمر، طيلة هذه العقود؛ لكل ما تطلبته المجهودات والتضحيات من أجل المساهمة في الترافع من أجل الاعتراف الرسمي بالأمازيغية، هذا التكريم سيذكرني؛ أيضا ودائمًا؛ بضرورة مواصلة بذل كل جهد ممكن لمتابعة العمل من أجل تجسيد مقتضيات الدستور المرتبطة بالأمازيغية، بعد المصادقة على قوانينها التنظيمية، على أرض الواقع.

الحسين أيت باحسين
بمناسبة حصولي على الجائزة التقديرية للثقافة الأمازيغية برسم سنة 2019.
الجمعة 16 أكتوبر 2020، بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على الحرب في غزة تتحول لأزم


.. هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تعود إلى الواجهة من جديد بعد




.. التصعيد متواصل بين حزب الله وإسرائيل.. وتل أبيب تتحدث عن منط


.. الجيش الروسي يحاول تعزيز سيطرته على شرق أوكرانيا قبيل وصول ا




.. مع القضم الإستراتيجي والتقدم البطيء كيف تتوسع إسرائيل جغرافي