الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الدين: الدين عند القبائل الجرمانية القديمة

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2020 / 10 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الكاتب: سيرجي الكساندروفيتش توكاريف

ترجمة مالك أبوعليا
الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

عندما كانت القبائل الجرمانية على اتصال مع الشعوب المًتحضرة في العالم القديم، كانوا تقريباً في نفس مراحل تطور السلافيين: مُعظمهم كانوا قد بدأوا للتو في الخروج من المُجتمع العشائري البحت. تبعاً لذلك، حافظ دينهم على أشكاله القديمة. ومع ذلك، كانت القبائل والمجموعات الجرمانية المُنفردة مُختلفةً عن بعضها البعض اختلافاً كبيراً من حيث تطورها ودرجة تأثرها بمعتقدات السلتيين والرومان، ثم المسيحيين لاحقاً. لذلك فان الديانة المُبكرة للقبائل الاسكندنافية الشمالية، التي كانت بعيدةً عن هذا التأثر، استمرت لفترةٍ أطول من الدين الذي كان موجوداً عن القبائل الجنوبية، وخاصةً الجنوبية الغربية-الراين والدانوب. بشكلٍ عام، من المُستحيل الحديث عن الدين الجرماني القديم كشيء ما موحّد، بتجاهل الفروق القَبَلية والجغرافية والتغيرات التي حدثت طوال الفترة التاريخية بأكملها. كان لدى الجرمان القدماء آثار قديمة لأشكال طوطمية. تتجلى هذه البقايا بشكلٍ رئيسي في أسماء بعض القبائل: الشروسكي Cherusci والمُستمد من كلمة Heruz والتي تعني الرنّة الصغيرة. قبيلة البوري Buri من كلمة Eber والتي تعني الخنزير البرّي. هناك أساطير حول نشوء القبائل والعشائر، أنها نشأت من الأشجار، وأسطورة حول عشيرة الميروفينجيان Merovingian التي انبثقت من وحش الماء. ان الدلائل على الطوطمية واضحة أيضاً من الأسطورة التي تقول أن أصل جميع الناس بشكلٍ عام هو من الأشجار: الرجال من شجر الدردار Ash Tree والنساء من من شجرة الدّر Alder Tree.
شوهِدَت بقايا الطوطمية أيضاً في عبادة الحيوانات المُقدّسة، والتي كان بعضها بمثابة رموز للآلهة: الذئب والغراب والحيوانات المُكرّسة للاله أودين Odinn، والخنزير البري بالشعيرات الذهبية في الأساطير الاسكندنافية، الخ.
من الصعب أن نُقرّر ما هو أصل عبادة الصخور المُقدّسة. نحن نعرف عن هذه الممارسة من اللُقى الأركيولوجية (الصخور ذات الحواف التي صنعها البشر)، ومن الكتابات والأرشيفات الكُنسية. ربما كانت هذه العبادة مُماثلة لما هو موجود عن اللابلانديين Laplanders(أ) الحديثين. يذكر الكُتّاب الكُنسيون أيضاً الأشجار والينابيع المُقدسة وعبادة النار المُقدسة التي كان من المُفتَرَض أنه كان لها بالنسبة لهم، خصائص تطهيرية وشفائية.
كان أيضاً من بين مُعتقداتهم الأولى الايمان بالعديد من أرواح الطبيعة- الجان Elves، وحوش الجبال Mountain Trolls وحوريات الماء Water Nymphs وأقزام تحت الأرضية underground gnomes الخ، بعضها كان ودوداً، والبعض الآخر كان عدائياً، مثل الذئب العظيم Werwolves. تعكس مثل هذه المعتقدات اسلوب حياة قبائل الصيد التي كانت تعيش في بيئة قاسية، ولكن وفيرة في كثيرٍ من الأحيان. أثبتت هذه المعتقدات أنها العناصر الأكثر قابليةً للصمود على مدى قرون طويلة في الديانة الجرمانية القديمة. لقد تم حفظها في المُعتقدات الشعبية، وأحياناً في الفلكلور حتى يومنا هذا. انتشرت بين الجرمان الطقوس الشفائية والوقائية-استخدام طرد الأرواح الشريرة والنار ومُختلف التعويذات، وممارسة
عملية سحب المريض في حفرة محفورة في الأرض، وكذلك استخدام الأعشاب العلاجية. كان الايمان بالشعوذة قوياً للغاية. كان الناس على يقينٍ من أن سحرةً ومشعوذين مُعينين لديهم قوىً خارقة للطبيعة. من المُثير للاهتمام أن أفكارهم عن الآلهة قد تأثرت أيضاً بالسحر. تم وصف الآلهة في الأساطير الجرمانية بأنهم سَحَرة أقوياء. لعب نظام عرافة شامل دوراً مهماً للغاية في مختلف جوانب حياة الناس الاجتماعية والخاصة. كان الناس يتنبؤون بأمورٍ معينة بناءاً على طيران الطيور وبعض سلوكيات الخيول المُقدّسة، والقيام بالقُرعَة بالحروف الرونية Rune الجرمانية.
لم تكن طقوس الدفن هي نفسها في كل مكان. مارست بعض القبائل حرق الجُثث كما حدث في العصر البرونزي، ودفن بعضهم الآخر موتاهم في الأرض. آمن الجرمان بالبعث، وهذا على ما يبدو قد أبعد عنهم الخوف من الموت. وفقاً للأساطير الجرمانية، فان المُحاربين الذين قاتلوا بشجاعة وماتوا في المعركة يذهبون الى القاعة المُقدسة فالهالا Valhalla في قصر الاله أودين الرائع، حيث يمضون وقتهم بالاستمتاع بالموائد والمُتَع الأُخرى. كانت القبائل الجرمانية تعبد الموتى في اطار العبادات العائلية-العشائرية المُتعلقة بالأسلاف، حيث كان كهنة هذه العبادة هم أنفسهم رؤساءاً للعشائر والعائلات.
كان الشكل السائد للدين الجرماني القديم خلال فترة التفاعل الجرماني-الروماني هو عبادة الألهة القَبَلية والغابات القَبَلية المُقدسة والمزارات الشجرية المُقدسة Sacred Groves التي غالباً ما ذكرها المؤلفون الرومان. كان لكل قبيلة غابتها أو مزارها المُقدس حيث هناك تُقيم عروضها العامة وطقوسها المُختلفة، وهناك يجتمع الناس لمناقشة الشؤون القَبَلية. نحن نعرف مزارات باتافي Bataviوفريسي Frisii وشيروسكي المُقدسة. عندما بدأت القبائل في توحيد هذه المناطق، صارت أحياناً مراكز للطقوس الدينية القَبَلية المُشتركة.
عدد قليل من الآلهة القبَلية الراعية التي عرفنا عنها، صارت هي في الأساس آلهة تحالفات قَبَلية شاملة. يذكر الكُتّاب الرومان الآلهة القَبَلية التالية: تامفانا Tamfana الهة Godess المارسيين Marsi والقبائل ذات الصلة. برادوهينا، الهة الفيسيين Fisii. نيرثوس Nerthus الهة تحالف عدة قبائل في شبه جزيرة جوتلاند Jutland، والتي كانت منطقتها (أي منطقة نيرثوس) تقع في احدى الجُزر. السيز Alcis وهما آلهة توأم للنهانارفاليين Nahanarvali. كان الناس الذين يعيشون حول الروافد الدُنيا لنهر الراين يعبدون الالهة نيهالينيا Nehalennia التي نُقِشَ اسمها على العديد من الأدوات.
نشأت بعض الآلهة الجرمانية العظيمة-ان لم تكن جميعها- من قبائل فردية أو تحالفات قَبَلية. كانت هذه الآلهة، شخصيات مُعقدة وتعود عناصرها الى اصولٍ متنوعة.
ان أكثر اله تعقيداً هو وودان Wodan الذي يعود للقبائل الجرمانية الجنوبية. كان يُعادل أودين عند الجرمان الشماليين. كان وودان اله العواصف والزوابع. من ناحيةٍ أُخرى، كان أيضاً اله الموتى، وسيد ممكلة الأموات وقائد الأرواح. أصبح وودان (أودين)، خلال عصر الديمقراطية العسكرية والحروب القَبَلية المُستمرة، أهم الآلهة. في الأساطير الجرمانية الشمالية، حكم أودين فالهالا، وقامت المحاربات العذراوات Warrior Maidens بجلب أرواح المُحاربين الشجعان الذين يسقطون في المعركة اليه. وفقاً للأساطير، كان أودين هو الاله الرئيسي والمُحارب، لكنه في الوقت نفسه كان ساحراً حكيماً يعرف كل شيءٍ عن الأحرف الرونية السحرية. كان وودان، عند الجرمان الجنوبيين، مُرتبطاً بعالم البشر النفسي أيضاً. لقد كان اله العواطف العاصفة والجنون والهذيان. ربما كانت هذه بقايا المفاهيم الشامانية. كان وودن مُرتبطاً بمُعتقدات "الصيد البري"-وهو الاعتقاد الذي لا يزال قائماً في ألمانيا- هو حشدٌ من الأرواح الميتة التي تحملها عاصفة زوبعية الى السماء. يُطلَق على "الصياد البري" في بعض الأماكن حتى اليوم اسم وود Wode "سيد الضراوة" (أودين في السويد).
كانت السمات الطبيعية Natural واضحةً بقوة في الآلهة العظيمة الأُخرى. هذا هو الحال مع الاله الاسكندنافي ثور Thorr اله الرعد والبرق، يحمل مطرقة البرق، وتير Tyr اله السماء المُشعة، وبالدر Baldr اله الخصوبة والربيع والنباتات، وفرير المُرتبط كذلك بالخصوبة، ولوكي Loki اله النار الماكر والمُخادع. كان لمُعظم هذه الآلهة علاقة بالزراعة. على سبيل المثال، كان الفلاحون يعبدون الاله ثور أكثر، على عكس أودين الذين كان الهاً للأرستقراطية العسكرية. كان تشكيل مجموعة آلهة قومية للجرمان انعكاساً جُزئياً للوحدة بين القبائل، وكذلك وسيلة لتحقيق هذه الوحدة. كان هذا صحيخاً بالنسبة للشعوب الأُخرى أيضاً، تقوّى هذا الاتجاه نحو الوحدة عندما كانوا يُقاتلون الرومان.
نحن لا نعرف الا القليل جداً عن الأساطير الجرمانية. في الغالب ما نعرفه هو المعتقدات الأسطورية الجرمانية الشمالية والاسكندنافية، بشكلٍ رئيسي من الفترة اللاحقة عندما لم تحتوي على عناصر شعبية صرف وعندما تم اضفاء صور فنية عليها. هذه المعتقدات موجودة بشكل رئيسي في ايدا الشعرية Poetic Edda، وهي المجموعة الشعرية التي كان من المُفترض أن سيموند سيغفوسون Saemund Sigfusson قد سجّلها (القرنين الحادي عشر والثاني عشر في ايسلندا). ان أغاني ايدا الحقيقية ، التي جمعها وراجعها سيموند، تعود جُزئياً الى فترة سابقة، اي الى القرنين التاسع والعاشر. لكن اللاهوت المسيحي أثر عليها، وأثر بشكلٍ أكبر على الأساطير في نثر ايدا Prose Edda (ايدا الصُغرى التي سجّلها سنوري ستورولسون Snorri Sturluson من ايسلندا في القرن الثالث عشر).
تحتوي الايدا في المقام الأول على الأساطير الكونية. اعتقد الجرمان أن هناك كائنات خارقة للطبيعة أُخرى قوية عاشت قبل أن تخلق الآلهة العالم. لقد كانت هذه الكائنات هي الجوتنار Jotnars (عمالقة الجليد). قامت الآلهة بقتل أحد هؤلاء الجوتنار، وهو العملاق ايمير Ymir من ثم قامت الآلهة بخلق السماء والأرض من جسده. خلقت الآلهة الناس من الأشجار-الرجال من شجر الدردار والناسر من الدر. عاشت آلهة آيسر Aesir النرويجية في آزغارد Asgard والذي هو (اي الآزغارد) مثل اوليمبوس اليونانية، حيث أقامت الأعياد والألعاب. تصوّر الأساطير ايضاً صراع آلهة الآيسر ضد هجوم العمالقة Giants، وكذلك صراعها ضد نوعٍ آخر من الآلهة يُسَمّون الفانير Vanirs. على ما يبدو، كان الفانير تجسيداً لعناصر عرقية أجنبية. يعتقد بعض العلماء أنهم كانو قبائل جرمانية جنوبية، ويعتقد آخرون أنهم كانوا سويديون عاشوا بالقرب من بُحيرة فانيرن Vanern، أو فنلنديين أو حتى سلافيين (الونديين) Wends.
تحتوي الأساطير الاسكندنافية أيضاً على قوىً شريرة أُخرى نشأت من الجوتنار القديمين، مثلاً الذئب الرهيب فينرير Fenrir، وسيد عالم النار سورتر Surtr، والهة الموت الكئيبة والعالم السفلي هيل Hel، والكلب المُخيف جارمر Garmr الذي كان يحرس مدخل مملكتها السرية، والجوتنار التنين فافنير Fafnir، والأقزام السود الذين يُطلق عليهم اسم الالفس Alfs الذين نشأوا من الديدان في جثة ايمير. ظهرت هذه الكائنات الأسطورية المُظلمة على ما يبدو خلال فترة الحروب بين القبائل و والغارات التي كان الفايكنغ الشرسون يقومون بها. قاتل الآلهة والأبطال باستمرار ضد قوى الشر هذه. كان سيغوردر Sigurdr أحد الأبطال الرئيسيين، وهو النسخة الاسكندنافية من هرقل.
هناك اسطورة مُثيرة للاهتمام تدور حول نهاية العالم. انها في نبؤة سيبيل Sybil، أغنية ايدا الأولى، والتي تحتوي أيضاً على حكاياتٍ عن نشأة الكون. انها تُحذر من أن قوى الظلام ستصعد ذات يوم، وسوف يموت الآلهة والبشر أثناء قتالها، وسيختفي العالم في حريقٍ عظيم. لكن بعد نهاية العالم سوف يولد من جديد- سيرجع الاله بالدر الرائع من مملكة الموتى، وسيعيش جيلٌ جديدٌ من الآلهة في نعيمٍ وسلام.
تُظهر هذه الأسطورة تأثير قصة نهاية العالم المسيحية، ولكنها ايضاً تعكس المفاهيم الأسطورية الأصلية حول اله الخصوبة المُحتضر بالدر والفكرة ما قبل المسيحية حول الصراع بين قوى الخير والشر.
تملئ جميع الأساطير الجرمانية الشمالية بمفاهيم قاتمة. يتوافق هذا الوضع مع الحياة العسكرية للقبائل البربرية التي كانت تُقاتل بعضها باستمرار. كانت هناك أرستقراطية عسكرية على رأس القبلية، والتي كانت تنظر الى العالم من خلال موشور الأساطير. ولكن كان هناك أيضاً عُنصر مُشرق آخر متشابك مع هذا، أي العبادة الفلّاحية الزراعية لآلهة الخصوبة.
احتوت الايدا على قصصٍ عن آلهةٍ أُخرى أيضاً، على سبيل المثال، النورنس Norns آلهات المصير الاناث. لقد كانت ثلاثة شقيقات- ويرد Wyrd (الماضي)، وفيرداندي Verdandi (الحاضر) وسكولدر Skuldr (المستقبل). كانت هناك كائنات أُخرى مثل شجرة العالم، أي شجرة ايغراسيل Yggdrasill، وحصان اودين ذو الثمانية أرجل سليبنر Sleipnir، والسمات المُقدسة للآلهة والأبطال، والأغراض التي تحمل أسماءاً للأشخاص مثل مطرقة ثور ميولنير Mjollnir، وسيف سيغورد المُسمّى غرام Gram.
عندما حارب الامبراطور الروماني يوليوس قيصر الجرمان، لاحظ أهم فرق بينهم وبين السلتيين: "... ليس لديهم كهنة أو سَحرة يشغلون وظائف مُقدسة، ولا يولون أهميةً كبيرةً للقرابين" (يولويوس قيصر، الحرب في الغال وملاحظات أُخرى). سجّل قيصر عادةً مُثيرةً للاهتمام وعتيقةً عند الجرمان، الا وهي (السوفي Suevi) والتي بموجبها تكون النبؤات والتكهنات حول ارادة الآلهة، حتى في مسائل الحرب، هي من عمل النساء المُسنات، أي رئيسات المنازل. هذا دليل قوي على بقايا العلاقات الأمومية.
أدت الاشتباكات مع الرومان الى تسريع تفكك النظام المشاعي-القَبَلي الجرماني. بالفعل، بعد 150 عاماً من القيصر، كتب المؤرخ الروماني كورنيليوس تاسيتوس 56-120 بعد الميلاد، عن مكانة الكهنة الجرمان (ساكيردوتيس Sacerdotes). لقد تمتعوا بمكناة أكبر بكثير من زعماء القبائل- (الملوك Reges) والقادة العسكريون (الدوسيس Duces). كان الكهنة مسؤولين عن المحكمة ويتحدثون بالنيابة عن الآلهة ويمكنهم الحكم على الشخص بالاعدام واتخاذ قرارات بشأن العقوبات الأخرى. كانوا أيضاً قادة الاجتماعات القَبَلية. كان الكهنة، بالطبع، يسيطرون على كل الأمور المُتعلقة بالعبادة والقرابين والعرافة. لسوء الحظ، لم يُشِر أيٌ من الكُتّاب الكلاسيكيون الى الكيفية التي يتم بها اختيار الكهنوت الأعلى والطبقات الاجتماعية التي انتموا لها. خدم الكاهن الأكبر، عند البورغنديين Burgundians مدى الحياة ولم يكن مسؤولاً عن أفعاله، في حين كان الملك مسؤولاً عن قبيلته والمشاكل الاقتصادية الناجمة عن ضعف المحاصيل، لا سيما عن الهزائم العسكرية. في مثل هذه الحالات، كان يتم استبداله. كانت مؤسسة الملك المُقدّس نموذجيةً في تلك الأيام. كان من المُفترض أن يكون للملك علاقةً سحريةً برفاه الناس وبالطبيعة، لكنه كان لديه القليل من القوة.
ظل دور المرأة في الشؤون الاجتماعية والدينية للجرمان كبيراً في أيام تاسيتوس وما بعده. "انهم يعتقدون أن للجنس قدراً مُعيناً من القداسة والبصيرة، وهم لا يحتقرون من يُشير اليهم بالنصائح ولا يستهينون باجاباتهم" (جرمانيا وقبائلها، تاسيتوس). تمتعت بعض النساء بشرفٍ خاص وكان لهن تأثيرٌ هائل، في بعض الأحيان ليس فقط على قبائلهن. ان أشهر نبي عذراء كانت فيليدا Veleda من قبيلة بروكتري Bructeri ولعبت دوراً مُهماً خلال تمرّد باتافي(ب) Revolt of the Batavi في العام بين 69-70 بعد الميلاد. لم يوافق بعض الجرمان على المكانة الرفيعة لنبياتهم العذراوات، وحتى أثناء التمرد الفعلي قالوا "... لو كان علينا الاختيار بين الأسياد، فاننا نُفضل أن نتعامل مع أباطرة روما بشرفٍ أكثر من النساء الجرمان" (التاريخ، تاسيتوس). في وقتٍ سابقٍ الى حدٍ ما، تمتعت اورينيا Aurinia بوضعٍ مُماثل. كانت لديها موهبة النبوءات، والتي تُذكرنا بالشامانية الانثوية. ان بقايا هذا كانت واضحةً في عادةٍ لاحظها النانارفالي Nahanarvali، الذين، وفقاً لتاسيتوس، جعلوا كاهنهم يرتدي ملابس نسائية. كان هذا مُرتبطاً بالشامانية الانثوية بين شعوب سيبيريا وأمريكا الشمالية.
لم تكن أشكال العبادة بين الجرمان مُعقدة وكانت تتشكل أساساً من قرابين ونبؤات حول ارادة الآلهة. كانت مراسم القرابين وحشيةً للغاية. في كثيرٍ من الأحيان تم تقديم الأشخاص كأُضحيات، مُعظمهم من أسرى الحرب. في حروبٍ ضروسٍ دامية، كانت القبائل المتصارعة تُقدّم خصومها بشكلٍ كاملٍ كقرابين للآلهة، ويتم القضاء على الجانب المهزوم تماماً- المحاربون والخيول وكل ما كان حياً في القبيلة الخصم. عندما هاجمت قبائل الكيمبري Cimbri ايطاليا 101-113 قبل الميلاد، قامت الكاهنات المُسنات الاناث بالتضحية بالسجناء كقرابين. قُمن بهذه الطقوس بأنفسهن وقُمن بتكهناتٍ حول نتيجة الحرب بناءاً على الاشارات الموجودة في الدم وأعضاء الضحايا الداخلية. وُلِدَت هذه الطقوس الوحشية الدموية أيضاً من أسلوب الحياة العسكري في تلك الحقبة.
لم يكن لدى الجرمان معابد. كانت المزارات الشجرية المُقدسة كمواقع لطقوس تقديم القرابين. لم يكونوا يصورون آلهتهم، وبدلاً من ذلك، استخدموا قطعاً من الخشب المجدوع بشكلٍ فظ والتي كانت بمثابة أصنام في بعض المناطق.
وجّه انتشار المسيحية بين القبائل الجرمانية بين القرنين الرابع والعاشر ضربةً للمعتقدات القديمة. قاوم الناس الدين الجديد لفترةٍ طويلة، الذي حملته الطبقة الأرستقراطية الاقطاعية والمبشرين المسيحيين. ومن أجل اضعاف هذه المقاومة، قام رجال الدين المسيحيين باضفاء شرعية على بعض العادات والمُعتقدات القديمة ودمجها في الديانة المسيحية. استمرت البقايا ما قبل المسيحية لفترةٍ طويلة. كانت أسطورة الشيطان والايمان بالأرواح الشريرة والساحرات ومطاردتهن مُستوحاة بالطبع من رجال الدين المسيحيين ومحاكم التفتيش الكاثوليكية والبروتستانتية. ومع ذلك، فان الرهبان الذين أحرقوا آلاف "الساحرات" وعززوا الايمان بتواصل الانسان مع الأرواح الشريرة، اعتمدوا أساساً على المعتقدات القديمة ما قبل المسيحية، وكانوا ببساطة، على الصعيد الايديولوجي، يواصلون تقليد القرابين البشرية الدموية.
ظلت بقايا المُعتقدات القديمة مُستمرةً في شكلٍ غير ضار في التراث الشعبي الألماني، في معتقدات وحكايات الجان وعمالقة الجبال والأقزام وحوريات الماء والوحوش المُختلفة، وحتى الماضي القريب، في العادات الشعبية وخاصةً تلك المُتعلقة بالدورة الزراعية السنوية.
احتوت كل عادات وطقوس الحصاد على فكرة وجود شيطانٍ أو كائنٍ من نوعٍ ما يجلس في حقل القمح. يتراجع الشيطان بشكل تدريجي كلما يتم حصد القمح، وينتهي به المطاف في الكومة الأخيرة. كانت هذه الكومة الأخيرة تجسيداً للروح الخفية لحياة النباتات، وصارت موضوعاً لعاداتٍ ومُعتقداتٍ خاصة- يتم تزيينها أو احضارها الى المنزل وتتم المحافظة عليها حتى موسم الحصاد التالي.
كان لدى السلافيين وغيرهم من الشعوب الزراعية عاداتٌ مماثلة. لكن الميل الى تجسيد آخر حزمة أو كومة من القمح كان أقوى بكثير عند الجرمان مما هو عند جيرانهم. كانوا يقومون في بعض الأحيان بالاشارة الى أحد الأشخاص أو الحيوانات بأنه آخر حزمة: أحياناً "ذئب الجاودر" أو "كلب الجاودر" أو "خنزير" او "ديك" أو "أم الجاودر" أو "رجل الجاودر" أو "رجل القمح" أو "فتاة القمح" الخ. لم تكن هذه مجرد أسماء شعرية، حيث تم القيام ببعض الأعمال السحرية على الحيوانات أو البشر لضمان حصادٍ جيد.
لا تزال العديد من المُعتقدات والعادات الخرافية مُرتبطةً بالموت والدفن- الخوف الخُرافي من الجُثث، والاعتقاد بوجود مجموعات من الأموات ترقص وتغري الناس الأحياء، والايمان بالأشباح (اتخذ هذا الاعتقاد بين الأرستقراطيين شكل فكرة "امرأة ترتدي الأبيض" تسكن القلاع القديمة) الخ. لا يزال الناس يؤمنون بالسحر الأسود والشفاء والأطفال البُدلاء Wechselbalg الذين يُفتَرَض أنهم أرسلهم الأقزام. مثل هؤلاء الأطفال، الذين كانت لديهم عيوب جسدية، كانوا يُقتَلون أحياناً على يد أُناس خرافيون، وكان هذا الاعتقاد يعكس الخوف من انجاب الأطفال ذوي العاهات.

أ- سكان اللابلاند Lapland، وهي المنطقة الشمالية القصوى من فنلندا، وهي الأكبر من بين المناطق.
ب- اندلع تمرّد باتافي في مقاطعة جرمانيا السُفلى الرومانية. كانت انتفاضةً ضد الامبراطورية الرومانية بدأتها باتافيا، وهي قبيلة جرمانية صغيرة ولكنها قوية عسكرياً تقع على دلتا نهر الراين، وانضم اليهم مجموعة أُخرى من القبائل الجرمانية. تحت قيادة أميرهم غايوس يوليوس سيفيليس Gaius Julius Civilis، وهو ضابط مُساعد في الجيش الروماني الامبراطوري، تمكن الباتافيون وحلفاؤهم من الحاق سلسلة من الهزائم المُميتة بالجيش الروماني، بما في ذلك تدمير فيلقين. بعد هذه النجاحات الأولية، هزم جيش روماني ضخم بقيادة الجنرال الروماني كوينتوس بيتيليوس سيرياليس Quintus Petillius Cerialis المتمردين في النهاية. استسلمت باتافي مرةً أُخرى للحكم الروماني، واضطروا لقبول شروط مُهينة ووجود فيلق عسكري بشكلٍ دائمٍ على أراضيهم.

ترجمة للفصل الحادي عشر من كتاب:
History of Religion, Sergei Tokarev, Translated From Russian To English by Paula Garb, Progress Publishers, Published 1986, Translated 1989.
Chapter Eleven: Religion Among Ancient German Tribes








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي