الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيع الخليجي في مقابل استقرار الديكتاتوريات

ماجي صباغ

2020 / 10 / 20
القضية الفلسطينية


الإمارات والبحرين وإسرائيل
أعلنت اتفاقية تطبيع كامل للعلاقات بين دولة الإمارات وإسرائيل، تحت رعاية أمريكية في ١٣ أغسطس الماضي، وخلال أقل من شهر، تلاها اتفاقية تطبيع أخرى بين البحرين وإسرائيل في ١١ سبتمبر. أثارت الاتفاقيتين، تساؤلات عديدة حول جدوى التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات بين دول خليجية غير حدودية مع الكيان الصهيوني، ولم يحدث بينهم أي مواجهات عسكرية بل سبق توقيع هذه الاتفاقيات سنوات من التعاون خاصة بين الإمارات وإسرائيل، وفي مجالات متعددة، ففي عام ٢٠١٥ تم فتح مكتب دبلوماسي إسرائيلي في الإمارات بالإضافة إلى زيارات وفود رسمية إسرائيلية ورحلات لرجال الأعمال الإسرائيليين، وكلل هذا التعاون الاقتصادي والسياسي، تعاونا عسكريا عام ٢٠١٩، ذلك العام الذي زادت فيه حدة التوتر في العلاقات بين إيران والإمارات إثر تعرض ٤ سفن تجارية لأعمال تخريب متعمدة في المياه الإقليمية الإماراتية، ووجهت إدارة ترامب اتهاماتٍ لإيران باستهداف المصالح الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

بدأت العلاقات الخليجية الإسرائيلية بعد اتفاقية أوسلو في التسعينيات من القرن الماضي، ففي عام ١٩٩٦ فتح كل من دولة قطر وسلطنة عمان مكتب تبادل تجاري لإسرائيل. ورغم إعلانهما إغلاقه عام ٢٠٠٠ عقب الإنتفاضة الفلسطينية إلا أن علاقات التبادل التجاري لم تتوقف مع قطر وفقًا لبيانات المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء عام ٢٠١٢. وصرَّح رئيس الموساد الإسرائيلي في يوليو ٢٠١٩ معلنًا عودة العلاقات الرسمية مع سلطنة عمان، وهو ما يُعتَبَر الجانب المعلن من تعاونٍ سري أوسع.

لماذا الآن؟
ترامب والإدارة الأمريكية
إن خروج هذه الاتفاقات إلى العلن في هذا التوقيت يتزامن مع خوض ترامب معركة انتخابية لولاية ثانية في ظل هبوط متزايد لشعبيته بسبب فشله في مواجهة أزمة وباء كورونا وارتفاع نسبة البطالة. وقد لا يساهم رعاية ترامب لهذه الاتفاقيات في حل أي من المشاكل الداخلية التي تمس حياة المواطن الأمريكي، وعلى الرغم أن المرشحين الجمهوريين للرئاسة يتمتعون بشعبية كبيرة بين الناخبين اليهود، إلا أن توقيع اتفاقيات تطبيع كامل بين دول عربية وإسرائيل يعد إنجازًا للإدارة الأمريكية الحالية وهو ما تسعى إليه السياسة الأمريكية بشكل عام منذ اتفاقية أوسلو في التسعينيات.

نتنياهو والأزمة الداخلية
يواجه نتنياهو أزمة داخلية واتهامات بالفساد والتزوير وخروج الآلاف في مظاهرات ضده بسبب سوء إدارته لأزمتي، الكورونا، وزيادة نسبة العاطلين عن العمل.

فالنجاح في توقيع اتفاقيات تطبيع كامل مع دولتين خليجيتين بعد ربع قرن من توقيع آخر دولة عربية لمعاهدة سلام -ومُتوقَّع أن تلحق بهما دولٌ عربية أخرى ظلت معادية لقيام دولة إسرائيل لعقود- يعد انتصارًا لنتنياهو، فهو من ناحية يعود بمكاسب اقتصادية واستثمارية، ومن ناحيةٍ أخرى يضفي شرعيةً على هذا الكيان ويحوِّله من كيانٍ غاصب محتل إلى دولة قطرية ذات سيادة.

الإمارات ودول الخليج والعجز العربي
إن التحول في موقف دول الخليج من العداء الشديد الكيان الصهيوني ورفض أي شكل من أشكال التطبيع -الذي ظهر في مقاطع فيديو انتشرت في الفترة الأخيرة للملك فيصل ملك السعودية والشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات- إلى الموادعة وإقامة علاقات سرية، فالتطبيع الكامل لا يمكن فهمه بمعزل عن التحولات الاقتصادية والسياسية التي حدثت منذ نهاية ستينيات القرن الماضي. فعلى الصعيد السياسي انهار مشروع القومية العربية بعد هزيمة ٦٧ مرورًا بأحداث أيلول الأسود وإبرام أكبر دولة عربية معاهدة سلام مع العدو، واجتياح إسرائيل للبنان، والحرب الأهلية اللبنانية، والحرب بين العراق وإيران، وكذلك غزو العراق للكويت وما ترتب عليه من إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في قلب الخليج العربي، كان له أثر عميق في العلاقات العربية للعربية والموقف من القضية الفلسطينية.

فبعد أن كانت القضية الفلسطينية في قلب الشأن العربي وتعالت أصوات الاستنكار والرفض التام لأي تفاوض مع العدو، سارت الأمور بشكل مختلف منذ توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام ١٩٩٣ عقب انتهاء حرب الخليج الثانية وتضمنت لأول مرة اعترافًا من منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل العيش في سلام والعمل على حل القضايا الأساسية من خلال المفاوضات، وإدانة لاستخدام العنف وتبع ذلك في عام ١٩٩٤ توقيع اتفاقية سلام بين الأردن وإسرائيل ولم تعد المقاومة المسلحة هي السبيل لتحرير فلسطين، بل لم يعد الهدف هو تحرير فلسطين من الأساس، بل اقامة حكم ذاتي فلسطيني تمهيدا لإعلان دولة فلسطينية مجاورة للدولة الإسرائيلية القائمة.

وفي تطور آخر لنفس مسار التفاوض، أعلن الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة بيروت عام ٢٠٠٢ مبادرة السلام العربية والتي تقوم على فكرة أساسية وهي التطبيع الكامل مقابل الإنسحاب الكامل لحدود ٦٧ وإعلان دولة فلسطينية وعودة اللاجئين. الان ومع عقد دولتين خليجيتين لاتفاقيات أحادية تتضمن تطبيع كامل مع إسرائيل دون أي مراعاة للحق الفلسطيني هو أكبر هدية قدمت لنتنياهو الذي يتباهى الآن بإنجازه وهو تغيير المغاظلة من أرض مقابل السلام إلى سلام مقابل سلام يفرضه الطرف الأقوى في المنطقة.

وقد حاول محمد بن زايد تبرير اتفاقه وكأنه حصل على مقابل يخدم القضية الفلسطينية وأعلن أنه أخذ وعدًا من نتنياهو بوقف مشروع الضم أي وضع منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت والمستوطنات تحت السيادة الإسرائيلية. وترجع أهمية هذه المنطقة والتي تسيطر عليها إسرائيل بالفعل ولكنها تريد تقنين هذه السيطرة، لكونها أطول حدود لإسرائيل مع دولة عربية وإذا أُقِرَّ حل الدولتين فإن هذه المنطقة ستكون ضمن حدود الدولة الفلسطينية وهو ما لا يريده نتنياهو لأسباب عديدة اقتصادية ولكن أهمها أن إعلان دولة فلسطينية لها شريط حدودي طويل مع دولة عربية أغلب سكانها من أصول فلسطينية يشكل خطرا على إسرائيل لما قد تقدمه من دعم عسكري للفلسطينيين. لقد نفى نتنياهو أن يكون قد ذكر كلمة “وقف” لابن زايد بل أنه وعد ‘تأجيل” المشروع فقط.

ولم يحظ اتفاق تطبيع البحرين بنفس الاهتمام ربما لا يوجد تاريخ من العلاقات السرية ولكن التركيبة السكانية الاسرة الحاكمة في البحرين تبحث عن داعم ضد شعبها ومواجهة إيران.

لم يكن اختيار المنامة لاستضافة مؤتمر السلام الاقتصادي في يونيو ٢٠١٩ صدفة، ذلك المؤتمر الذي حضره رجال أعمال فلسطينيين وإعلاميين وباحثين إسرائيليين، يعد أحد ملامح صفقة القرن الغامضة وخطوة في طريق إتمام هذه الصفقة المشبوهة. فاستضادفة البحرين لهذا المؤتمر رفع أسهمها لدى الولايات المتحدة ومهد الطريق لإقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل.

المملكة الصغيرة ذات الأغلبية الشيعية المحكومة بأسرة سنية ديكتاتورية، هي أكثر الدول الخليجية استعداداً للثورة الشعبية وقد وشهدت انتفاضة قوية في مارس ،٢٠١١ قمعت بمساعدة المدرعات السعودية التي أخمدت هذه الانتفاضة خوفًا من انفجار المنطقة الشرقية السعودية المجاورة للبحرين، والتي يتركز في مدنها شيعة المملكة الذين يعانون من تمييز واضطهاد وقد شهدت تحركات في نفس العام.

إن الإقبال على توقيع هذه المعاهدات ليس مجانيًا كما يصور البعض فهذا الاصطفاف الخليجي مع إسرائيل ليس فقط لمواجهة التهديد الإيراني ولكن يعزِّز أيضًا أسهمهم لدى الولايات المتحدة يضمن بقائهم على رأس السلطة وتقديم الدعم لهم في حالة حدوث أي تحركات من الشعوب.

إن قرار تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني هو قرار السلطة الديكتاتورية المخالف تمامًا لإرادة الشعوب. ولعلَّ استطلاعات الرأي في الإمارات التي أظهرت رفض حوالي ٨٠% من المشاركين للتطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل والتظاهرات في البحرين المنددة لهذا الاتفاق خير دليل على الانفصال التام بين إرادة الشعوب وقرارات سلطات الاستبداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز