الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الرفض ...الصلة التقريبية بين الشعر والدين

محمد الحافظ

2006 / 7 / 11
الادب والفن


*مدخل

لدراسة الدين وعلاقاته بالموجودات، علينا إن ننحو منحى حيادياً متجردا من الانحيازية والعصبية وبعيداً عن التطرف في التفكير وإدلاء الرأي من أجل السعي لتحقيق هدفنا في هذه الدراسة فالاختلاف بالآراء وبناء أيدلوجية خاصة اتسمت بخصائص ( موضوعية )أسست إلى فيما بعد جدلية أزلية ارتكزت على موضوعة الرفض وما يدخل في هذا الباب أو حتى الاقتراب منه يصنف ضمناً أو مطلقاً في التشريع من المحرمات وعدم الجواز ، أي بني الدين على ما سبقه من موجودات لهاأثرهافي نفوس الخاصة والعامة من الناس وعلى أساس الفعل ورد الفعل ، فبقدر ما للشعر من قوة فعلٍ حركية تدار من خلاله عجلة المجتمعات بقدر ما جاء به الدين بالمقابل لعملية التحريم إلا ما قيل ضمن اطر وضعها الدين حسب معطيات الظرف ، جدلية الرفض هذه هي بالا حرى صراع تكتيكي مرحلي وضعت له المنطلقات ودرست منعطفاته برؤية متبصر وما يؤول أليه الأمر ، قبل الاجهار بالدعوة وما مقدار الاستجابة لدى المجتمعات ومديات التقبل والنفور لديها . ما
للشعر عند العرب ما قبل الإسلام منزلة خاصة وكبيرة جدا بحيث إذا ولد شاعر في قبيلة ما كان ذلك اليوم عرسا يحتفي به وتدق له الطبول وتقام على شرفه حلقات الرقص والغناء . وتفاخر به القبائل الأخر،فالشعرهوتأريخ القبيلة وسجل حافل بمفاخرها من غزوات ومعارك وانتصارات .وفي عصر نزول الرسالة أصبحت المتغيرات في المجتمع الإسلامي من ضروريات المرحلة لما أتى به الإسلام من تعاليم جديدة .وضعت المجتمع والفرد في اطر معينة والخروج عنها يعني الارتداد إلى عصر الجهل والكفر فيفسق عندها ويرجم أو يقتل من حاول الإفلات والخروج عليها ،ولهذا نرى إن الشعر ولأهميته ودوره الكبير في القبيلة سوف يؤثر سلبا إن لم يساير ركب الدعوة الإسلامية .حاول الإسلام إن يضع صيغا ًجديدة يحد بها من سيطرة الشعر والسحر على نفوس وعقلية الناس آنذاك .فنراه يحرم السحر ويكفر الذين يعملون به ،كما ويفسق الشعراء ، إلا مَن وضع شعره لخدمة الإسلام والمسلمين .ومثلما نصب الدين العداء إلى السحر ، أخذ يحارب الشعر أيضا ولكن باستثناءات معينة كما اشرنا قبل قليل.فالعداء بين الدين والسحر هو ذات العداء مابين الدين والشعر.
وان نظرنا اليهما بنظرة علمية متجردة من الميول العاطفي لرأينا هذا العداء هو الذي يجمع بينهما وذلك للظواهر الطبيعية ذات المنبع الواحد مثل (الوحي أو الاستبطان في الدين والجن في السحر و الإلهام أو الشيطان في الشعر ،الحدس في الفلسفة ،الفناء والاتحاد في التصوف ).
وان عدنا إلى الاستبطان في مفهومه العلمي والفلسفي هو إن العقل البشري لا يدرك الظواهر والموجودات من خلال الحواس فقط بل يشرك الخيال في الإدراك
أي ما معناه إن ننظر اليهما نظرة باطنية .وهذا ما نجده في الفلسفة وعلم النفس
بموضوعة ( الشعور واللا شعور) .
الإنسان في نشأته الأولى من وجوده الحتمي على الكرة الأرضية وللظروف المحيطة به ولمعرفته البدائية بالموجودات وعدم سبر أغوار الكون داخله الخوف
وبالغريزة التي جبلت عليها فطرته ، اعتقد بقوى ما وراء الطبيعة تدير هذا الكون
وبما إن هذا الاعتقاد هو اعتقاد روحي لا غير . تطور تدريجيا ليصبح مصدرا لمعتقداته الدينية الأولى ، وقد اختلف الرسل والأنبياء في طرق تلقيهم الرسالة من الآلهة عن طريق الوحي .منها إما رؤيا في النوم ،أو بواسطة الملائكة ،أو غيرها من طرق الاتصال الأخرى . أما الفلاسفة فقد آثروا على توسيع دائرة الوحي وجعلوها أكثر شمولية ،أي أصبح عندهم( حالة من الاتصال بين النفس الإنسانية والنفس الملائكية ) اتصالا معنويا ً يمنحها القدرة للسيطرة بها على الأفلاك وما تتضمنها من خوارق وحوادث . لندرك على أنها حقائق ثابتة تتمتع بها النفس البشرية ، ومن الإدراك الروحي هذا ، أن الفلاسفة لا يحجمون الوحي ويقصرونه على الرسل فحسب وإنما يتعداهم إلى آخرين ، وكما هو مأخوذ به عند الصوفية ،
يأخذنا القول الفصل في المدخل هذا من إن العلاقة بين الدين والشعر وماهيتها
تتأتى هذه العلاقة من اعتماد كل منهما على الروح والإلهام والتلقي والحدس . فالإنسان البدائي شخّص الموجودات المحيطة به والحوادث الطبيعية منها والغير طبيعية ، أي جعل لكل منها روحا ًوأضفى عليها ديناميكية الحركة والقوة بتغيير الواقع قبل إن يتصورها مجرد موجودات جامدة . وهذه الروحانية هي ما أكد عليه ( ول ديورانت) في كتابه قصة الحضارة ( إن ما في الدين من شعر وما في الشعر من دين )* .
ففي بلاد وادي الرافدين وبلاد النيل كان الوعاظ والكهنة هم السباقين لنظم الشعر
وتنغيم الكلام وذلك من خلال التراتيل الدينية وما تحمله من رقى ومواعظ .
وإما ما جاء في ألواح السومرية ، فقد عثر على لوح صغير يحمل قصيدة تتألف من مقاطع عديدة تغني الجمال والحب قبل حوالي أربع آلاف سنة وتلك هي أقدم اغنيةحب كتبها إنسان في تأريخ البشرية ، كانت هذه الأغنية ترتل عند أجراء المراسم الدينية اللازمة في الزواج المقدس .كان السومريون يعتقدون إن على الحاكم واجبا مقدسا يقضي بزواجه سنويا من أحدى الكاهنات اللائي نذرن أنفسهن لأنآنا آلهة الحب والخصب ليتحقق كثرة الإنتاج ووفرة النسل .وجاءت القصيدة مترجمة في كتاب ( التأريخ يبدأ من سومر )* للعالم س .ن . كر يمر ،أذكر منها ما يخص بحثنا .وهذا هو آخر مقطع منها
أيها الأسد ، اغف في بيتنا حتى الفجر .
مادمت تحبني ،
فضمني أليك ،
يا شوـــ سن الذي ملأ قلب انليل غبطة ،
ضمني أليك.
انليل هو كبير آلهة سومر
والأغنية هي لأنآنا (عشتا ر البابلية ) . وهذا ما يؤكد لنا إن الشعر هو وليد الدين وقد جايله منذ لحظاته الأولى ،فهو لصيق الكهانة والسحر كما هو حاله مع الدين وما يتصل بها من أمور التنبؤ ،الشعراء عادة ميالون بطبيعتهم إلى الحلم والاستغراق والتفكير المزمن مما حدا بالآخرين بوصفهم بقوة الإلهام والتنبؤ بالغيب .
كان العبريون يطلقون على الشاعر والنبي كلمة واحدة تدل عليهما معا ،
أما اليونان فيطلقون على الشاعر كلمة خالق ، وقد خلط العرب في بداية ظهور الإسلام بين النبي والشاعر فقالوا على النبي شاعرا أحيانا وكاهنا ً تارة .
وهكذا نرى كيف يتشبه الشاعر بالنبي حتى اختلط على مشركي قريش من عدم
التمييز بين الوحي وبين ما كان شائعا بينهم من تنزل الشياطين على الشعراء
لأن الشعراء العرب كانوا يعتقدون إن لكل شاعر شيطان ينفث فيه الشعر . وهذا
ما أشار أليه الشاعر الجاهلي امرؤ القيس في قوله:
تخبرني الجن أشعارها فما شئت من شعرهن اصطفيت
والعرب من المشركين لم يربطوا بين كلام الوحي وبين الشعر والكهانة فحسب
بل ربطوا بينه وبين السحر في الكثير من الآيات المنزلة والأحاديث التي تروى عن النبي . وكذلك ربطوا بينه وبين الحلم أيضا .
ويستنتج( مرجليوث )* إن بعض الكهنة من العرب كانوا يعرفون بالشعراء قبل الإسلام ، كما إن لغتهم غامضة ومبهمة كما هو شأن لغة الوحي .
وقد أكد ( ماكدونالد)* إن الكاهن والمجنون والشاعر والساحر وثيقي الصلة ببعضهم بحكم كونهم همزة الوصل بين عالم الروح وعالمنا هذا .
كان ينظر في البدء إلى الدين شأنه شأن السحر والكهانة والشعر . إلا انه أي الدين له رؤى وتصورات عن الطبيعة والوجود ،تضفي على الإنسان الطمأنينة وهدوء النفس بعيدا عن شبح القلق والخوف ، ولتكون صلته بالطبيعة وما فيها من مخلوقات مبنية على المعرفة الضمنية ومثبتة بقوانين التآلف والوئام لا يشوبها الخوف و العجز ،وما إن أخذ التطور يصب في جميع مرافق الحياة اليومية والحضارة تفرض سماتها على الإنسان ، بدا اقل إلحاحا من ذي قبل لحاجته بمعتقداته السابقة وذلك لبطلان الكثير من نزعاته وتصوراته عن الوجود وبالوجود
بالرغم من انه ظل عاجزا عن التحكم بمصيره كليا ،وقد جاء في ( الشعر الصوفي )
للأستاذ عدنان حسين العوادي ...، مفاده
لقد أغرت الاكتشافات الجديدة الإنسان بالتغاضي عن المشاكل الأساسية والذي ما زال يعاني منها كالهرم والموت والكوارث الطبيعية ، ومن جراء ذلك غدت علاقة الإنسان بالطبيعة علاقة ( مزدوجة ) . وتبعا للاستقرار الذي إصابته المجتمعات الإنسانية تركز ميولها على تنظيم خبراتها المتراكمة والتي حصلت عليها من البحث والتقصي ،وبذلك حان الوقت لنشوء بدايات ( الفلسفة ) التي تخلع على هذه الخبرات منطقها العقلي وقد غدت تصورات الإنسان للطبيعة أكثر وضوحا وقربا من الواقع وبالرغم إن الوضوح يدفعه للتقدم أسرع ، إلا انه بالمقابل أضاف على علاقاته الحياتية ضربا من عدم التوازن. مصدره الصراع الفكري و الأيمان المطلق بالوجود وبالمخلوقات وبالكون وبنشأته . وبذلك ظهرت شيعا ً ومذاهب وطرق ،
كل منها تحدد علاقتها بالموجودات وبالخالق حسب قواعد وضعها مشايخهم ،سار عليها من بعدهم كل من اعتنقها سرا ً وعلانية ، وكان للشعر فيها القدح المعلى
فكان المتنفس والأفق الواسع لفلسفاتهم و انتشارها . وها هو الشيخ الأكبر للصوفية محي الدين بن عربي يقدم لنا في ديوانه ( ترجمان الأشواق ) أبياتا يظهر فيها فلسفته وإيمانه بوحدة الأديان ، وذلك من خلال قبوله للأديان السماوية كالنصرانية واليهودية وغيراهما مما سبقت الإسلام قبولا نابعا من وجه نظر معينة تتفق مع ما جاء في بعض المواطن في القرآن الكريم. ( تأويل الشعر وفلسفته عند الصوفية ) للكاتب الأستاذ أمين يوسف عودة .
يقول ابن عربي :
لقد صار قلبي قابلا ًكل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبـــــة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه فالدين ديني وإيماني

ويقول النفري في مخاطبة رقم ( 5)
سقط الحرف وهدمت الدنيا الآخرة وأحترق الكون كله وبدا الرب فلم يقم له شيء فلولا أنه بدا بما أحتجب وأحتجب بما بدا لما بقي شيء ولا فنى شيء ،ولو بدا بما بدا لا بدا أبدية على ما له بدا ،ولم احتجب بما احتجب لما عرفه قلب ولا جرى ذكره على الخليقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس