الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحروب الهجينية في العصر الحديث

رستم شيخو

2020 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت بداية القرن العشرين تأسيس دول حديثة، دول لم تكن من قبل ، لم تكن لها اسماء او تأريخ وانما كانت عبارة عن قبيلة او عشيرة ما، اما ان اسسوا لنفسهم دولة أو اتحدوا مع بعض القبائل ليؤسسوا امارة او مملكة لنفسهم.
ولكن منذ أواخر التسعينات شهد العالم ظاهرة عكسية تماما، دول تلو دول تسقط وفي اكثر الاحيان انهم يسقطون بدون اي تدخل عسكري خارجي. هل هي لعنة او تقصير من الحكومات ام قوى خارجية تقف وارئها ام انها مبدأ الكارما؟؟؟
في عام ٢٠٢٠ تمت اجتماع للقيادات العسكرية الرفيعة في روسيا و تمت بعد انتهاء المعرض العسكرية للاسلحة، وفيها تمت مناقشة وبشكل رسمي حرب جديد في عالمنا، تختلف عن الحروب التقليدية المتعارف عليها منذ عشرات الالاف السنين و هي حرب الهجينة.
ماهي حرب الهجينة؟
حرب الهجينة تختلف عن الحرب التقليدية بان الحرب التقليدية تتم بخطوات معروفة للجميع ، بحيث تجمع كل المعلومات اللازمة عن الدولة المعادية عن قدراتها العسكرية والاقتصادية و الاجتماعية وما ان تتأكد من انها قادرة على النصر عليها، حتى تعلن الحرب، وتبدأ اولا بالقضاء على القوة العسكرية، ثم الأجهزة الأمنية و الاقتصادية وثم تستلم زمام الحكم ولكن الحرب الهجينة فهي معاكسة تماما ، اي ان الدولة الغازية تضع زمام الحكم او السلطة بيد اناس ، تتحكم بهم الدولة المعادية، اي ألعوبة او مثل دمى بيد الدولة الغازية وتقوم هذه السلطة بالقضاء على القوات المسلحة ثم الاقتصادية و الأجهزة الأمنية ، عندها تقوم الدولة المحتلة بإيجاد حجج ما، مثلا انها تملك أسلحة الدمار الشامل او او تسلح و تدعم منظمات إرهابية وما شابه ذلك و تعلن الحرب عليها و تنتصر في بعض الاحيان بحيث لا تخسر اي من جنودها او خسائر اقتصادية كبيرة ، لانه الدولة تكون اساسا منهارة تماما..
الحرب الهجينة لا تتم عندما تدرك العدو بانه لا ينتصر بالحرب التقليدي وانما تتم عندما تتوفر الشروط اللازمة في الدولة المعادية اي تتوفر الشروط اللازمة من الداخل .
مثال ذلك، الاتحاد السوفيتي السابق، عندما ادركت الدول الغربية بانهم لا يتجرؤون بخوض حرب مباشر معها و انها ان قاموا بذلك ، فستؤدي الى موتهم اولا و لا ينتصر احدا فيها لأمتلاكها أسلحة الدمار الشامل و التي لن تجد صعوبة في استخدامها ان رأت بانها ستخسر الحرب لذلك ما كانت عليهم ان يفككهامن الداخل.
استخدمت هذه الطريقة من الحروب بعد الربيع العربي عندما تأكدت امريكا بان حربها المباشر و تدخلها العسكري في العراق شوهت سمعة الولايات و فقدت الكثير من جنودها .
و لكن تتميز هذه الحرب عن الحرب التقليدي بانها تبدأ من الداخل، اي لا عدو خارحي، ولا جندي يقطع حدود دولة ما و لا طلقة و انما بشكل هادئ بحيث لا وكأن الامور تسير كما يجب ان يكون و ان القرار بيد الشعب و هذا اختيار الأكثرية .
كيف تتم هذه النوع الجديد من الحرب؟
تتم من خلال شخصيات و مجموعات مختلفة و تنقسم الى مايلي:
اولا، المجموعة الايدولوجية، وهي عبارة عن اشخاص معروفين سياسيا او ثقافيا و يسيطرون على مراكز هامة في الدولة ، اي ما يسمى بالعقول النيرة ..
تقوم هذه المجموعة بمايلي، (أ) بمدح العدو، و تذليل الدولة و الحكومة و إنكار الدولة، مثلا ، ما قام و يقوم به القيادات في الاخوان المسلمين في مصر، يمدحون أردوغان و كأن اردوغان رئيسهم و يعملون دعاية مجانية لتركيا، مثل ان تركيا عظيمة، قوية و جيشها جبار ، و مدنها الجميلة و كأنها جنة الجنان.
يشتمون مصر ، فهناك من يقول بان مصر ماهي الا حفنة من التراب و من قال طز بمصر، وهناك من يمسخر من مصر و حتى ان كانت الحكومة على صواب، يستمرون بنشر الاكتئاب و السلبية بين عامة الناس. و كذلك يقوم بالقضاء على مفهوم الأخلاق بحيث تنقلب مفاهيم الأخلاق عكسا تماما، فمثلا ان يأتي شيخ او عالم ازهري و يصرح بانه اذا خرجت ابنته بدون حجاب، فأغتصابها واجب قومي، اي انه و بكل مباشر يحرض الشباب على التحرش و الاغتصاب، في حين انه لا يهاجم الفقر و الامراض و قلة المدارس و اليتامى و وووو. فبدلا من ان يحاربوا الرشوة و يعتبروها سرقة ، بل يعتبروها حنكة و ذكاء و ما ان يسرق طفل يتم قطعة خبز حتى يسبحون الارض كن تحته..
(ب)، شروط نفسية لخلق حكومة جديدة ضد الحكومة الحالية و تتم هذا عن طريق مجموعات بشرية و تنقسم هؤلاء الى مايلي:
A-اعداء إراديين
اي ان هناك من يعادي دولته بمحض ارادته، و تتم هذه الطريقة عبر الاحزاب ومنظمات مدنية، وقد يكونوا رؤساء للاحزاب او شخصيات مهمة في الدولة، وما ان تقترب منهم الحكومةحتى تتسيس القضية.
تتم في بعض الاحيان بان تستغل القوى الخارجية لشخصية ما مهمة في الدولة عبر استفزازه، اي ان يكون للمسؤول سوابق، اي ربما يرسلون اليه فتيات جميلات و يتم تصويره معهن او ربما تكون شهادته الجامعية مزورة، وحصلت هذه مع بعض الوزراء بحيث انهم اشتروا شهاداتهم من دول اوروبا الشرقية.
B- الموظفين المظلومين اي هناك من يدعي ان الحكومة او الدولة لا يقدرهم و يثمنهم و لو كانوا في دولة أخرى لكانوا في افضل حال .
C- الناكرين،
اي هم الاغبياء، الكسلى، العاطلين عن العمل ولا يريدون العمل وما ان يعرض عليهم احد بعض المال لكي يخرجوا لمظاهرة ما او احتجاج ضد الحكومة، حتى يسرعون الى ذلك بغض النظر ان كانوا على حق ام باطل، هذا يحدث عادة في دول اروبا الشرقية ، الكثير منهم ينزلون الى الشوارع من أجل زجاجة كحول او بضع الدولارات ليشتروا الحشيش او المخدرات.
المجموعة الثانية من جنود الحرب الهجينة هم من الموظفين الكبار،
اي من هم يسيطرون على المعامل الكثيرة، اي مدراء القطاعات العامة، هؤلاء لا يريدون ان يتحكمون بالمبالغ الضخمة فقط وانما يريدون ان يحصلون على المال كله.
مثلا في بيلاروسيا فان العمال الذين احتجوا ضد الرئيس الحالي كانوا من معامل حكومية ضخمة و بتحريض مباشر من المدراء اي ان هذا المدير لا يريد فقط ان يمر من بين يديه مبالغ ضخمة وانما يريد ان يملكهم.
وهناك مهمة أخرى تقوم بها هذه المجموعة و هي انهم يقومون بخلق فوضى و كره مصطنع اي كل فترة تقرأ او ترى ظلم ارادي ضد فئة ما او مجموعة ما و لا تدرك ما وراء ذلك ، رغم انها فعل بسيط ولكن لها تأثير كبير لاننا عندما نرى أخطاء كثير وان كانت بسيطة تتكرر في كل أنحاء البلاد و لا تقوم السلطة بمحاسبةالمتهمين، تخلق اللارضى و اللاثقة من عامة الناس، مثال ذلك، عندما تم نقل رفاة طفل مسيحي من مقبرة اسلامية بعد شهر من دفنها، السؤال هنا ما الفائدة من ذلك و من تخدم مثل هذه التصرفات غير اعداء الدولة. ان تفرق بين طائفتين اساسيتين، لا تقدر عليها العدو بالمليارات الدولارات. ولكن موظف بسيط تسبب في خلق التفرقة بين عامة الناس ما لا تتجرأ دولة معادية على تحقيقها...و عندما تتكرر مثل هذه الاحداث تتعمق الشرخ و تتأزم الوضع و الأمان في الدولة.
المجموعة الثالثة هي خدم السيرة الذاتية، اي هذه المجموعة تهمهم ان يرتفعوا في المناصب الحكومية و لا يهمهم من هو الرئيس او الحاكم حتى الشعب والدولة ، كل ما يهمهم هو مناصبهم فقط .
هؤلاء يسيطرون على القوات المسلحة و الأجهزة الأمنية و المناصب الحساسة للدولة

المجموعة الرابعة هي نظام تأثير المعلوماتية،
اي هم الصحفيين و الاعلاميين الذين يحاولون تشويه سمعة الدولة، و مدح الدول الاخرى و نشر الاشعاعات، للاشاعات دورا كبيرة على الوعي عند المواطنين ، اي حتى تنكشف كذبة الإشاعة او صحتها، يتطلب وقت طويل .

المجموعة الأخرى هي عامة الشعب
دوما تجد من عامة الشعب من يريد ان يخدم هؤلاء المجموعات ، وعادة يكونون من تم سلب حقوقه، او يشعر بظلم من الدولة . مثال ذلك ، في كثير من الدول العربية تتم سلب حقوق الاقليات او حتى الشعوب الاصلية من ابسط حقوقهم او حتى الاعتراف بوجودهم و مثل هذه السياسات تفتح المجال القوى الخارجية ان تلعب على هذا الوتر الحساس.

المجموعة الأخيرة هي التجارة و رجال الأعمال.
الرجال الاعمال الذين يستثمرون في داخل الدولة عادة يكونون وطنيين بامتياز و من الصعب التلاعب بهم او كسبهم ولكن الرجال الاعمال الذين لهم تجارة خارج الدولة و هنا الاستخبارات الخارجية لهم بالمرصاد، يتمكنون من كسبهم من صفقات كبيرة و تدريجيا يتم اجندتهم...
عندما تجتمع كل هذه المجموعات ، تخلق الظروف المناسبة للحرب الهجينية، و يتم خلق حجة ما للتدخل الخارجي و تكون الدولة قد شلت و اسقاطها تتم احيانا حتى بدون اية طلقة كما حدث في اوكرانيا بحيث تسلم الحكم ، رئيسا شاب، لم يدخل حقول السياسة وانما كان ممثل، مهرج، كوميدي و لا اكثر ...
الان اصبح دمية بيد الخارج و عملائهم في الداخل ..
و لكن هذه الحرب فشلت في كل من مصر بفضل الجيش وفي بيلاروسيا و لاسباب عديدة ومنها لكي تنتصر العدو في حربه الهجيني لا بد من ثلاثة عوامل و هي اللاخلاق و الاقتصاد الضعيف و اللاخوف من المحاسبة و هذه الثلاث عوامل لم تكن في بيلاروسيا و لذلك انتصر لوكاشينكا في المعركة الاولى ...اي ان هذه الحرب قد تخسر و في كثير من الاحيان تفشل و لكن الدولة المعادية لا تخسر الكثير من فشلها ، لا جندي و الا بضع الملايين من الدولارات و هذه ليست مشكلة عندها...
2020-10-20








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين