الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


17 – 30 تموز ... (1)

جعفر المظفر

2020 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن الحديث عن 17 تموز دون الحديث عن نظام أو فترة عبدالرحمن عارف. لمن عرف الرجل بشكل مباشر أو قرأ عنه سيقول حتما أنه كان من أفضل الرجال بمقياس الخير الذي فيه قياسا بالحكام الذين سبقوه أو الذين لحقوه.
وتحضرني بهذا الشان أسئلة عدة
أولها .. هل سقط الرجل بسبب طيبته المفرطة أو بسبب مؤامرة كانت على الأرجح كما قيل أمريكية الحياكة وبتنفيذ عملاء كان في مقدمتهم رجال من أمثال عبدالرزاق النايف وناصر الحاني.
(2) هل أن الحركة التي أطاحت بنظام عبدالرحمن عارف قد خطط لها البعث ثم إندس عليها عبدالرزاق النايف وذلك قبل شهر من قيامها في 17 تموز وذلك كما روى صدام حسين, أم أن العكس هو الصحيح, اي أن عبدالرزاق النايف هو الذي خطط للحركة مستعينا بالبعث.
ولماذا حبك صدام قصة الإندساس المزعومة, وما الذي قاله لي رجب عبدالمجيد سكرتير تنظيم الضباط الأحرار, وهو التنظيم الذي خطط لإسقاط النظام الملكي, ثم دعي أيضا للمشاركة في إنقلاب تموز الثاني, وذلك في معرض تصحيحه لهذه المعلومة المفصلية.
(3) ما الذي حدث بين 17 تموز والثلاثين منه ؟
حين نبدأ الإجابة الأولى سنتعرف على حقيقة أن هناك من يقول أن عبدالرحمن عارف قد سقط نتيجة سياسته النفطية بعد تشريعه للقانون 97 الذي أراد من خلاله التعاون بموجب إتفاقات وطنية مع شركة إيراب الفرنسية للتنقيب عن النفط في الأراضي غير الخاضعة لإتفاقات نفطية سابقة, ومستندا بذلك على قانون (80) الذي كان شرعه عبدالكريم قاسم والذي قيل أن قاسم ذهب أيضا ضحية لتشريعه.
إنه التعويم والتبسيط واللجوء إلى نظرية المؤامرة لتفسير سقوط الأنظمة بدون مراعاة ضرورة الوقوف أمام جملة العوامل الآخرى وأهمها الذاتية التي قد تكون رخوة إلى حد لا يسمح لا يسمح للنظام بالمقاومة والإستمرار.
بالنسبة إلى عارف, نعم كان الرجل طيبا حتى بشهادة خصومه. وفي مطلق الأحوال يعتقد الجميع بأن الطيبة هنا هي خصلة حميدة, وأنا أرى أنها كذلك حينما نتحدث عن أي شخص من العامة وليس عن رئيس لبلد كان حُكما على رئيسه أن يرقص مع الأفاعي وينام مع الذئاب.
طيبة الرئيس يجب أن تكون طيبة محروسة بالقوة المستندة على العدل والبطش بالظالم. لوحدها تكون الطيبة معادلة للتراخي والغفلة, وهو تراخي محتكم على حسن النوايا بدون تفحص وحساب وتوجس.
إن طيبة الرئيس وحدها لن تمكنه على حراسة الأمانة المكلف بها, وحينما تكون الأمانة بحجم وطن فإن الطيبة هنا تصبح قاتلة, والفرق بين عبدالرحمن عارف وصدام أن الأول كان طيبا أكثر من اللازم والثاني كان قمعيا أكثر من اللازم.

في زمن عبدالرحمن عارف كان هناك إنقسام سياسي موروث من الحكام الذين سبقوه, وكان البعض يكره البعض ويتربص به, الشيوعيون يكرهون بعثيي العراق لجرائمهم ضدهم في 8 شباط والبعثيون العراقيون يسمون شباط عروس الثورات, وهؤلاء أيضا أعداء أشداء للجناح البعثي العراقي المؤيد لقيادة السوري صلاح جديد الذي إنشق وإنقلب على القيادة القومية العفلقية, والقوميون بينهم وبين البعثيين خلافات ومعارك لأنهم شاركوا عبدالسلام عارف إنقلابه لإسقاط نظامهم في تشرين عام 1963.
وإذا دخلنا إلى الساحة من خلال نظرية المؤامرة (وهو أمر ليس كله خطأ) فسنقول أن العراق الغني, ليس بمورده النفطي فقط, وإنما أيضا بموقعه الإستراتيجي كقوة إقليمية مقررة, غير مسموح له أن يكون لقمة سهلة في فم أية قوة سياسية مناوئة للغرب.
حينها كان مقدرا أن يأتي الشيوعيون ويكون العراق حليفا أو تابعا للمعسكر السوفيتي.
وقد تأتي مجموعة السوريين ويكون العراق في جيب صلاح جديد ومجموعته المنشقة على حزب عفلق والحاكمة في سوريا ويكون هناك إحتمال لتقارب وحتى وحدة سورية عراقية.
وقد يأتي القوميون من مجاميع فؤاد الركابي وصبحي عبدالحميد ويكون العراق بإمرة جمال عبدالناصر. ومعنى ذلك أن تتغير إلى حد كبير موازين القوى وساحات القرار.
لا مكان للطيبة في السياسة وخاصة في بلد كالعراق. الحاكم الطيب هو حاكم ضعيف. ليس معنى ذلك أن يكون السياسي بدون قلب وإنما عليه أن يكون بقلبٍ وعقلٍ وكتفين. والقوة ليس أن تَقتل وتَقتل. ليس أن تخيف الناس ليطيعوك حتى على الباطل. السياسة هي قوة عقل قبل أن تكون قوة أكتاف. وفي المرحلتين السابقتين كان قدر العراق أن يحكمه رجلان, أحدهما حاكمٌ عقله في قلبه هو عبدالرحمن عارف, وثانيهما حاكم عقله في كتفيه وهو صدام حسين.
ولكي نكون منصفين, فإن علينا أن تنذكر عن الرجل الطيب عبدالرحمن عارف أنه لم يكن متمسكا بالحكم بل لعله أراد أن يريح ويرتاح ويجلس بعيدا في بيته مع دشداشته وجهاز الراديو الترانسيستر بعد أن يسلم الحكم بصيغة ظنّها ستتكفل بقيام جبهة وطنية أهم أهدافها أن تحقق السلم الإجتماعي والإستقرار الذي يخلق النهضة. وربما كان قد خطط أن يذهب بعدها إلى الراحة متقاعدا من الوظيفة والسياسة, ولذلك قام بدعوة العديد من الأحزاب السياسية, ما عدا الشيوعين, إلى ما سمي وقتها إجتماعات القصر, وحضر تلك الإجتماعات حزب البعث تنظيم عفلق وحزب البعث تنظيم صلاح جديد ومجموعات القوميين والناصريين, وذلك من أجل الإتفاق على صيغة حكم جبهوية للخروج من مأزق الحكم.
لكن هؤلاء إختلفوا منذ أول لحظة, وحتى أن مجموعة البكر تضاربت مع مجموعة سوريا بالكراسي, وإنفض الإجتماع دون نتيجة, وراح كل واحد منهم يفكر بالإستيلاء على الحكم قبل أن يسبقه الآخر حتى لا يصير عرضة للتنكيل, فلقد كانت الجائزة الأولى أن تسرع للإستيلاء على السلطة قبل أن يستلمها خصمك حتى لا يعلن الحرب عليك. والسياسي العراقي حينها لم يكن يقبل الحلول الوسطى ولم يكن له حق الإختيار إلا بين أن يَقتل أو أن يُقتل.

الواقع إن أقرب الناس إلى الرئيس من حراسه الأمنيين والعسكريين هم الذين تآمروا عليه أما حزب البعث فقد شاركهم الإنقلاب. كان لدى هؤلاء كل شيء, بل لعل الثلاثة الذين إنقلبوا على الرئيس كانوا هم الرئيس لأن السلطة الفعلية كانت بأيديهم: الثلاثي الإنقلابي : إبراهيم الداود قائد الحرس الجمهوري وعبدالرزاق النايف معاون رئيس الإستخبارات وسعدون غيدان قائد كتيبة دبابات القصر. هؤلاء الثلاثة الأمنيين الكبارهم من غدر بالرئيس الطيب وهم أبطال الإنقلاب الحقيقيين.
لكن المسألة يجب أن لا نبسطها بإستعمال كلمة الغدر لأن هذه الكلمة أضيق من ترتدي سترة الإنقلاب. هنا, مع 17 تموز,علينا أن نبحث عن عاملين إثنين أولهما المصلحة الذاتية, والثلاثة الذين صنعوا الإنقلاب كانوا يخافون على أنفسهم ومواقعهم من إنقلاب قد يطيح بالرئيس الطيب ويكونوا هم الضحية أيضا.
بالمُفيد كان دافعهم إلى الإنقلاب هوالخوف من إنقلاب آخر, وقد يوصف إنقلابهم على أساس كونه إنقلابا إحتراسيا إستباقيا لغرض قطع الطريق على انقلاب أخر تقوم به هذه الجهة أو تلك لإزاحة الرئيس الطيب.
الطرف الثاني هو الدولي والأمريكي بالذات. أكثر الإتهامات تؤشر نحو عبدالرزاق النايف وتصفه بالعميل ثم كان هناك ناصر الحاني وزير خارجية النايف المتهم بكونه الطرف الوسيط مع الأمريكان الذين أرادوا اللحاق بالسلطة لكي لا تذهب إلى أعدائهم الإستراتيجيين والعقائديين, شيوعيين كانوا أم بعثيين أم قوميين, فتتغير بالتالي موازيين القوى وموازيين الرؤوس فيذهب النظام وتطير الرؤوس.
ولعل كل ما ورد في التخريجة التي تتهم الحاني والنايف بالعمالة قد يكون من ضمن التخريجات التي غالبا ما كانت تستعمل ضد الخصوم للفوز عليهم بالضربة القاضية في الدقيقة الأولى من الجولة الأولى, فالبعثيون أيضا كانوا متهمين بأنهم (جاءوا بقطار أمريكي). وحتى ثورة اكتوبر الشيوعية الروسية فهي لم تسلم أيضا إذ إتهمها كاتب عراقي بأنها من صنع القوى الصهيونية العالمية ربما لإعتفاده أن كل يهودي هو صهيوني. وبما أن ماركس نفسه كان من أصل يهودي (ولا يشفع له أنه كان ملحدا) وبما أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كانت قد ضمت يهودا روس فإن الإتحاد السوفيتي والثورة الروسية قبله كانت من صنع إمبريالي صهيوني.
وأنا هنا لا أنوي إسقاط هذه التهمة عن النايف أو الحاني, غير أني أتمنى لو أن أحدا دلني على وثيقة تؤكد ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص