الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الاقتصاد السياسي لكرة القدم

مجدي الجزولي

2006 / 7 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كأي نشاط بشري ليست الرياضة بمعزل عن حوض اقتصادي سياسي واجتماعي ثقافي يشكل بالتأكيد أساليب تنظيمها وإدراتها بما هي فعل يجتمع عليه الناس يتصارعون بإحسان ووفق قواعد معلومة في ملعبها، ووفق إملاءات زمر الإنتاج والتوزيع الخاصة بمرحلتهم التاريخية خلف كواليسها. يصح هذا أول ما يصح على كرة القدم، وهي الرياضة الجماهيرية الأوسع انتشاراً ومتابعة في عالمنا المعاصر، تجذب بحرفتها اللاعبين وبمهارة هؤلاء المشاهدين المشجعين، حتى غدت وسيلة الترفيه الأبرز والأوفر ربحية في عالم يخضع بكلياته لميكانيزم السوق. هذا الميكانيزم الذي ينزع عن كل شئ وقيمة حياد الوجود "ساكت" (!) ويكسوه بالضرورة غرض "السلعة"، وما يتبع ذلك من طلب الكفاءة والفعالية. علة الانتباه لاقتصاد كرة القدم السياسي ما "نكد" علينا هذا العام مشاهدة مباريات كأس العالم، حيث احتكر "راديو وتلفزيون العرب" حق بث مباريات المونديال غير مكتف بريع الإعلانات وغيرها حارماً كثيرين مثلي متعة اعتادوا عليها بين الأسرة والأصدقاء في ستر البيوت.

نشأت رياضة كرة القدم في مدارس العموم الانجليزية أواسط القرن التاسع عشر رياضة شعبية بامتياز في كنف الطبقة العاملة، ثم ما لبثت أن حققت انتشاراً واسعاً أصبحت بموجبه رياضة الحداثة الأولى. بحكم هذا النشوء يحمل تاريخ اللعبة الجميلة ميسم الرأسمالية الحارق تحريراً وتكبيلاً. أول ذلك تسليع اللعبة المصاحب لتاريخ تطورها من رياضة مدرسية إلى صناعة مليارية في عصرنا الذي نعيش. منذ العشرينات تآخت صناعتا التبغ وكرة القدم على جذب مستهلكي الإثنين من العمال بطباعة علب سجائر ترويجية، ذلك بعد أول فرض التذاكر لحضور المباريات (والفين 1994، ضمن "الماركات والرعاية التجارية في كرة القدم": منشور رقم 11، مركز سوسويولوجيا الرياضة، جامعة ليستر). تبع ذلك قيام لاعبي كرة القدم بدءاً من الثلاثينات بالترويج للأزياء والمستلزمات الرجالية والسجائر. في أعقاب الحرب العالمية الثانية وعبر السينما ولاحقاً التلفزيون أطل عهد لاعب كرة القدم كشخصية يحتفى بها إعلامياً ويمكن استغلالها في الترويج للسلع الاستهلاكية. حتى أوائل الستينات ظل لعب كرة القدم مسألة هواية يمارسها اللاعب بجانب مهنته وذلك بفرض قواعد الأجور الخاصة بالأندية وبحكم أن الأندية الرياضية كانت ما تزال على محليتها الديموقراطية الصغيرة تعبر عن الانتماء المكاني لأهل حي أو بلدة، حيث لا فرق بين اللاعبين والمشجعين في الدخل أو في أسلوب الحياة (المصدر). لما كانت الأندية الرياضية في التاريخ السابق لتسليعها معبرة عن حال الاجتماع المحلي كان من الطبيعي أن ترتبط بالصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشغل جمهورها. مثلاً كان فريق لاتسيو الإيطالي المفضل لدى موسولويني وما يزال حتى اليوم ينال دعم اليمين الفاشي. بعكسه ليفورنو الإيطالي الذي عرفت عنه شيوعية يعلنها بأعلام عليها صورة تشي جيفارا. كذلك العداء بين إيه سي ميلان يميني الوجهة الذي يملكه رئيس وزراء إيطاليا السابق سيلفيو بيرلوسكوني وإنتر ميلان يساري الجمهور. في المملكة المتحدة كان جلاسقو سلتيك أرضاً تنظيمية لأنصار التحرير الأيرلندي ومحل تآزر أقلية كاثوليكية في مدينة أغلبها بروتستانت. في اسبانيا حمل اف سي برشلونه وزر القومية الكاتولونية على أيام الدكتاتور فرانكو الذي اجتمع أنصاره حول ريال مدريد (سيمون بلاك، ZNet على الإنترنت، 14 يونيو 06). في ذات السياق السياسي تعتبر فرق كرة القدم الاحترافية مسرحاً لإدارة قضية العرق واللون في المجتمعات الأوروبية وفي غيرها. مثال ذلك التاريخ الخاص بلاعبي كرة القدم السود في المملكة المتحدة الذين ظلت مساهمتهم في هذا الضرب من النشاط الاجتماعي محجوبة عن الاعتبار والاعتراف العام حتى عهد قريب. جاك لسلي مثلاً، البريطاني إفريقي الاصل، أفاد ناديه بلاي موث آرجايل 400 هدف بين 1921 و1935 حتى رشحه مدير النادي بوب جاك لعضوية المنتخب الانجليزي. لم يلعب لسلي أبداً في منتخب انجلترا وكان تعليقه على ذلك قوله: "نسي بوب أني ملون". أول لاعب أسود في منتخب بريطاني كان جون باريس الذي إنضم إلى فريق نورثهامبتون تاون في 1938 ليلعب لاحقاً ضمن تشكيلة منتخب ويلز ("لاعبي كرة القدم السود في بريطانيا": منشور رقم 4، مركز السير نورمان شستر لأبحاث كرة القدم، جامعة ليستر). رغم تألقهم في دوري الدرجة الأولى وفي صفوف المنتخب الانجليزي ظل السود المحترفين عرضة للإزدراء العرقي من قبل قطاع من المشجعين واللاعبين البيض. استقبل الجمهور الانجليزي هدف الأسود سيريل ريجيس ضمن صفوف المنتخب الانجليزي في أول مشاركة دولية له في استاد ومبلدون بالتهكم وصرخات "بووووووو". كذلك استنكروا مشاركة الأسود جون بارنز في جولة للمنتخب الانجليزي عبر أميركا الجنوبية عام 1984. بالطبع إمتد التحقير العرقي للاعبين السود في الفرق الأجنبية، مثال ذلك زعيق المشجعين الانجليز ضد لاعب هولندا الأسود رود جوليت في استاد ومبلدون عام 1988، وضد فريق الكاميرون عام 1991. مع تعاظم دور اللاعبين السود في الفرق الانجليزية أواخر الثمانينات تطورت حركة مناوئة للعنصرية من داخل روابط وإتحادات المشجعين أنفسهم المحلية والقومية حتى فرضت تغييرات على القانون تجرم السباب العنصري داخل الاستادات. تزامن ذلك مع إتجاه الفرق المحترفة استجلاب اللاعبين من كافة أنحاء العالم بما في ذلك السود. بحسب الإحصاء المتوفر يقدر عدد لاعبي كرة القدم السود المحترفين في انجلترا وويلز بحوالي 300 من جملة 2000 لاعب محترف. رغم أن كثير من صلف العنصرية في دوائر هذه الرياضة في بريطانيا قد زال بحكم مصلحة الأندية في تشغيل لاعبين مهرة بغض النظر عن لونهم وعرقهم إلا أن وظائف التدريب والإدارة ما تزال حرماً ممنوعاً على السود وبصورة مؤسسية (المصدر).

رأسمالية كرة القدم التي بدأت أوائل القرن الماضي ببيع التذاكر للمشجعين المحليين بغرض تغطية نفقات التسيير في ما يشبه الاشتراكات تدحرجت كرة ثلجها إلى أعلى عبر درب التراكم الرأسمالي المعلوم حتى وافقت خصائصها شروط الامبريالية المكتملة كما نعرفها عند لينين. اليوم تقوم صناعة كرة القدم على احتكارات كبرى تتقاسم بينها مناطق نفوذ حول العالم تستجلب منها أفضل المحترفين بحسب جغرافية الاستعمار تقريباً، ويضيق بينها هامش المنافسة حد الملل: الناطقين بالانجليزية إلى انجلترا، وبالفرنسية إلى فرنسا، وبالاسبانية إلى أسبانيا، وبالبرتغالية إلى البرتغال، وبين هذه الجهة وتلك أمور متشابهات. لا غرو إذن أن يعود سكولاري البرازيلي مدرباً للبرتغال، ويقف الفرنسيون على تدريب منتخبات غرب افريقيا إلا ما ندر، وأن يرتقي الفرنسيون أقصى المنافسة الدولية بمنتخب هو في الواقع افريقي سوى أن مدربه فرنسي كعديد من كتائب الجيش الفرنسي في الحربين العالميتين افريقية مستعمَرة بقيادة فرنسية. في الواقع، يساير التراتب الدولي لصناعة كرة القدم هيكل التراتب الاقتصادي الدولي لدرجة التماثل، وهذا ليس مبعث استغراب ما دامت اللعبة قد اكتمل تسليعها وإدماجها في السوق الدولي بما في ذلك انفتاح الصناعة على سوق للاعبين والمستهلكين المشاهدين لا تعرف الحدود القومية أو القارية. بحسب تصنيف وقياس معتبر، الأندية العشرين الأعلى ريعاً في العالم جميعها أوروبية؛ 8 (انجلترا)، 5 (ايطاليا)، 3 (اسبانبا)، 2 (ألمانيا)، 1 (فرنسا)، 1 (سكوتلاند). مجموع دخل هذه الأندية العشرين خلال العام المالي 2004/2005 تجاوز ولأول مرة سقف الثلاثة مليار يورو، ترتيبها المفصل كالآتي (نشرة "ديلويت آند توش"، 16 فبراير 2006):

النادي الدخل (مليون يورو)
ريال مدريد 275,4
مانشستر يونايتد 246,4
إيه سي ميلان 234
يوفنتوس 229,4
شلسي 220,8
اف سي برشلونه 207,9
بايرن ميونيخ 189,5
ليفربول 181,2
انترناشيونال 177,2
آرسنال 171,3
إيه سي روما 131,8
نيوكاستل يونايتد 128,9
توتنهام هوتسبير 104,5
شالكه 97,4
أولمبيك ليون 92,9
سلتيك 92,7
مانشستر سيتي 91,1
إفرتون 88,8
فالنسيا 84,6
لاتسيو 83,1

بالطبع ما ينطبق على الأندية ينطبق على لاعبي كرة القدم، كما انفكت الأندية عن محليتها والتزامها "البلدي" مؤسسة مدنية للغمار كذلك اللاعب النجم بينه ومشاهديه حساب بنكي لا يضاهيه حساب. في الآتي بيان الدخل السنوي لأغنى عشرة لاعبين في العالم (فوربس على الإنترنت):

اللاعب الدخل السنوي (مليون دولار)
ديفيد بكهام 32
رونالدو 23
زين الدين زيدان 19
رونالدينو 14
فرانسيسكو توتي 13,5
مايكل أوين 13
فرانك لامبارد 12,5
أوليفر كان 11
راوول 10,5
أليساندرو ديل بييرو 10,5

بخصوص المونديال تكفي معرفة أن دخل الفيفا من الاستادات فقط يبلغ 215 مليون يورو، ما يتجاوز بنسبة 38% الدخل الذي حصلته من المونديال السابق في كوريا واليابان. الفريق المنافس على النهائي ينال 14,6 مليون يورو، أما الفائز بالكأس فنصيبه 15,6 مليون يورو، وكل فريق شارك في المونديال يعود إلى بلاده بمبلغ 3,9 مليون يورو (نشرة الفيفا، 14 مايو 2006). أياً كانت النتيجة تظل شركة أديداس الراعية للكأس هي الفائز الحقيقي، حيث باعت خلال المونديال عشرة ملايين كرة قدم، وينتظر أن تبيع 5 ملايين أخرى بنهاية هذا العام لتحصل أرباحاً تتجاوز البليون دولار من الكرات فقط (توني كارون، ZNet على الإنترنت، 9 يونيو 06). بالإضافة إلى الكرات باعت أديداس ما مجموعه ثلاثة مليون قميص رياضي محققة قفزة تصل بها إلى نسبة 51% من مبيعات الأدوات والملبوسات الرياضية في السوق الألماني خلال الربع الأول من هذا العام المالي متفوقة على منافستها نايك التي انخفض بها الحال إلى نسبة 21% من المبيعات (دير شبيغل، 28 يونيو 06). لذا قيل أن الكرة مستديرة.
يوليو 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Socialism the podcast 131: Prepare a workers- general electi


.. لماذا طالب حزب العمال البريطاني الحكومة بوقف بيع الأسلحة لإس




.. ما خيارات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمواجهة عمليات الفصائل الف


.. رقعة | كالينينغراد.. تخضع للسيادة الروسية لكنها لا ترتبط جغر




.. Algerian Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الجزائر