الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجحيم الأرضي في قصيدة -في التيه- مفلح اسعد

رائد الحواري

2020 / 10 / 21
الادب والفن


الجحيم الأرضي في قصيدة
"في التيه"
مفلح اسعد
جمالية التقديم أكثر أهمية من الفكرة، لأن الجمال له أثر ايجابي، حيث يحرر المتلقي من واقعه، وبما أننا في المنطقة العربية ممتلئين بالألم الذي انهكنا، بحيث لم نعد نقدر على تحمل المزيد منه، فكان لا بد من إيجاب طريقة/شكل ما يتم من خلاله إيصال الفكرة للآخرين، فالأديب هو رسول هذا العصر ونبي هذا الزمان، من هنا يأتي أهمية وجود الأدباء، الذين يحدثوننا عن واقعنا/آلمنا بنصوص أدبية، والتي بالتأكيد سيكون لها وقع آخر علينا، بحيث توصل الفكرة وتعمقها، وفي الوقت ذاته لا تحدث لنا أضرارا نفسيه، فالصيغة الأدبية بمثابة الماء الذي يطفئ النار، فالقارئ يحس بالنار ولهيبها، ويتعرف على اسبابها وأثرها ونتيجتها، لكنه لا يصطلي بها أو منها، فقد أخفاها/غلفها الشاعر بغطاء أدبي، بحث لا يتأذى منها المتلقي.
"في التِّيهِ نلهَثُ خلفَ قافِلَةِ الأُمم
في التّيهِ في الصحراء ننتَظِرُ الربيعَ من العدم
في التّيه نحلُمُ بالسرابِ نَفيقُ يقتُلُنا الظّمأ
نجّتَرُّ تاريخ الجدودِ ولا نَبَأ
الأنبياءُ تَغَيّبوا
والسامريُّ يَحُثُّنا
أن نعبُدَ العجلَ الذي من صُنعِهِ
وعَلا خُوارُ السادةِ الفقهاءِ في الأَرْضِ اليباب
لِيُزَيّنوا سِحراً يقودُ الى الخراب
ومُشَرّعُ القانون جَدَّفَ عَكسَ وجهَتِهِ
وغايَتُهُ الحُطام
والناسُ قُطعانٌ تَفِرُّ من الظلام الى الظلام
جَفَّت جُذورُ حياتِنا
وتقَطّعت سُبُلُ الرجوع
والرأسُ أهلَكَها التَّسَوّسُ والفساد
ثوراتُنا هَبَطت بِنَا
هل نَحْنُ نأكُلُ كَي نجُوع"
في هذه القصيدة يتناول الشاعر "مفلح أسعد" واقعنا، ـ وهذا ليس بجديد عل الشعراء ـ لكن الجديد الطريقة التي قدم فيها هذا الواقع، في ستخدم حرف "في" ثلاث مرات متتاليات، ليؤكد على أننا (فيه)/في التيه، وعلى أننا دائمي الوجود فيه/في التيه، أليس رقم ثلاثة المقدس يشير إلى الاستمرار والديمومة؟، فقد أمسى تيهنا مقدسا بالنسبة لنا، ولم نعد نقدر على التخلي عنه/التخلص منه.
الأفعال التي نقوم بها: "نلهث، ننتظر، نحلم، نفيق، نجتر" وكلها أفعال بلا (جدوى/أثر) مادي محسوس على أرض الواقع، وإذا علمنا أن عدد الفعال القاسية "نلهث، ننتظر، نجتر" أكثر من عدد الافعال البيضاء "نحلم، نفيق" نتأكد أن السواد والألم يطغى على البياض، وما البياض إلا مجرد (طيف) وهم، لأنه متعلق بفعل ذهني "نحلم"، وبفعل آخر يشير إلى بداية (النهضة) "نفيق" وليس إلى النهضة نفسها.
أما المكان الذي وجدنا فيه وتوهنا فهو "الصحراء"، وهي المكان المناسب لوصف طبيعة المنطقة العربية التي يغلب عليها الطابع الصحراوي، وهذه اشارة غير مباشرة من الشاعر إلى مكان الحدث الذي توهنا فيه، فيصف حالتنا البائسة: "نلهث/ بالسراب، الظمأ"، وهذه الألفاظ بشكلها ومعناها المجرد تخدم فكرة الصحراء وقسوتها.
لكن، اللافت أن الشاعر استخدم التيه النفسي/المعنوي "خلف الأمم، ننتظر الربيع/نحلم/نجتر" وهذا اشارة إلى أن جوعنا متعلق بالكرامة/بالسعادة/ بالهناء/بالحياة، وليس بالجوع المادي، لهذا استخدم "ننتظر الربيع" لما فيه من جمال بصري/نفسي، وتجاهل تماما أي ذكر لجوع البطن.
ثم يحدثنا عن (تيه) تفكيرنا، وعقم تعلقنا بالماضي وبما وصل إلينا من معتقدات، فيخاطبنا بعين الطريقة التي جُبل عليها تفكيرنا، من خلال التناص مع قصة السامري والعجل، ليؤكد على أن طريقة تفكيرنا غير سوية، وأن نهجنا في اتباع (الفقهاء/العلماء) متخلف، وسيقودنا إلى مزيد من التيه والضياع.
فالشاعر يبتعد عن المكان/الصحراء، ويقربنا مما نحن فيه، مما نعيشه، فهناك "السامري/العجل، خوار الفقهاء، ليرتبوا سحرا، ومشرع عكس وجهته، الناس قطعان" فقد اختلط الحابل بالنابل، الديني/السامري بالسياسي/المشرع، فأوصلونا إلى ظلام مركب "من الظلام الى الظلام" ومتداخل ومتشابك، بمعنى أن البداية/المنطلق ظلام، والطريق/الممر خاطئ، فستكون النتيجة/النهاية/الخاتمة أيضا ظلام، وهذا له علاقة بفاتحة القصيدة التي تكرر فيها "في التيه" ثلاثة مرات، فالشاعر يؤكد على أن تيهنا دائم/ديني مقدس، لأن بدايته ظلام، والطريق تيه، وخاتمته ظلام، فهل يريد أن يوصل لنا أننا في تيه/جحيم السماوي لا خروج منه؟.
خاتمة القصيدة تؤكد على أن الاجابة (نعم)، فهناك عدد من الألفاظ السوداء: "جفت، وتقطعت، أهلكنا، التسوس، والفساد، هبطت" وجاءت آخر فقرة في القصيدة لتوكد على جحيمنا الدائم "نأكل كي نعيش".
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف


.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??




.. عيني اه يا عيني علي اه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو




.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد